كيف أثرت سياسة القوى العظمى في سقوط منظمة التجارة العالمية؟
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
نشر موقع "بوليتيكو" تقريرًا تناول فيه تدهور منظمة التجارة العالمية وتأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي، حيث إنّها أصبحت غير قادرة على مواكبة التحديات الحالية.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن العالم يقف على حافة حرب تجارية، تضع أوروبا في مرمى نيرانها.
وأوضح الموقع أن منظمة التجارة العالمية نجت بالكاد من الولاية الأولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لكنها تواجه الآن تهديدات برسوم "متبادلة" وانتقام تجاري، مما يزيد الغموض الجيوسياسي ويضعف النظام التجاري العالمي.
وأضاف الموقع أن الحرية والنجاح الاقتصادي مترابطان بشكل وثيق، فكلما قلّت حرية النظام الاقتصادي، تراجع نجاحه. والاستثناء الأبرز هو الصين، حيث يجمع نموذجها بين الرأسمالية المُعززة وسيطرة الدولة، والتي استفادت لسنوات من منظمة التجارة العالمية.
وأفاد الموقع أن الصين استغلت منظمة التجارة العالمية لتوسيع نفوذها بطرق غير عادلة، ما جعلها جزءًا من المشكلة وليست الحل. فقد أضعفت الاقتصادات الحرة وعززت صعود أنظمة غير ديمقراطية، لتصبح حصان طروادة للتجارة غير الحرة.
وذكر الموقع أن منظمة التجارة العالمية تأسست في مراكش سنة 1994. وأدى تأسيسها إلى وضع قواعد للخدمات والملكية الفكرية. وفي السابق، كانت اتفاقية "الجات" تنظم التجارة الدولية في السلع منذ سنة 1947 بدعم 23 دولة، وارتفع العدد إلى 128 بحلول سنة 1994
وتابع الموقع أن "الجات" أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لمنع حروب التعريفات الجمركية في عشرينات القرن الماضي، لكنها تحولت إلى منظمة التجارة العالمية، التي باتت غير فعالة وتحتاج إلى إعادة نظر جذرية.
وأشار الموقع إلى أن أعضاء منظمة التجارة العالمية يتعهدون بالالتزام بثلاثة مبادئ أساسية في علاقاتهم التجارية الدولية: التجارة دون تمييز، والمعاملة بالمثل كأساس للتفاوض، وإزالة التعريفات الجمركية والعوائق التجارية. ويتعين على الدول الأعضاء منح بعضها البعض المزايا ذاتها، كما يفرض مبدأ عدم التمييز أن تُمنح أي امتيازات أو دعم لدولة واحدة لجميع الأعضاء تلقائيًا.
وأضاف الموقع أن منظمة التجارة العالمية تمنح امتيازات للدول التي تصنف نفسها "نامية"، كما فعلت الصين عند انضمامها. وتشمل المزايا المهل الزمنية الأطول لتنفيذ الالتزامات أو سهولة الوصول إلى الأسواق. ولكن الامتياز الأهم هو التزام الأعضاء بحماية مصالحها - وهو ما حافظت عليه الصين منذ انضمامها.
وبين الموقع أن الصين انتهكت قواعد منظمة التجارة العالمية مرارًا على مدى سنوات، مثل: نقل التكنولوجيا القسري والدعم الضخم غير المعلن وتشويه المنافسة عبر الشركات المملوكة للدولة.
وللوصول إلى السوق الصينية، اضطرت العديد من الشركات الأجنبية إلى كشف معلومات تكنولوجية قيّمة، ما كلف الشركات الدولية مليارات الدولارات. وفي المقابل، تمكنت الشركات الصينية في بعض القطاعات من اللحاق سريعًا برواد الصناعة وأصبحوا هم أنفسهم قادة السوق.
وذكر الموقع مثالًا مؤلمًا لذلك ما حدث مع ألمانيا في صناعة الطاقة الشمسية، التي لم تكن موجودة في الصين حتى سنة 2005، لكنها استحوذت على أكثر من 80 بالمائة منها بحلول سنة 2022 بفضل الابتكار المنسوخ والدعم الحكومي.
وقال الموقع إن الصين تنظر إلى أوروبا على أنها متجر للخدمة الذاتية. فهي تشتري ببراعة كبيرة التكنولوجيا المتطورة، وغالبًا ما يكون ذلك عن طريق "أبطال خفيين" أقل شهرة. وتستخدم قوانينها لمكافحة الاحتكار لمعاقبة الشركات الأجنبية على الابتكار.
وأضاف الموقع أن الأسواق الصينية لم تنفتح كما يُدّعى، فحتى سنة 2021 مُنعت الشركات الأجنبية من دخول قطاعها المالي. كما أن غياب الشفافية يعيق الأعمال التجارية، فلم تنجح أي شراكة أجنبية في الاتصالات، وحُظر فيسبوك وتويتر منذ سنة 2009.
وذكر الموقع أن الشركات الصينية تقوم بأعمالها التجارية دون عوائق في الأسواق الغربية، بينما تضع بكين قواعدها لتعزيز نفوذها، في ظل عجز أو تهاون منظمة التجارة العالمية، ما يجعل مبدأ المعاملة بالمثل وهمًا.
في الواقع، تنهار منظمة التجارة العالمية، إذ تتسامح مع المعايير المزدوجة وتسمح للأعضاء باتباع قواعد مختلفة، مما يكرس عدم التوازن بدلًا من المعاملة بالمثل.
وأفاد الموقع أن الانبعاثات الكربونية تشكل متغيرًا آخر شهد ارتفاعًا هائلًا في الصين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، حيث زادت بأكثر من 200 بالمائة. وهذا الارتفاع يفوق بكثير تراجع الانبعاثات في بقية العالم. ففي سنة 2021، كانت الصين مسؤولة عن نحو ثلث الانبعاثات العالمية، متجاوزةً إجمالي انبعاثات الولايات المتحدة والهند وروسيا واليابان وإيران، أكبر خمسة ملوثين بعدها.
وخلص الموقع إلى أن أزمة المناخ العالمية تعزز الحاجة لمواجهة الأنظمة الاستبدادية مثل الصين. فالمشكلة الحقيقية ليست في الرحلات السياحية، بل في عجزنا عن التأثير على أكبر ملوث للكربون، وسعيه لأجندة سياسية مختلفة، إضافةً إلى مساهمتنا غير المباشرة عبر تصدير التلوث إلى الصين وغيرها.
واعتبر الموقع أن قبول الصين كعضو كامل في منظمة التجارة العالمية كان خطأ جوهريًا نابعًا من سياسات تجارية يغلب عليها التمني. فبرغم حسن النوايا، أدى ذلك إلى اختلال تفاقم على مر السنوات، مما أضر بشدة باقتصادات السوق الديمقراطية.
واعتبر الموقع أن الخطأ الأكبر كان ضم دولة غير ديمقراطية ثقيلة اقتصاديًا لا تلتزم بقواعد التجارة الحرة، والأشد غرابة منحها وضع "الدولة النامية" رغم كونها ثاني أكبر اقتصاد، مما خلق منافسة غير عادلة.
وكانت النتيجة متوقعة: حقق الجميع نموًا اقتصاديًا سريعًا، لكن على المدى البعيد، اختل التوازن لصالح طرف واحد، ما خلق تبعية غير متكافئة. وأدى تهاون الولايات المتحدة وأوروبا إلى إضعاف قوتهما الاقتصادية وتقويض منظمة التجارة العالمية نفسها.
واختتم الموقع تقريره بالإشارة إلى أن منظمة التجارة العالمية وصلت إلى طريق مسدود، وأصبحت كيانًا معطلًا وعاجزًا، ومجرد ظل لما كانت عليه، وهذا يقود إلى استنتاج لا لبس فيه: يجب حل منظمة التجارة العالمية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد دولي منظمة التجارة العالمية الاقتصاد العالمي ترامب الصين الصين منظمة التجارة العالمية الاقتصاد العالمي ترامب المزيد في اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد دولي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الموقع أن
إقرأ أيضاً:
الأصوات التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي.. الجانب المظلم من التقنية المدهشة
نشر موقع "لايف ساينس" الأمريكي تقريرا يسلّط الضوء على القفزة المذهلة في تطوّر أصوات الذكاء الاصطناعي، التي باتت اليوم شبه مطابقةٍ للأصوات البشرية الحقيقية، إلى حدٍّ يجعل التفرقة بينهما مهمةً شبه مستحيلة.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن أصوات الذكاء الاصطناعي عبر مساعداتٍ مثل "سيري" و"أليكسا" بملامحها الآلية ونبرتها الميكانيكية مألوفة لدى الكثيرين، غير أنّ الأبحاث الحديثة تُظهر أنّ تلك الفوارق بدأت تتلاشى. فحسب دراسةٍ نُشرت في مجلة "بلاس وان"، لم يتمكّن المشاركون من التمييز بدقّة بين الأصوات البشرية ونُسخها المولّدة بالذكاء الاصطناعي، بعدما أصبحت الأخيرة قادرةً على محاكاة النغمة والتعبير البشري ببراعةٍ مدهشة.
ونقل الموقع عن الباحثة نادين لافان، من جامعة الملكة ماري في لندن، إنّ الأصوات الاصطناعية صارت تحيط بنا في كل مكان وامتلاك تلك الأنظمة القدرة على التحدث بواقعيةٍ تُشبه الإنسان لم تعد سوى مسألة وقت. وأضافت الدراسة أنّ الأصوات المستنسخة من بشرٍ حقيقيين، أو ما يُعرف بـ"الأصوات المزوّرة العميقة"، أصبحت مُقنِعة بقدر الأصوات الأصلية نفسها.
وأشار الموقع إلى أنّ هذه الطفرة التقنية، رغم ما تحمله من فرصٍ إيجابية في التعليم والتواصل وإمكانية الوصول، تفتح المجال أمام الجرائم الرقمية وخداع الأفراد باستخدام خاصية الاستنساخ الصوتي بالذكاء الاصطناعي الذي يولد أصواتًا يصعب كشفها.
وذكر الموقع أنّ العالم بدأ يشهد بالفعل حوادثَ مقلقة تكشف الوجه المظلم لهذه التقنية. ففي التاسع من يوليو/ تموز، وقعت شارون برايتويل ضحيةَ عملية احتيالٍ صوتي متقن بعد أن تلقّت مكالمةً من صوتٍ يشبه تمامًا صوت ابنتها يبكي ويطلب المساعدة بعد حادثٍ مزعوم، طالبًا المال لتوكيل محامٍ يمنع دخولها السجن. تقول برايتويل: "لم يكن هناك أحدٌ يمكنه إقناعي بأنها لم تكن ابنتي" في إشارةٍ إلى مدى واقعية التزييف الصوتي الذي انطلت حيلته عليها.
وحذّر الموقع من أن هذه القدرة لا تقتصر على الاحتيال الفردي، بل تمتد لتشمل فبركة تصريحاتٍ أو مقابلاتٍ منسوبةٍ إلى سياسيين ومشاهير يمكن أن تُستغل لتشويه السمعة أو إثارة الفتنة والانقسام الاجتماعي. فقد قام محتالون مؤخرًا بإنشاء نسخةٍ صوتيةٍ لرئيس وزراء كوينزلاند ستيفن مايلز، واستخدموا صوته المزوّر للترويج لاحتيالٍ قائمٍ على عملة "البيتكوين".
وبيّن الباحثون أنّ النسخ الصوتية التي استخدموها في دراستهم لم تكن معقّدةً أو باهظةَ التكلفة، إذ صُنعت باستخدام برامج متاحةٍ تجاريًا ودُرِّبت على تسجيلاتٍ صوتيةٍ بشريةٍ لم تتجاوز أربعَ دقائق. وقالت نادين لافان في بيانها: "تطلبت العملية خبرةً محدودة، وبضع دقائق فقط من التسجيلات، وبالكاد أيّ مال. هذا يوضّح مدى سهولة الوصول إلى هذه التقنية ومدى تطورها".
وفي الختام، قال الموقع إنّ "الأصوات المزوّرة العميقة" ليست شرًّا مطلقًا، إذ قد تفتح الباب أمام تطبيقاتٍ إيجابية في مجالات التعليم، والتواصل، وتسهيل الوصول، حيث يمكن للأصوات الاصطناعية المصمّمة بعناية أن ترتقي بتجربة المستخدم وتمنحها طابعًا أكثر إنسانية.