في خطاب السادس عشر من رمضان، وضع السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي النقاط على الحروف، وأعاد الأمور إلى نصابها، إذ وصَّف الغارات الجوية والقصف البحري الأمريكي على المنازل والأحياء السكنية في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، وما أسفرت عنه من استشهاد وإصابة عشرات المواطنين اليمنيين بينهم أطفال ونساء، بأنها “جولة عدوانية أمريكية جديدة وعدوان غاشم ظالم في إطار الطغيان الأمريكي والعربدة الأمريكية على أمّتنا بهدف إسناد العدو الإسرائيلي”، بعد أن أعلنت صنعاء قرار حظر الملاحة الصهيونية في منطقة العمليات (باب المندب، البحر الأحمر، خليج عدن، والبحر العربي)، رداً على إغلاق العدو الإسرائيلي المعابر ومنع دخول المساعدات الإنسانية، وما يقوم به من سياسة تجويع وتعطيش ضدّ مليوني فلسطيني في قطاع غزة منذ ما يزيد عن نصف شهر في نكوص وانقلاب واضحين على صيغة اتفاق وقف إطلاق النار التي وقّع عليها العدو الإسرائيلي، وقدّم العدو الأمريكي نفسه وسيطاً وضميناً على تنفيذها.


هذا التوصيف يعكس حرص السيد القائد على ربط الأمور بسياقها ونسف الدعاية الأمريكية الزائفة، التي تولّاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصياً، وعدد من وزرائه، والمؤسسات الخاضعة لإدارته، واعتمدت بشكل ملحوظ استراتيجية “الاستعراض بالقوة وبالإعلام” ومحاولة “صناعة الخوف” من اليمن بتصويره “مهدّداً للملاحة الدولية”، وتضخيم العمل العدواني وتصويره بأنه “غير مسبوق، ودقيق ويتركّز على المواقع والمخازن والقيادات العسكرية”، كما حاولت الدعاية الأمريكية تصوير نفسها في موقع “الحامي والمدافع عن الملاحة الدولية”.
ورغم أن إدارة بايدن انتهجت هذه الاستراتيجيات ذاتها، إلا أن إدارة ترامب تحاول التمايز عن الإدارة السابقة. وقد اعتمدت إدارة ترامب وحملتها الدعائية المصاحبة للجولة العدوانية، استراتيجية التهويل، والحرب النفسية، أقلّ ما يقال عنها أنها سمجة ومستهلكة من خلال تهديد ترامب لليمن بـ “الجحيم”، وتصوير العملية بأنها “حاسمة وقد تمتدّ لأسابيع”.
في المقابل تعكس الاستراتيجية الترامبية، جهلاً مركّباً بتاريخ اليمن، بل وحتى بتجربة إدارة بايدن، وتجربة ترامب نفسه خلال ولايته السابقة، إذ أرسلت البحرية الأمريكية أربع حاملات طائرات وعسكرت البحر الأحمر وشكّلت تحالفات عسكرية، وشنّت قرابة 1500 غارة من الجو والبحر، وقبلها إدارات غرف العمليات في عدوان تسع سنوات قصفت اليمن بأكثر من نصف مليون غارة، من دون أن تتمكّن من هزيمة اليمن، وفرض شروط الاستسلام، وثنيه عن خياراته.
وكان السيد عبدالملك واضحاً في هذا السياق بالتذكير بـ “صمود الشعب اليمني أمام العدوان الأمريكي على مدى 15 شهراً” وبأنّ العدو الأمريكي اليوم، كما بالأمس ” لن يحقّق هدفه في الضغط علينا بالتراجع عن موقفنا” مؤكّداً بأنّ الحلّ الوحيد هو: “دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة”، حاسماً الموقف اليمني بأنه “لا يمكن أن يفرّط في التزاماته تجاه الخطوط الحمر، ولو فرّط الآخرون، ولو سكت الآخرون، فلن نسكت”.
وفي موقف يعكس خلفيّة صلابة الموقف اليمني، رغم ما يمكن أن يترتّب على ذلك من تبعات وتحدّيات، فإنّ “من السهل بالنسبة لنا أن تكون مشكلتنا مع طغاة عصرنا وأن يكون الخطر علينا من جهتهم ولا أن يكون لنا مشكلة مع الله أو نجلب على أنفسنا سخطه وغضبه” من منطلق الإيمان بالله والثقة بوعوده الصادقة، وليس من منطلق الرهان على القوة المادية، وعلى هذا الأساس بنى السيد سقف الموقف اليمني من التصعيد الأمريكي الأخير.
الخيارات اليمنية في مواجهة التصعيد الأمريكي
فيما يحاول الأمريكي تقديم عدوانه على اليمن بأنه جردة حساب وعقاب لليمنيين على وقفتهم المشرّفة والشجاعة مع الشعب الفلسطيني، أكد السيد القائد بأنّ “الطغيان الأمريكي فاشل”، ولن يحقّق أهدافه في “تقويض القدرات العسكرية” أو “الضغط على الشعب اليمني للتراجع عن موقفه الإيماني والأخلاقي والإنساني المساند لغزة”.
وفي إطار المواجهة العسكرية، يبرز موقف السيد القائد حول مواجهة “التصعيد بالتصعيد وسينتقل إلى خيارات تصعيدية إضافية” كخيار استراتيجي لا يمكن التراجع عنه، وهذا الموقف يظهر شجاعة يمنية فريدة، ويؤكد بأنّ اليمن لن يكون ساحة مستباحة ومفتوحة للعدوان الأمريكي والإسرائيلي، بل ستكون هناك تبعات وعواقب وخيمة ترتدّ على المعتدي أياً كان هذا المعتدي، وأنّ أيّ عدوان سيمثّل بالنسبة لليمن فرصة لتعزيز القدرات اليمنية والتسريع في تطويرها.
هذه التصريحات ليست لمجرّد الاستعراض والإعلام بل سبقتها عملية عسكرية نوعية مشتركة استهدفت حاملة الطائرات الأمريكية والقطع العسكرية التابعة لها بـ 18 صاروخاً ومسيّرة عقب العدوان الأمريكي فوراً. وترافق ذلك خطوات ملموسة ميدانياً، من بينها حظر الملاحة البحرية على العدو الإسرائيلي، وإدراج المساندين للعدو في قائمة الحظر وفي مقدّمتهم الأمريكي، وهذا يعكس موقفاً يمنياً قوياً في الوقوف مع غزة وفلسطين في وقت تتزايد فيه الضغوط على الفلسطينيين، ويتمّ تخييرهم بين الاستسلام والقبول بالإملاءات الأمريكية والإسرائيلية، أو يتمّ تجويعهم وتعطيشهم وقتلهم.
أمام الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على الفلسطينيين، وجّه السيد عبدالملك الحوثي انتقادات لاذعة للأنظمة العربية والإسلامية المتخاذلة عن دعم القضية الفلسطينية، وخوفها من اتخاذ خطوات عملية لمنع جريمة القرن في غزة وفي فلسطين كلّ فلسطين، وشدّد على ضرورة تبنّي مواقف عربية إسلامية أكثر جدية في مواجهة “الاستباحة الأمريكية الإسرائيلية”، لأنّ الصمت والسكوت والجمود يفتح الباب لمزيد من التصعيد والعدوان والاستباحة، مستعرضاً ما يجري في سوريا كمثال حيّ على أنّ التنازل والتودّد لا يوقف النهج العدائي الإسرائيلي.
وعلى صعيد الداخل اليمني، يحرص السيد الحوثي على تعزيز الحشد الشعبي، ويؤكّد أهمية الحضور المليوني في ذكرى غزوة بدر، كمناسبة لتأكيد ثبات الموقف اليمني تجاه القضايا الكبرى، وتعزيزه كامتداد لموقف رسول الله وأنصاره من أجداده اليمنيين في صدر الإسلام. وكرسالة قوية للعالم تؤكد إيمان اليمنيين بقضية فلسطين ورفضهم لأيّ نوع من الاستسلام أمام العدوان.
ختاماً، فإن مواقف السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، تؤكد أن اليمن لن يتراجع عن مواقفه تحت أي ظرف، وأنّ الخطوط الحمر التي وضعها اليمن في مواجهة العدوان على غزة لن يتمّ التنازل والتراجع عنها، ولن تنجح محاولات الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي على اليمن، وتعبّر عن التزام اليمن بالعدالة الإنسانية والدينية، واستمراره في دعم فلسطين، وتحرير المنطقة من الهيمنة الخارجية.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

التصعيد اليمني … مواجهة مع خطوط الإمداد الإقليمية لـ إسرائيل

والمرحلة الجديدة لا تعرف استثناءات، إذ إن بيان المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية أشار إلى أن الاستهداف سيطال أي شركة شحن تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية، بصرف النظر عن جنسية الشركة، وفي أي مكان تطاله الأيدي اليمنية.

العملية ليست مجرد توسيع للحصار، هي تحول استراتيجي ينقل المعركة من ملاحقة السفن المرتبطة مباشرة بموانئ الاحتلال إلى ضرب كل أذرع الإمداد وشل الموانئ المحتلة بالكامل، لإلحاقها بميناء إيلات المعطل منذ أشهر.

عمليات رصد دقيقة باشرتها القوات اليمنية للسفن العاملة على خطوط الإمداد، بين شرق المتوسط والموانئ المحتلة، إضافة إلى ناقلات النفط التي تُضخ يوميًا في شرايين الكيان. والخطوة اليمنية أتت بعد رسالة تلقاها قائد الثورة في اليمن السيد عبدالملك الحوثي من قيادة حماس الأسبوع الماضي. الرسالة وصفت بشديدة التأثير، فقد كشفت حجم المأساة الإنسانية في غزة، وتضمنت نداءً في طلب العون من اليمن.

لعل مضامين الرسالة كانت تتبدى في نبرة وملامح في خطاب السيد عبدالملك الحوثي الأخير؛ وهو يعري "الموقف العربي السلبي السيء، والمتخاذل والمتواطئ" الذي أثر في مواقف الدول الإسلامية،"التي كانت ستقف مواقف أقوى مما هي عليه الآن.. لو وقف العرب مواقف أقوى، لكن معروف أن كبار الأنظمة العربية لها موقف سلبي أزاء من يتحرك في هذا المسار، في هذه القضية الفلسطينية بشكل أكبر؛ ولذلك موقفهم سلبي جدًا من الجمهورية الإسلامية في إيران".

بشكل غير مباشر، يحذر السيد عبدالملك الحوثي يحذر التي تذرف دموع التضامن إعلاميًا بينما سفنها تغذي أسواق الاحتلال، حتى تقدم حلولاً وبدائل اقتصادية لتعويض الخسائر التي يحققها الحصار اليمني.

تركيا خط الإمداد الأكبر

"نظام إسلامي يظهر التعاطف إعلاميًا مع الشعب الفلسطيني، وعدد ما قدمته سفنه أكثر من أي دولة في العالم"، عن تركيا كان يتحدث السيد .. تركيا الداعم الأكبر لـ "إسرائيل" في البحار، وفق ما أظهرته بيانات الملاحة العالمية. وقد شهد حجم الشحن البحري من تركيا إلى "إسرائيل" ارتفاعًا ملحوظًا خلال العدوان على غزة، وتحديدًا خلال النرحلة الممتدة من 3 أيار/مايو إلى 7 كانون الأول/ديسمبر 2024، وهي المرحلة الزمنية التي أعلنت خلالها أنقرة رسميًا قطع العلاقات التجارية مع الكيان الإسرائيلي. وخلالها، تجاوز عدد رحلات الشحن البحري بين تركيا و"إسرائيل" 340 رحلة، وبلغ عدد السفن التي أبحرت من الموانئ التركية إلى الموانئ المحتلة 108 سفن. 

في تقرير نشره في نيسان/أبريل الماضي، تحدث موقع "Türkiye Today's" عن حركة تصدير نشطة جدًا من تركيا إلى السوق الإسرائيلي. واستند إلى بيانات وزارة التجارة التركية ومجلس المصدرين الأتراك (TİM) لشهر آذار/مارس الماضي، والتي كشفت أن صادرات تركيا من الحبوب والبقوليات والبذور الزيتية ومشتقاتها في المرتبة الأولى ضمن الصادرات التركية إلى الأراضي المحتلة، تليها صادرات الصلب التي سجلت ارتفاعًا غير مسبوق بلغ نحو 9 آلاف بالمئة مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق. وقد بلغت قيمة صادرات تركيا من الصلب إلى الأراضي المحتلة في مارس/آذار 2024 نحو 13 مليونًا و901 ألفًا و470 دولارًا، مقارنة بـ153 ألفًا و400 دولار فقط في الشهر نفسه من العام 2023، وهو ما يمثل زيادة سنوية مذهلة بنسبة 8962.2%، بحسب التقرير التركي .

موانئ مصر والسعودية خطوط امداد 

على خط موازٍ، شكّلت الموانئ المصرية جسر إمداد بحري نشط آخر. ومع إطباق الحصار على غزة بإغلاق المنفذ البري الوحيد الذي يصل القطاع بالعالم، تحولت خمس الموانئ المصرية إلى منافذ إمداد رئيسة للكيان لقربها الجغرافي، وهي: الإسكندرية، دمياط، الدخيلة، بورسعيد والعريش.

كما كشفت البيانات الرسمية المصرية، والصادرة عن "المجلس التصديري"، أن قيمة الصادرات المصرية من الأسمنت إلى "إسرائيل" خلال العام 2024 هي الأعلى منذ بدء التجارة بين الجانبين. وبحسب الأرقام التي استعرضها تقرير نشره موقع "عربي بوست" في آب/أغسطس 2024:

- في العام 2021: بلغت قيمة صادرات الأسمنت المصرية إلى الكيان 1.38 مليون دولار.
- في العام 2022: ارتفعت إلى 1.65 مليون دولار.
- في العام 2023: سجلت 3.80 مليون دولار.
- من كانون الثاني/يناير وحتى تشرين الأول/أكتوبر 2024: قفزت قيمة صادرات الأسمنت المصرية إلى 50.7 مليون دولار.

إلى جانب ذلك، يتكشّف مؤخرًا الدور الذي تؤديه الموانئ السعودية، والتي دخلت ضمن خطوط الإمداد. وقد نشر الإعلام الحربي اليمني، قبل يومين، مقابلات مع طاقم السفينة “ETERNITY C” التي أغرقتها القوات اليمنية، والذين أقروا أن ميناء إيلات كان وجهة السفينة التي اتجهت من ميناء بربرة في الصومال، وأن ميناء جدة السعودي كان سيكون وجهة لغرض التمويه والتموين.

هذا؛ وتشكل الموانئ السعودية محطة لتفريغ حمولات لبضائع تستوردها "إسرائيل" من الشرق (الصين، الهند..) منها ما يُعاد شحنه بحرًا، أو يُشحن برًا عبر الأردن، وهو ما فعلته الإمارات والبحرين، وتناوله تقرير "تايمز أوف إسرائيل" ومصادر إسرائيلية أخرى.

إن استعراض حجم الإمداد التركي والعربي النشط إلى الكيان يكشف حجم التواطؤ الفاضح، ويطرح تساؤلًا: بأي منطق تقدم الأنظمة العربية، ومعها تركيا، مصلحة "إسرائيل" على أمنها القومي؟ أمن يترنح تحت تهديدات إسرائيلية-أمريكية معلنة بتهجير سكان غزة ما يضرب عمق مصر والأردن، وبمشروع تقسيمي يتسلل من خاصرة سوريا، وبعربدة إسرائيلية تجتاح المنطقة بلا رادع ولا حساب.

أي مستقبل أسود يمهّده هؤلاء لدولهم وشعوبهم، وأي أنظمة حكم بمنظورهم ستنجو من ارتدادات هذا الانهيار الاستراتيجي؟! 

إن المشهد برمته يعيدنا إلى كلمات الشهيد يحيى السنوار يوم وقف متحدثًا عن غزة: "ستفضح هذه المدينة كل المطبّعين، وتخزي كل المنسقين، وتكشف حقيقة كل المفرطين والمتنازلين."

مقالات مشابهة

  • التصعيد اليمني … مواجهة مع خطوط الإمداد الإقليمية لـ إسرائيل
  • اللقاء المشترك يؤيد مضامين خطاب السيد القائد ويدعو للمشاركة الواسعة في مسيرات الغد
  • اللقاء المشترك يعلن تاييده لمضامين خطاب السيد القائد
  • اليمن لن يسكت على الخونة والمتواطئين .. السيد القائد يوجه الشعب اليمني بهذا الأمر
  • السيد القائد يشيد بأجل العبارات على خروج الجمعة الماضية
  • السيد القائد يدعو الشعب اليمني للخروج الواسع غدًا الجمعة في العاصمة صنعاء والمحافظات
  • السيد القائد يوجه اقوى تحذير لادوات اسرائيل في الداخل
  • عاجل : مؤامرة صهيونية جديدة لإبادة أبناء غزة بمشاركة أمريكية غربية وهذا ما كشفه السيد القائد
  • السيد القائد: هدنة غزة خلفت ضحايا باكثر من 4 الاف وانزال المساعدات خداع
  • كلمة مرتقبة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي