وجهة عشاق السيارات.. سياحة السرعة على الأوتوبان الألماني
تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT
لم يعد مفهوم السياحة حكرا على السياحة المعتادة، والتي عندما تذكر يتبادر إلى الذهن الترفيه والترويح، والثقافة، والرياضة وشغف الاستكشاف والعلاج، والبحث عن كل جديد وغيرها، إنما توسع المفهوم ليشمل مجالات أخرى، مثل ما يعرف بسياحة السرعة، وهي أن السرعة هنا لا تعني أن تقضي عطلتك في تسرع، بل تعني قيادة السيارات بسرعة.
أصبحت ألمانيا موطنا لمثل هذا النوع من السياحة "سياحة السرعة"، حيث وفرت البنيات التحتية والتشريعية، وفي هذا المجال يقف طريق الأوتوبان "Autobahn"، وهي شبكة طرق سريعة تربط جميع أنحاء البلاد والتي لا تخضع في بعض مقاطعها لحدود السرعة. وبالنسبة لعشاق القيادة والسيارات، يمثل "الأوتوبان" تجربة سياحية فريدة لا مثيل لها، ومصدرا للبهجة والحرية.
من الناحية التشريعية، سمحت ألمانيا بممارسة هذا النوع من السياحة، وإذا كان الحد الأقصى للسرعة القانونية على الطرق السريعة لا يتعدى 140 كيلومترا في الساعة في أحسن الأحوال في بعض البلدان، فإنه في ألمانيا لا قيود ولا مخالفات على السرعة في المقاطع المحددة، فانطلق بقدر ما تستطيع مركبتك الوصول إليه، أطلق العنان لشغفك، فالحد الوحيد هو قدرة محرك سيارتك.
إعلان ألمانيا موطن "اللا حدود"تعتبر ألمانيا الدولة الوحيدة في العالم التي جعلت من حلم الشباب حقيقة، ورحبت بعشاق السيارات الرياضية الفارهة والسريعة من حول العالم، وقالت لهم مرحبا بكم في موطن "اللا حدود"، وقد أطلق أول طريق أوتوبان في ألمانيا في العام 1932 وربط بين مدينتي بون وكولونيا.
وتعد ألمانيا موطنا للإبداع الهندسي والتكنولوجيا المتقدمة وتشتهر بصناعة كل ما هو ذو جودة، ومرجع عالمي في صناعة السيارات والبنى التحتية.
يحلم الكثيرون وخصوصا الشباب، وعشاق السيارات بأن يختبروا أداء سياراتهم الأقصى ويروا عداد السرعة وقد وصل إلى حده الأخير أمام أعينهم، في لحظات تخطف الأنفاس. يحلم الكثير بأن يسرع، ليس بغرض السرعة بحد ذاتها، بل ليشعر بالحرية بالتحرر من القيود دون مخالفات دون كاميرات مراقبة، إنه انتشاء نفسي وصورة من صور الحرية التي تخلق الفرحة داخل النفس البشرية. كما يحلم أصحاب السيارات العادية بذلك، فما بالكم بأصحاب السيارات الرياضية فائقة الأداء؟!
السياحة في ألمانيا ليست فقط لزيارة القلاع التاريخية أو تذوق النقانق البافارية، بل تمتد لتشمل تجربة قيادة فريدة تجذب محبي السيارات من جميع أنحاء العالم. يجتمع عشاق السرعة من مختلف الجنسيات في ألمانيا لتحقيق حلم القيادة بسرعة "غير محدودة" على طرق "الأوتوبان".
ما الأوتوبان؟يعرّف الأوتوبان بأنه شارع ذو اتجاهين، كل اتجاه لديه على الأقل مساران. وفي وسط الاتجاهين هناك فاصل إما عن طريق الجدران الإسمنتية أو الأسوار الحديدية. ولكن على الرغم من ذلك، إذا حدث أن انتقلت إحدى المركبات بشكل ما إلى الجانب الخطأ لتسير في الاتجاه المعاكس، فإن ذلك يعتبر بلا شك بمثابة محاولة انتحار.
وعادة ما يكون الأوتوبان مصمما بشكل خال من المنحنيات الضيقة والارتفاعات المتفاوتة والتقاطعات. ونادرا ما تجد أوتوبان بأكثر من 3 مسارات.
يمكنك خوض تجربة سياحة السرعة بطريقتين، الأول عن طريق استئجار سيارة رياضية، فيمكن لمحبي السرعة وعشاق السيارات بمختلف جنسياتهم السفر لألمانيا لتأجير سيارة رياضية لقيادتها على طريق "الأوتوبان" بسرعة غير محدودة، ليحققوا حلما في الأغلب لن يتحقق سوى مرة واحدة في العمر. إنها تجربة تحبس الأنفاس وترفع الأدرينالين وتخلق النشوة.
إعلانوأما الطريقة الثانية فتتمثل في شحن السيارات إلى ألمانيا، حيث يحرص الأثرياء من مختلف بلدان العالم على شحن سياراتهم الرياضية الفارهة مثل فيراري، لامبورغيني، وبوغاتي إلى ألمانيا خصيصا لتجربة "الأوتوبان". هنا يكمن المعنى الحقيقي لـ"سياحة السرعة"، فالسفر جاء هنا لغرض واحد فقط وهو رفع الأدرينالين لأقصى حد من خلال إظهار أقوى أداء للسيارات الرياضية الفائقة على الأرض.
صنعت السيارات الرياضية لهذا الهدف، لكن هناك إحصائية تقول إن أغلبية الأثرياء لم يجربوا أقصى أداء لسياراتهم الرياضية باهظة الثمن ولو لمرة في العمر، فالبعض يحب التملك فقط، والبعض الآخر لم تتح له الفرصة لخوض تلك التجربة الحماسية.
بالنسبة لعشاق السيارات، القيادة ليست مجرد وسيلة تنقل بل هي شغف ومتعة وإثارة. ولهذا السبب، يقوم عدد من الأمراء ورجال الأعمال من منطقة الخليج العربي باستغلال أشهر الصيف للاستمتاع بقيادة سياراتهم السريعة على "الأوتوبان"، متنقلين بين المدن الألمانية بسرعة تفوق الخيال.
لماذا لا يوجد طريق مثيل للأوتوبان؟رغم أن العالم شهد طفرة في مشاريع الطرق السريعة، فإن الأوتوبان ظل فريدا من نوعه. فتكاليف الصيانة العالية والثقافة المرورية المنضبطة جعلته تجربة لا يمكن تكرارها في أي دولة أخرى. وتنفق ألمانيا على صيانة شبكة الأوتوبان 5 أضعاف ما تنفقه على الطرق العادية، وتشمل التكاليف إصلاحات دورية وتحديثات، وضمان المعايير العالية للسلامة.
وبالمقارنة، فإن الطرق السريعة في دول مثل الولايات المتحدة أو فرنسا تفرض حدودا للسرعة (عادة حول 120 كلم/ساعة أو 75 ميل/ساعة)، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى المخاوف المتعلقة بالسلامة عند القيادة بسرعات عالية.
ففي البلدان التي تفرض حدودا للسرعة، يُنظر إلى القيادة بسرعة عالية على أنها خطر من ناحية السلامة. ومع ذلك فإن ثقافة ألمانيا جعلت الأوتوبان بيئة آمنة للسرعات التي تعتبر غير آمنة في أماكن أخرى وذلك لمجموعة من الأسباب، مثل القوانين والأنظمة المرورية الصارمة، فعلى الرغم من عدم وجود حد للسرعة بشكل عام، فإن الأوتوبان يعمل بموجب مجموعة من القواعد الصارمة المصممة للحفاظ على النظام والسلامة، بما في ذلك انضباط المسارات، حيث يجب على المركبات البقاء في المسار الأيمن ما لم تكن تتجاوز مركبة أخرى، وتُخصص المسارات اليسرى للتجاوز فقط.
أما فيما يتعلق بحدود الكحول، فلدى ألمانيا سياسة عدم التسامح مع القيادة تحت تأثير الكحول في بعض الحالات، ويعد الحد القانوني لتركيز الكحول في الدم منخفضا (0.05% للسائقين العاديين، و0.00% للسائقين المبتدئين).
إعلانكما يعد الحصول على رخصة قيادة هو من أصعب الأشياء في ألمانيا، وذلك بالنظر لصعوبة اختبارات القيادة وصرامتها ولرسومها الباهظة. كما تخضع السيارات في ألمانيا لفحص ميكانيكي سنوي لاختبار سلامة المركبة بشكل دقيق جدا ولا ترخص المركبة إلا بعد إصلاح كل أعطالها بشكل كامل، ولذلك فإنها تظل آمنة على الطرق السريعة.
ومن العوامل المساعدة أيضا، انضباط السائقين الألمان ووعيهم بثقافة المرور، حيث يعرف عنهم التزامهم الصارم بالقوانين المرورية، مما يجعل الأوتوبان مكانا آمنا للسرعات العالية.
بين الحرية والسلامةفي داخل ألمانيا، لا يخلو الأمر من الجدل في السنوات الأخيرة حول موضوع السلامة والقيود على السرعة المفتوحة، فقد زادت الأصوات المطالبة بفرض قيود على السرعة في طرق "الأوتوبان"، وذلك لأسباب تتعلق بالسلامة وحفظ أرواح البشر وحماية البيئة عن طريق تقليل الانبعاثات الغازية.
ويقترح بعض الساسة الألمان تحديد السرعة عند 130 كلم/الساعة للحد من انبعاثات الكربون، لكن عشاق السيارات وشركات صناعة السيارات الألمانية مثل "بي إم دبليو" وبورش ومرسيدس، يعارضون بشدة هذه الفكرة، معتبرين أن القيادة السريعة جزء من الثقافة الألمانية، وأن الأوتوبان هو الملاذ الأخير لعشاق قيادة السيارات بسرعات غير محدودة في العالم.
ويعتقد الكثيرون أن شبكة طرق الأوتوبان بأكملها لا توجد لها حدود للسرعة، لكن في الحقيقة أن 60% فقط من الشبكة هي التي لا تخضع لحدود السرعة.
وحسب موسوعة بريتانيكا (Britannica)، فإن طول شبكة الطرق المسماة أوتوبان في ألمانيا يفوق 12 ألف كيلومتر، مما يجعلها ثالث أكبر شبكة في العالم بعد الولايات المتحدة والصين.
تجارب حقيقيةستجدون المئات من الفيديوهات على يوتيوب لتجارب أناس يقودون سياراتهم على "الأوتوبان" بمختلف أنواع السيارات، ففي شهر يوليو/تموز 2021 قام سائق محترف من شركة "بوغاتي" وهي أسرع سيارة في العالم، بتجربة قيادة سيارة "بوغاتي شيرون سوبر سبورت" على "الأوتوبان"، محققا سرعة مذهلة بلغت 417 كلم في الساعة، وهو رقم قياسي لأعلى سرعة مسجلة في طريق عام.
إعلان
الأوتوبان ليس مجرد طريق، إنه حالة ذهنية وحالة من الإثارة تجتاح جسدك حين تسمع هدير المحرك عند الوصول لحدود السرعة القصوى. إنه الحرية المطلقة التي لا يمكن إيجادها في أي مكان آخر، وسواء كنت تمتلك سيارة رياضية خارقة أو قررت استئجار واحدة، فإن القيادة على الأوتوبان تجربة تستحق أن تعيشها ولو لمرة واحدة في العمر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الطرق السریعة سیارة ریاضیة فی ألمانیا على الطرق فی العالم عن طریق
إقرأ أيضاً:
أدب الرسائل... حبر يفيض بالإحساس جف في زمن السرعة الرقمية
كتبت- شذى البلوشية
كانت الرسالة في يوم ما هي لغة الخطاب المباشر، ووسيلة الوصول، وجمالية اللقاء المصورة بـأسلوب غاب في زمن التحول الرقمي، حيث بات الحبر هو آخر وسيلة مستخدمة لكتابة الرسالة، واستبدلت روح الورق برتابة الشكل الرقمي، حروف مصاغة على عجالة، لا تستطيع من خلالها أن تقرأ شعور كاتبها، إن كان حزنا أو غضبا أو حبا، ورغم قدرة الرسالة الرقمية على الوصول بسرعة فائقة في زمن السرعة، إلا أن بطئ الوصول قد كان حافزا أكبر للانتظار، صانعا قدرة حقيقية ليفيض القلم بصادق الشعور في الورق.
ولم تكن الرسالة مجرد خطاب بين شخصين، بل كان فنا أدبيا اندرج ضمن أدب النثر، وتميز بقدرته على إتاحة التعبير للكاتب عما يخالجه من شعور أو أفكار أو آراء، من خلال رسائل مكتوبة تتنوع في أشكالها وأغراضها، فهناك الرسائل الشخصية، والرسائل الرسمية، والرسائل الأدبية، والرسائل التجارية، وغيرها.
ولعل أبرز نوع فيها والتي كان لها سيطها هي الرسائل الأدبية، وهي الرسائل التي يتبادلها الشعراء والأدباء، ولها أسلوب أدبي شاعري مميز ورفيع وتتناول أفكارا وجماليات فنية وأدبية، جعلت منها لونا أدبيا مميزا، قلما من استطاع إجادته.
وأشهر المراسلات في العصر الحديث التي احتفظت في سجلات التاريخ، هي الرسائل الأدبية بين مي زيادة وجبران خليل جبران، وهناك رسائل بين الشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، ورسائل غادة السمان وغسان كنفاني، ومراسلات كافكا و ميلينا، و ألبير كامو و ماريا كاساريس، أو رسائل فرناندو بيسوا إلى عائلته، و التي قام الناس بتجميعها بعد وفاة هؤلاء المشاهير لتصبح بذلك جنسا أدبيا مقروءا على نطاق واسع.
قيمة الرسائل الأدبية
كانت الرسالة ليس خطابا مكتوبا على ورق، بل مشاعر وأحاسيس مترجمة بأسلوب أدبي أوجد له مكانته بين الفنون الأدبية، وقلما من استطاع أن يجيده بين الكتاب، ولعل أكثر الرسائل التي خلدت في تاريخ الأدب هي تلك المكتوبة بين الأحباب، وهو ما يمكن أن يشار إليه بالمثال من خلال رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران، والتي خلصت على أن العلاقة عبر كتابة الرسائل بينهما كانت من أشد قصص الحب، فهي القصة التي يمكن القول بأنها نادرة، فهي علاقة دام فيما يقارب عشرين عاما دون أن يلتقيا إلا في عالمهما المنسوج بالكلمات، وخلف حبر الورق، وهذا ما أثبت أن الرسائل الأدبية التي كتبت بين الأحباب كان الأقوى ولها تأثيرها الوجداني العميق، وهو ما قتلته الحياة الرقمية وغياب قيمة الرسائل المكتوبة.
الرسالة تكشف شعور كاتبها
لا تكتفي الرسالة المكتوبة على الورق بأن تعبر من خلال الكتابة عن مشاعر كاتبها، بل هي تكشف شعوره الداخلي العميق، فلا تأتي لحظة الكتابة في أي وقت ومتى ما أتيحت الفرصة –كما هو حال الرسالة الرقمية- بل يحتاج كاتبها للتفكير والإذعان لما يخالجه من شعور، والتحليق مليا بخياله نحو ما يجب قوله في تفاصيل المراسلة التي ستغادر الآن ولا مجال للتراجع فيها، كما كانت الرسالة تشعر رغبة الانتظار للرد، فالكاتب حتما لا يعلم متى تصل إلى المرسل ومتى يفتحها ويقرأها، وهي خصوصية أخرى فقدت في عالم الرقميات اليوم.
رسائل جبران خليل جبران إلى مي زيادة
يقول جبران في إحدى رسائله التي يصرح فيها بالحب لـ مي زيادة: "أحبّ صغيرتي، غير أنني لا أدري بعقلي لماذا أحبها، ولا أريد أن أدري بعقلي. يكفي أنني أحبها. يكفي أنني أحبها بروحي وقلبي، يكفي أنني أسند رأسي إلى كتفها كئيبا غريبا مستوحدا فرحا مدهوشا مجذوبا، يكفي أن أسير إلى جانبها نحو قمة الجبل وأن أقول لها بين الآونة والأخرى أنت رفيقتي، أنت رفيقتي".
ومن بين الرسائل الخالدة كتبت مي زيادة إلى جبران خليل جبران بعد رحيله: "قادني إليك قدر.. وسرقك مني آخر.. وبين القدرين فقدت قلبي".
إحياء ونشر الرسائل القديمة
ولعل العالم الرقمي اليوم قد بدأ يحن لهذا الفن الأدبي، وعلى الرغم من المحاولات لإحيائه وإعادته إلا أن عودة الرسائل لا يمكن أن تظهر الشكل الطويل، فلا الكاتب صار يملك نفسا طويلا للتعبير، ولا المستلم يملك شغف القراءة، والبحث في تفاصيل شعور الكاتب.
إلا أنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي نشطت مؤخرا مجموعة من الصفحات المخصصة لنشر الرسائل القديمة، واستخدام آليات معينة لجذب القارئ على إكمال القراءة للرسالة الطويلة، من إضافة الصور إليها، والموسيقى، وبعض الرموز الدلالية، ولعلها أيضا أصبحت بصورة أكثر جذبا مع دخول الذكاء الاصطناعي.
الرواية الرسائلية
ومن أشكال الرسائل التي أخذت منحا آخر في الأدب هي الروايات الرسائلية، حيث يختار فيها الكاتب أن يورد أفكار وأقواله وأحداث الحكاية على لسان شخصياته، ويقوم بالكتابة على شكل بريد متبادل، يستطيع من خلالها الكتاب الانسحاب من مواجهة كونه المعنيّ بتلك الرسائل ، ويكتفي بكونه مجرد راوي.
أول الروايات التي كتبت في شكل رسائل هي "سجن الحب" سنة 1485 للكاتب "دييغو دي سان بيدرو"، بينما جاءت أول روايات هذا الجنس باللغة الانجليزية متأخرة بحوالي قرنين من الزمن، تحديدا سنة 1645 بقلم جيمس هويل حين كتب وهو في السجن عمله "رسائل حميمة".
صاحب الظل الطويل "نموذجا"
من الروايات العالمية التي ذاع صيتها، وقلما تجد من لم يقرأها، لا سيما مع محتوى الرواية التي شكلت عنصر جذب لكل من قرأها، "صاحب الظل الطويل"، للكاتبة جين ويبستر، الرواية التي استثمرت فن الرسائل في بناء روائي كامل، والمبينة على قصة فتاة يتيمة مجهولة الأبوين، عاشت وترعرت في ميتم، تقدم لوصايتها أحد النبلاء، الذي رفض كشف هويته لها، واكتفى بتحمل رسومها الدراسية على أن تكتب له رسائل طيلة فترة الدراسة، سعيا منه لتنمية قدرتها الكتابية التي تلمسها بها، لتخرج الرسائل من إطار الوصاية، إلى منحى آخر يفيض بالمشاعر، وعلى الرغم من أنها كانت رسائل من طرف واحد، إلا أنها كشفت عن وجه الحب المرتبط بالواقع.
الرواية التي تبرز البوح التدريجي الذي يتطور مع الزمن من خلال الرسائل مما يجعلها شبه سيرة ذاتية للبطلة، رغم أنها خيالية، حيث كانت "جودي أبوت" تكتب رسائلها إلى الوصي المجهول "صاحب الظل الطويل"، فتكشفت من خلال تلك الرسائل قصة حياة الفتاة، مشاعرها، أحلامها، تحولاتها الفكرية والعاطفية.
رسالة للعالم الرقمي
الرسائل التي كتبها كتابها تقرأ في تفاصيلها حياة كاملة بصوت حقيقي، خال من الجماليات والصور المفلترة، ولا تكتب بشعور الكاتب فقط، بل هي تمس ذوات كل قرائها، بصورة أكثر إتقانا وأشد مصداقية، فالرسائل هي مرآة لكاتبها تكشف عمقا لا تكشفه حتى السيرة الذاتية، وتبتعد عن كل أشكال الرقابة التي تفرضها الكتابة الأدبية التقليدية.