الردة إلى منصة تسع وثمانين نقلا عن العربي الجديد
تاريخ النشر: 11th, February 2025 GMT
ن بين فرث هذا المخاض العسير المشرّب بالدم والدموع، يتخلّق جنين مشوه القسمات . من بين براثن العنف، الأنقاض و الحطام والغبار يتشكّل غدٌ غير مؤطر الأبعاد. تلك صورة يعتصرها ارتجاج الأحداث داخل رحم المشهد السوداني الراهن.خارطة الإقتتال تؤكد تقهقر الجنجويد أمام تقدم الجيش وحلفائه . لكن هذا التقدم إن رجّح موازين القوى لصالح الجيش فإنه لا يُطمئن بنهاية القتال .
*****
حتما يطول الجدل من المنظور العسكري في شأن الاستراتيجية والتكتيك من حيث النجاح والإخفاق .فمما لاشك فيه إرتكاب قادة الجيش خطايا فادحة فيما يتصل بتقدير المواقف إزاء بناء وتسعير الميليشيا .كما أن حماقات الجنجويد دفعتهم إلى الانتشارعلى رقاع متباينة المسافات من الوطن. في سياق انتهاج تكتيك الإنهاك المتبادل أفلح الجنرالات في استنزاف الجنجويد . تلك ميزة منحت الجيش فرص التحشيد ، استجماع القوة ، استتفار الكتائب ،استزادة السلاح. بعدئذٍ أمسى الجيش قادرا على المبادأة والمباغتة. هكذا جاء تقدم الجيش مقابل انسحابات-هزائم -الجنجويد. لكن في غياب القدرة على الحسم النهائي تطول عذابات الشعب ويستمر التدمير .فلا يزال الرهان واهناً على مؤشر إلى سكون العمليات العسكرية.
*****
من الرؤية الفكرية لا يمتلك الجنجويد أيدلوجية أو عقيدة عسكرية تعززان مغامرته القتالية .لذلك ينطبق عليهم مقولة الجنرال الفيتنامي (إذا قاتل المرء من أجل النهب والاغتصاب فإنه يصاب بالانهاك إذا امتلات جعبته او شهوته) فما بالك إذا لم يعد يجد ما يُسلب أو يُغتصب. فهو حطام على ركام حطام يواجه مشقة في التزود بالزاد وربما بالذخيرة. فتباعد رقاع الانتشار ة أنهكت خطوط الإمداد. إبّان الحرب لاتوجد منطقة وسطى للفرجة. فكما أن نتائج الحرب لا تنحاز دائما لأصحاب الحق ، فلا مكان للحياد .الموقف من الحرب نفسها انحياز للحق أو الباطل ،الخير أو الشر .لكن الجلوس على شرفة الفرجة هو اصطفاف إلى جانب القوي.
*****
من الزاوية السياسية يصعب الرهان على بناء دولة خارجة من رماد هذه الحرب النتنة قادرة على بسط السلم الاجتماعي والاستقرار.أمّا مهام إعادة البناء وإطلاق التنمية فتتطلب شروطا وطنية ليست في الإمكان. مستهل الجدل في هذا الصدد يدور حول تركيبة الدولة الخارجة من تحت الأنقاض ومدى قدرتها على بسط سلطتها. فهل ينحصر سلطانها داخل المساحات المستردة- المحررة- من قبضة الجنجويد أم يرتهن إلى بلوغ انتصار شامل.؟ البحث عن إجابة شافية على هذا التساؤل يحدد أوان حلقة الجبهات المتنقلة والبؤر المتفجرة من مسلسل الحرب الحمقاء. كيفما جاءت الإجابة فالمؤشرات راسخة بإنتكاسة سياسية إلى منصة (تسع وثمانين).فنحن أمام خيار قسري تضع مقاليد الأمور بيدي سلطة أكثر شراسة في ممارسة العنف ضد الخصوم الفعليين والمحتملين. فعمليات القمع الوحشي ،المذابح الشنعاء ولقوائم قيد م يصنفون -متعاونين- تجسد بدايات حرب التصفيات.
*****
قدر القوى المدنية السياسية يضعها -وهي في أكثر حالاتها إنهاكا ، تجريفا و تفككا- في مواجهة قوى أشد عداوةً وتطرفاً من بنية دولة تسع وثمانين. فقوام هرم السلطة الخارجة من بين الأنقاض رجال وشباب مشرّبون بثقافة العنف من التبخيس،مرورا بالتنكيل انتهاءً إلى التقتيل. هذا جنين مشوه القسمات يعد له البرهان مهدا مفروشا بالإملاءات وأقمطة دموية. فمطالبة البرهان الساسة بالتبروء من (الجنجويدية) ليست فقط كشفا عن تشوهات الجنين . بل هي فتح الطريق أمام الردة إلى منصة تسع وثمانين وإملاء الشروط .البرهان بهذا النداء ينتزع حق الوصاية على الشعب و الدولة. هي محاولة يائسة للظهور في دور البطولة والهروب في الوقت نفسه من المساءلة.البرهان مطالب بالتطهُر من خطايا و آثام تفوق الحصر اغترفها في حق الشع و الدولة. لعل أحد تلك الآثام صناعة الجنجوجيد وتسمينهم . ثم جريمة الإنقلاب ، فعار ترك المدنيين مكشوفين أمام الذئاب .
*****
لئن تكن الحرب شرا فانها لاتلد إلا شروراً. الإستبداد هو أكثر مواليد الحرب شرورا.فهو المحرّض الأشرس على نشر وممارسة العنف باعتباره الوجه الظلامي الحقيقي للاستبداد. هذه ثقافة منصة تسع وثمانين ،صناعة العسكر والمتطرفين . تحت جُنح هذه الثقافة الآتية حتما لن يصمد من يرفع شعار المهاتما غاندي(نكسب معركتنا بقدر ما نقتل رغبة القتل داخل نفوسنا وليس بعدد ما نقتل من خصومنا) . فالساسة المدنيون لن يجدوا منصة يجأرون عليها بالقول (يمكن اصلاح حال البلد بالاحتجاج فقط لا بالاقتتال)لكنهم يواجهون عدوا يرفض التسليم ب( ألا انفصام بين الحرية والسلام). وقتئذٍ على حملة قبس التنوير انشاد مقولة الدرويش الفلسطيني(لا أعلم من باع الوطن لكنني رأيت من قبض الثمن )
لئن تكن الحرب شرا فانها لاتلد إلا شراً. الإستبداد هو أكثر مواليد الحرب شرورا. فهو المحرّض الأشرس على نشر وممارسة العنف باعتباره الوجه الظلامي الحقيقي للاستبداد. تحت جنح هذه الثقافة الآتية حتما لن يصمد من يرفع شعار المهاتما غاندي(نكسب معركتنا بقدر ما نقتل رغبة القتل داخل نفوسنا وليس بعدد ما نقتل من خصومنا) . فالساسة المدنيون لن يجدوا منصة يجأرون عليها بالقول (يمكن اصلاح حال البلد بالاحتجاج فقط لا بالاقتتال)لكنهم يواجهون عدوا يرفض التسليم ب( ألا انفصام بين الحرية والسلام). وقتئذٍ على حملة قبس التنوير انشاد مقولة الدرويش الفلسطيني(لا أعلم من باع الوطن لكنني رأيت من قبض الثمن )
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
تزايد معدلات العنف.. ما الحل؟
العنف أصبح ظاهرة يومية في مصر؛ لا يمر يوم إلا وتطالعنا الصحف والمواقع الإخبارية بحادثة عنف هنا أو هناك باختلاف أنواع تلك الحوادث والجرائم. والحديث هنا ينصب على العنف والإيذاء الجسدي الذي يصل حد القتل وإزهاق الأرواح. سواء كان عنفاً أسرياً، ضد الأطفال والنساء، أو حتى جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال التي تعد من أخطر وأشدّ صور العنف الإنساني. لأنه عنف متعدد المستويات؛ خليط من مختلف أنواع العنف والاعتداء، بدنياً وجنسياً ونفسياً، لذلك هو من أعلى درجات العنف المسجّلة عالميًا.
الإحصاءات والبيانات الخاصة بالعنف في مصر ــــ وتلك قضية كبرى ومهمة ــــ تشير إلى أن هناك زيادات واضحة في جرائم العنف خاصة ضد النساء في مصر خلال السنوات الأخيرة بمختلف أشكالها: قتل، تحرش، اغتصاب، وعنف أسري. القاهرة والجيزة من أكثر المحافظات التي تُسجّل فيها تلك الجرائم بحسب مرصد جرائم العنف ضد النساء والفتيات التابع لـمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، والذي يقول إن مصر سجلت خلال عام 2024 نحو 1195 جريمة عنف موجهة ضد نساء وفتيات في مصر. وأن من بين هذه الجرائم نحو 363 جريمة قتل، وفي تقرير نصف-سنوي صدر حديثًا في 2025 وثق المرصد 495 جريمة عنف ضد النساء والفتيات خلال النصف الأول من العام. ما يلفت الانتباه أن غالبية جرائم القتل في التقرير — حوالي 89.5٪ — ارتكبت من قبل أحد أفراد الأسرة أو شريك/زوج. و أن جرائم القتل ضد النساء في 2025 كادت تتجاوز مستويات 2024 رغم أن البيانات نصف سنوية فقط.
الإشكالية الكبرى هنا أننا بصدد ظاهرة مركبة؛ أخذه في التزايد والانتشار، لكن رغم ذلك، الرقم الرسمي لا يعكس كل الحالات، خصوصًا في ظل العنف غير المعلن أو غير المبلّغ عنه. ولا توجد — حتى الآن — بيانات رسمية شاملة أو دورية تُنشر لجمهور عام (على مستوى جميع أنواع الجريمة/العنف) تكفي لرسم صورة كاملة ودقيقة. و أن التقارير على مستوى المراصد والمراكز المستقلة تعتمد بشكل رئيسي على “ما تم الإبلاغ عنه واكتشافه، ونشره في الصحف، ما يعني أن عدد الحالات الحقيقية قد يكون أعلى بكثير مما يُسجَّل. في ظل غياب إحصائيات رسمية حديثة من جهات أمنية أو هيئة وطنية موثوقة، وغياب تحديثات دورية، يجعل من الصعب تقييم تطور الحالة على مستوى المجتمع بأكمله.
نحن في حاجة ملحة لإستراتيجية وطنية لمكافحة العنف بمختلف أنواعه وأشكاله، قائمة على مقاربة متعددة مستويات؛ تبدأ بمراجعة التشريعات القائمة وتغليظ العقوبات بها، وإذا ما كان هناك حاجة لتشريعات جديدة. ثم إنشاء نيابات متخصصة للعنف الأسري. من أجل تحقيق ردع مباشر، وتقليل الجرائم قبل وقوعها. المستوى الثاني من تلك المقاربة يتعلق بالوعي والتوعية وهنا دور الإعلام والدراما في هذا السياق، ولعل إشارة الرئيس عبد الفتاح السيسي المهمة والخاصة بمراجعة الأعمال الفنية التي تمجّد العنف والبلطجة أو تربط “الفهلوة” بالبطولة، وضرورة استعادة الدراما المصرية التي تعكس وتقدم الشكل الحقيقي للمجتمع المصري. وأخيرا المستوى الثالث من تلك المقاربة والمعني بمحور التعليم والتنشئة خاصة مع ازدياد وتيرة العنف بالمدارس في مراحل التعليم المختلفة وكيفية مواجهة تلك الظاهرة من تحصين الأجيال الجديدة قبل مرحلة الخطر.