د. محمد بشاري يكتب: المنامة على موعد مع الوحدةومؤتمر الحوار الإسلامي يبشر بعهد جديد
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه الأمة الإسلامية، تبرز الحاجة الملحّة إلى تعزيز الوحدة والتفاهم بين مختلف المذاهب الإسلامية. يأتي مؤتمر الحوار الإسلامي-الإسلامي، المزمع عقده في المنامة يومي 19 و20 فبراير الجاري، كخطوة مهمة نحو تحقيق هذا الهدف. يُعقد المؤتمر تحت شعار “أمة واحدة ومصير مشترك”، برعاية كريمة من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين، وبحضور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وبمشاركة أكثر من 400 شخصية من العلماء والقيادات والمرجعيات الإسلامية والمفكرين والمثقفين من مختلف أنحاء العالم.
يهدف المؤتمر إلى الانتقال من مجرد الدعوة إلى التقارب إلى التفاهم العملي حول المشتركات والتحديات التي تواجه الأمة. كما يسعى إلى تأسيس آلية حوار علمي دائمة على مستوى العالم الإسلامي، بهدف لمّ شمل الأمة بمكوناتها المتعددة، وتسليط الضوء على مساحات الاتفاق الواسعة بين المسلمين، وتعزيز دور العلماء والمرجعيات الدينية في رأب الصدع بين المذاهب المختلفة، ونبذ خطاب الكراهية، وتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل، والعمل على تجديد الفكر الإسلامي لمواجهة أسباب الفرقة والنزاع والتحديات المشتركة، وإبراز التجارب الناجحة في هذا المجال.
إنّ الاختلاف في التأويلات الفقهية والتفسيرات العقائدية كان ولا يزال جزءًا من مسيرة الفكر الإسلامي، وهو مظهر من مظاهر الثراء الفكري الذي يزخر به التراث الإسلامي. غير أنّ ما جرى عبر التاريخ هو تحول هذا التنوع إلى ساحة صراع، حيث استُغلت الفوارق المذهبية لإضفاء شرعية على النزاعات السياسية، وتحولت بعض المدارس الفقهية إلى أدوات للصراع بدل أن تكون وسائل للإثراء المعرفي والاجتهاد الشرعي. من هنا، فإن أي مشروع للتقريب بين المسلمين لا بد أن يستند إلى قاعدة أساسية وهي الاعتراف بالتعددية بوصفها سنة كونية لا تتناقض مع وحدة الأمة، بل تُعززها عبر بناء جسور التواصل على أسس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
إنّ مسئولية الدولة في تحقيق هذا التقريب تُعدّ محورية، فلا يمكن لمجتمع أن يعيش في سلم داخلي إذا لم تكن هناك رؤية سياسية واعية تدير هذا التنوع بمسؤولية وتُعلي من قيم المواطنة على الانتماءات الطائفية الضيقة. فالدولة ليست مجرد كيان إداري، بل هي الحاضن الذي يُفترض أن يحمي النسيج الاجتماعي من التشظي، ويؤسس لمنظومة قانونية تُجرّم خطابات التكفير والتحريض الطائفي، وتوفر الفضاءات التي تُتيح للعلماء والمفكرين العمل على صياغة خطاب ديني يتجاوز النزعات الإقصائية. إنّ بقاء الدولة محايدة في القضايا المذهبية ليس موقفًا سلبيًا، بل هو الضمان لاستمرارها في لعب دورها كراعية للوحدة الوطنية والإسلامية، بعيدًا عن الانحيازات التي قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية مدمرة.
إنّ المرجعيات الدينية، بمختلف انتماءاتها، تتحمل مسئولية كبرى في تصحيح المفاهيم المغلوطة التي كرّست الانقسام داخل الأمة. فليس مقبولًا أن يظل بعض العلماء أسرى تفسيرات تاريخية متشددة تجعل الآخر المذهبي في خانة الضلال والكفر، وتُضفي على الصراعات السياسية طابعًا دينيًا لا أساس له من الشرع. إنّ المطلوب اليوم هو إعادة قراءة التراث الإسلامي بروح نقدية، تنزع عنه صفة القدسية المطلقة، وتفصل بين ما هو اجتهاد بشري قابل للنقاش والتطوير، وما هو أصل ثابت من أصول الدين لا يجوز المساس به. فلا يمكن للخطاب الديني أن يكون عامل تفريق وهو الذي أُسس ليكون أداة توحيد، ولا ينبغي أن تتحول منابر الفقه إلى ساحات تجييش وتأليب، بل إلى فضاءات لنشر قيم الوسطية والتسامح.
أما المجتمع، فله دور لا يقل أهمية عن الدولة والمؤسسات الدينية في تكريس ثقافة التقريب والتعايش. إنّ القاعدة الجماهيرية هي التي تُحدد في نهاية المطاف مدى نجاح أي مشروع حواري، لأن الخطابات الوحدوية إذا بقيت حبيسة النخب فلن تُحدث أي تغيير فعلي على الأرض. من هنا، فإن الإعلام والمؤسسات التعليمية يقع على عاتقها مسؤولية ضخمة في بناء وعي جماهيري جديد، يقطع مع الصور النمطية المتبادلة بين أتباع المذاهب المختلفة، ويُكرس فكرة أن الاختلاف لا يعني العداء، وأن وحدة المسلمين ليست شعارات جوفاء، بل مشروع نهضوي ضروري لتمكين الأمة من استعادة قوتها الحضارية.
إن مؤتمر المنامة يأتي في سياق دولي وإقليمي بالغ التعقيد، حيث تتزايد النزاعات المذهبية وتتعمق الفجوات بين أبناء الأمة الواحدة، مما يجعل الحاجة إلى مبادرات جادة للحوار أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. لا ينبغي لهذا المؤتمر أن يكون مجرد لقاء بروتوكولي أو حدث إعلامي عابر، بل عليه أن يؤسس لمرحلة جديدة في إدارة التنوع المذهبي داخل الأمة الإسلامية، بحيث تُصاغ آليات مؤسسية دائمة للحوار والتفاهم، تُخرج مسألة التقريب من دائرة المبادرات الموسمية إلى حيز السياسات المستدامة. إنّ نجاح المؤتمر لن يُقاس بعدد الكلمات التي ستُلقى فيه، بل بمدى قدرته على إنتاج أفكار ومشاريع قابلة للتطبيق، تضع حدًا لحالة الاستقطاب المستمرة، وترسي قواعد صلبة لحوار إسلامي-إسلامي يؤسس لوحدة حقيقية، تُحصّن الأمة من الفتن، وتُعيدها إلى مسارها الحضاري الذي تاهت عنه بفعل النزاعات العبثية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شيخ الأزهر البحرين المنامة المزيد التی ت
إقرأ أيضاً:
صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
2025-06-10najwaسابق صوفان: هذه الإجراءات ليست بديلاً عن العدالة الانتقالية والتي بدأت بالفعل، وهذه مهمة اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية التي شكلت بمرسوم رئاسيالتالي صوفان: نقولها وبكل صدق لا وطن دون عدالة ولا عدالة دون إنصاف ولا إنصاف دون شجاعة بقول الحقيقة، ونعدكم أن نكون شفافين فيما هو قادم وأن نعمل لعدالة حقيقية تنصف الضحايا وتحاسب الجناة انظر ايضاًصوفان: فيما يخص الوضع الراهن لدينا مساران متوازيان والأسبقية هي لمسار السلم الأهلي كونه يوفر الأرضية الصلبة لهذه الإجراءات الإستراتيجية
آخر الأخبار 2025-06-10عضو لجنة السلم الأهلي السيد حسن صوفان خلال المؤتمر الصحفي المنعقد في وزارة الإعلام بدمشق: الضباط الذين تم إطلاق سراحهم “ضباط عاملون” منذ عام 2021 وسلّموا أنفسهم طوعاً على الحدود العراقية ومنطقة السخنة ضمن ما يعرف بحالة “الاستئمان” 2025-06-10بدء المؤتمر الصحفي لعضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي السيد حسن صوفان، للحديث عن التطورات الأخيرة المتعلقة بعمل اللجنة 2025-06-10سلام: لبنان يعمل والمجتمع الدولي لضمان عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم 2025-06-10أجواء حارة بشكل عام وسديمية في المناطق الشرقية والبادية 2025-06-09كلية طب الأسنان في جامعة دمشق تحصل على الاعتماد الأوروبي ضمن برنامج Leader الذي تقدمه الجمعية الأوروبية لطب الأسنان 2025-06-09“الوفاء والصمود” فعالية جماهيرية بحمص في ذكرى رحيل الشهيد الساروت وحصار حمص 2025-06-09وزير التربية والتعليم لـ سانا: التعليم ركيزة أساسية للتنمية وبناء سوريا الجديدة 2025-06-09وفاة طفلة غرقاً في بحيرة بريف عفرين شمال غرب حلب 2025-06-09ذبح 894 أضحية في مسلخ دمشق الفني خلال أيام عيد الأضحى 2025-06-09بمناسبة حلول عيد الأضحى.. الرئيس الشرع يستقبل وزير الداخلية وعدداً من مسؤولي الوزارة
صور من سورية منوعات تقرير علمي: ذوبان الأنهار الجليدية يغير وجه العالم ويهدّد حياة الملايين 2025-06-08 حلويات العيد: صناعة عريقة وطقوس ينتظرها السوريون من عيد لآخر 2025-06-03فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |