الغزيون يتحدّون إنذارات الاحتلال ويؤكدون: لن نكرر النزوح
تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT
غزة- "هي عيشة وموتة واحدة" هكذا تقول الفلسطينية هنادي عبد ربه، التي عادت وأسرتها إلى شمال قطاع غزة قبل نحو شهرين، بعد رحلة نزوح وصفتا بـ"القاسية" امتدت منذ الأسبوع الأول لاندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وعادت هذه المواطنة وأسرتها (7 أفراد) لمنزلهم في اليوم الأول من انسحاب جيش الاحتلال من شارع الرشيد الساحلي، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع المقاومة الفلسطينية يوم 19 يناير/كانون الثاني الماضي.
وتقول عن نزوحها أول مرة من منزلها في بلدة جباليا شمال القطاع إلى جنوبه "كانت غلطة ولن أكررها، أرواحنا عادت لنا عندما عدنا للشمال، ولن ننزح ثانية".
ويشاركها في رفض ترك الديار غزيون كثر، ويتمسكون بالبقاء في منازلهم، ويرفضون الاستجابة لإنذارات النزوح الجديدة التي أصدرها جيش الاحتلال عقب استئنافه الحرب على غزة، فجر الثلاثاء الماضي، وشملت بلدات ومناطق متاخمة للسياج الأمني الإسرائيلي شمال القطاع وجنوبه.
وتشمل الإنذارات بلدات بيت حانون وبيت لاهيا شمال القطاع، وعبسان الكبيرة وعبسان الجديدة وخزاعة وبني سهيلا شرق مدينة خان يونس في جنوبه، ومناطق أخرى قريبة من السياج الأمني المحيط بالقطاع من الناحيتين الشمالية والشرقية.
ولا يقع منزل عبد ربه ضمن نطاق خرائط إنذارات الاحتلال بالإخلاء، لكن هنادي تستشعر الخطر، لوجوده في منطقة متاخمة لبلدة بيت حانون التي كانت مسرحا لعمليات عسكرية للجيش الإسرائيلي.
إعلانوتقول "سنبقى هنا لآخر لحظة، وإن اضطرتنا الظروف الخطرة للنزوح، فلن نذهب لجنوب القطاع، وسنصمد كما فعل غيرنا بالمرة الأولى".
ومنذ استئناف إسرائيل حربها على القطاع، تخيم أجواء "مرعبة" كما تقول هنادي، خاصة خلال الليل، حيث يُكثف جيش الاحتلال غاراته الجوية والمدفعية، وتضيف "لا مكان آمنا بغزة، وحالنا لم يكن أفضل في الجنوب، حيث القتل بكل مكان، حتى في الخيام ومراكز الإيواء".
ويشاطرها الرأي الخمسيني علاء حسين، الذي يقيم مع أسرته في مدرسة الرمال غرب مدينة غزة، بعد عودتهم من رحلة نزوح امتدت لشهور طويلة بمدينة خان يونس جنوبي القطاع.
ويقول للجزيرة نت "عدنا للشمال ونعلم أن منزلنا ببلدة بيت حانون مدمر، ولن نعيد النزوح رغم الخطر الشديد، وقبل أيام تساقطت القذائف حول المدرسة".
ويعاني علاء من أمراض مزمنة، ونزح مع أسرته مرات عديدة من مكان لآخر جنوبي القطاع، منذ أن غادر منزله في بيت حانون الأسبوع الأول للحرب الإسرائيلية، ويتابع "كانت تجربة قاسية وصعبة، وتنقلنا في الخيام والمدارس ومراكز الإيواء، وعشنا الموت والجوع، فلماذا نعود ثانية؟".
"وين أنزح ووين أروح؟" يتساءل خالد قديح (37 عاما) الذي يقيم و15 فردا من عائلته بمنزل في بلدة عبسان الكبيرة التي تعرضت لقصف إسرائيلي عنيف خلال الأيام الماضية.
ورغم أن منزله يقع ضمن مناطق إنذارات جيش الاحتلال بالإخلاء، إلا أنه يرفض النزوح، ويقول للجزيرة نت "لدي بنات، وليس لي بديل عن منزلي، ولا أريد لهن العودة للحياة في الشوارع والخيام".
وبينما يفضل خالد الصمود مع عائلته في بيته، اضطرت قريبته ماجدة قديح (60 عاما) للنزوح للمرة السابعة من منزلها الذي لا يبعد سوى بضع مئات من الأمتار عن السياج الأمني الإسرائيلي شرق عبسان الكبيرة.
إعلانوتمتلك هذه المواطنة منزلين متجاورين، دمر الاحتلال أحدهما بدايات الحرب، ولحقت أضرار جزئية بالآخر الذي عادت إليه ماجدة قبل نحو شهرين وأصلحت الأضرار، وتقول للجزيرة نت "فرحنا بوقف إطلاق النار، لكن لم نهدأ أو نستقر، فأنا وحدي بالمنزل، وأبنائي يعيشون خارج غزة".
وبحزن شديد روت ماجدة نزوحها المتكرر، وتضيف "النزوح وجع كبير، والمؤلم أن تخرج من بيتك وأنت لا تعرف أين تذهب".
وفي ظل أزمة المواصلات الحادة نتيجة عدم توفر الوقود جراء إغلاق إسرائيل معابر غزة منذ 2 مارس/آذار الجاري، نزحت ماجدة بقليل من احتياجاتها الأساسية، وسارت بضعة كيلومترات على الأقدام من عبسان الكبيرة حتى مجمع ناصر الطبي غرب خان يونس.
ويرجح مصطفى إبراهيم، الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي، أن غالبية الغزيين، خاصة سكان مدينة غزة وشمال القطاع، لن يستجيبوا لإنذارات الإخلاء الإسرائيلية، ولن يكرروا النزوح "المرير" نحو الجنوب.
وقد خاض إبراهيم نفسه تجربة النزوح من مدينة غزة نحو مدينة رفح جنوبا بأول أسبوع من الحرب، يقول للجزيرة نت إن من نزحوا كابدوا مشاق كبيرة، واستنزفت الحرب أرواحهم وأموالهم، وأدركوا -بعد 15 شهرا من النزوح المتكرر- أن لا مكان آمنا، وأن الأفضل هو البقاء بمنازلهم ومناطقهم.
ويعتقد أن "هناك ما يشبه العقد الاجتماعي بين الغزيين حاليا، خاصة شمال القطاع، بأنهم لن يكرروا التجربة القاسية وغير الآمنة. وإن أجبرتهم المخاطر على ترك منازلهم، فسيظلون يتحركون داخل نطاقهم الجغرافي، ولن ينزحوا للجنوب".
ويُعزز هذا الموقف لدى الغزيين شمال القطاع أن عودتهم من النزوح الأول طالت، ويخشون ألا تكتب لهم العودة إن نزحوا ثانية وأخلوا مناطق الشمال، خاصة مع تعاظم الحديث عن مخططات التهجير بالأوساط الرسمية الإسرائيلية والأميركية.
إعلانويتفق صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، مع الكاتب إبراهيم، ويقول للجزيرة نت إن "إنذارات النزوح لا تجد استجابة واسعة في ضوء ما حدث مرارا خلال شهور الحرب الطويلة من تجارب مشابهة مر بها الغزيون".
ويضيف "الفلسطيني بغزة إنسان، ويميل فطريا نحو الأمان له ولأسرته، ولذلك تجد استجابة لهذه الإنذارات ببعض المناطق الخطرة جدا، مثل بيت حانون، والمناطق المتاخمة للسياج الأمني شرق خان يونس، بفعل كثافة نيران الاحتلال".
بيد أن الملاحظ، وفق عبد العاطي، أن غالبية الغزيين هذه المرة يصرون على البقاء بمنازلهم وخيامهم، ويرفضون النزوح مجددا، ويعلمون أنه لا مكان آمنا تماما في القطاع، وأن كل إنسان على هذه المساحة الجغرافية الصغيرة مُعرض للاستهداف والقتل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات جیش الاحتلال شمال القطاع للجزیرة نت بیت حانون خان یونس
إقرأ أيضاً:
اليوم الـ 600 من العدوان الإسرائيلي.. نداء دولي عاجل لوقف جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة
تُكمل اليوم الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد» توثيق اليوم الـ 600 من العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، في واحدة من أبشع وأطول جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث، وسط صمت دولي مخزٍ وتقصير إنساني فاضح عن وقف المأساة، العدوان لم يقتصر على قتل الأبرياء، بل شمل تدميراً شاملاً للبيئة المدنية، واستهدافاً ممنهجاً للبنية التحتية، والمستشفيات، والمدارس، والمساجد، والمخيمات، في مشهد كارثي لا سابق له.
خلال هذه الفترة، ارتقى أكثر من 54.056 شهيدًا ومفقودًا، تُشكل النساء والأطفال نحو 70% من إجمالي الضحايا، بينهم 12.400 شهيدة و18.000 طفل، فيما تجاوز عدد المصابين 123.000 جريح، كثير منهم بإعاقات دائمة، لا يزال 11، 200 شخص تحت الأنقاض، في ظل تعذر عمليات الإنقاذ بسبب نقص المعدات والوقود واستمرار القصف. ومنذ استئناف العدوان في 18 مارس 2025، قُتل قرابة 4.000 مدني وأصيب أكثر من 11.000 آخرين.
نفّذت قوات الاحتلال أكثر من 11، 859 مجزرة ضد العائلات، أسفرت عن إبادة كاملة لـ 2.172 عائلة، ومحوها من السجل المدني، بينما نُكبت 5.070 عائلة أخرى ولم ينجُ منها سوى فرد واحد، واستُشهد من الطواقم الميدانية 360 من الكوادر الطبية، و113 من الدفاع المدني، و220 صحفيًا وصحفية، و736 عنصرًا من الشرطة وأمن المساعدات، و203 موظفًا في وكالة الغوث، إضافة إلى 800 معلم وأكاديمي.
تسبّب العدوان في تدمير أكثر من 80% من البنية التحتية، بما يشمل المستشفيات، ومحطات الكهرباء، وشبكات المياه، والاتصالات، وحوّل غزة إلى منطقة غير صالحة للحياة، حيث دخل القطاع مرحلة «كارثة المجاعة»، وبحسب منظمة الفاو، فإن 95% من الأراضي الزراعية أصبحت غير صالحة للزراعة، ما أدّى إلى توقف سبل العيش، وتواجه 1.9 مليون نسمة خطر المجاعة، فيما تُوفي 57 طفلًا بسبب الجوع والجفاف، ويُقدّر أن أكثر من 80% من السكان يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، وسط تحذيرات من أن 71.000 طفل دون سن الخامسة معرضون لسوء تغذية حاد.
دُمّرت أكثر من 68.918 وحدة سكنية بشكل كامل، وتضررت 330.500 وحدة جزئيًا، فيما طالت الاعتداءات 89% من المساجد في غزة (أي 1.109 من أصل 1.244 مسجدًا)، بينها 828 مسجدًا دُمرت كليًا، بالإضافة إلى 3 كنائس، و40 مقبرة تعرضت للاستهداف، دُمرت منها 21 كليًا و19 جزئيًا.
يعاني الأسرى الفلسطينيون من انتهاكات جسيمة منذ بدء العدوان، حيث ارتقى 44 أسيرًا من غزة في السجون قبل الإبادة، ضمن 70 شهيدًا قضوا في سجون الاحتلال، في وقت يُحتجز فيه 1.846 معتقلاً من غزة كمقاتلين غير شرعيين، دون أية ضمانات قانونية.
تستمر سياسة التهجير القسري عبر أوامر إخلاء شملت مؤخرًا مناطق في جنوب القطاع مثل خانيونس وبني سهيلا والقرارة، إضافة إلى شمال القطاع مثل بيت لاهيا وجباليا، ما أسفر عن نزوح أكثر من 300 ألف مدني مؤخراً، وتكدّس عشرات الآلاف في منطقة المواصي الساحلية، وسط أوضاع صحية وإنسانية كارثية.
استهدفت قوات الاحتلال 241 مركزًا للإيواء، معظمها تابع لوكالة الأونروا، ما أدى إلى مقتل المئات من النازحين، كان آخرها استهداف مدرسة الجرجاوي في حي الدرج، والذي أسفر عن استشهاد 30 مدنياً على الأقل، أغلبهم من النساء والأطفال.
يشهد القطاع الصحي انهيارًا شبه كامل، حيث تم تدمير أكثر من 32 مستشفى و165 مركزًا صحيًا، بينما خرج أكثر من 80% من المنشآت الصحية عن الخدمة، وسط نقص يفوق 90% في الأدوية والمستلزمات الطبية، وانقطاع مستمر للكهرباء والوقود، ما يُهدد حياة آلاف المرضى يوميًا، خصوصًا الأطفال ومرضى السرطان والفشل الكلوي.
لليوم الـ 80 على التوالي، يُواصل الاحتلال حصاره وحرمانه للقطاع من إدخال المساعدات، ما أدى إلى ندرة المواد الأساسية وارتفاع جنوني في الأسعار، حيث بلغ سعر كيس الطحين أكثر من 10 أضعاف سعره المعتاد، فيما تُباع المواد الغذائية، إن وُجدت، عبر السوق السوداء، ونتيجة لتأخير إدخال الشاحنات، التي لا تغطي أقل من 15% من احتياجات القطاع (600 شاحنة يوميًا على الأقل)، تفاقمت الفوضى والانهيار في آلية الإغاثة، ما تسبب في سقوط 3 شهداء و46 إصابة قرب نقطة توزيع المساعدات برفح.
أما في الضفة الغربية، فقد شهدت منذ 7 أكتوبر 2023 تصعيدًا متسارعًا في الاعتداءات الإسرائيلية، شمل 5.939 عملية هدم لمنازل ومنشآت، وتهجير آلاف المدنيين، ومصادرة 52.000 دونم، إضافة إلى إنشاء 60 بؤرة استيطانية جديدة، واقتحامات متكررة للمسجد الأقصى ضمن محاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني.
الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني «حشد»، إذ تدين هذه الإبادة الجماعية التي دخلت يومها الـ 600، وسط دعم أمريكي وصمت دولي معيب، فإنها:
تُجدد دعوتها لوقف فوري وغير مشروط للعدوان، وفتح كامل للمعابر لإدخال المساعدات الإنسانية والطواقم الطبية.
تُطالب بإحالة قادة الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبتهم كمجرمي حرب.
تدعو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات فورية لحماية المدنيين، وفرض عقوبات على دولة الاحتلال لردعها.
تُناشد كل أحرار العالم، والمؤسسات الحقوقية والإنسانية إلى التحرك العاجل للضغط من أجل وقف الجرائم وتوفير الحماية الدولية للمدنيين في قطاع غزة والضفة الغربية.
اقرأ أيضاًالهلال الأحمر الفلسطيني يناشد المجتمع الدولي بالضغط لإدخال المساعدات لغزة دون شروط
ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على غزة إلى 54249 شهيدا و123492 مصابًا
الإغاثة الطبية بغزة: القطاع الصحي ينهار مع نقص الكوادر والمستلزمات