خيبة أمل السلطة وأبواقها: انسحاب الاحتلال من محور نتساريم
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
تمر السلطة الفلسطينية ومن يدور في فلكها بمرحلة من الخيبة العميقة، بعد أن سقطت رهاناتهم على تبدد المقاومة في غزة، ليتبدى لهم واقع مغاير لما تمنوه. فبرغم المحن الجسيمة والآلام التي أنهكت القطاع، شهدت غزة تحولات كبرى قلبت الموازين. كان البعض ممن يؤمنون بالمفاوضات والتنسيق الأمني يعوِّلون على أن غزة لن تقوى على الصمود، وأن السلطة ستبسط نفوذها على القطاع مستندة إلى قوة الاحتلال.
في هذا السياق، يتضح أن ما سُمِّي بـ"إبادة القرن" لم يكن مجرد مواجهة عسكرية، بل صراعا طويل الأمد، خصوصا في شمال غزة، حيث تعثرت حسابات الاحتلال في تحقيق أهدافه المرسومة. وعلى الرغم من الحشد العسكري الضخم، أخفقت محاولاته في فرض واقع جديد يُعيد غزة إلى ما قبل عام 2005. لقد كان الثمن باهظا، لكن غزة استطاعت أن تقلب الطاولة، وأن تجعل وقف إطلاق النار اعترافا صريحا بكلفة العدوان، لا منّة من أحد.
إن ما جرى في شمال غزة لا ينبغي أن يمر مرور الكرام، فهو معركة حملت أبعادا وطنية وعربية ودولية. لم يكن الصراع مجرد دفاع عن غزة، بل كان دفاعا عن روح فلسطين بأكملها. فمحور نتساريم، الذي حاول الاحتلال جعله فاصلا جغرافيا بين شمال القطاع وجنوبه، تحول إلى شاهد على فشل المخططات الإسرائيلية. لقد دفع الاحتلال ثمنا فادحا، رغم محاولات الإعلام الإسرائيلي إظهار انسحابه من نتساريم على أنه مجرد خطوة تكتيكية. غير أن الواقع لا يكذب، فهذه النكسة العسكرية تعكس ضعف الاحتلال أمام الإرادة الفلسطينية الصلبةوما كانت الدعاية الصهيونية تروِّجه عن نتساريم كـ"مستوطنة رئيسية"، ما هو إلا مثال آخر على سراب المشاريع الاستعمارية التي لم تستطع الصمود أمام إرادة أصحاب الأرض.
لقد دفع الاحتلال ثمنا فادحا، رغم محاولات الإعلام الإسرائيلي إظهار انسحابه من نتساريم على أنه مجرد خطوة تكتيكية. غير أن الواقع لا يكذب، فهذه النكسة العسكرية تعكس ضعف الاحتلال أمام الإرادة الفلسطينية الصلبة.
اليوم، وبعد أن سقطت رهانات الاحتلال، يبرز دور كل الأحرار في العالم في الوقوف إلى جانب غزة وأهلها في هذه المرحلة المفصلية. فمساندة الفلسطينيين، سواء في الشمال أو الجنوب، ليست مجرد واجب وطني، بل هي مسؤولية إنسانية وأخلاقية تتجاوز الحدود. علينا أن نكثف الجهود، بكل الوسائل الممكنة، لمداواة الجراح وتخفيف المعاناة. فغزة لم تعد مجرد بقعة على الخارطة، بل باتت رمزا عالميا للصمود في وجه العدوان، وشهادة على قدرة الشعوب على فرض إرادتها رغم كل التحديات.
وفي المحصلة، فإن هذا الصمود الاستثنائي، رغم فداحة التضحيات، يشكل علامة فارقة في مسيرة النضال الفلسطيني. والتاريخ يُكتب اليوم، فليختر كلٌّ منا الموقع الذي يريد أن يُذكر فيه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة غزة الصمود الاحتلال نتساريم احتلال مقاومة غزة صمود نتساريم مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يفشل في تبرير حربه على غزة أمام العالم.. رواية تل أبيب تنهار
في قلب الحرب على غزة، لا تزال هشاشة جهاز الدعاية الرسمي للاحتلال الإسرائيلي، المعروف بـ"الهاسبارا"، تتكشف بشكل متزايد، إذ يتعرّض اليوم لانتقادات حادة داخلية وخارجية، بعد أن فشل في بناء سرد واضح ومتماسك، رغم ميزانيات ضخمة واحتراف مواقع وعلاقات عامة.
ونشر مؤخرًا تقرير عبر موقع "واللا" العبري، وصف الواقع الإعلامي بأنه فشل متكرر ومقصود، لأن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تعد تسعى لتبرير موقفها أخلاقيا، بل صار يقال فقط إنها "لم تقصد السيء"، وفي اللحظة التي يلتزم فيها مسؤولون بالإجابات الواقعية، يقف آخرون صامتين، تاركين الجمهور يملأ الفراغ بروايات بديلة.
وأضاف التقرير أنه خلال الأسبوع الماضي، أعاد الإعلام العبري بث مقابلة قيادية مع وزير الثقافة، عميحاي إلياهو، عبر قناة بريطانية شهيرة، بدا فيها الوزير مرتبكا ومترددا في الإجابة عن أسئلة بسيطة مثل: "ما الذي تفعلونه في غزة؟" و"لماذا يبدو كل شيء بهذا السوء؟"، في مشهد قيل إنه: "يشبه طالبا كاذبا أمام معلم عربي".
واعتبرت تصريحات إلياهو تصعيدا تحريضيا مثل قوله إنّ "كل غزة ستكون يهودية"، وإنه "لا يجب أن يهتم أحد بجوع سكان غزة"، حيث باتت تُترجم أثناء دقائق، فتنتشر في الإنترنت وتُستخدم كأدلة رسمية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي لدى المنظمات الدولية.
إلى ذلك، طالت الانتقادات وزيرة الإعلام السابقة، غاليت ديستيل، التي استقالت بعد أيام من اندلاع الحرب، تقول إنها كانت دون سلطة كافية ولا ميزانية، ولم تستطع مواجهة خطاب التصعيد، ثم في مقابلة اعتذرت عن التحريض لكنها صوّتت لاحقًا لصالح الحكومة نفسها.
وكشف الموقع أن هناك محاولة مضنية لرد المعارك الرقمية، حيث قال خبراء مثل مايكل أورين وأستاذات العلاقات، إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تعتمد رسائل معقدة لا تؤثر في العالم المنشغل بالمشاعر، وأدركت أن المعركة الإعلامية الجديدة هي في الأساس "حرب غير تقليدية للرأي العام"، لكن بدون قيادة واضحة أو أدوات فعالة.
كما كشفت خروقات بالغة في ممارسة الهاسبارا الرقمية، مثل روبوتات دعائية تعمل آليًا ثم تصدر محتوى مناهضًا لجيش الاحتلال الإسرائيلي نفسه، وهو ما أبرز فشل الأدوات في السيطرة على السرد الإعلامي.
واختتم التقرير بالقول إنّ: "الإعلام الرسمي الإسرائيلي لم يعد قادرا على احتواء المشهد، خاصة عندما يتصادم إفراط التصريحات مع غياب استراتيجية متماسكة، ومع تضخيم الميديا الغربية لقضايا إنسانية".
في ظل هذا التآكل المستمر للثقة، يبدو أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة، فقد بات فشل الهاسبارا ليس مجرد تهديد سياسي، بل جزءًا من أزمة شرعية كبيرة تواجهها دولة الاحتلال الإسرائيلي في ساحات العدالة الدولية والرأي العام العالمي.