تحل اليوم الذكرى السنوية لميلاد الرئيس اليمني الأسبق الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح (21 مارس 1947)، والتي يراها كثير من المؤرخين ليست مجرد ذكرى شخصية، بل "ميلاد وطن" ارتبط اسمه بمرحلة تاريخية حافلة بالتحولات الجذرية في اليمن.

خلال فترة حكمه التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود (1978–2011)، مثّل الزعيم صالح رمزاً لمرحلة جمعت بين تعزيز العلاقات الدولية والطموح التنموي المحلي في مختلف المجالات بينها التعددية السياسية وحرية الصحافة، في وقت تواجه البلاد اليوم تحديات معقدة تثير تساؤلات حول غياب الرؤية الموحدة للقوى الحاكمة.

السياسة الخارجية

برز اليمن في عهد الزعيم صالح كلاعب إقليمي ودولي مؤثر، حيث بنى جسور التواصل مع الدول الشقيقة والصديقة، فوطّد علاقاته مع السعودية وعُمان، وعزز الشراكة مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية في مجالات مكافحة الإرهاب والتعاون الأمني، وأسهم ذلك في تحقيق استقرار نسبي مكّن اليمنيين من التركيز على البناء والتنمية، رغم محاولات قوى دولية وإقليمية لإثارة الاضطرابات خدمة لأجندتها الخاصة.

وحرص صالح على لعب دور الوسيط في عدة ملفات إقليمية، ما منح اليمن حضوراً دبلوماسياً ملموساً، انعكس إيجاباً على مكانته عربياً ودولياً، خاصة بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، التي مثلت نقطة تحول رئيسة في الخريطة السياسية للمنطقة.

نهضة تنموية

شهد اليمن خلال حكم صالح نهضة تنموية واسعة، تجلت في تطوير البنية التحتية عبر تشييد شبكة طرق حديثة تربط مختلف المدن، فضلاً عن توسعة قطاع التعليم بإنشاء جامعات حكومية وخاصة، أبرزها جامعة صنعاء وجامعة تعز.

وشهد القطاع الصحي تحسناً ملحوظاً مع إنشاء عشرات المستشفيات والمراكز والوحدات الصحية الحكومية، بالإضافة إلى التنقيب والتعدين عن النفط والمعادن، إلى جانب مشاريع الكهرباء والمياه التي استهدفت تحسين الخدمات الأساسية.

ولم تقتصر التنمية على ذلك، بل امتدت إلى تعزيز قطاعات الزراعة والصناعة، مما أسهم في تحسين مستوى معيشة المواطنين، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي واجهتها البلاد.

تجربة سياسية رائدة

على الصعيد السياسي، أسس صالح نظام التعددية الحزبية، وفتح المجال أمام حرية الصحافة، ما أتاح ظهور أصوات معارضة وصحف مستقلة وقنوات إعلامية متنوعة.

وشهدت البلاد أيضاً، في عهده تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية، مثلت تجربة ديمقراطية تعددية غير مسبوقة في تاريخ اليمن، وأتاحت منافسة سياسية حقيقية، وهو ما توافق عليه كثير من القيادات الحزبية بأنها كانت خطوة كبيرة نحو تحديث الدولة وتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرار.

انتكاسات وتشرذم

لم تترك القوى الدولية والإقليمية اليمن وشأنه، بل سعت لزعزعة استقراره عبر تحالفات خفية، كان أبرزها أحداث 2011، التي دفعت البلاد إلى أتون الصراعات الداخلية.

ومع ذلك، نجح صالح في تجنيب اليمن انهياراً شاملاً عبر نقل السلطة سلمياً في انتخابات رئاسية جاءت امتداداً لتجربة سياسية أسس لها سابقاً.

لكن التدخلات الخارجية استمرت، مستغلة قوى داخلية لتحقيق أجندتها، إلى أن وقعت نكبة 21 سبتمبر 2014، عندما سقطت الدولة بيد المليشيا الحوثية المسلحة المدعومة من إيران، والأخيرة كانت إحدى القوى الدولية التي عملت منذ عقود على نخر النظام الجمهوري وهدمه، ما أدى إلى دخول اليمن في دوامة صراع دامٍ، تسببت في تدمير البنية التحتية، وانهيار مؤسسات الدولة، وفشل القوى الحاكمة الحالية في تحقيق الاستقرار أو الحفاظ على سيادة القرار الوطني.

اليوم، وفي ظل تعثر المسارات السياسية، تبدو إعادة بناء الرؤية الوطنية الملهمة، كتلك التي أسس لها صالح، تحدياً مصيرياً لمستقبل اليمن، بينما تبقى منجزاته شاهداً على عصر ذهبي في تاريخ البلاد، رغم التباينات السياسية التي تحيط بإرثه.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

إقرأ أيضاً:

انهيار اقتصادي وشيك في اليمن وعجز مزمن وراء زيارة الرئيس العليمي للرياض

لا يوجد دليلٌ واحدٌ على أن السلطة الشرعية في اليمن وحلفاءها الإقليميين؛ اتخذوا خطوات عملية تتمتع بالاستقلالية باتجاه الاستفادة المفترضة من التحولات الجوهرية التي شهدها ويشهدها اليمن والمنطقة، وهو أمر لن يتحقق إلا عبر إجراءات لا تحتمل أقل من الجاهزية الكاملة والصلاحيات السيادية غير المنقوصة، للتعاطي الخشن مع استحقاق إنهاء الحرب في اليمن، وتجاوز السقف الحالي المنخفض جدا والغارق في تعقيدات الوضع الاقتصادي والنقدي.

خلال تواجد الرئيس رشاد العليمي في فترة تعتبر طويلة نسبيا رغم قصرها في عدن، تبنّى بشكل لافت قضية الخلية الأمنية التي كُشف عنها مؤخرا وقيل إنها بقيادة العميد أمجد خالد، القائد السابق للواء النقل الرئاسي في عدن، الذي يتواجد مناطق سيطرة الحوثيين. ومن التهم الموجهة للخلية، اغتيال أحد موظفي برنامج الأغذية العالمي في مدينة التربة بمحافظة تعز ومحاولة اغتيال محافظ عدن، والعمل مع عناصر من تنظيمي القاعدة وداعش لتنفيذ عمليات تخريبية مستقبلية، وهو أمر يشير للتعاون المفترض بين جماعة الحوثي وهذين التنظيمين.

السلطة الشرعية لا تزال مشدودة إلى أولويات القوى الخارجية التي لا علاقة لها بالتحديات الحقيقية المسؤولة عن استمرار الحرب، وتصر على النظر إلى المشهد اليمني من زاوية التهديد الإرهابي
إن حرص الرئيس رشاد العليمي على التعاطي مع هذه القضية باعتبارها إنجازا كبيرا، ونقطة تحول، وأساسا لبناء سردية جديدة فيما يخص الأزمة والحرب، يكشف بالتأكيد أن السلطة الشرعية لا تزال مشدودة إلى أولويات القوى الخارجية التي لا علاقة لها بالتحديات الحقيقية المسؤولة عن استمرار الحرب، وتصر على النظر إلى المشهد اليمني من زاوية التهديد الإرهابي، أملا في إعادة توجيه الأنظار إلى الحوثيين من هذه الزاوية تحديدا، رغم أنهم خرجوا للتو من أتون الضربات العسكرية الأمريكية المميتة، ورغم أن واشنطن صنفت الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية".

ما من دليل ذي قيمة يمكن أن تضيفه سردية الرئيس وحكومته بشأن تورط الحوثيين في دعم الإرهاب، في وقت يتعين عليهما التركيز على التحولات المجانية في الموقف الأمريكي وعلى الإجراءات العقابية التي اتخذتها واشنطن بحق الحوثيين، والحرص على أولوية فرض إرادة السلطة الشرعية ونفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي والمالي.

ثمة عجز غير مبرر للسلطة الشرعية تجاه واجباتها الشاملة، وهو عجز يتجلى في أسوأ مظاهره في عدم وحدة القوى العسكرية وخضوعها لسلطة عسكرية مركزية هي سلطة وزارة الدفاع وهيئة الأركان العامة، بالنظر إلى ما تمثله القوة العسكرية المركزية ذات العقيدة الوطنية الموحدة والقوام البشري المنسجم من أهمية في تعزيز قدرة الدولة على إنفاذ واجباتها وفرض نفوذها، وصد التحديات والتهديدات من أي طرف كان.

يتحمل حلفاءُ السلطة الشرعية المسؤولية المباشرة عن هذا العجز، وتتحمل معظم القوى الدولية ذات النفوذ في مجلس الأمن الدولي، جزءا من المسؤولية، بالنظر إلى تواطؤ هذه القوى لتمرير الانقلاب وشرعنته وتعزيز مناعته، والعمل الممنهج لتهشيم الإمكانيات التي توفرت لدى السلطة الشرعية منذ شرع اليمنيون في بناء دولتهم ضمن عملية انتقالية تورطت هذه القوى في إجهاضها.

لذا، يمكن فهم لماذا تنحسر الأولويات لدى مجلس القيادة الرئاسي، إلى مجرد الإبقاء على قدرته وقدرة الحكومة على "دفع المرتبات، وتأمين السلع والخدمات الأساسية، وتحسين وضع العملة الوطنية، وتعزيز فرص التعافي الاقتصادي" بحسب تصريح لمصدر مسؤول في رئاسة الجمهورية.

سيبقى اليمن ضمن هذه الدائرة المفرغة والمفزعة، ما لم يتم سلوك مسار واضح للإنقاذ الاقتصادي، بالتزامن مع تعزيز القدرة العسكرية للسلطة الشرعية على مواجهة الانقلابيين وتفادي تحدي التشظي الراهن في بنية السلطة الشرعية بسبب المشروع الانفصالي
إنه مؤشر واضح على تراخي الداعمين الإقليميين وعدم استعجالهم في إنهاء الحرب والكوارث الناجمة عنها في اليمن، وعن تخليهم عن تعزيز قدرة السلطة الشرعية العسكرية والأمنية والاقتصادية على فرض نفوذها وتعزيز تماسكها الداخلي، ورفع جهوزيتها للتعامل مع التحدي الرئيس المتمثل في إنهاء الانقلاب.

هناك تكهنات بشأن دوافع زيارة الرئيس الدكتور رشاد العليمي الحالية إلى العاصمة السعودية، لكن الحقيقة هي أن هذه الزيارة لن تفضي إلى فرض سلطة جديدة، ولن تخرج عن دائرة الرغبة الملحة من جانب الرئيس في الحصول على الدعم من أكبر اقتصاد في المنطقة، وهو الاقتصاد السعودي، لمنع سقوط الدولة اقتصاديا إلى أتون الفوضى العارمة، وهو أمر وشيك الحدوث إذا لم تُلبّ السعودية مطالب الرئيس، وإذا لم يكن من بين ما يمكن بحثه مع الجانب السعودي مساعدة الشرعية عمليا على استعادة مواردها السيادية وفي مقدمتها النفط والغاز وتمكينها من تصديرهما للحصول على العملة الصعبة، واستدامة قدرة السلطة الشرعية على الإيفاء بالتزاماتها الحتمية تجاه الشعب اليمني.

لطالما سارعت السعودية للقيام بـ"إجراءات إسعافية" تتمثل في "الودائع النقدية" التي لا يمكن تقدير طبيعتها، ولا تبعاتها القانونية: هل هي قروض أم هبات. لكن من الواضح أن هذه الودائع هي التي تُبقي الحكومةَ الشرعيةَ واقفة على قدميها، دون أن تنجح للأسف في تحقيق الاستجابة الضرورية للاحتياجات الاقتصادية والنقدية، وفي المقدمة الاستمرار في صرف المرتبات ذات القيمة المتدنية أصلا، ووقف تدهور سعر الريال، الذي خلَّف تداعيات خطيرة في مقدمتها التضخم وانهيار القدرة المجتمعية على الشراء واتساع نطاق الفقراء والمعدمين الواقعين دون خط الأمن الغذائي.

وأخيرا، سيبقى اليمن ضمن هذه الدائرة المفرغة والمفزعة، ما لم يتم سلوك مسار واضح للإنقاذ الاقتصادي، بالتزامن مع تعزيز القدرة العسكرية للسلطة الشرعية على مواجهة الانقلابيين وتفادي تحدي التشظي الراهن في بنية السلطة الشرعية بسبب المشروع الانفصالي الذي سكن في قلبها برعاية كاملة من الداعمين الإقليميين.

x.com/yaseentamimi68

مقالات مشابهة

  • ميزان القوى يكشف فجوة عسكرية كبيرة بين تايلند وكمبوديا
  • الفظائع التي لن ينساها التاريخ
  • صحيفة روسية: اليمن يهزم القوى الكبرى ويفرض إرادته على البحر الأحمر
  • في ذكرى الحرب الكورية.. زعيم بيونج يانج يتعهد بالانتصار في المعركة ضد أمريكا
  • فى ذكرى ميلاد بشير الديك.. أبرز كتاب السينما الواقعية ‏وصوت المهمشين والطبقات الكادحة
  • تقرير روسي: اليمن يفرض إرادته على أهم الممرات الملاحية ويتحدى القوى الكبرى
  • ذكرى ميلاد أسامة أنور عكاشة.. فيلسوف الدراما الذي غيّر ‏وجه الشاشة المصرية
  • انهيار اقتصادي وشيك في اليمن وعجز مزمن وراء زيارة الرئيس العليمي للرياض
  • اعلام روسي: اليمن يفرض إرادته على أهم الممرات الملاحية ويتحدى القوى الكبرى
  • دمشق: لا تقدم في تنفيذ اتفاق الاندماج مع “قسد”