الثورة نت:
2025-06-24@09:50:03 GMT

الفوضى وأثرها على الأمم

تاريخ النشر: 21st, February 2025 GMT

الفوضى وأثرها على الأمم

 

لعل السؤال الأبرز اليوم في هذا الكوكب هو: ما الذي يجري؟ لماذا كل هذا الانهيار في القيم؟ وفي النظم الأخلاقية؟ لماذا ينحدر العالم إلى الحضيض؟ لماذا تعلن روسيا استراتيجية الأمن الثقافي القومي؟ ولماذا المسلمون يتقبلون الواقع على مذهب ذلك الأعرابي الذي قال: أخذوا الأبل فأوسعتهم سبا؟.

نحن اليوم نعيش واقعا متموجا ومضطربا وقلقا، اليسار العالمي تصدع وبانت شروخه في جدار الزمن، والنظم الديمقراطية أخفقت في تقديم النموذج الأخلاقي الشريف الذي ينتصر للإنسان، والمسلمون في غفلة الوقت فكهون يكتفون ببيانات التنديد والشجب وبالتظاهرات، في حين تقوم التطبيقات الاجتماعية في تفكيك نظمهم الأخلاقية، وجرهم إلى عالم التفاهة، وليس من مشروع حضاري قادر على البقاء والصراع في هذا الواقع المتموج والمنحدر إلى الأسفل.

قبل سقوط بغداد عام 2003م كان هناك مصطلح الفوضى الخلاقة، وبعد سقوطها شاعت هذه الفوضى حتى رأينا البناءات الاجتماعية والنظام العام والطبيعي يتداعى إلى درجة السقوط في الكثير من البلدان، ثم شاعت فكرة الفوضى في الفنون والآداب، وحاول الكثير من أرباب الفنون عن طريق الفوضى الخلاقة إيصال رسالة التشظي والانكسار والانهيار إلى الناس خاصة المجتمع العراقي كمجتمع مستهدف مطلع الألفية الثالثة، وبعد اجتياح فوضى الربيع العربي وانهيار النظم العامة والطبيعية في الكثير من البلدان العربية، ها هي فكرة الفوضى الجديدة تبرز من جديد كقوة تحارب جنبا إلى جنب مع النظام الرأسمالي في مواجهة روسيا التي سارعت إلى الإعلان عن استراتيجية الأمن القومي الثقافي، كجزء من استراتيجية الصراع مع الغرب الذي يفرض النظم الأخلاقية الجديدة التي تستهدف الإنسان في قيمته المادية والمعنوية وتحويله إلى كيان فوضى ومسخ .

الغرب اليوم يقر بحقوق التحول الجنسي، ويقر المثلية، ويقر الممارسة الجنسية مع الحيوانات، ويستهدف الإنسان حتى يصبح كيانا خاليا وعاطلا من أي محتوى قيمي، أو إنساني من خلال نظم الفوضى الخلاقة، وقد نشأ في الغرب نفسه تيارات فكرية مناهضة لهذا التوجه السياسي للنظام الدولي، وصدرت عدد من الكتب، هذه الكتب تناقش فكرة النظام الأخلاقي الجديد، كيف تبدأ الأفكار؟ وكيف تصبح في مخيلة المجتمع؟ وكيف يتخيل المجتمع وجوده الاجتماعي في العلاقات والتعامل البيني؟

فالمتخيل الاجتماعي فهم عام مشترك يجعل الممارسات الاجتماعية ممكنة كما تذهب إلى ذلك الكثير من النظريات الاجتماعية الحديثة.

اليوم نحن نعيش في زمن ما بعد الحداثة العالم يطرح رؤى فلسفية، ومتخيلات لنظم أخلاقية، ويعمل على فلسفة القيم ويعيد بناءها بعد القيام بنظم التفكيك وبما يتسق مع المستوى الحضاري المعاصر.

نحن كعرب وكمسلمين ما الذي نقوم به؟

هذا السؤال هو السؤال الأهم في سياق ما يحدث حولنا من انهيارات وهزائم للنظم الأخلاقية والقيم النبيلة التي كانت تنتصر للإنسان في سالف الزمان والعقود.

السؤال المطروح سؤال وجودي في عالم يسيطر على الموجهات الكلية والعامة، ضرورة الإجابة عليه لا تعني بالمطلق بيانات الإدانة والشجب ولا التظاهرات والحملات الإعلامية التي تنتهي في ظرف زمني وجيز لا يتجاوز الساعات وربما الثواني المعدودة.

نحن أمام حرب ثقافية وهذه الحرب تواجه بمثلها، فالصاروخ والدبابة والبندقية لا تحسم فيها معركة، ولذلك فخوض المعركة – وهو أمر حتمي – يتطلب وعيا متقدما وفهما للواقع واستراتيجيات، وخطط واضحة المعالم والأهداف، ويمكننا العودة إلى زمن الحرب الباردة بين الشرق والغرب للاستفادة من طرق وأساليب إدارة المعركة مع هذا الغول المتوحش الرأسمالي الذي بدأ يشيع في حياة البشرية نظريات الفوضى وتمتين علاقتها مع نظريات أخرى مثل نظرية الاحتمالات، ونظرية الكارثة، ونظرية التعقيد.

التفكير العلمي والمنطقي الذي يستمد مقوماته من تغيرات الواقع، ويحوّل ذلك إلى تصورات في محاولة لتفسير هذا الواقع هو الطريق القادر على الوقوف أمام هذا التوحش.

فالفكر العلمي المعاصر تتخلله رؤى جديدة إلى الواقع في مختلف مستويات الوجود، تعبر إلى حد ما عن انفصال وقطيعة مع ما تحقق في الماضي ولا بد لنا من معالجة الظواهر بما يتسق وضرورات المرحلة الحضارية والثقافية.

يقول الكاتب خليفة داوود: ” لقد قدم الفكر العلمي الجديد نماذج معرفية صنعتها عدة نظريات، لاسيما في ميدان الفيزياء، وكان من أهمها: ميكانيكا الكم ونظرية النسبية… وما صاحب ذلك من تغير بعض المفاهيم العلمية الأساسية كالانتظام والاطراد والتنبؤ والاتصال..، وبرزت إلى الوجود أبحاث تسعى إلى الكشف عن تفاصيل الظواهر الطبيعية؛ فتوصل بعض العلماء إلى أن ظواهر الطبيعة لا هي بمطردة وغير منتظمة ولا يمكن التنبؤ بها، ومن ثمّ فإن إمكان فهم الطبيعة باستعمال المنهج الرياضي لا يصمد – في كل الأحوال – أمام ما تزخر به ظواهر الطبيعة من تفاعلات غير متوقعة”.

نحن في معركة كبرى اليوم ولا بد لنا من استخدام النظم المعرفية والنظريات حتى ننتصر، فالمعركة التي أعلنت عن نفسها اليوم هي معركة كبرى البقاء فيها للأكثر معرفة بقوانين الطبيعة وبنظم المعرفة وبالمستويات الحضارية التي تحتاج إلى الانتظام والأخلاق بما يتسق مع التطورات، فالفوضى لن تكون إلا دمارا شاملا للأمم والشعوب.

 

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

أنجبت الفوضى "نبيًا"!

 

الطليعة الشحرية

في تاريخ الأمم، لا يُولد الغلو إلّا في أحشاء الاضطراب، وعندما تهتز الخلافة، أو تسقط الدولة، ينهض من تحت الركام من يدّعي أنه المُنقذ، إما بوحي من السماء، أو ببيعة مزوّرة تحت ظل السلاح. الأحمدية وداعش وجهان متضادان لعملة واحدة: عملة الفوضى، والتشظي، وانهيار المركز الديني والسياسي في العالم الإسلامي.

عند اختلال ميزان القوى ينتشر الفراغ الأسود مبتلعًا الغث والسمين فتنتفخ بطن الباطل وتلد لنَا أنبياء وسكاكين، في التاريخ الإسلامي الحديث، يُمكن تتبُّع نشأة تيارات منحرفة مثل الأحمدية وداعش ضمن سياقات سياسية مضطربة جعلت من الوعي الديني فريسة سهلة لأصحاب المشاريع الأيديولوجية أو للأنظمة التي تبحث عن أدوات للسيطرة.

المهدي بلا سيف!

في عام 1889، كان الإسلام جريحًا، الدولة العثمانية تترنح، والاحتلال البريطاني يعبث بجسد الهند، والمقاومة تُنهكها الانقسامات. في هذا السياق، خرج ميرزا غلام أحمد القادياني، مدّعيًا أنه المسيح الموعود والمهدي المُنتظر. ذكر ميرزا غلام عن التعاون المثمر بين الاحتلال والطائفة الأحمدية في كتبة مثل "تبليغ رسالة وإزالة الأوهام"؛ حيث أكدد مرارًا طاعته للسلطة البريطانية قائلًا: "لقد أنفقت عمري في تأييد الحكومة البريطانية، وألّفتُ عشرات الكتب ضد الجهاد"، وهذا ما أكدته وثائق الأرشيف البريطاني (India Office Records)؛ حيث أشارت إلى متابعة نشاط الأحمديين لا كخطر؛ بل كجماعة "مفيدة" لكبح التطرف الإسلامي.

لم يحمل مهديّ هذه المرحلة سيفًا؛ بل قلمًا يُحرِّم الجهاد، ويحُث على طاعة المَلِكة البريطانية، ويصف حكومتها بأنها "من نِعَم الله على المُسلمين". رجل يضع يده في يد المحتل، ويزعم أن وحيًا إلهيًا ينزل عليه من السماء، بينما تتبخّر كرامة الأمة تحت حذاء الإمبراطورية.

تغاضت بريطانيا عن دعوته؛ بل سُمِح له بنشر كُتُبه، وتأسيس جماعته، ونشر دعاة جماعته في كلّ مستعمرة بلغها النفوذ البريطاني. أكان ذلك من قبيل حرية التعبير؟ أم لأنها كانت دعوة تُخدّر لا تُحرّك، تُلهي لا تُحرّض؟

هكذا تستثمر الإمبريالية الاستعمارية منذ عقود الفوضى وتصنع انبياء يخفون سكاكين تقطر دمًا خلف ظهورهم، تتوشح السنتهم بالخطاب السلمي كالأحمدية، فيما حملت داعش راية الجهاد ونصرة الحق والمظلوم إلا أن كليهما وُلد في لحظة سقوط، وتمدد في زمن الفراغ، واستثمر في أزمات الأمة. وبين المهدي البريطاني وخليفة الخراب، أنجبت الفوضى أنبيائها.

الخليفة بلا عقل

في القرن الحادي والعشرين، ظهر ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) كظاهرة صادمة في تاريخ الحركات "الإسلامية الجهادية"، بعنفه الدموي وتطرفه المُفرِط، واستطاع أن يحتل أجزاءً واسعة من سوريا والعراق، وأن يُعلن ما زعم أنها "خلافة إسلامية" سرعان ما تحولت إلى أداة لإثارة الذعر وتشويه صورة الإسلام عالميًا.

اللافت أن صعود داعش تزامن مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، ومع تصاعد الفوضى في سوريا، نعم إنها الفوضى الخلاقة التي تُنجب نبيًا.

اتُهم التنظيم بالاستفادة من "فراغ السلطة" الذي خلفه التدخل الأمريكي، كما وُجهت اتهامات مباشرة للاستخبارات الأمريكية (CIA) والبريطانية (MI6) بأنها غضّت الطرف أو حتى ساعدت في خلق الظروف التي سمحت بظهوره، ضمن استراتيجية "الفوضى الخلاقة" لإعادة رسم خرائط المنطقة بما يخدم المصالح الغربية.

وكما صعد نبيٌ مهديٌ بلا جهاد قبل قرن، صعد على المنبر نبيٌ يطلب الجهاد بلا عقل، يُعيد ويكرر السياق ذاته، ويخرج شبح آخر، ليس مهديًّا هذه المرة؛ بل "خليفة المسلمين"، يعلن خلافة من الموصل إلى الرقة، ويستحل الدم باسم الدين.

داعش لم تكن مشروعًا إصلاحيًا؛ بل آلة قتل، تحوّلت فيها السجون إلى مدارس "شرعية"، والعمليات الانتحارية إلى "مناهج جهادية"، والإسلام إلى مسرحٍ للمجازر.

ومثل ما خرجت الأحمدية من تحت عباءة الاستعمار البريطاني، خرجت داعش من رحم الاحتلال الأمريكي، وفساد الحكومات، وتواطؤ القوى الكبرى. كلا التنظيمان استغلا الغيبوبة الجماعية التي تصيب الأمة عند انهيار الدولة؛ حيث وُلِد داعش مُستثمِرًا الفراغ والفوضى وصُنع أنبياء الخلافة على جماجم المدن، فيما وُلِد مهدي الإنجليز وخليفة البنتاجون من رماد الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003.

حلَّ الجيش العراقي، وفكَّكت مؤسسات الدولة، وتصاعدت الطائفية، وظهر تنظيم "التوحيد والجهاد" بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ثم لاحقًا تطور إلى ما يُعرف بـ"الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). عزف داعش على أوتار مظلومية السنّية، مستفيدًا من المجازر الطائفية وتوسع نطاق الانقسامات الداخلية. واستغل السجون مثل "بوكا" في العراق، والتي خرج منها أغلب قادة داعش، كمدرسة لصناعة الجهاديين وانطلق مشروع الدماء بإعلان الخلافة في 2014 بقيادة أبو بكر البغدادي.

وعلى الرغم من معاداته "داعش" للغرب، فإن بروزه المفاجئ، وامتلاكه تمويلًا وتسليحًا متطورًا، طرح تساؤلات حول اختراقه استخباراتيًا.

تقاطع المُصلحين الزائفين

رغم تناقضهما، فإن المقارنة بين الأحمدية وداعش تكشف مفارقة مثيرة: الأولى زعمت أنها تُحيي الإسلام عبر مهديٍ يُحرِّم الجهاد، والثانية زعمت إقامة الخلافة عبر الجهاد المُسلَّح ضد الجميع... إلّا إسرائيل!! الأحمدية سلّمت للمُستعمِر، وداعش حرَّكت السيف ضد الأمة نفسها.

كلا المشروعان نشأ في فراغ سياسي، وكلاهما قدّم نفسه كمُخلِّص؛ الأول نزع عن المسلمين سلاح الجهاد، والثاني جعلهم ضحاياه. أحدهما حارب العقل بنبوءات مختلقة، والثاني حارب الإسلام نفسه بتكفير الجميع.

بين نبي لا يُوحى إليه وخليفة بلا أمة

لطالما استخدمت القوى الاستعمارية الدين كأداة ناعمة لفرض النفوذ عبر التاريخ، وحرصت الإمبراطوريات الكبرى قديمًا وحديثًا على تمزيق النسيج الديني والثقافي لمجتمعات مُستهدفة، وتمكين تيارات وظيفية تشكل واجهة أيديولوجية لنزع السلاح الفكري أو إثارة الفوضى وتمكين تيارات وظيفية تمارس التأثير باسم الدين، وتخدم أجندات السياسة.

في هذا السياق، لا يُمكن فهم الأحمدية أو داعش كظواهر دينية بحتة؛ بل كمشاريع سياسية مُتنكِّرة في زي العقيدة. الأحمدية ظهرت في لحظة أُفول الخلافة، فدعت إلى طاعة المُستعمِر، وداعش وُلدت من رماد الاحتلال الأمريكي، فدعت إلى الذبح باسم الخلافة، الأولى نزع عن المسلمين سيف الجهاد، والثانية ألغت العقل وحارب الإسلام نفسه بتكفير الجميع. والأدهى أن كليهما استفاد من غفلة الأمة، وصمت العلماء، وتوظيف القوى الكبرى لهذه التيارات، سواء بالتساهل، أو بالتوظيف غير المباشر.

في النهاية، لا الأحمدية كانت نبوءة، ولا داعش كانت خلافة، كلاهما كان انفجارًا دينيًا في فراغ سياسي. أحدهما لبس عباءة الأنبياء وحرَّم الجهاد، والآخر رفع راية الخلافة وحرَّم العقل. وكلما ضعفت الدولة، وبهت العلماء، سيخرج من تحت الركام "مهدي جديد"، أو سفّاحٌ يرتّل سورة "الحديد" على جماجم الأبرياء.

وبين هذا وذاك، يبقى المسلم العادي هو الضحية… بين نبي لا يُوحى إليه، وخليفة لا يعرف من الخلافة سوى السيف.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • السؤال هل عبدالرحيم اخو حميدتي بخير بعد استهدافه قبل أيام بطائرة مسيرة
  • السيناريوهات المقبلة في ضوء الخلفية التاريخية ومعطيات الواقع
  • وزير الداخلية السيد أنس خطاب ورئيس جهاز الاستخبارات العامة السيد حسين السلامة، يعقدان جلسة طارئة، للوقوف على آخر مجريات التحقيقات المتعلقة بالتفجير الإرهابي الغادر، الذي وقع يوم أمس في كنيسة القديس مار الياس بدمشق.
  • أنجبت الفوضى "نبيًا"!
  • بمناسبة اليوم العالمي للاجئين.. الأمم المتحدة للسكان يقيم فعالية للنساء اللاجئات
  • مصر والأردن يحذران من انزلاق المنطقة لمزيد من الفوضى بسبب التصعيد الإسرائيلي
  • العلاقات التركية-الإيرانية: إلى أي نقطة وصل التنافس الذي امتد لمئات السنين اليوم؟
  • اليوم.. مجلس الشيوخ يناقش مستقبل كليات التربية في مصر بين الواقع والمأمول
  • “إسرائيل تنشر الإرهاب!”.. سخرية من زلة لسان السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة / فيديو
  • هل تنادي الزوجة زوجها باسمه مجردا؟ أزهري يجيب