معركة بدر
مدرسة محمد في صناعة التاريخ المكمل للكون
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
1
التاريخ لا يصنع الرجال ، وإنما الرجال من يصنعون التاريخ .
وليس في الكون من رجل صنع التاريخ الإنساني بحذق واقتدار مثل سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .
فأول ما صنع ، صنع الرجال الذين يصنعون التاريخ للكون قاطبة .
ومن كان في ريب من قولنا هذا ، فالينهض واقفا أمام سيدنا عمر بن الخطاب ، مثالا من أمثلة الرجال الذين صنعهم الرسول بنفسه ليصنعوا معه التاريخ .


جاء في الأثر ، أن راعيين في شعاب الجبال فوق مكة ، قال أحدهما لصاحبه :
” أما علمت أن ذلك الأعسر الأيسر ، قد صار خليفة للمسلمين ؟ ”
” الذي كان يصارع الناس في سوق عكاظ ؟ ”
” نعم ، هو ذاك ”
فقال الراعي :
” أما والله ليوسعنهم خيرا أو ليوسعنهم شرا ”
قال الروائي الطيب صالح في تعليقه على ذلك الحوار :
( وقد أوسعهم خيرا ، حتى أصبح يضرب به المثل في تاريخ الإنسانية ، لأنه منذ أيامه تلك في سوق عكاظ ، حدثت له ثورة روحية زلزلت كيانه ، وثاب إلى المعلم الرباني الذي أدبه فأحسن تأديبه )
وأضاف قائلا :
صار كما وصف أبو عثمان النهدي ( والذي لو شاء أن تنطق قناني هذه نطقت ، لو كان عمر بن الخطاب ميزانا ، ما كان فيه ميط شعرة )
2
رووا أن ابنته حفصة أم المؤمنين قالت له :
” يا أمير المؤمنين . إنه قد أوسع الله في الرزق وفتح عليك الأرض وأكثر من الخير . فلو طعمت طعاما ألين من طعامك ، ولبست لباسا ألين من لباسك ”
فقال لها ” سأخاصمك إلى نفسك . أما تذكرين ما كان رسول الله صل الله عليه وسلم يلقى من شدة العيش ؟ ”
فما زال يذكرها حتى أبكاها ، ثم قال :
” إني والله لئن أستطعت لأشاركنهما عيشهما الشديد ، لعلي ألقى معهما العيش الرخي ” .. عنى بذلك الرسول وأبا بكر .
كان جل همه أن يلحق بصاحبيه ، ويخرج من الدنيا ، كفافا لا له لا عليه وقد اختط لنفسه خطة ، لم يستطعها إلا القليلون ، حتى في ذلك الزمان ، والناس قريبو عهد بمنبع الضوء ، فكيف بنا في هذا الزمان .
وهيهات لنا أن نقترب من تلك الأعالي ! وفقا لتعبير الطيب صالح .
تعجب لذلك الإنسان ، وكل أحواله عجب ، ألا يستقر أبدا ؟
ألا يريح جسده ؟
ألا تغمض عينه ؟
يقفز من بين السطور في كتب التاريخ ، يركض على الصفحات ركضا .
بينما تراه واقفا يعظ في مسجد رسول الله ، إذ هو في بيت المال باركا على ركبتيه ، حاسرا عن رأسه ، مشمرا ساعديه ، يعد ويقسم . ثم إذا هو يجيش الجيوش الجرارة ، ويتابع سير المعارك على بعد آلاف الأميال ، لا تخفى عنه صغيرة ولا كبيرة ، والرسل يغدون ويروحون ، بينه وبين ساحات القتال ، وكأنه وحده ” غرفة عمليات ” .
يتجول في الأسواق يحمل درته ، ويطوف في البوادي ، يعطي بنفسه كل ذي حق حقه في يده .
ثم تجده يسعى في طرقات المدينة في جوف الليل ، مثل طيف رحيم يتصنت على بكاء الأطفال ، وآهات الأيامى ، وشكوى النساء اللائي غاب أزواجهن عنهن في ميادين القتال .
سيدنا عمر بن الخطاب مثال من أمثلة الرجال الذين درسوا في مدرسة باب الفاتح ، المعلم الرباني محمد صل الله عليه وسلم .
فإضاءوا الكون بأنوار التاريخ بإشراقة مظاهر الرقي البشري الجديدة في الكون .
فشرف الوجود لأول مرة بإنسان جديد متوهج بدين الإسلام ، قادر على التضحية النبيلة والجليلة من أجل إعلاء رايته في كل مكان .
3
في السابع عشر من رمضان ، العام الثاني من هجرة الرسول صل اللهعليهوسلم . اليوم الموافق 13 من مارس عام 624 م .
يضع كتاب التاريخ البشري في صفحته أول قاعدة من قواعد الحرب بين فئتين وذلك في موقعة بدر التي وقعت بين المسلمين بقيادة الرسول محمد صل الله عليه وسلم وقبيلة قريش ومن حالفها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزومي القرشي .
وتعد بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة ، وقد سُميت بهذا الاسم نسبةً إلى منطقة بدر التي وقعت المعركة فيها ، وبدر بئر مشهورة تقع بين مكة والمدينة المنورة .
وتستمد غزوة بدر أهميتها من أن عدد المسلمين في هذه المعركة قليلا جدا مقارنة بأعداد المشركين ، حيث كان عدد المسلمين 313 رجلا ، وعدد المشركين 950 رجلا ، وقيل أن عدد جيش قريش كان ألفاً ، وكان معهم مئتا فرس يقودونها إلى جانب جمالهم ، ومعهم القيان يضربون بالدفوف ، ويغنين بهجاء المسلمين كما ذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية .
وانتهت غزوة بدر بانتصار المسلمين على قريش وقتل قائدهم عمرو بن هشام ، وكان عدد من قُتل من قريش في غزوة بدر سبعين رجلاً وأُسر منهم سبعون آخرون ، أما المسلمون فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلاً ، ستة منهم من المهاجرين وثمانية من الأنصار ، وكان من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين .
4
التمعت في معركة بدر معجزة من ألمع معجزات التأييد والنصر للمسلمين ، فقد أمدهم الله فيها بملائكة يقاتلون معهم ، وقاموا بكل ما يمكن أن يكون سببا لنصر المسلمين ، من بشارتهم بالنصر ، ومن تثبيتهم بما ألقوه في قلوبهم من بواعث الأمل والاطمئنان والثبات ، وبما أظهروه للمسلمين من أنهم معانون من الله تعالى ، بل وبما قام بعض الملائكة من الاشتراك الفعلي في القتال ..
وفي ذلك قال الله تعالى : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ )
– الأنفال : 12 –
وقال تعالى : ( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ )
– آل عمران 126 : 123-
وعن سماك الحنفي ( أبو زميل ) ـ رضي الله عنه ـ قال سمعت ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقول : حدثني عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: ( لما كان يوم بدر نظر رسول الله – صل الله عليه وسلم – إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا ، فاستقبل نبي الله – صل الله عليه وسلم – القبلة ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة ( الجماعة من الناس ) من أهل الإسلام لا تُعْبد في الأرض ، فمازال يهتف بربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ، وقال :
يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك ، فأنزل الله عز وجل :
( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) – الأنفال : 9 – فأمده الله بالملائكة .
وقد أسر رجل قصير من الأنصار العباس بن عبد المطلب ، فقال العباس : ( يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني ، لقد أسرني رجل أجلح (انحسر الشعر عن جانبي رأسه ) من أحسن الناس وجها ، على فرس أبلق – به سواد وبياض – ما أراه في القوم ، فقال الأنصاري :
أنا أسرته يا رسول الله ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ اسكت فقد أيدك الله تعالى بملك كريم ) رواه البخاري .
وعن أبي داود المازني ـ رضي الله عنه ـ وكان شهد بدرا قال : ( إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه ، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي ، فعرفت أنه قد قتله غيري )
رواه أحمد .
وعن معاذ بن رفاعة عن أبيه ، وكان أبوه من أهل بدر ، قال :
( جاء جبريل إلى النبي ـ صل الله عليه وسلم ـ فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ ، قال : من أفضل المسلمين ـ أو كلمة نحوها ـ قال: وكذلك من شهد بدرا من الملائكة )
رواه البخاري .
5
يرى المفسرون أن الآيات والأحاديث الواردة والمؤكدة لنزول الملائكة يوم بدر كثيرة ، ومن ثم فإن تحاشي وحرج بعض المسلمين ـ من كُتاب وغيرهم ـ من الإشارة أن الملائكة شاركت المسلمين في بدر في قتال المشركين ، ما هو إلا صورة من مظاهر الهزيمة أمام الفكر المادي الذي لا يؤمن إلا بالمحسوسات .
فالإيمان بالملائكة ركن من أركان إيماننا بالله ، والله ـ عز وجل ـ أعلم بكيفية قتال الملائكة وأدوات حربهم وأفراسهم ، وليس علينا إلا الإيمان والتسليم بما أتانا به الخبر الصادق من كتاب أو سنة .
فإن قيل : ما الحكمة في نزول الملائكة مع أن جبريل وحده قادر على إهلاك المشركين جميعا بأمر الله عز وجل ؟!
أجاب السبكي بقوله :
” وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي ـ صل الله عليه وسلم ـ وأصحابه ، وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش ، رعاية لصور الأسباب وسننها التي أجراها الله تعالى في عباده ، والله تعالى هو فاعل الجميع ” ..
فالإسلام يحفز المسلمين إلى أن يباشروا بأنفسهم إزهاق الباطل والجهاد في سبيل الله ، وأن يهيئوا الأسباب المادية والإيمانية لتحقيق النصر : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ )
– التوبة : 14 –
إن نزول الملائكة من السموات العُلَى إلى الأرض لنصر المؤمنين حدث عظيم ، وثبات راسخ للمؤمنين حينما يوقنون بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان ، وأنهم إذا حققوا أسباب النصر واجتنبوا موانعه فإنهم أهل لمدد السماء ، وهذا الشعور يعطيهم جرأة في مقابلة الأعداء ، لبُعد التكافؤ المادي بين جيش الكفار الكبير عدداً القوي إعداداً ، وجيش المؤمنين القليل عدداً الضعيف إعداداً .
وتلك مدرسة سيدنا محمد صل الله عليه وسلم المعلم الرباني الذي أوضح لنا أول شرط من شروط الإنتصار على العدو هو الإنتصار لله في نفسك .

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ـ رضی الله عنه عمر بن الخطاب الله تعالى رسول الله غزوة بدر

إقرأ أيضاً:

هل قصة الحمامتين والعنكبوت في الهجرة صحيحة؟ اعرف حقيقتها

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هل ذكر العنكبوت والحمامتين في هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم صحيح؟

وقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إن قصة نسج العنكبوت على الغار ووقوف الحمامتين على بابه في حادثة الهجرة الشريفة قصةٌ ثابتةٌ برواياتٍ صحيحةٍ من طرقٍ كثيرةٍ في كتب السنة والسيرة، ولا مطعن على مضامينها بوجه من الوجوه.

ندوة بعنوان "الهجرة دروس وعبر" بجامعة الوادي الجديد احتفالا بالعام الهجريمجلس جامعة الأزهر: الهجرة النبوية دروس في الأمل.. وتعازينا لأهالي فتيات السنابسة

ووردت قصة نسج العنكبوت على الغار ووقوف الحمامتين عليه وقت الهجرة النبوية الشريفة في كتب السنة المشرفة والسيرة المطهرة برواياتٍ صحيحةٍ مشهورةٍ مروية من طُرق كثيرة.

فقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوك﴾ [الأنفال: 30] قَالَ: "تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ، يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ أَخْرِجُوهُ، فَأَطْلَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا رضي الله عنه يَحْسَبُونَهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رضي الله عنه رَدَّ اللهُ مَكْرَهُمْ فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ خُلِطَ عَلَيْهِمْ، فَصَعِدُوا فِي الْجَبَلِ فَمَرُّوا بِالْغَارِ، فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ، فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ نَسْجُ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ".

وأخرجها عددٌ كبيرٌ من أئمة الحديث؛ كالإمام عبد الرزاق في "مصنفه"، والحافظ أبو بكر المروزي في "مسند أبي بكر الصديق"، والإمام الطحاوي في "شرح مشكل الآثار"، والحافظ الطبراني في "المعجم الكبير"، وذكرها أيضًا الإمام جلال الدين السيوطي في "الدر المنثور"، والملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، وغيرهم، كما أوردها المؤرخون وأهل السير في أحداث الهجرة النبوية الشريفة من غير نكير، سيما أنه قد التزم جماعة منهم الصحة أو القبول فيما يذكرونه.

ولقد صحح جماعات من كبار المحدِّثين هذه القصة، وحسَّنوها؛ منهم الحافظ ابن كثير؛ حيث قال في "البداية والنهاية" (3/ 221، ط. دار إحياء التراث): [وهذا إسناد حسن وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار، وذلك من حماية الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

وقال الحافظ الهيثمي في "مجمع الزاوئد" (7/ 27، ط. مكتبة القدسي): [رواه أحمد والطبراني، وفيه عثمان بن عمرو الجزري، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح] اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 236، ط. دار المعرفة، بتصرف): [وذكر أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد حسن في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30]. وفي مسند أبي بكر الصديق لأبي بكر بن علي المروزي شيخ النسائي من مرسل الحسن في قصة نسج العنكبوت نحوه، وذكر الواقدي أن قريشا بعثوا في أثرهما قائفين أحدهما كرز بن علقمة، فرأى كرز بن علقمة على الغار نسج العنكبوت فقال: ها هنا انقطع الأثر] اهـ.

وقال شمس الدين السفيري في شرحه على صحيح البخاري المسمى "المجالس الوعظية" (1/ 140، ط. دار الكتب العلمية): [ففي هذه إشارةٌ إلى حماية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أعدائه من الكفار؛ وقعت بأضعف الأشياء مغنية عن أقوى الأشياء؛ وقعت بنسج العنكبوت وهو أضعف الأشياء؛ قال تعالى: ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنكَبُوتِ﴾ [العنكبوت: 41] مُغنِيَة عن الدروع التي قال الله عنها: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّنْ بَأْسِكُم﴾ [الأنبياء: 80]] اهـ.

والخلاصة: أنَّ قصة نسج العنكبوت على الغار ووقوف الحمامتين على بابه في حادثة الهجرة الشريفة قصةٌ ثابتةٌ برواياتٍ صحيحةٍ من طرقٍ كثيرةٍ في كتب السنة والسيرة، ولا مطعن على مضامينها بوجه من الوجوه.

طباعة شارك العنكبوت الحمامتين هجرة النبي دار الإفتاء قصة نسج العنكبوت حادثة الهجرة

مقالات مشابهة

  • تركيا تحظر مجلة “ليمان” بعد أزمة “كاريكاتير النبي”
  • موعد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر
  • كاريكاتير ليمان عن “محمد وموسى” يثير غضب المجتمع التركي
  • لماذا أوصى النبي بالمحافظة على صلاة الضحى؟.. لـ5 أسباب
  • تركيا تلاحق صحفيين رسما صورة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم
  • هل قصة الحمامتين والعنكبوت في الهجرة صحيحة؟ اعرف حقيقتها
  • حرص عليه النبي 9 أعوام| هل صيام يوم عاشوراء فرض؟.. علي جمعة يجيب
  • هل النوم على البطن حرام؟.. انتبه لـ13 حقيقة
  • هل تجوز الصلاة على النبي بأكثر من نية؟.. الإفتاء تجيب
  • في بلدة لبنانية.. معركة بالسكاكين!