على رصيفٍ صغيرٍ وسط مدينة خان يونس، يقف أبو زهير أمام بسطته المتواضعة، يبيع المعجنات التي كان يقدمها ذات يوم في مطعمه الأثري في البلدة القديمة بمدينة غزة. نظرته حزينة، لكنها تحمل إصرارًا عنيدًا. لقد كان مطعمه مَعلمًا سياحيًا بجوار الباب الشرقي للمسجد العمري، وملاذًا للعائلات والزوّار خلال ليالي رمضان.

اليوم، لم يعد هناك سوى الركام، وصدى الذكريات.

«كنت أُزيّن الشوارع وأُجهّز مطعمي قبل رمضان بأسابيع. كنت أستقبل المئات كل ليلة للإفطار. أما اليوم، فلا بيت ولا مطعم، ولا حتى ولدي عمر، الذي استشهد في الحرب. كيف أستقبل رمضان وأنا نازح، بلا مأوى، بلا عمل؟» يقولها أبو زهير بحزن.

أضاف لـ«عُمان» أن فقدان ابنه جعله عاجزًا عن إحياء أجواء رمضان كما كان يفعل دائمًا: «كان عمر يساعدني في تزيين المطعم، ويشرف على الطهاة. كان هو روحي في العمل. اليوم، لا زينة ولا فرحة، بل حزن يخيّم على قلبي».

فقد مطعمه السياحي لكنه لم يفقد الأمل، يستذكر أبو زهير أجواء رمضان قبل الحرب: «كنا نفرح بتزيين الشوارع، نستقبل الزبائن من كل الطبقات، السياسي والطبيب والعامل. اليوم، أقف في خان يونس أبيع المعجنات، وأحمد الله أني لا زلت قادرًا على العمل ولو بأقل الإمكانيات».

ورغم الألم، يرى بصيصًا من الأمل في تجار المدينة الذين أزالوا الركام، وأعادوا فتح محالهم المدمرة على هيئة شوادر بسيطة؛ لبث الحياة مجددًا في الأسواق.

يواصل حديثه بنبرة مليئة بالإصرار: «نحن شعب فلسطين، شعب الجبارين. لن نستسلم. سنعيد بناء حياتنا من جديد. الحرب لم تكسرنا، لكنها علّمتنا أن نصنع من الرماد حياة».

ومع ذلك، يعترف بأن رمضان هذا العام مختلف تمامًا، فكيف له أن يكون كما كان، والبيوت مدمّرة، والشوارع مليئة بالحطام، والغائبون لا يعودون؟: «لقد فقدنا شغفنا الكبير للمناسبات ، بسبب ما فعله الاحتلال بنا».

رمضان وسط الركام: إصرار على الحياة رغم الألم

في أسواق غزة المدمرة، يصر الباعة على فتح محالهم، حتى وإن كانت مجرد بسطات خشبية. الفوانيس تُباع على الأرصفة، وأصوات بائعي التمر والياميش تعلو في الشوارع التي كانت يومًا تعج بالحياة.

رغم الجراح، تعلّق الأطفال الزينة على ما تبقى من الجدران. رمضان هذا العام، رغم شحّ الإمكانيات، يحمل رغبة جامحة في استعادة الحياة. يتذكر الغزيون رمضان 2024 حين عاشوه في أجواء الحرب، بلا زينة، بلا صلاة تراويح، بلا فوانيس. كان رمضان قاتمًا، لم يكن فيه سوى الرعب والدمار.

واليوم، مع الهدنة، عادت بعض المظاهر الرمضانية، لكن بحذر. فما زالت المخاوف قائمة من عودة القصف، وما زالت العائلات تحاول لمّ شملها وسط النزوح. الحنين إلى رمضانات ما قبل الحرب لا يفارقهم. حين كان رمضان كرنفالًا من الفرح، حيث الأسواق تعج بالمشترين، والمنازل تكتسي بحبال الزينة، والمآذن تصدح بنداء التراويح.

الطفلة راند: رمضان بدون خوف

الطفلة راند، البالغة من العمر 12 عامًا، لا تزال تتذكر أول ليلة في حرب السابع من أكتوبر 2023، حين كانت تظن أن أصوات القصف ما هي إلا أصوات الرعد. تقول ببراءة: «كنا نحسبها رعدًا، لكن فجأة عرفنا أنها صواريخ. بدأ رمضان الماضي بالحرب والخوف، واليوم يأتي ونحن نعلّق الزينة».

وتتمنى خلال حديثها لـ«عُمان» أن يكون رمضان 2025 مليئًا بالسعادة، وأن تستمر الهدنة: «لا نريد أن نعيش ما عشناه من رعب العام الماضي، على الأقل في رمضان».

تبتسم راند وهي تشير إلى الزينة التي علقتها في الشارع مع أصدقائها: «في رمضان الماضي، لم يكن لدينا القدرة على فعل ذلك. اليوم، رغم كل شيء، نحاول أن نعيش الفرحة ولو بجزء بسيط منها».

الخوف من الغدر

سنان صقر، بائع مخلل من خان يونس، يرى أن رمضان هذا العام مختلف، لكنه لا يزال يحمل القلق: «في رمضان الماضي، لم يكن هناك شيء يُسمى رمضان، بل حرب ودمار وشهداء. لم يكن هناك طعام، لا سحور، لا إفطار. هذا العام، رغم الدمار، نحاول أن نعيش رمضان بأقل الإمكانيات».

لكن سنان لا يخفي قلقه من غدر الاحتلال يقول لـ«عُمان»: «نخشى أن يكون وقف إطلاق النار مؤقتًا، وأن تعود الحرب فجأة. نريد أن نعيش رمضان كما كنا نفعل قبل الحرب، ثم نحتفل بالعيد، مثل أي شعب في العالم. نريد أن نحيا بسلام».

محاولات لاستعادة الفرحة

يسري يوسف خميس، بائع رمضان، يتحدث عن معاناة رمضان الماضي، حين لم يكن هناك أي مظهر من مظاهر الشهر الفضيل: «لم تكن هناك إمكانيات، كنا نعيش على المساعدات وعلى أطعمة التكيات، في ظل جوع وتشريد كبيرين. أما الآن، فرغم شحّ المال، نحاول أن نجلب الحد الأدنى من البضائع ليشعر الناس بفرحة رمضان».

لكنه يوضح لـ«عُمان» أن رمضان هذا العام لا يشبه رمضانات ما قبل الحرب: «رمضان كان عندنا أشبه بحفل كبير. الأسواق ممتلئة، الناس تشتري كل شيء، الأولاد يلهون في الشوارع. أما الآن، فمحلاتنا مدمرة، والمساجد أيضًا، سنصلي التراويح في العراء. فالاحتلال لن يستطيع منعنا من أداء شعائرنا».

ويتابع يسري بأسى: «الأطفال كانوا يشترون الحلوى والمكسرات، يتزاحمون أمام محلي فرحين برمضان. اليوم، أرى في أعينهم تساؤلات موجعة، هل سيأتي العيد وهم بلا بيوت؟ هل ستعود ألعابهم التي دُفنت تحت الأنقاض؟ نحاول جاهدين أن نعيد إليهم جزءًا من الفرحة، لكن كيف نفرح وسط هذا الكم من الخسائر؟».

بين التمني والواقع: غزة تحلم بوقف دائم لإطلاق النار

الهدنة الحالية أعادت بعض الحياة إلى غزة، لكن الغزيون يخشون التفاف الاحتلال على وقف إطلاق النار. يتمنون أن تستمر، ليتمكنوا من إعادة بناء حياتهم، واستعادة طقوس رمضان كما كانت قبل الحرب.

في كل زاوية من غزة، هناك قصة، هناك حزن، لكن هناك أيضًا إصرار على الحياة. رمضان هذا العام ليس كأي رمضان، لكنه شهادة على صمود شعب يرفض أن يُمحى. وبينما تتعالى أصوات المآذن، وتتلألأ الأنوار الخافتة في الأزقة، يبقى الأمل معلقًا: أن يكون رمضان 2025 أكثر أمنًا، وأكثر فرحًا، وأن تعود غزة كما كانت، أو ربما أجمل.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رمضان هذا العام رمضان الماضی قبل الحرب فی رمضان لـ ع مان أن نعیش أن یکون کما کان لم یکن

إقرأ أيضاً:

عمليات أمنية لـالمخابرات في البقاع.. من أوقفت هناك؟

صدر عن قيادة الجيش – مديرية التوجيه البيان الآتي:     دهمت وحدة من الجيش تؤازرها دورية من مديرية المخابرات منزل المطلوب (س.ح.) في بلدة عرسال – بعلبك وضبطت كمية من الأسلحة والذخائر الحربية بالإضافة إلى أعتدة عسكرية، وتجري المتابعة لتوقيف المطلوب.   كما أوقفت دورية من مديرية المخابرات في بلدة تعلبايا – زحلة السوري (ق.ز.) كونه مطلوب توقيفه بجرم الانتماء إلى تنظيم إرهابي في وقت سابق، بالإضافة إلى تهريب أشخاص والاتجار بالأسلحة الحربية.   كذلك أوقفت دورية أخرى من المديرية في بلدة كفرزبد – زحلة المواطن (ق.م.) كونه مطلوب توقيفه بجرم إطلاق النار وتأليف عصابة تهريب أشخاص وأسلحة حربية ومخدرات.   وسُلمت المضبوطات وبوشر التحقيق مع الموقوفَين بإشراف القضاء المختص. مواضيع ذات صلة عملية لـ"المخابرات" في الأوزاعي.. من أوقفت هناك؟ Lebanon 24 عملية لـ"المخابرات" في الأوزاعي.. من أوقفت هناك؟ 30/05/2025 20:04:53 30/05/2025 20:04:53 Lebanon 24 Lebanon 24 عملية لـ"المخابرات" في الضاحية.. من أوقفت هناك؟ Lebanon 24 عملية لـ"المخابرات" في الضاحية.. من أوقفت هناك؟ 30/05/2025 20:04:53 30/05/2025 20:04:53 Lebanon 24 Lebanon 24 عملية داخل الضاحية.. من أوقفت "المخابرات" هناك؟ Lebanon 24 عملية داخل الضاحية.. من أوقفت "المخابرات" هناك؟ 30/05/2025 20:04:53 30/05/2025 20:04:53 Lebanon 24 Lebanon 24 في البقاع.. مطلوب يقع بقبضة "المخابرات" Lebanon 24 في البقاع.. مطلوب يقع بقبضة "المخابرات" 30/05/2025 20:04:53 30/05/2025 20:04:53 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً رسامني عرض مع رئيس أكاديمية العلوم والنقل في مصر سبل التعاون Lebanon 24 رسامني عرض مع رئيس أكاديمية العلوم والنقل في مصر سبل التعاون 12:54 | 2025-05-30 30/05/2025 12:54:49 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الإعلام: لمؤازرة العهد الجديد اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً Lebanon 24 وزير الإعلام: لمؤازرة العهد الجديد اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً 12:41 | 2025-05-30 30/05/2025 12:41:37 Lebanon 24 Lebanon 24 في طرابلس.. توجيه "إنذارات" رسمية لأصحاب الملاحم Lebanon 24 في طرابلس.. توجيه "إنذارات" رسمية لأصحاب الملاحم 12:33 | 2025-05-30 30/05/2025 12:33:48 Lebanon 24 Lebanon 24 حول عودة اللاجئين من لبنان والدول المجاورة.. ماذا كشف مصدر حكومي سوري؟ Lebanon 24 حول عودة اللاجئين من لبنان والدول المجاورة.. ماذا كشف مصدر حكومي سوري؟ 12:29 | 2025-05-30 30/05/2025 12:29:06 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور.. الجيش يضبط أجهزة تجسس إسرائيلية في الجنوب Lebanon 24 بالصور.. الجيش يضبط أجهزة تجسس إسرائيلية في الجنوب 12:28 | 2025-05-30 30/05/2025 12:28:21 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بعد مغادرتها... إعلامية لبنانية تعود إلى "MTV" بعد 3 سنوات Lebanon 24 بعد مغادرتها... إعلامية لبنانية تعود إلى "MTV" بعد 3 سنوات 14:35 | 2025-05-29 29/05/2025 02:35:59 Lebanon 24 Lebanon 24 ما مصير رفع الحد الأدنى للأجور؟ Lebanon 24 ما مصير رفع الحد الأدنى للأجور؟ 02:15 | 2025-05-30 30/05/2025 02:15:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصورة... سجن وفرض غرامة على وئام وهاب! Lebanon 24 بالصورة... سجن وفرض غرامة على وئام وهاب! 16:45 | 2025-05-29 29/05/2025 04:45:12 Lebanon 24 Lebanon 24 بفستان أبيض بسيط.. فنانة شهيرة تحتفل بخطوبتها وعريسها من الوسط الفني أيضا (صور) Lebanon 24 بفستان أبيض بسيط.. فنانة شهيرة تحتفل بخطوبتها وعريسها من الوسط الفني أيضا (صور) 03:00 | 2025-05-30 30/05/2025 03:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بقصّة شرقية.. الأميرة سلمى تختار فستاناً محتشماً Lebanon 24 بقصّة شرقية.. الأميرة سلمى تختار فستاناً محتشماً 14:15 | 2025-05-29 29/05/2025 02:15:11 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 12:54 | 2025-05-30 رسامني عرض مع رئيس أكاديمية العلوم والنقل في مصر سبل التعاون 12:41 | 2025-05-30 وزير الإعلام: لمؤازرة العهد الجديد اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً 12:33 | 2025-05-30 في طرابلس.. توجيه "إنذارات" رسمية لأصحاب الملاحم 12:29 | 2025-05-30 حول عودة اللاجئين من لبنان والدول المجاورة.. ماذا كشف مصدر حكومي سوري؟ 12:28 | 2025-05-30 بالصور.. الجيش يضبط أجهزة تجسس إسرائيلية في الجنوب 12:20 | 2025-05-30 بعد الضجة إثر مقابلته مع "CNN".. توضيح من مكتب سلام فيديو حادث غريب.. هذا ما حصل مع رجلين داخل شاحنة قمامة (فيديو) Lebanon 24 حادث غريب.. هذا ما حصل مع رجلين داخل شاحنة قمامة (فيديو) 01:45 | 2025-05-30 30/05/2025 20:04:53 Lebanon 24 Lebanon 24 خلعت زوجها الأول.. هل تتزوج النجمة الشهيرة مجدّداً؟ (فيديو) Lebanon 24 خلعت زوجها الأول.. هل تتزوج النجمة الشهيرة مجدّداً؟ (فيديو) 03:41 | 2025-05-28 30/05/2025 20:04:53 Lebanon 24 Lebanon 24 انهار سقف منزلها بشكل مفاجئ.. هذا ما حصل مع هذه المؤثرة الشهيرة (فيديو) Lebanon 24 انهار سقف منزلها بشكل مفاجئ.. هذا ما حصل مع هذه المؤثرة الشهيرة (فيديو) 01:41 | 2025-05-28 30/05/2025 20:04:53 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • خبير لوائح: هناك تقاعس واضح في الفصل بشكوى الزمالك ضد زيزو
  • الأبلق: هناك عقبات تواجه تشكيل حكومة جديدة
  • ألمانيا تضغط على إسرائيل.. السلاح مقابل تحسين الوضع الإنساني في غزة
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين تضغط وترامب يتحدث عن اتفاق وشيك بغزة
  • بين خطاب الإصلاح والواقع… الحكومة تضغط على الانتاج!
  • هل هناك طريقة لكشف عسل النحل المغشوش؟.. رئيسة بحوث النحل تُجيب
  • طالبة أمريكية في خطاب التخرج: نحن نحتفل وغزة تحت الركام (شاهد)
  • بيدرسون: هناك إجماع دولي على دعم الحكومة السورية
  • عمليات أمنية لـالمخابرات في البقاع.. من أوقفت هناك؟
  • اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام الأسد؟