لعبة القفز من النافذة لهدى الشماشي.. قصص تطرح تساؤلات وجودية
تاريخ النشر: 3rd, March 2025 GMT
الرباط "العمانية": تطرح قصص "لعبة القفز من النافذة" للكاتبة المغربية هدى الشماشي تساؤلات وجودية، في محاولة للتوفيق بين حيوات الأبطال ومآسيهم الخاصة، وتلك المآسي الجمعية المتواترة عبر العصور. تفتتح الشماشي قصتها الأولى "حكايات الغابات والنسور" بعبارة تؤصل لمنهجها على امتداد صفحات المجموعة، مهما كانت الظروف المحيطة بأبطالها، فتقول: "هذه حكاية عن الأمل"، وإن كنا بعد قراءة القصة نظل نتساءل: هل هي حكاية عن الأمل، أم التماس له بعد ذلك العصف الذهني الذي عرضتنا له الكاتبة حتى الكلمة الأخيرة في القصة؟ تقول الراوية قرب نهاية القصة:
"حولهم كانت تنتشر أصوات الطبيعة الهائلة المبهمة، وكانوا يطمئنون كل لحظة على وجودهم كنقطة صغيرة تتحرك في خريطة على الهاتف.
وفي قصتها الثانية التي اختارت لها نهاية فانتازية، والتي عنونتها "المرأة التي تحولت إلى دخان"، تطرق الشماشي باب الحروب وما تخلفه من مآسٍ وحكايات إنسانية مؤثرة، إذ تقول:
"دَامَت الحرب طويلًا جدًا، ودهست الجميع بلا هوادة، حتى أولئك الذين نجوا. كانت الحكاية قريبة جدًا منا دائمًا، وبعيدة أيضًا لأنه لا يحب أن يتذكرها أحد. إنها قصة عن جدتي، المرأة التي تحولت إلى دخان. هذه قفزة كبيرة إلى الأمام واستباق غير مهذب للنهاية. قالت لي أمي إن الرجال كانوا في الجبال حينها، أما النساء فكن يختبئن مرتجفات في القرية ويستعرضن الاحتمالات السيئة كلها. تشارف الشمس على المغيب فيبدأن بالدخول إلى بيوتهن بسكون ثقيل لا يخالفه حتى الأطفال".
اختارت الكاتبة أن تجعل العناوين هي نفسها قصة وكأن فهرس المحتويات هو من يحكيها، فعن المرأة التي تحولت إلى دخان، والرجل الذي يحمل مصباحًا في يده، والبنت التي سمعت والولد الذي يسقط؛ تنسج هدى الشماشي تلك القصص وأخواتها، وكأنها تقصد الجمع بين كل أبطال الحياة اليومية المعيشة. ففي قصة "الرجل الذي يحمل مصباحًا في جيبه" تقول الراوية:
"شغل موسيقى على الحاسوب وضغط وجهه على الطاولة. رقدت أمامه ثلاث أوراق مكرمشة كان قد خط عليها بعض الجمل. همس لنفسه: (قصة عن رجل يريد الموت، قصة عن فتاة تقع في الحب وينكسر عنقها، قصة عن الرجل الذي يحمل مصباحًا في جيبه)".
وفي قصتها "بينما تنتظر" تؤكد الكاتبة فكرتها التي افتتحت بها المجموعة، وبنفس الألفاظ تقريبًا، إذ تقول: "هذه قصة أخرى عن الأمل". فهل أرادت الشماشي الاستمساك بالأمل وحث القارئ عليه أيًا كانت الظروف، أم إنها تسخر في النهاية من كل شيء! تقول الراوية في سياق تلك القصة:
"وهذه تفاصيل أكثر مما يجب لليلة واحدة، ولكن ليالي كثيرة حلت، وسرعان ما تعودت على كل شيء. إن هذه -كما قلنا- قصة عن الأمل، ولذلك فلنركز على موضوعنا: لقد كانت ليلى تنتظر الحب".
ولا يأتي عنوان القصة الخاتمة في المجموعة اعتباطيًا، بل إنه كالمخطط له؛ يثبت وجهة النظر التي تتبناها المجموعة، وهي الاستمساك بالصبر والأمل، وينطلق من مقولة "كل مر سيمر". تقول الساردة في القصة الأخيرة بالمجموعة "لن تكون حزينًا أبدًا":
"ينظر الجد إلى واحد من تلاميذه بتمعن ثم يقول له إنه لن يكون حزينًا أبدًا. إن التلاميذ الآخرين يحسون بالخدر والذهول وسرعان ما يشتعل الحسد في قلوبهم أيضًا، وعندها تكون هي ذلك التلميذ المتورد الوجه وتتوقف فجأة عن أن تكون نفسها".
يذكر أن الشماشي حاصلة على الإجازة في الفيزياء، تعمل بميدان التعليم، تكتب القصة والمقالة في عدد من المنصات العربية، حازت على جائزة سرد الذهب للقصة غير المنشورة عن قصتها "مرثية العطر والبحر" (2023).
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
لماذا يبحث الإنسان عن العيش حتى عمر 150 عاما؟
قالت الكاتبة البريطانية جين شيلينغ في مقال نشرته صحيفة التلغراف بعنوان "حان الوقت لإعادة تعريف الشيخوخة"، إن فكرة إطالة عمر الإنسان إلى ما بعد الحدود المعروفة لم تعد ضربا من الخيال، بعدما تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينغ عن إمكانية أن يعيش البشر حتى 150 عاما.
وأشارت الكاتبة إلى أن سؤال "متى تبدأ شيخوخة الإنسان؟" شغل الفلاسفة منذ زمن أرسطو، لكنه عاد للواجهة مؤخرا بعد أن قال بوتين إن "الأعضاء البشرية يمكن أن تزرع بما يجعل الإنسان أصغر سنا وربما يضمن الخلود"، ليرد عليه شي جينبينغ بالقول إن "الناس قد يعيشون حتى 150 عاما بنهاية هذا القرن".
وأضافت شيلينغ أنه ليس من الصعب فهم سبب انجذاب الزعيمين الروسي والصيني إلى مثل هذه الفكرة، فكل منهما تجاوز السبعين من عمره، ووفقا لمعيار عمر الإنسان الممتد إلى 150 عاما، فإنهما "ما زالا في منتصف الطريق تقريبا، وربما أمامهما 80 عاما أخرى".
وتساءلت الكاتبة بسخرية: "كيف يا ترى يكون شعور إنسان يبلغ من العمر 150 عاما؟"، مجيبة: "ربما يشبه شعور شاب في الثالثة والسبعين". لكنها أوضحت أن مشروعات إطالة الحياة إلى ما لا نهاية تطرح تساؤلا آخر: "ماذا سنفعل بكل هذا الوقت الإضافي؟"، معتبرة أن الإجابة بالنسبة لبوتين وشي ربما تكون "الاستمرار في الحكم ما دامت الأعضاء المستزرعة تقوم بوظائفها بنجاح".
وذكرت شيلينغ أن مؤسسات عدة بدأت تطرح أفكارا لمساعدة كبار السن على الاستفادة من أعمارهم الطويلة من خلال "خوض تجارب جديدة، وتكوين صداقات جديدة، وتعلم مهارات جديدة"، لكنها تساءلت: "إذا كانت هذه المهام صعبة على من بلغوا الستين أو السبعين، فكيف ستكون لمن يبلغ ضعف هذا الرقم؟".
وأضافت أن الباحثين عن الشباب الدائم ينشغلون غالبا بمتابعة العقاقير المضادة للشيخوخة، إلى درجة أنهم لا يجدون وقتا كافيا للاستمتاع بحياتهم المديدة.
وأشارت الكاتبة إلى قول الأديب هنري ميلر: "من ذا الذي يريد أن يعمر مئة عام؟ إن حياة قصيرة تملؤها البهجة خير ألف مرة من حياة طويلة يكتنفها الخوف والحذر وتمرر حَلقَها الأدوية والعقاقير".