في ذكرى رحيل القديس أبو فانا.. ديره الأثرى شاهد على التاريخ والرهبنة القبطية
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحل اليوم ذكرى رحيل القديس أبو فانا، أحد أشهر قديسي الرهبنة القبطية في العصور المسيحية الأولى، الذي عاش حياة نسكية في صحراء مصر، تاركاً وراءه إرثاً روحياً ما زال قائمًا حتى اليوم.
ويرتبط اسم القديس بدير أبو فانا الأثري الواقع في ملوي بمحافظة المنيا، والذي يعد من أقدم الأديرة في مصر، حيث يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي، مما يجعله شاهدًا على تطور الحياة الرهبانية علي مر العصور .
ولد القديس أبو فانا في صعيد مصر، وسلك طريق الرهبنة منذ شبابه، حيث اعتزل العالم وعاش حياة زهد وتقشف في الصحراء، متفرغًا للصلاة والتأمل، ومتبعًا نهج آباء الكنيسة الأوائل.
وتذكر المخطوطات القبطية العديد من القصص حول معجزاته وتعاليمه الروحية، حيث قيل إنه كان يشفي المرضى، ويهدي الضالين، وله تأثير عظيم على من حوله، مما جعله شخصية محورية في تاريخ الرهبنة القبطية ، وقد جذب أسلوب حياته البسيط عددًا كبيرًا من التلاميذ، الذين تبعوه وواصلوا مسيرته الروحية بعد وفاته، وهو ما ساعد في انتشار الرهبنة في صعيد مصر.
يعد دير أبو فانا أحد أهم الأديرة الأثرية القبطية، ويقع على بعد حوالي 12 كم غرب مركز ملوي بمحافظة المنيا، وسط الصحراء الشرقية ، ويتميز الدير بوجود كنيسة أثرية يعود تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، وتعتبر واحدة من أقدم الكنائس في مصر، حيث تحتوي على جداريات قبطية نادرة، وأعمدة أثرية تحمل طابع العمارة القبطية المبكرة.
ويضم الدير مغارات صخرية يعتقد أن الرهبان الأوائل كانوا يستخدمونها كمساكن للتعبد، بالإضافة إلى آثار تعبر الحقبة القبطية المبكرة، مثل أجزاء من الأسوار القديمة، والمعابد الصغيرة، وخزانات المياه التي كانت تستخدم قديمًا لخدمة الرهبان.
وقد مر الدير بعدة مراحل من التجديد والترميم، حيث تعرض عبر التاريخ لبعض الهجمات والتخريب، لكنه استعاد مكانته بفضل الجهود الكنسية للحفاظ عليه كأحد المواقع الروحية والتاريخية المهمة في مصر.
يزال الدير اليوم وجهة للسياحة الدينية والأثرية، حيث يستقطب الزوار من مختلف الأماكن، سواء من الباحثين عن التأمل الروحي أو المهتمين بتاريخ الكنيسة القبطية. كما يحتفل الأقباط سنويًا بذكرى القديس أبو فانا بإقامة القداسات والعشيات والصلوات الخاصة، وسط أجواء روحانية تعكس ارتباط الأقباط بتراثهم الديني العريق.
ويستمر الدير في كونه منارة للإيمان والتاريخ، حيث يرمز إلى عظمة الرهبنة المصرية التي نشأت في صحراء مصر منذ أكثر من 1600 عام، مؤكدة أن هذه الأرض كانت مهدًا للروحانية والتصوف، ومركزًا للحياة الرهبانية التي ألهمت العالم المسيحي بأسره.
في ذكرى رحيله، يظل القديس أبو فانا رمزًا للزهد والتقوى، ويظل ديره شاهدًا على قوة الإيمان والتاريخ، وكيف استطاعت الرهبنة القبطية الصمود عبر القرون، لتبقى حتى اليوم مصدرًا للإلهام والتأمل لكل من يبحث عن السكون والسلام الروحي وسط صخب الحياة المعاصرة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الحياة الرهبانية الرهبنة القبطية الرهبنة القبطیة
إقرأ أيضاً:
مفكر فرنسي إيراني: الإذلال محرك التاريخ والمقاومة طريق التحرر الوحيد
وتجسدت هذه المعاناة المبكرة في تجربة بادي، المولود عام 1954 لأب إيراني وأم فرنسية، الذي واجه صعوبات جمة خلال مراحل نموه الأولى بسبب عدم تقبل المجتمع لهويته المزدوجة.
وعبر الباحث عن شعوره بالاختلاف الجذري عن أقرانه الذين ينتمون لهوية واحدة واضحة، بينما كان يعيش تجربة كونه فرنسيا 100% وفارسيا 100% في الوقت ذاته.
وفي هذا السياق، تناولت حلقة من برنامج "المقابلة" معاناة والد بادي الذي هاجر من إيران عام 1928 لدراسة الطب، ثم شارك في المقاومة الفرنسية ضد النازية وحصل على وسام جوقة الشرف.
ورغم تضحياته الجسيمة، واجه الوالد صدمة قاسية عندما طُلب منه العودة إلى بلده يوم التحرير رغم حصوله على الوسام، مما ترك جرحا عميقا في نفسه انعكس على تجربة الابن اللاحقة.
ومع ذلك، شكلت هذه التجربة القاسية نقطة انطلاق نحو التحول الإيجابي، حيث أوضح بادي كيف تغيرت نظرته للأمور بفعل حدثين مفصليين في حياته، حيث شكلت أحداث مايو/أيار 1968 في فرنسا نقطة تحول أساسية أدرك من خلالها انتماءه للعالم قبل انتمائه لبلد معين.
فهم الثقافة الفارسية
وبالتوازي مع ذلك، ساهم التحاقه بالتعليم العالي في فهمه أن الشخصية تُبنى يوما بعد يوم وليس بالوراثة أو الانتماء المحدد مسبقا.
واستطاع بادي الاستفادة من تجربة والده في فهم عمق الثقافة الفارسية، حيث كان الوالد يلقي عليه كل مساء شيئا من الشعر الفارسي ويطلعه على ما يسميه الحكمة الشرقية.
ومكنته هذه التجربة الثقافية المزدوجة من تطوير مقاربة علمية جديدة في دراسة العلاقات الدولية تقوم على فهم الذاتية الثقافية للشعوب بدلا من فرض رؤية واحدة عليها.
وبناء على هذا الأساس، طور الباحث نظرية مفادها أن فهم العلاقات الدولية لا يمر عبر النظريات الكبرى التقليدية، بل عبر المقاربة الذاتية التي تأخذ بعين الاعتبار الاختلاف في المسارات التاريخية للشعوب.
إعلانوأكد أن الصراع الروسي الأوكراني يحمل معنى مختلفا في فرنسا عن المعنى الذي يحمله في تشاد، وأن سكان الشرق الأوسط لا يستقبلون الصراعات بالطريقة نفسها التي يستقبلها بها الأوروبيون أو الأميركيون.
انطلاقا من هذا الفهم العميق، انتقد بادي العقل الغربي المقتنع بتفوقه لدرجة اعتباره أن السردية الغربية للأحداث تصلح لباقي العالم.
كيف يفكر الآخر؟
ودعا إلى ضرورة طرح 3 أسئلة أساسية تمثل تواضع العلم: كيف يفكر الآخر، كيف يراني هو، وكيف يعتقد أنني أراه، وأشار إلى أن الأوروبيين لا يسألون هذه الأسئلة، بل لديهم سؤال واحد فقط: كيف يجب أن يكون الآخر يشبهنا.
وفي إطار تحليله لديناميكيات الهوية المعاصرة، تطرق النقاش إلى مفهوم الهوية وتصنيفها إلى 3 مراحل: الهوية الطبيعية الضرورية لتموقع الإنسان في العالم، والهوية التحررية التي تتيح مقاومة أشكال الهيمنة المفروضة، والهوية الانغلاقية القاتلة التي تدفع للاعتقاد بالتفوق على الآخر والتي يجب محاربتها.
وتطبيقا لهذا التصنيف على الواقع المعاصر، حذر بادي من استخدام الهوية الدينية والعرقية كأدوات للهيمنة، مؤكدا ضرورة الحرية الحقيقية في الاختيار.
ودعا إلى حق المرأة الإيرانية التي تريد خلع الحجاب في ذلك، وحق المرأة الفرنسية التي تريد ارتداءه في ذلك أيضا، معتبرا هذا جوهر الحرية الحقيقية.
وعلى صعيد التطورات السياسية المعاصرة، ربط الأكاديمي بين صعود اليمين المتطرف والخوف من العولمة والآخر، مشيرا إلى أن الشعبوية تقوم على فرض الهوية وإغلاق المجتمع في وجه العالم.
وحدد الخوف من الاختلاف والعولمة واللجوء إلى انغلاق الهويات كبنية أساسية لليمين المتطرف الذي يجب مواجهته والتحرك ضده.
وخلص بادي إلى تأكيد نظريته المحورية بأن الإذلال يعد عاملا أساسيا في العلاقات الدولية، معتبرا إياه أعلى درجات الهيمنة وشكلها المطلق.
وأشار إلى أن جميع حروب المقاومة وحركات التحرر عبر التاريخ تشكل ردا منتصرا على الإذلال، مؤكدا أن القوة الاجتماعية في النهاية أقوى من القوة السياسية وأن الإنسان يبقى القيمة العليا في مواجهة كل أشكال القمع والهيمنة.
27/7/2025-|آخر تحديث: 22:24 (توقيت مكة)