الجار قبل الدار حين يُعيدنا رمضان إلى قيمنا الأصيلة
تاريخ النشر: 11th, March 2025 GMT
بقلم: اللواء الدكتور سعد معن الموسوي ..
في زحمة الحياة وتسارع إيقاعها يبدو الجار كظلٍّ بعيدٍ نحياه دون أن نراه نحفظ اسمه دون أن نطرق بابه ونلتقيه صدفةً دون أن نتذكر متى كانت آخر مرة جمعتنا معه مائدة أو حديثٌ عابرٌ عن الحياة.
لكنّ رمضان بشعائره وروحه يعيد ضبط إيقاعنا يبطّئ عجلة الأيام لنلتفت إلى من جاورونا العمر قبل الدار إلى من نسمع صوت أذانهم في بيوتنا قبل أن نسمعه في المساجد إلى من تقاسمنا معهم جدرانًا لم تفصل قلوبنا، بل قرّبت أرواحنا.
يأتي يوم الجار العالمي في الأسبوع الأخير من شهر أبريل كفرصةٍ لإعادة الحياة إلى هذه الروابط لتعميق العلاقات بين الجيران وإحياء روح التعاون والتضامن في المجتمعات.
لا يكون هذا اليوم مجرّد احتفالٍ عابر بل مناسبةً لاستعادة ما فقدته المدن الحديثة من دفء العلاقات ولتذكير الناس بأن الجار ليس مجرد شخصٍ يعيش بقربنا بل جزءٌ من نسيج حياتنا اليومية.
في بعض الأماكن يتم تنظيم فعاليات مثل تناول الطعام المشترك أو الأنشطة الجماعية التي تعزز الشعور بالانتماء غير أن رمضان في البيئة العراقية يجعل من هذه الممارسات عادةً يومية حيث تصبح الموائد جسورًا تمتدّ بين القلوب وتتجلى معاني الجيرة بأبهى صورها من خلال تبادل الطعام والعزائم في مشهدٍ يعكس القيم الإسلامية التي حثّ عليها النبي الأكرم حين قال: “الجار قبل الدار”.
من منظورٍ نفسيّ، الجيرة الطيبة تساهم في التخفيف من التوتر وتخلق بيئةً آمنةً يشعر فيها الإنسان بالطمأنينة فحين يدرك أنّ خلف جدار منزله من يسأل عنه ومن يتفقد حاله ومن يهبّ لمساعدته عند الحاجة يتراجع القلق ويقلّ الإحساس بالعزلة التي صارت سمةً للعصر الحديث.
التفاعل الإيجابي مع الجيران يزيد من الشعور بالانتماء ويعزز الصحة النفسية ويُعيد إلى المجتمعات شيئًا من إنسانيتها المفقودة.
أما اجتماعيًا فإحياء هذه المناسبة لا سيّما في رمضان هو فرصةٌ لردم الفجوات التي صنعتها الحياة العصرية بين العائلات ولإعادة بثّ الدفء في شرايين المجتمعات التي بدأت تفقد صلتها ببعضها.
إنّ مجرّد مشاركة الإفطار مع جارٍ قد يكون وحيدًا أو طرق بابٍ لم يُطرق منذ زمن
أو تبادل طبقٍ بسيط كفيلٌ بأن يعيد ترميم العلاقة ويُحيي مودةً كادت أن تذبل.
في عالمٍ يزداد انشغالًا قد يكون الإعلام هو الوسيلة الأكثر تأثيرًا لإعادة تسليط الضوء على أهمية الجيرة وتحويل يوم الجار العالمي إلى مبادرةٍ واسعةٍ تصل إلى كل بيت.
منصات التواصل الاجتماعي قادرةٌ على إحياء هذا المفهوم من خلال حملاتٍ تذكّر الناس بقيمهم وتسلط الضوء على المبادرات المجتمعية وتدعو إلى مشاركة قصص الجيران الذين صنعوا فارقًا في حياة بعضهم.
وفي الحديث النبويّ الشريف: “تهادوا تحابّوا” تكمن معجزةٌ صامتة قادرةٌ على اختصار المسافات وتبديد الخلافات وإعادة وصل ما انقطع.
ليس مطلوبًا أن تكون الهدية فاخرة فربّما وردةٌ تُطرق بها الأبواب أو قطعة حلوى تُهدى لطفل الجيران كفيلةٌ بزرع بذرةٍ من المحبة تنمو مع الأيام.
في شهر الرحمة وفي زمنٍ باتت فيه العلاقات هشّةً كزجاجٍ تكسّره التفاصيل الصغيرة لنُعيد للجار مقامه ولنُحيِ قلوبنا قبل موائدنا.
فربّما كان الجار هو العائلة التي لم نخترها لكنه كان الامتحان الحقيقيّ لإنسانيتنا
اللواء الدكتور
سعد معن الموسوي
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
ممثل المملكة في اجتماع “مجموعة الطوارئ” في جنيف:الاستثمار في قدرات المجتمعات المحلية لمواجهة الكوارث الإنسانية
البلاد _ جنيف
أكد مساعد المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية للتخطيط والتطوير، عضو الفريق الاستشاري للصندوق الدكتور عقيل بن جمعان الغامدي، أهمية الاستثمار في بناء قدرات المجتمعات المحلية لمواجهة الكوارث الإنسانية.
وأشار خلال مشاركته على مدى يومين ممثلاً للمملكة في اجتماع المجموعة الاستشارية للصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة (CERF) بجنيف، إلى أن تطوير أنظمة الإنذار المبكر واتخاذ إجراءات استباقية تُعد من الأولويات التي يجب أن تُدرج ضمن آليات التمويل الإنساني، خاصة في المناطق المعرضة للمخاطر المتكررة. وأكد الدكتور عقيل الغامدي أهمية تعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة، وتحسين أدوات التقييم وإبراز أثر التمويل على حياة المستفيدين. وبدأت أعمال الاجتماع باستعراض شامل لنتائج الصندوق خلال عام 2024م، وتم تقديم بيانات تفصيلية حول مجالات التخصيص الجغرافي، والقطاعات المستهدفة، ومستوى التوافق مع المبادئ الإنسانية، و مناقشة التقدم في محفظة العمل المناخي والاستجابة الاستباقية. وفي الجلسة المخصصة لمبادرة “إعادة ضبط العمل الإنساني”، دار نقاش معمّق حول ضرورة تبني نماذج أكثر بساطة ومرونة في الاستجابة الإنسانية، إلى جانب تقليص التجزئة وتحسين تنسيق الجهود بين الجهات المانحة والمنفذة. وأكد الدكتور الغامدي في هذا السياق، أهمية تمكين الجهات المحلية شركاء رئيسيين في الاستجابة، مبينًا أن الصندوق يمكن أن يلعب دورًا رياديًا في هذا التحول إذا ما عزز أدواته التمويلية؛ بما يتلاءم مع الأولويات الميدانية. وعلى صعيد تحديات التمويل، ناقش الاجتماع إستراتيجيات التعبئة المالية والتواصل الإستراتيجي، في ظلّ الضغوط التي تواجهها الموارد الإنسانية على المستوى العالمي. وأشار الدكتور عقيل الغامدي إلى أهمية تطوير آليات مبتكرة لجذب التمويل، وتوسيع دائرة الشراكات مع قطاعات غير تقليدية، بما في ذلك مؤسسات القطاع الخاص والجهات المانحة من خارج الأطر التقليدية، مع التركيز على إبراز نتائج وأثر التمويل كأداة لتعزيز الثقة والمصداقية. واختتم الاجتماع بجلسة حوارية خاصة مع منسق الإغاثة في حالات الطوارئ توم فليتشر، واستعرض نتائج اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) المنعقد بالتزامن، والتطرق إلى سبل تحسين التنسيق الإنساني، وتطوير أدوات الاستجابة الجماعية للأزمات العالمية. وأكد الغامدي حرص المملكة على تعزيز الشراكات والتنسيق الفاعل مع جميع الجهات الإنسانية الفاعلة، بما يسهم في تطوير الاستجابة الجماعية ورفع كفاءتها في مواجهة الأزمات الإنسانية المتعددة.
يذكر أن مشاركة المملكة في هذا الاجتماع تأتي استكمالًا لمسيرة طويلة في مجال العمل الإنساني متعدد الأطراف، وتجسيدًا لرؤية المملكة في تعزيز أثر التمويل الإنساني من خلال أدوات أكثر عدالة، واستجابة أكثر فاعلية، وشراكات أكثر شمولًا، وتأكيدًا للمكانة الدولية للمملكة فاعلًا رئيسيًا في دعم الاستجابة الإنسانية العالمية، من خلال مبادراتها النوعية، وعلى رأسها ما يقدمه مركز الملك سلمان للإغاثة من إسهامات ملموسة، وتعاون وثيق مع مؤسسات الأمم المتحدة والشركاء الدوليين.