حوّل النظام السوري السابق اقتصاد البلاد إلى اقتصاد مخدرات يعتمد على عوائد الكبتاغون، ولكنّ انهيار النظام السياسي لا يعني نهاية تصنيعها والاتجار بهذا المُخدّر الصناعي الذي يحظى بشعبية كبيرة، بحسب نتائج تحقيق فرنسي تحدّثت عنه صحيفة "لو فيغارو"، خلص إلى أنّ حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية التابعة لإيران، قد ورثوا إدارة هذه التجارة المُربحة.

وفي السنوات الأخيرة، أغرقت هذه المخدرات منطقة الشرق الأوسط على نحوٍ غير مسبوق. وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنّ كميات الكبتاغون التي ضبطتها السلطات في بعض الدول بين عامي 2010 و2024، زادت بشكل أكثر من كل أنواع المخدرات الأخرى الموجودة على هذا الكوكب.

وبسبب موقعه الجغرافي، تحوّل العراق إلى أرض خصبة لتجارة المخدرات الاصطناعية، وخاصة في منطقة كردستان حيث من المستحيل احتواء الأعداد الكبيرة من التجار والمُروّجين والمُجرمين من خلال دوريات أمنية بسيطة، فضلاً عن استحالة ذلك مع وجود حدود برّية غير محكمة الإغلاق. ووفقاً لبيانات أممية، فقد زادت الكميات المُصادرة من الكبتاغون بمقدار 34 ضعفاً، من 118 كغم إلى 4 أطنان بين عامي 2019 و2024.

En savoir plus ↓https://t.co/tuaDYfCGqa

— Le Figaro (@Le_Figaro) March 7, 2025 تحوّل في طرق التصنيع والتهريب

ولكن هل سقوط بشار الأسد سيؤدّي إلى القضاء بشكل سحري على تجارة الكبتاغون إلى العراق؟ يُجيب الكاتب في "لو فيغارو" المحلل السياسي الفرنسي فينسنت جولي، بأنّه رغم أنّ ما حصل يُمثّل نهاية حقبة في تاريخ سوريا والشرق الأوسط، إلا أنّه لا يُمثّل سوى فصل واحد في تاريخ تجارة المخدرات في المنطقة. فلن يكون التدمير المُعلن من قبل القيادة السورية الجديدة لعدد قليل من المُختبرات كافياً، بل سنشهد تحوّلاً وتغيّراً في طرق التصنيع والتهريب.

وبرأيه، فإنّه في كثير من الأحيان، يؤدي القضاء على بنية ما إلى انتشار المنظمات الإجرامية الصغيرة التي تسعى إلى الاستحواذ على حصة في السوق. وهو ما تؤكده التقارير عن الاشتباكات الأخيرة عند الحدود السورية- اللبنانية، في فبراير (شباط) الماضي، بين قوات النظام السوري الجديد والعشائر المرتبطة بحزب الله.

Malgré la chute de Bachar el-Assad, qui a transformé la Syrie en une narco-économie dopée au Captagon, cette véritable drogue de guerre, d’abord utilisée par les combattants islamistes, se répand désormais dans la société au Proche-Orient. pic.twitter.com/h8EOKouAW0

— Le Figaro (@Le_Figaro) March 7, 2025 10 مليارات يورو

وفي عام 2011، انزلقت سوريا إلى الحرب. وعلى رماد هذا البلد المُدمّر، تبدأ عائلة الأسد بناء إمبراطورية جديدة من خلال التحوّل إلى التجارة الوحيدة الممكنة في ظلّ العقوبات: إنتاج المخدرات والاتجار بها، هذه الصناعة التي كانت تُولّد نحو 10 مليارات يورو في السوق السورية وحدها.

وفي غضون سنوات قليلة، نجح بشار الأسد في تحويل تصدير الكبتاغون إلى المصدر المالي الرئيسي للبلاد، مما أدّى إلى تصنيفها كدولة مخدرات، حيث كانت الإمكانات متوافرة، فالبلاد تمتلك المعرفة في الكيمياء، والمصانع اللازمة، وحتى القدرة على الوصول إلى طرق الأنهار في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن طرق التهريب الراسخة إلى الأردن ولبنان والعراق. وهذه هي ميّزة المخدرات المُصنّعة، فهي لا تتطلب أي زراعة أو حصاد. كل ما هو مطلوب كمية كبيرة من المواد الكيميائية ومواقع سرّية، أو سلطات مُتواطئة تُساعد في توزيع المخدرات، فتُصبح المهمّة أسهل بكثير.

Do not believe what the Iranians and Hezbollah are spreading. They have lost their criminal ally in Syria and are now resorting to lies and exaggerations to gain the world's sympathy so they can continue producing Captagon in Syria.#Syria pic.twitter.com/6W8xOjHxEQ

— Rami Seid (@RamiSeid38099) March 9, 2025

وبعد أن استولت الفصائل المسلحة على العاصمة دمشق، ومن أجل إظهار مصداقيتهم، قام أسياد سوريا الجدد بتدمير المختبرات ومواقع التصنيع التي تمّ العثور عليها في كلّ مكان: في المصانع، والفيلات، والمباني المهجورة. وأظهرت مقاطع فيديو تمّ تداولها غُرفاً مليئة بتصنيع الحبوب، إلى جانب آلات ومخزونات ضخمة من منتجات الكبتاغون، وكل ما يلزم لإخفائها داخل سلع قانونية. كما تمّ العثور على شحنات في قاعدة جوية عسكرية تابعة للنظام السابق.

Captagon : « La Syrie de Bachar al-Assad était un narco-Etat » https://t.co/NfUVFfw15w

— Public Sénat (@publicsenat) December 14, 2024 حزب الله والحشد الشعبي

وبحسب خبراء المُبادرة العالمية لمُكافحة الجريمة المُنظّمة العابرة للحدود الوطنية، التابعة للأمم المتحدة، فإنّ حزب الله اللبناني أصبح بالفعل وبشكل مُستقل ثاني أكبر مُنتج لهذه المخدرات. وهو ما يُشكّل فرصة مالية ضخمة لم يتردد الحزب، الذي قضت عليه إسرائيل في سبتمبر (أيلول) الماضي، من مواصلة استغلالها لتمويل إعادة الإعمار واستمرارية نشاطه.

وأما بالنسبة لكردستان العراق، حسبما نقلته يومية "لو فيغارو" الفرنسية، فقد عانى الإقليم من زيادة الاتجار بالكبتاغون، وخاصة عن طريق أكراد إيران، والعراق يُواجه اليوم مشكلة مزدوجة: فبعد أن كان في الماضي مُجرّد ضحية للاتجار، أصبح الآن لاعباً كاملاً في هذه العملية. والسبب وراء تفاقم المشكلة هو أنّه لم يعد مُجرّد نقطة عبور، بل بات هناك أيضاً مواقع تصنيع على الأراضي العراقية، بدأت في محافظة الأنبار الحدودية مع سوريا.

Le captagon, cette drogue illicite qui a transformé la Syrie en narco-État.
L’avenir de ce trafic reste incertain dans un pays dont l’économie a été alimentée par des milliards de dollars de contrebande et une forte demande des pays voisins.https://t.co/Gb2nNnz2eP [Rediff]

— Marc Gozlan (@MarcGozlan) March 9, 2025

وتنقل عن أحد سكان كردستان العراق، قوله إنّ الكبتاغون وصل أولاً من إيران بمُشاركة الميليشيات التابعة لها، مثل الحشد الشعبي، وعبر حزب الله اللبناني، وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي كان موجوداً في سوريا، وسط دوامة من الولاءات التي سيطرت عليها تجارة المخدرات على حساب السكان الذين وقعوا فريسة للإدمان أو انجرّوا إلى الاتجار بها.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية العراق بشار الأسد حزب الله بشار الأسد العراق حزب الله حزب الله

إقرأ أيضاً:

عام على سقوط الأسد.. صحفيو سوريا يتمتعون بحريتهم بعد 50 عاما

بعد مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، الذي حكمت عائلته سوريا بـالحديد والنار مدة 5 عقود، يتمتع الصحفيون السوريون بحرية واسعة في أداء عملهم، ولكنهم يواجهون في الوقت ذاته تحديات أخرى، مرتبطة بتنظيم المهنة وطبيعة بعض المناطق غير المستقرة في البلاد.

وأشار 20 صحفيا في سوريا إلى أن الظروف تحسنت بشكل كبير، إذ يمكن لجميع وسائل الإعلام السفر والتغطية بحرية، بما في ذلك التغطية الناقدة للحكومة الجديدة، على الرغم أن أسس حرية الصحافة الحقيقية لم تترسخ بعد، وفق لجنة حماية الصحفيين الدولية.

وبحسب اللجنة، فإن معظم حالات القتل والإصابات والاعتقالات والاعتداءات التي تعرض لها الصحفيون منذ الإطاحة بالأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، نجمت عن الانقسامات السياسية في البلاد، وغالبا ما تُرتكب الانتهاكات على يد المليشيات الإقليمية، وليس من قبل الأجهزة التابعة للحكومة الجديدة.

 

صحفي سوري يلتقي عائلته بعد غياب 14 عامًا#الجزيرة_سوريا pic.twitter.com/b3bw1ZPogR

— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 31, 2024

 

فروقات كبرى وتطورات مشجعة

وتوقف مراسل قناة "سوريا تي في"، أنس إدريس عن استخدام اسم مستعار في عمله، لأنه بات يشعر بأمان أكبر في ظل الحكومة الجديدة، مؤكدا أن تغييرا كبيرا جدا حدث في المشهد الصحفي، لأن السلطات الجديدة لا تتدخل في التغطية الصحفية ما لم "يحرض الصحفي على العنف".

وأعرب إدريس عن سعادته برد فعل الحكومة عندما تعرض للتهديد في سبتمبر/أيلول من قِبل أحد أفراد قوات الأمن الذي حذره على فيسبوك قائلا: "لا تلعب بالنار"، مضيفا أن المسؤولين العاملين لدى محافظ مدينة القصير عينوا محاميا وقدموا شكوى نيابة عنه، وعلى إثر ذلك اعتُقل الضابط المتورط على الفور.

ويؤكد علي عيد، رئيس تحرير موقع "عنب بلدي" الإخباري، ومدير منصة التحقيقات "سيريا إنديكيتور" أن هناك تطورات مشجعة، مثل توقف الرقابة الحكومية عن مراجعة محتوى الصحفيين قبل النشر.

إعلان

وقال: "أنا أعمل بحرية، لا توجد خطوط حمراء، ولا أحد يمنعنا من النشر، ولا أحد يطلب منا ألا نكتب بصرامة"، داعيا إلى مزيد من الإصلاحات، مضيفا "نحن بحاجة إلى بيئة مستقرة حقا تتضمن قوانين واضحة لحماية عمل وسائل الإعلام"، مشددا على أهمية تدقيق الحقائق ومكافحة المعلومات المضللة.

الخطر في بعض المناطق قائم

وفي مارس/آذار الماضي، أُطلقت النار على 3 صحفيين، وتعرض آخرون للاعتداء، معظمهم من قِبل قوات موالية للأسد في محافظة اللاذقية الساحلية.

لكن على الرغم من انتقاده الحكومة الجديدة في ملفات متعددة يقول كمال شاهين، الصحفي المستقل المقيم في اللاذقية "لا توجد رقابة أو قيود في الوقت الحالي".

وأشارت اللجنة الدولية إلى مقتل صحفيين وتعرض آخرين لإطلاق النار والمضايقة خلال الاشتباكات التي وقعت في يوليو/تموز بين المليشيات الدرزية والقوات الحكومية في السويداء.

ويقول ريان معروف، رئيس تحرير موقع "السويداء 24" الذي يركز على الدروز، إنه أحد الصحفيين القلائل الذين ما زالوا في السويداء، حيث تمنع نقاط التفتيش الحكومية الصحفيين المستقلين من دخول المدينة، مضيفا "الصحفيون هم مع الأسف الحلقة الأضعف لأنهم يتعرضون للتهديد من جميع الأطراف".

واندلع اشتباك جديد على الحدود الجنوبية لسوريا مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث سيطرت إسرائيل عقب سقوط الأسد على منطقة عازلة منزوعة السلاح -أُنشئت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974- في مرتفعات الجولان، بالإضافة إلى أجزاء من دمشق، في حين تُشن غارات إسرائيلية بشكل أسبوعي تقريبا.

ويقول نور الحسن، مراسل صحيفة المدن اللبنانية، الذي غطى العديد من الهجمات الإسرائيلية وطارده الجنود الإسرائيليون: "نواجه صعوبات شديدة للغاية وخوفا ورعبا عند محاولتنا توثيق ومراقبة الغارات الإسرائيلية"، مضيفا أن الصحفيين يواجهون خطر الاعتقال من قِبل إسرائيل، لكنهم يواصلون عملهم، حتى لو اضطروا إلى التصوير من خلف جدار أو نافذة أو أي زاوية يمكن التصوير منها.

وبحسب لجنة حماية الصحفيين ما زالت حرية الصحافة تتراجع في الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرق البلاد، حيث واجهت وسائل الإعلام اعتداءات واعتقالات وحظرا منذ عام 2012.

وعود حكومية بالأفضل

وعلقت حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع قوانين الصحافة التي كانت سارية في عهد الأسد، والتي كانت بمثابة أدوات عقابية أكثر منها أدوات حماية، وذكّر صحفيون بأن الإجراءات الأمنية المشددة والمراقبة إبان حكم الأسد جعلت الصحافة المستقلة شبه مستحيلة، إذ لم يُسمح إلا بترديد رواية الحكومة، وأي انحراف عن ذلك كان يؤدي إلى الاستجواب أو الاعتقال أو ما هو أسوأ.

وفي إيضاح للمفارقات في وضع الصحافة والإعلام في بلاده قبل سقوط نظام بشار الأسد وبعده، أشار وزير الإعلام حمزة المصطفى إلى مقتل أكثر من 700 صحفي خلال الثورة على الأسد بين عامي 2011 و2024.

وتخطط وزارة الإعلام، وفق مدير عام الشؤون الصحفية عمر حاج أحمد، إلى تشريع قانون حديث للإعلام يحترم حرية التعبير والمسؤولية المهنية، حيث عقدت الوزارة ما لا يقل عن 16 ورشة عمل حول أخلاقيات الإعلام.

إعلان

ويقول المصطفى إن سوريا انتقلت من "مملكة الخوف" واعتقال وقتل الصحفيين إلى بلد خال من أي معتقل بسبب رأيه أو منشوراته، مؤكدا عدم وجود صحفيين معتقلين في البلاد، باستثناء حالة واحدة قيد التحقيق.

وبيّن أن أكثر من 500 وسيلة إعلامية تعمل حاليا في سوريا، مضيفا "تلقينا نحو 3 آلاف طلب للحصول على بطاقات صحفية"، مشيرا إلى أن العمل جار من أجل معالجتها وإصدار البطاقات للصحفيين.

وقال "إن وزارة الإعلام انتقلت من وزارة الرقابة إلى وزارة صناعة محتوى إعلامي"، لافتا إلى السعي للعب دور فاعل في عملية صناعة المحتوى.

مقالات مشابهة

  • سوريا تُحيل وسيم بديع الأسد للمحاكمة: أبرز تجار المخدرات و«رجل الكبتاغون»
  • دويتشه فيله: ماذا حققت سوريا بعد عام من سقوط الأسد؟
  • نتنياهو ينفي التوصل إلى اتفاق مع سوريا ويصف الأنباء بـ"الكاذبة"
  • كيف تدعم إدارة ترامب سوريا بعد عام على سقوط الأسد؟
  • ماذا حققت سوريا اقتصاديا بعد عام على سقوط الأسد؟
  • عام على سقوط الأسد.. صحفيو سوريا يتمتعون بحريتهم بعد 50 عاما
  • بذكرى سقوط الأسد.. الشرع يتعهد من “الأموي” بإعادة بناء سوريا
  • بعد عام من سقوط الأسد: ماذا تحقق في سوريا
  • من سقوط الأسد إلى حكم الشرع.. كيف تبدو سوريا بعد عام من الجمهورية الجديدة؟
  • انسحاب إيران من سوريا قبل سقوط الأسد .. كواليس الساعات الأخيرة