هي محض مصادفة، أن أنتهي من قراءة كتاب صاحب العبقريات عباس محمود العقاد؛ "معاوية بن أبي سفيان"، مع بداية عرض المسلسل الخاص به!
ذلك بأنني كنت قد عقدت العزم على قراءة هذه الشخصية المثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي، قبل أن أسمع خبر مسلسل "معاوية" الذي أنتجه السعوديون، وجهزت عددا من المؤلفات عنه ووضعتها أمامي، لألتمس إدارة الدولة وشؤون الحكم عند هذا الرجل، ولا أظنني كنت باحثا عن التقوى والورع في مسيرته، فمن أراد هذا الجانب فسيجده عند غيره، وسيكون أولى أن يلتمسها في سيرة الإمام علي ابن أبي طالب مثلا.
فقد اعتبرت أنه من التقصير المعرفي، ألا يلم المرء بسيرة رجل نجح في السياسة، ودانت له الدنيا، وانتصر في معاركه السياسية، ثم نقلت عنه الأجيال عبارته البليغة: "لو كان بين وبين الناس شعرة ما انقطعت؛ فإن هم أرخوها شددتها، وإن شدوها أرخيتها"، ومثلت عنوانا لحكم ناجح ومستقر، انتزعه من فم الأسد!
بين الانقلاب والشرعية:
كان من الواضح أن القائمين على المسلسل السعودي يتعمدون الدعاية له، بأي وسيلة، ولو انتظروا قليلا لوجدوا الدعاية المجانية لعملهم دون افتعال، فها هي منصات التواصل الاجتماعي مشغولة به، وعلى قواعد التجاذبات السياسية الراهنة، حتى يتصور المرء أنه امتداد للصراع بين الانقلاب والشرعية في مصر، وكل واحد ينظر لمعاوية بن أبي سفيان، فيحدد موقفه منه بحسب موقعه منه؛ فقد يكون من جماعة الإخوان، وقد يكون من السلالة التي أنتجت الجنرال!
كل شيء محكوم بهذا الاستقطاب السياسي، يعزز من ذلك الخفة التي يتسم بها رواد السوشيال ميديا، وشعور كل صاحب حساب أنه لا بد وأن يدلي بدلوه في كل قضية، وأن يعلن موقفه في كل حدث، حتى صرنا أمام ثرثرة لا يسمع فيها أحد لأحد، ولا قيمة فيها لأهل الاختصاص، فنحن إزاء حالة إعجاب كل ذي رأي برأيه!
فكل شيء محكوم بهذا الاستقطاب السياسي، يعزز من ذلك الخفة التي يتسم بها رواد السوشيال ميديا، وشعور كل صاحب حساب أنه لا بد وأن يدلي بدلوه في كل قضية، وأن يعلن موقفه في كل حدث، حتى صرنا أمام ثرثرة لا يسمع فيها أحد لأحد، ولا قيمة فيها لأهل الاختصاص، فنحن إزاء حالة إعجاب كل ذي رأي برأيه!
ولأنه عمل أنتجه السعوديون، فلا بد من الاندفاع لتسفيهه وتسفيه هذه الشخصية وكأنها شخصية بسيطة وليست مركبة؛ فلا يصلح معها أسلوب مشجعي الأندية في مباريات كرة القدم، والبعض اندفع قبل العرض، وفي ظنه أن هناك مؤامرة لتشويه هذا الصحابي الجليل، ولا أدري من أين جاءهم هذا الإلهام! لأن من مفاسد السياسة أنها جعلت أهل السنة المعاصرين ينحازون لمعاوية بحسبانه إمامهم كما ذريته من بعده، وينظرون باستخفاف إلى الإمام علي كرم الله وجهه، وإلى الحسين سيد شباب أهل الجنة، على أساس أنهما ضمن الحسابات الشيعية التي تمثلها الدولة الإيرانية!
ومن هنا فإنه من اعتقد أنه يمكن أن ينتج السعوديون عملا يشوهون به معاوية لا ينظرون إلا تحت أقدامهم، وقد ساهموا في الدعاية للمسلسل قبل عرضه، وأصحابه افتعلوا الحيل للدعاية له، وقامت جريدة "المصري اليوم" لتمارس طقس من طقوس الأفراح وهو "النقوط"، فكان نقوطها خبر يقول إن الأزهر يحرم مشاهدة مسلسل معاوية، وهو خبر استخدموا الاحتيال في صياغته، باستدعاء فتوى قديمة تحرم ظهور أي من العشرة المبشرين بالجنة في الأعمال الدرامية، وتسقطه على الحالة، وحسنا فعل الأزهر أنه لم يعقب على الخبر، فأي تعقيب بالنفي أو بالإيجاب هو ضمن الدعاية المجانية له!
ومن قواعد الاستقطاب السياسي اندفع من لا يعرف رأسه من قدميه يشكك في إسلام معاوية، فهو عندهم لم يَحسُن إسلامه، وهي جرأة أنتجها زمن صفحات التواصل الاجتماعي، واستشعار كل من له حساب على منصة من منصاته أنه من أهل الفتيا والدراية في كل شيء، فهل فعلا لم يَحسُن إسلام معاوية؟!
معاوية الرجل القديم لا العظيم:
لا يبدو العقاد متعاطفا مع شخصية معاوية بن أبي سفيان، لكنه لا يميل كل الميل ولا يتخلى عن موضوعيته، فمعاوية ليس من أصحاب العبقريات الذين أفرد لكل منهم مؤلفا ("عبقرية الصديق"، و"عبقرية عمر"، و"عبقرية علي".. الخ)، باعتباره كان يحمل تقديرا خاصا لأصحاب العبقريات الفردية.. ومن منطلق هذا الإيمان بهذا اللون من العبقرية كان كتابه عن الزعيم الوطني سعد زغلول!
إنه منذ اللحظة الأولى يقول عن معاوية إنه كان رجلا قديرا وليس رجلا عظيما، ويميز بين القدرة والعظمة بقوله: "فربما وُصف الرجل بالقدرة لأنه مقتدر على بلوغ مقاصده والإضرار بغيره، ولكنه إذا وُصف بالعظمة فإنما يوصف بها لفضل يقاس بالمقاييس الإنسانية العامة، وخير تغلب فيه نية العمل للآخرين على نية العمل للعامل وذويه"!
ثم ذهب صاحب العبقريات يناقش خصال معاوية وما اشتهر به، مثل الحلم والدهاء، فيوشك أن ينزعها منه ويلصقه بالمكر، ويُرجع فوزه على الإمام علي كرم الله وجهه ليس لخصائص عبقرية فيه، ولكن لطبيعة رجل كان يريد الدنيا وسعى لها سعيها، فمارس الحيل والمكر، فضلا عن أنه كان على بلاد الشام، ومنذ الفتح الإسلامي لم يُعزل والٍ واحد من ولاة الشام لشكاية الرعية منه، ولم يتولّ العراق والٍ واحد لم يعزل للشكايات الكثيرة التي كانت تتقاطر على دار الخلافة من رعيته! فضلا عن أن الشام كانت حصة الدولة البيزنطية وهي كانت طويلة العهد بالنظم الإدارية والحكومية، وكانت فيها مدن من عواصم الدولة الكبرى، وعليها رؤساء من المميزين في الدولة بشارات السياسة والدين، فقد فتحها المسلمون على شروطهم المحدودة للذميين المعاهدين، لأن أهلها كانوا جميعا من أهل الكتاب. وكانت الشام أقرب إلى الاستقرار، والأمر على العكس من ذلك في العراق الذي كان حصة الفرس!
وهو في مناقشته لما اشتهر به معاوية من خصال، فإن العقاد يقدم أدلة لا يتسع المجال لذكرها تؤكد وجهة نظره، وترد على من أشاعوا عن معاوية ذلك!
معاوية بن أبي سفيان، ليس من الشخصيات البسيطة، التي تخضع لمقاييس الحكم لدى العامة والبسطاء، ولكنه شخصية مركبة، إن ساءك منه شيء سرتك أشياء، ولهذا فقد أشفقت على معاوية لا على كاتب المسلسل خالد صلاح، لخوض كاتب للدراما مبتدئ في أول عمل له في المجال؛ في شخصية كهذه، والمشكلة المضافة أن العمل نفسه يأتي في إطار التوجيه السياسي، لتقديم معاوية غير الذي عرفه المؤرخون
ومع هذا فإن العقاد يؤكد على أن معاوية أسلم وحسن إسلامه، ويبدو أن دعاية أنه ناور بإشهار الإسلام ولم يكن دخوله فيه عن قناعة؛ أمر قديم، وهو يردده البعض الآن، حتى يبدو كما لو كانوا يتحدثون عن حقائق، فيقول العقاد: "إن أناسا من الغلاة قد شككوا في إسلامه، بل جزموا بإسلامه على دخلة ومداهنة، فهل كان لهذا الشك من مسوغ في عمله، أو كلامه بعد إسلامه مع أبيه في عام الفتح كما هو معلوم؟"!
إن العقاد بعد أن يطرح هذا السؤال يذهب الى الإقرار بتأخر إسلام معاوية كما تأخر إسلام أبيه، فأسلما معا في عام الفتح وهو في نحو الثالثة والعشرين.
ثم يقرر: "وليس هذا التأخر بموجب الشك في عقيدته، لأنه يحدث في كل دين وفي كل دعوة، وينقسم الناس في جميع الدعوات الدينية والفكرية إلى مبادرين ومترددين ومتلبثين متلكئين، لا يستجيبون لها إلا مع آخر مستجيب، ولا يندر بعد ذلك أن يكون المتأخر أصدق إيمانا، وأثبت عقيدة من المبادر المتقدم..".
ويؤكد العقاد أن معاوية بعد إسلامه لم تثبت عليه كلمة ولا فعلة تنقص تصديقه بدينه ورعايته لفروضه وشعائره، وكان يصلي ويصوم، ويزكي ويحج، ويقرأ القرآن ويستمع إليه، وكانت كل لفظة فاه بها وأحصيت عليه في مرض الوفاة تدل على الإيمان بلقاء الله، وعلى الإيمان بالجزاء في العالم الآخر..
"وكان يحتفظ بقلامة من ظفر رسول الله، وشعرات من لحيته الشريفة، أخذها من وضوئه، وما زال محتفظا بها حتى أوصى بأن تدفن في كفنه"!
وهو وإن يؤكد رواية أن معاوية كان من كتاب الوحي فيها اختلاف، لكن المتفق عليه أن كان بعد إسلامه قريب من رسول الله، وأنه كان يكتب له.
وعموما، فمعاوية بن أبي سفيان، ليس من الشخصيات البسيطة، التي تخضع لمقاييس الحكم لدى العامة والبسطاء، ولكنه شخصية مركبة، إن ساءك منه شيء سرتك أشياء، ولهذا فقد أشفقت على معاوية لا على كاتب المسلسل خالد صلاح، لخوض كاتب للدراما مبتدئ في أول عمل له في المجال؛ في شخصية كهذه، والمشكلة المضافة أن العمل نفسه يأتي في إطار التوجيه السياسي، لتقديم معاوية غير الذي عرفه المؤرخون، وفي المقابل تكون المعارضة من الذين يحكمون بعاطفتهم إن كرهوه أو أحبوه، حيث يجري التعامل كما لو كنا أمام شخصيات معاصرة، وكأنه الصراع على الحكم بين الإخوان والجنرال!
استقيموا يرحمكم الله.
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المسلسل التاريخ مسلسل اسلام تاريخ علي بن أبي طالب معاوية بن ابي سفيان سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة معاویة بن أبی سفیان
إقرأ أيضاً:
المتحدث باسم إدارة قناة بنما للجزيرة نت: ندير قناتنا باقتدار ولا نفوذ للصين فيها
بنما سيتي- منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى الحكم ثاني مرة في يناير/كانون الثاني الماضي، أصبحت بنما وقناة بنما في صدارة دائرة الأحداث العالمية بعدما عبَّر ترامب عن رغبته بإعادة القناة للسياسة الأميركية في ضوء ما يدّعيه من تغلغل النفوذ الصيني في بنما بما يهدد معه الأمن القومي الأميركي.
وكانت بنما أول محطات الزيارات الخارجية لوزير الخارجية والدفاع الأميركيين وسط ارتفاع حدة وحرارة الشكاوى الأميركية من مخاطر تشغيلية تهدد الملاحة بالقناة الشديدة الأهمية للجيش وللاقتصاد الأميركيين.
ولإلقاء الضوء على كل ما يتعلق بقناة بنما فنيا وتشغيليا، حاورت الجزيرة نت المتحدث الرسمي والمؤرخ في هيئة إدارة قناة بنما، خايمي ترويانو، عند أحد أرصفة مدخل القناة على المحيط الهادي، وهو صاحب كتاب شهير عن القناة بعنوان "100 عام من الفضول حول قناة بنما" الصادر عام 2015 باللغة الإسبانية، وتُرجم إلى العديد من اللغات.
وفي ما يلي نص الحوار:
ما صحة ادعاءات إدارة الرئيس دونالد ترامب عن وجود مشاكل تشغيلية بقناة بنما تؤثر سلبا على التجارة الأميركية؟أنا لست مسؤولا سياسيا كي أرد على ادعاءات الرئيس ترامب، لكن في ما يتعلق بالعملية التشغيلية الفنية للقناة، فلا يوجد أي مشاكل، والعمل يسير كما هو مخطط له بكفاءة كبيرة، وبأيد بنمية خالصة، موضوع قناة بنما يتداول إخباريا بصورة قاصرة لا تعكس واقع القناة ودورها الكبير في الحياة البنمية والمجتمع البنمي.
مياه القناة التي نستخدمها ليس فقط لتسيير السفن العابرة، إنها كذلك لتوفير المياه للسكان هنا في بنما، القناة، وما فيها من بحيرات وسدود وأنهار توفر ماء الشرب لأكثر من 2.5 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان البلاد.
كانت السنوات القليلة الماضية في قناة بنما صعبة نوعا ما بسبب موسم الجفاف أو ما نسميه ظاهرة "النينيو"، وهي دورة هطول الأمطار وما يعقبها من جفاف، بين حين وآخر.
إعلانلدينا إجراءات مختلفة نقوم بها لهذا النوع من التغيرات المناخية، ولذلك ننقل المياه بطرق مختلفة لتوفيرها خلال موسم الجفاف، ولدينا اليوم أحواض "أهوسة" (منشأة ملاحية لنقل السفن وتمريرها) عليها أقفال يمكن معها توفير 60% من المياه، كما أنها يعاد تدويرها وتستخدم من جديد.
ما الدور الأميركي في إدارة القناة وتشغيلها؟
غادرت الولايات المتحدة رسميا بنما في 31 ديسمبر/كانون الثاني 1999، ومنذ أول يناير/كانون الأول 2000، تُدار قناة بنما بأيد بنمية وبعقول وفنيين ومهندسين وبحريين بنميين.
أؤكد لك أن ما يقرب من 8500 شخص يعملون في هيئة القناة هم من البنميين فقط، ويخضعون لفحوص وتدريبات خاصة نظرا لطبيعة عملهم الحساسة في كثير من جوانبها. وجودة التشغيل قبل عام 1999 وبعده هي نفسها، بل يمكنني القول إن جودة عمل قناة بنما قد ارتفعت بعد أن انسحبت واشنطن وتركت القناة للبنميين.
في الواقع، نحقق المزيد من الدخل المادي بجميع أنحاء قناة بنما، لأننا قمنا ببناء أقفال جديدة وأحواض واسعة تستوعب السفن العملاقة ذات السعة الضخمة بنسب تتخطى 5 أضعاف كمية الحاويات القديمة، وهذه التطورات والتحديثات تفيد بنما ماليا من خلال ارتفاع عوائد المرور، وتفيد دول العالم والتجارة الدولية.
ما يمكنني قوله إنه خلال 25 عاما منذ عودة القناة للجمهورية البنمية، كان ذلك أفضل بكثير للتجارة العالمية وكذلك لبلادنا.
حسنا، في الواقع ليس لي أن أجيب عن هذا السؤال، الإجابة تجدها لدى الحكومة. لكن من موقعي هنا، أؤكد عدم وجود شيء كهذا مطلقا، هي قناة بنمية تدار بسواعد وأيد بنمية بنسبة 100%.
تدير شركة صينية تتخذ من هونغ كونغ ميناءين عند مدخل القناة على المحيط الهادي والأطلنطي، لكن هذه الشركة تدير مئات الموانئ في العالم. وبعد تهديدات ترامب، أعتقد أننا بصدد رؤية شركة أميركية تشتري حق إدارة هذه الموانئ من الشركة الصينية، لكن إدارة هذه الموانئ ليس لها أي دور بمرور السفن من قناة بنما، وهي تركز على الأعمال اللوجستية قبل مرور السفن من القناة وبعده.
كما رأيت أنت بنفسك كيف ندير ممر سفينة تجارية مثل التي تمر الآن، نعمل معها بالطريقة نفسها مع السفن العسكرية الأميركية وغير الأميركية منها.
يقوم قبطان بنمي بإدارة مرور كل سفينة عابرة لقناة بنما، ويساعده طاقم فني بنمي يشعلون قمرة السفينة المارة من مدخل القناة حتى خروجها بلا استثناءات، هذا هو نظام إدارة السفن المارة، لا نترك ذلك بيد قبطان أجنبي، نحن الذين ندير ونتحكم بمرور السفن جميعها خلال ساعات العبور العشر.
ولا فرق بهذه الطريقة بين السفن التجارية أو العسكرية، ولا فرق بين السفن الأميركية والسفن غير الأميركية، هذا ما نصت عليه اتفاقية حياد قناة بنما والتي بدورها أعادت لنا السيطرة على القناة.
إعلان هل يسمح بمرور السفن العسكرية غير الأميركية عبر القناة؟نعم، بنما دولة محايدة، وقناة بنما ممر مائي دولي محايد لا نفرض فيه أي قيود على مرور سفن دول محددة، القناة مفتوحة للجميع. بالطبع تمر الكثير من السفن العسكرية الأميركية بين جانبي القناة، لكن في الوقت ذاته يمكن مرور أي سفن عسكرية لأي دولة من قناة بنما من دون أي تمييز أو معاملات خاصة.
من يحمي قناة بنما من أي عدوان أو محاولة تخريب؟بموجب اتفاقية إعادة قناة بنما للشعب البنمي، أصبحت بنما دولة محايدة بلا جيش نظامي، وإن كان هناك قوات أمن حسنة التدريب والتسليح.
نحن نحمي قناة بنما، ونديرها، وهي قناة محايدة لا تمثل تهديدا لأحد ولا يجب أن يستهدفها أحد، وأقول لك إن الشعب البنمي هو الذي يحمي قناته، وإن احتاج لملايين الأشخاص للدفاع عنها سيهبّون لذلك، لما تمثله لنا جميعا من رمز ومصدر للرخاء الاقتصادي والهوية الوطنية.
تدر القناة ما لا يقل عن 7 مليارات دولار سنويا للخزينة البنمية، مع ذلك رأيت تدهورا اقتصاديا وانخفاضا في مستوى المعيشة بمدينة كولن عند مخرج القناة على المحيط الأطلنطي، كيف تفسر ذلك؟حسنا، القناة لها إدارة خاصة بها، ونحن في الواقع نبلغ الحكومة البنمية بجميع الإيرادات التي نحققها كل عام. لذا، فإن الحكومة البنمية تتحمل مسؤولية استخدام الأموال في مشاريع تنموية مختلفة، لكن الأمر متروك للحكومة للقيام بهذا النوع من المشاريع، واختيار أماكن القيام بها، لذلك ليس من شأني أو مهامي أن أعلق على انتشار الفقر في مدن مرتبطة وملتصقة بالقناة مثل كولن.
في المتوسط يحصل العاملون هنا على أجور وامتيازات مجزية، ولا أعرف متوسط الأجور، لكن العمل في إدارة قناة بنما يمنح العاملين بها مكانة اجتماعية مرموقة وسط المجتمع البنمي نظرا لأهمية القناة للدولة البنمية.
كما يتم التعيين بعملية شفافة علنية ومسابقات مفتوحة منعا للرشاوى والتلاعب، ويعتمد الأمر ليس فقط على ما يقدمه المتقدم للوظيفة والخبرة التي لديه حتى يتمكن من الحصول على وظائف عليا، ولدينا أجور مختلفة هنا في القناة.
هل هناك أي تعاون أو تنسيق بينكم هنا في قناة بنما وبين قناة السويس المصرية؟تلعب القناتان دورا رئيسيا في حركة التجارة العالمية، قناة بنما بين المحيطين الهادي والأطلنطي، وقناة السويس بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط. لكن في الواقع لا يوجد تنسيق بيننا، حيث إننا نعمل بطرق مختلفة، السويس لا تعرف ما نعرفه من اختلاف مستوى ارتفاع البحرين، ومن ثم لا تلجأ إلى الأهوسة والأحواض كما الحال في قناة بنما، ومع ذلك وفي مناسبات مختلفة نتبادل بعض الخبرات والأفكار.
ما أهم التحديات أمام خطط تطوير قناة بنما المستقبلية؟بعد عمليات التوسع وشق ممرات أوسع تسمح باستيعاب السفن الضخمة، أصبحت الطبيعة والتغيرات المناخية هي همنا الأول، لدينا مطر على الأقل من 8 إلى 9 أشهر كل عام، لذلك تعمل القناة مع الطبيعة، لهذا السبب ترى في جميع أنحاء قناة بنما وحولها غابات كثيفة تصنعها الأمطار، نحن بحاجة إلى حماية كل هذه الأرض حتى تتمكن من الاستمرار في هطول الأمطار.
لكن بالطبع، يعد الاحتباس الحراري مشكلة أخرى لدينا، نظرا لحقيقة أن مواسم الجفاف هذه أطول مما كانت عليه من قبل، الآن موسم الجفاف هنا في بنما وتظهر بوضوح تأثيرات ظاهرة النينيو.
كانت الظاهرة موجودة منذ افتتاح القناة، لكنها الآن أكثر وضوحا مما كانت عليه من قبل، لذلك أعتقد أن أحد اهتماماتنا الرئيسية في الوقت الحالي هو العمل لمواجهة التغيرات المناخية التي تؤثر بصورة مباشرة علينا وعلى القناة.