أكبر عمليات نزوح جماعي قسري بالضفة منذ نحو 8 عقود
تاريخ النشر: 10th, February 2025 GMT
بعيدا عن الدار والحي الذي وُلد وترعرع فيه، يقضي الشاب فراس أبو سعدي يومه الـ14 على التوالي مشردا خارج مخيم طولكرم للاجئين الفلسطينيين شمال الضفة الغربية الذي يواجه اجتياحا إسرائيليا متواصلا، ويعيث الاحتلال به فسادا ودمارا، ويلاحق سكانه تشريدا وتهجيرا.
وكغيره نزح أبو سعدي عند شقيقته المتزوجة في ضاحية ذنابة القريبة من المخيم ومعه عائلته المكونة من 9 أفراد بينهم أمه المسنة وأطفال صغار، تركوا منزلهم على وقع تنكيل جنود الاحتلال بهم، وهدم جرافاته العسكرية المجنزرة للمنازل وتجريفها للشوارع.
وحمل معه ما خف وزنه وزادت أهميته من أوراق ثبوتية وغيرها، إضافة إلى القليل من ملابسهم، فالاقتحام كان مفاجئا وسريعا وعنيفا، وبالكاد نجوا بأرواحهم من بين أزيز رصاص الاحتلال وحصاره.
على غرار نكبة 1948 ونكسة 1967، غادر آلاف الفلسطينيين قسرا وبفعل عملية "السور الحديدي" التي يشنها جيش الاحتلال، مساكنهم بمخيمات اللجوء في مدن جنين وطولكرم وطوباس، عبر أكبر عمليات نزوح لم تشهد مثلها الضفة منذ 5 عقود.
ووُصف النزوح هذه المرة بأنه الأخطر والأشد عنفا وقسوة من بين عمليات تهجير كثيرة رافقت اجتياحات الاحتلال السابقة لمخيمات شمال الضفة (جنين وطولكرم والفارعة) منذ الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث مارس فيه الاحتلال "إرهابا مطلقا" ضد الأهالي وأجبرهم على الخروج من منازلهم بعد اقتحامها وهدمها.
ونزح الفلسطينيون فرادى وجماعات من منازلهم التي دمرها الاحتلال إلى وجهات معروفة لدى بعضهم، من بيوت الأقارب والأصدقاء، فيما لجأ آخرون إلى مراكز إيواء كالمساجد والنوادي والمدارس.
ومنهم من فر إلى السهول والجبال ونصب فيها خيما، وسط معاناة مركبة في قلة الطعام والشراب وفقد الاحتياجات والخصوصية أيضا، إضافة إلى الخوف والإرهاب الذي يمارسه جنود الاحتلال ضدهم.
إعلانوليس هذا النزوح الأول لدى أبو سعدي (31 عاما) وعائلته، فمع كل اجتياح يتركون منزلهم ثم يعودون إليه رغم العبث والتخريب، لكن هذه المرة يقول للجزيرة نت "كانت الأطول والأخطر، فقد نزحنا تحت بطش الاحتلال وانتهاكاته، وسط حصار مطبق يمنع أي تحرك بالمخيم".
ويؤرقهم هذا النزوح أكثر بفعل أوضاعهم الاقتصادية الصعبة، نظرا لانقطاعهم المستمر عن العمل بفعل الاقتحامات، وتدمير الاحتلال للمخيم ولمنشآته الاقتصادية التي تعد مصدر دخلهم الوحيد.
ويضيف أبو سعدي "شكّل النزوح عبئا ماديا ونفسيا واجتماعيا علينا وعلى مستضيفينا بفعل ضيق المكان، وانعدام فرص العمل، وطول مدة النزوح وغياب الأفق لأية عودة، إضافة لحجم الدمار الكبير الذي خلّفه الاحتلال بالمخيم".
مشهد قاسٍغير بعيد عن مخيم طولكرم، شهد مخيم نور شمس الذي امتدت إليه عملية "السور الحديدي"، فجر أمس الأحد، أشد وأقسى مشهد نزوح بعد أن بدأه الاحتلال بعمليات إعدام ميدانية للمواطنين الذين سارعوا للهروب، فقتل سيدتين وأصاب آخرين بجروح خطيرة.
وفي حارة المنشية وسط المخيم، استهدف رصاص الاحتلال الشاب يزن أبو شعلة وزوجته سندس شلبي بينما كانا يحاولان النزوح عبر مركبتهما خارج المخيم، فارتقت شهيدة هي وجنينها الحامل به في الشهر الثامن، وأصيب يزن بجروح حرجة.
يقول محمد ضميري الناشط في إيواء النازحين بمخيم طولكرم إن خطر النزوح هذه المرة يكمن في إجبار الاحتلال الأهالي عنوة على الخروج من منازلهم، ومعاقبة والتنكيل بكل من يخالف ذلك، "ولذلك هناك كثيرون غادروا بملابسهم فقط، وهو ما جعلهم يعانون في نزوحهم".
وفي مخيم طولكرم الذي نزح حوالي 90% من سكانه، أقيمت 6 مراكز إيواء لمن لم يجد مكانا يلجأ إليه، وافتتحت المساجد والمدارس والنوادي والمراكز الصحية العامة لاستقبال النازحين، وأغلقت أبوابها أمام روادها الطبيعيين من الطلبة والموظفين والمرضى.
ويضيف ضميري للجزيرة نت "عانى النازحون من عدم توفر متطلباتهم، وما يقدم هو الضروري جدا، لأن ذلك يعتمد على التبرعات وما تقدمه المؤسسات الحكومية والأهلية، وهو شحيح مقابل ضخامة الاحتياج".
إعلانوأدت عملية "السور الحديدي" المتواصلة منذ 21 يناير/كانون الثاني الماضي، حسب تقديرات الجهات المختصة في المخيمات المستهدَفة، إلى استشهاد 44 فلسطينيا واعتقال العشرات، وإلى تهجير أكثر من 90% من سكان مخيمي جنين وطولكرم، وعشرات الأسر في مخيمي الفارعة ونور شمس بعد تدمير مئات المنازل فيهما بشكل كلي وجزئي.
وتعطلت الحياة في المخيمات التي يجتاحها الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، وكذلك المناطق القريبة منها، فأُغلقت المدارس والمراكز الطبية، وأعيق تنقل الموظفين.
وليس الحال أفضل بمخيم الفارعة شمال الضفة الغربية الذي يشهد لليوم الثامن على التوالي اقتحام جيش الاحتلال، وسط حصار مطبق وقطع لكل عوامل الصمود من غذاء وماء وكهرباء واتصالات، وتدمير كامل للبنية التحتية وعمليات اقتحام المنازل وإرهاب أهلها.
وعاش المخيم، السبت الماضي، أكبر عملية نزوح جماعي قسري بعد أن أجبر جيش الاحتلال عشرات العائلات على مغادرة منازلها تحت تهديد السلاح، وتحويلها ثكنات عسكرية ومراكز تحقيق ميدانية.
يقول باسل منصور أحد قيادات المخيم للجزيرة نت إن الاحتلال هجَّر أكثر من 40 أسرة من منازلها بعد اقتحامها والضغط على أصحابها، نحو ملعب رياضي للمخيم، ومن ثم نزحوا إلى مدينة طوباس وما زالوا هناك.
كما شهدت بلدة طمون القريبة من مخيم الفارعة أول عملية نزوح جماعي بين القرى الفلسطينية، بعد اقتحام وحصار إسرائيلي مشدد لأسبوع كامل، حيث تعمّد الجيش الإسرائيلي ترحيل المواطنين بعد احتلال منازلهم، وتحويلها ثكنات عسكرية.
واستطاعت السيدة "أم هاني" وأبناؤها الـ10 -بعد محاولات كثيرة- النزوح من مخيم جنين إلى أقارب لهم في بلدة طمون، لتجد نفسها أمام نزوح ثانٍ بعد اقتحام الجنود البلدة، ثم النزوح مرة ثالثة إلى إحدى قرى جنين الشرقية وسط معاناة كبيرة، خاصة أن "من لجأت إليهم أصبحوا نازحين".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مخیم طولکرم بعد اقتحام
إقرأ أيضاً:
استشهاد مدير عمليات الدفاع المدني في غزة بقصف إسرائيلي لمنزله
أعلن جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في قطاع غزة، اليوم الأحد، عن استشهاد مدير إدارة العمليات فيه، أشرف أبو نار مع زوجته في قصف لقوات الاحتلال الإسرائيلي قد استهدف منزله المتواجد في مخيم النصيرات وسط القطاع المحاصر.
وقال الجهاز، عبر بيان له: "تنعي المديرية العامة للدفاع المدني استشهاد العقيد أشرف أبو نار مدير إدارة العمليات لديها في استهداف إسرائيلي مباشر داخل منزله، في مخيم النصيرات، واستشهاد زوجته أيضا".
وأضاف المصدر نفسه: "عمل العقيد أبو نار خلال السنوات الماضية مديرا لمحافظات غزة والوسطى وخان يونس في الدفاع المدني وأخيرا لإدارة العمليات، حيث كان من الضباط المنضبطين والمسؤولين الملتزمين في عملهم الإنساني والمهني".
تجدر الإشارة إلى أنه منذ فجر اليوم الأحد، فقط، استشهد 22 فلسطينيا على الأقل، جراء قصف جوي لقوات الاحتلال الإسرائيلي، استهدف مناطق متفرقة من قطاع غزة المحاصر.
وكان جهاز الدفاع المدني بغزة، قد أورد عبر بيان آخر، استشهاد طفلة و3 نساء باستهداف مجموعة ثانية في محيط مفترق السنافور بحي التفاح شمال شرقي مدينة غزة. وفي مدينة رفح جنوب القطاع، استشهد 7 فلسطينيين بينما أصيب أكثر من 60 آخرين، في قصف للاحتلال الإسرائيليي استهدف تجمعا لمدنيين غرب مدينة رفح جنوب القطاع.
وسبقه بفترة وجيزة، استشهد 5 فلسطينيين وأصيب 20 آخرين في قصف استهدف منزلا لعائلة "الشريف" شمال مدينة خان يونس، قبل أن يستشهد فلسطينيين آخرين من ذات القصف ليرتفع العدد إلى 7. فيما تتوالى استهدافات الاحتلال الإسرائيلي، وترتفع أرقام الشهداء، أمام مرأى العالم.
إلى ذلك، تتواصل الغارات الجوية المكثفة على قطاع غزة المحاصر، في إطار حرب الإبادة المتواصلة التي يشنّها جيش الاحتلال، ضاربا بها عرض الحائط كافة القوانين والموااثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، بينما تتفاقم الكارثة الإنسانية في ظل استمرار منع دخول الوقود وشح المساعدات، وسط تحذيرات من تصاعد خطر المجاعة.
وبدعم أمريكي مطلق، ترتكب دولة الاحتلال الإسرائيلي، منذ 20 شهرا كاملا، حرب إبادة جماعية على كامل الأهالي بقطاع غزة المحاصر، ما خلّف أكثر من 176 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.