إيكونوميست: هذه أوراق بيد أوروبا حال تعمق خلافها مع أميركا
تاريخ النشر: 14th, March 2025 GMT
نشرت مجلة إيكونوميست تقريرا مطولا يتناول مكامن القوة التي تتمتع بها أوروبا إذا وصل السجال المحتدم بينها وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حد المواجهة.
وبلغ السجال ذروته بين الولايات المتحدة والقارة العجوز مع تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأسبوع الماضي، بضرورة أن يرد الاتحاد الأوروبي على تصرفات ترامب المعتادة التي تضر بالاتفاقيات وتهدد "القيم الأوروبية".
وتستدرك المجلة قائلة إن أوروبا لا ترغب في تصعيد خلافها مع الولايات المتحدة وتأمل أن يخفف الرئيس الأميركي من غلوائه.
وإذا احتدم الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فإن إيكونوميست تقول إن للاتحاد العديد من الطرق المدهشة لممارسة الضغط على ما تسميه الحليف المشاكس.
مطبات اقتصاديةواستعرضت بالتفصيل أبرز المقومات الجيوسياسية لدى الاتحاد الأوروبي، ومن ذلك حجم سوقه المشتركة، حيث يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للقارة -إذا أُضيف له بريطانيا والنرويج وسويسرا- 24.5 تريليون دولار، أي ما يعادل تقريبا حجم نظيره الأميركي البالغ 29 تريليون دولار.
وترغب الشركات الأميركية في مواصلة العمل في الأسواق الأوروبية، وهذا هو المبدأ الذي تستند إليه دول القارة في فرض رسوم انتقامية ستطال في بادئ الأمر السلع الفاخرة التي يسهل الحصول على بدائل لها، مثل الدراجات النارية من طراز هارلي ديفيدسون والمُسكرات.
إعلانولعل المعضلة التي تكمن في فرض الرسوم الجمركية والقيود الأخرى على الواردات من أميركا أنها تضر بالمستهلكين الأوروبيين والمصدرين الأميركيين على حد سواء.
وضربت المجلة مثالا على ذلك بمنتجات الطاقة التي تعد أكبر واردات أوروبا، حيث التهمت القارة 35% من صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام والمكرر في العام الماضي، وذهب أكثر من نصف الغاز المسال الأميركي إلى أوروبا أيضا.
وإذا ما قلصت أوروبا مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، فإن العديد من شركات الطاقة الأميركية ستقع في ورطة.
ولكن من الصعب على أوروبا أن تفعل ذلك دون أن تشل اقتصادها المتعثر بالفعل أو أن تصبح مرة أخرى معتمدة على روسيا، وهو مأزق مقلق بالكاد نجت منه للتو.
رسوم انتقاميةومن أكثر قطاعات الاقتصاد الأميركي التي ستتأثر بالرسوم الانتقامية، شركات التكنولوجيا العملاقة. فلربما تستغني أوروبا، على سبيل المثال، عن شبكة التواصل الاجتماعي إنستغرام المملوكة لشركة ميتا التي ستتضرر بشدة إذا فقدت أوروبا.
ولا تزال الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق عالمي بشأن الضرائب على الشركات الرقمية متوقفة مؤقتا لأنها لا تحظى بدعم ترامب. ولذلك، تعتقد إيكونوميست أن بإمكان الدول الأوروبية منفردة أن ترفع معدلات ضرائبها أو يمكن للاتحاد الأوروبي ككل أن ينفض الغبار عن ضريبة مقترحة كان قد وضعها على الرف.
وتتمتع المفوضية الأوروبية أيضا بسلطة تنظيمية هائلة على شركات التكنولوجيا الأميركية، إذ يمكنها كبح السلوكيات المخلة بروح المنافسة، وأن تأمر بإزالة المحتوى الضار وتطبيق قوانين الخصوصية بصرامة.
ولا تقتصر هذه السلطة التنفيذية على شركات التكنولوجيا وحدها، فحتى الشركات المالية الأميركية هي تحت رحمة المؤسسات الأوروبية. كما أن بعض الأدوات الموجودة تحت تصرف الاتحاد الأوروبي من الفعالية بمكان، إلا أنه قد لا يستخدمها أبدا.
إعلانفعلى سبيل المثال، تحظى الهيئات التنظيمية الأوروبية بنفوذ كبير على نظام سويفت للتحويلات المصرفية العالمية. غير أن المجلة البريطانية ترى أن أي تدخل يعيق نفاذ البنوك الأميركية إلى نظام سويفت سيكون بمثابة "معركة مالية فاصلة" تعرقل التحويلات المالية العالمية ستكون وبالا على البنوك الأوروبية والأميركية على حد سواء.
نفوذ اقتصاديوعلاوة على ذلك، فإن ثقل أوروبا في السوق ليس مصدر نفوذها الاقتصادي الوحيد، إذ بمقدورها أيضا أن تحد من وصول أميركا إلى السلع أو الخدمات التي تهيمن عليها.
وعلى رأس السلع التي تُنتج بشكل رئيسي في أوروبا وتستورد أميركا الكثير منها، الأدوية والمواد الكيميائية، وفق ما ورد في تقرير لمركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية، وهو مؤسسة فرنسية مختص بدراسات الاقتصاد الدولي.
ومن الصناعات الإستراتيجية التي للاتحاد الأوروبي قدرة على التحكم فيها سلسلة توريد أشباه الموصلات، إلا أن تعطيلها قد يكون له عواقب مروعة وغير متوقعة قد تضر بأوروبا بقدر ما تؤذي طرفا آخر. ورغم أن أوروبا ليست من المصدرين الرئيسيين لمعظم المواد الخام مثل الولايات المتحدة، فإنها وسيط لا غنى عنه.
إن أي خلاف خطير مع أوروبا قد يجعل من العسير على أميركا بيع مواردها في أي مكان، وليس فقط في القارة العجوز.
وطبقا لتقرير المجلة، فإن أوروبا هي موطن أكبر شركات تجارة السلع في العالم. فدولة مثل سويسرا تضم وحدها 900 شركة من هذا النوع. وتُدر حصة القارة في التجارة العالمية نحو 35% للنفط و60% للمعادن و50% للحبوب و40% للسكر. كما تُعد بريطانيا وهولندا مركزين تجاريين كبيرين، مما يعزز هيمنة أوروبا.
القطاع العسكريوالأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فأكبر شركات النقل البحري أوروبية، مثل "ميرسك" و"إم إس سي" و"سي جي إم" و"سي إم أي".
على أن القطاع العسكري هو أكثر جوانب العلاقة بين أوروبا وأميركا اختلالا. فأوروبا -كما تشير إيكونوميست- تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأميركي، ولديها الكثير مما تخسره من أي انهيار في هذا المجال أكثر بكثير مما تخسره الولايات المتحدة، إذ قال ترامب إن بلاده محمية "بمحيط كبير وجميل".
إعلانولكن المجلة تقول إن هذه الحماية ليست مطلقة، إذ إن أميركا لن تستطيع حماية نفسها دون مساعدة أوروبية. فالغواصات الروسية التي تدخل شمال المحيط الأطلسي انطلاقا من قواعدها في القطب الشمالي، يجب أن تمر من خلال نقاط العبور الضيقة المعروفة باسم فجوة غرينلاند-أيسلندا-بريطانيا، وهو خط وهمي في شمال المحيط الأطلسي يشكل ممرا إستراتيجيا للسفن العسكرية.
ولطالما ظلت الولايات المتحدة وحلفاؤها لعقود من الزمن يراقبون بشكل مشترك هذه المنطقة من خلال سلسلة من أجهزة الاستشعار الصوتية تحت الماء المتصلة بمنشآت على اليابسة، بالإضافة إلى فرقاطات الرادارات وطائرات دورية بحرية تنطلق من بريطانيا وأيسلندا والنرويج.
فإذا انهارت هذه الترتيبات تؤكد إيكونوميست أن من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة تعقب الغواصات الروسية، وهذا من شأنه أن يسمح لموسكو بنشر مزيد من الصواريخ، وبالتالي يضع الأهداف الأميركية في مرمى نيرانها.
وحتى لو حقق ترامب أمنيته وضم بطريقة أو بأخرى جزر غرينلاند، التي تتبع حاليا إلى الدانمارك وتتمتع بالحكم الذاتي، فلن تتمكن القوات الأميركية -حسب زعم المجلة- من سد الفجوة الجغرافية بالكامل.
وتعد ألمانيا أهم موطئ قدم للولايات المتحدة في أوروبا، حيث تستضيف أكثر من 50 ألف جندي أميركي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان ترجمات الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی
إقرأ أيضاً:
هل خسرت أميركا رهانها الأفريقي لصالح الصين؟
كانت تناقضات سياسة الإدارة الأميركية تجاه أفريقيا واضحة هذا الأسبوع. ففي الرابع يونيو/ حزيران، عقدت اللجنة الفرعية لمجلس الشيوخ الأميركي المعنية بأفريقيا وسياسة الصحة العالمية جلسة استماع بعنوان "التأثير الخبيث للصين في أفريقيا"، وهو عنوان لا يترك مجالاً للشك في الطريقة التي ينظر بها الكونغرس إلى القارة.
استدعى رئيس اللجنة الفرعية تيد كروز المسؤول الدبلوماسي تروي فيتريل، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون أفريقيا، الذي يمتلك خبرة تمتد 3 عقود.
بلهجة دبلوماسية مدروسة، شرح فيتريل كيف فقدت الولايات المتحدة مكانتها أمام الصين في أفريقيا، وكيف يمكن لتعزيز الدبلوماسية التجارية أن يعالج ذلك.
في اليوم نفسه، أصدر الرئيس دونالد ترامب أحدث قائمة لحظر السفر، حيث تم منع مواطني 7 دول أفريقية من دخول الولايات المتحدة.
تحذير أفريقيورد الاتحاد الأفريقي بسرعة غير معهودة، طالبا من واشنطن "اعتماد نهج أكثر تشاورا والانخراط في حوار بناء مع الدول المعنية".
وحذر الاتحاد الأفريقي من تأثير هذه التدابير على العلاقات التعليمية والدبلوماسية والتجارية التي تمت رعايتها بعناية على مدار عقود.
لكن بعيداً عن تصريحات الاتحاد الحذرة، قام الطلاب الأفارقة والشركات بإعادة توجيه خياراتهم بشكل جذري.
إعلانففي عام 2018، تم تسجيل أكثر من 81 ألف طالب أفريقي في الصين، وفقاً لبيانات منظمة اليونسكو، مقارنة بـ 68 ألف طالب في بريطانيا و55 ألفا في الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أن تعزز القيود الجديدة على تأشيرات الطلاب في الولايات المتحدة وبريطانيا هذه الخيارات، حيث إن الرسوم الدراسية في الجامعات الصينية أقل، والحصول على تأشيرات الطلاب أكثر سهولة.
في عام 2022، تم رفض أكثر من نصف طلبات التأشيرة الدراسية الأفريقية للولايات المتحدة، التي بلغت 56 ألف طلب، بسبب أخطاء في الأوراق أو نقص التمويل، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز.
ونظراً لتأثير المؤسسات التعليمية على القادة السياسيين ورجال الأعمال، فإن هذا التحول من قبل الطلاب الأفارقة سيعزز من نفوذ الصين في القارة.
خلال جلسة اللجنة الفرعية، أكد السفير فيتريل أن "الفرصة في أفريقيا ليست نظرية، بل يستغلها خصومنا بالفعل".
ففي عام 2000، كانت الولايات المتحدة ثاني أكبر مصدر لأفريقيا، أما في عام 2024، فقد صدّرت الصين بضائع بقيمة 137 مليار دولار إلى أفريقيا، أي أكثر من 7 أضعاف الصادرات الأميركية التي بلغت 17 مليار دولار.
ورغم إشادة أعضاء مجلس الشيوخ بخبرة فيتريل وحماسه، فإنه سيحتاج إلى جهود كبيرة لعكس هذه الاتجاهات، لكن بعض مبادراته قد تلقى صدى في أفريقيا.
تتصدر قائمة الخطط قمة للقادة الأفارقة في نيويورك بالتزامن مع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول، احتفاءً بالذكرى الـ80 لتأسيس المنظمة.
وإذا تمكنت واشنطن من تعبئة الأموال عبر كيانات مثل مؤسسة تمويل التنمية المدعومة من القطاع الخاص، فقد يتم تسريع تنفيذ عدة مشروعات كبيرة.
ويعتمد الكثير على حسم قضايا السياسة الأميركية مثل مستقبل قانون النمو والفرص الأفريقي (AGOA) والامتيازات الجمركية المرتبطة به، بالإضافة إلى وضع مؤسسة تحدي الألفية (MCC)، التي مولت العديد من المشاريع الأميركية في أفريقيا قبل أن تعلقها وزارة كفاءة الحكومة، التي أنشأها إيلون ماسك كجزء من تدابير خفض التكاليف.
إعلانوأكد فيتريل، الذي يدعم بقوة مبادئ قانون AGOA، أنه بحاجة إلى تحديث، لكنه توقع صدور قرارات بشأن إصلاحه قريبا، وقبل مراجعته في سبتمبر/أيلول المقبل.
أما فيما يتعلق بمؤسسة تحدي الألفية، فقد أشار إلى استمرار المناقشات حول مستقبلها.
وأضاف أن هذه التحولات تتماشى مع دبلوماسية تجارية أميركية أكثر حزما في أفريقيا، مما دفع بعض أعضاء مجلس الشيوخ إلى التساؤل عن تقارير بشأن خطط وزارة الخارجية لإغلاق السفارات وخفض حجم إدارة الشؤون الأفريقية في واشنطن. ورد فيتريل بالنفي، مؤكدا أن السفارات الأميركية تعزز جهودها في مجالي التجارة والاستثمار.
ومن المتوقع أن يتوجه فيتريل قريبا إلى أنغولا للقاء الرئيس جواو لورينزو، لدعم مشروع ممر لوبيتو المدعوم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولإلقاء كلمة في مؤتمر مجلس الشركات هذا الشهر.
ومع ذلك، سيحتاج الأمر إلى العديد من المبادرات الأخرى، وخاصة تلك التي تجلب استثمارات طويلة الأجل وتخلق فرص عمل، إذا كانت الشركات الأميركية تأمل في منافسة الهيمنة الصينية على التجارة الثنائية، واستخراج المعادن الحيوية، والسيطرة على سلاسل الإمداد في أفريقيا.