«زمن الطيبين».. حيث يأتي العيد مبتسما
تاريخ النشر: 2nd, April 2025 GMT
(1)
يأتي العيد محملًا بالهدايا، مليئًا بالفرح، يحمل في يديه الجمال، ينثر عبقه على المكان، ويشعل حرارة اللقاءات في القلوب. نلتقي بأصدقاء قدامى، ونرى أهلينا الذين لم نرهم طيلة أشهر، ونصافح وجوهًا فقدناها منذ زمن، ونستذكر أيامًا لا تزال تنتشر في الذاكرة، أيامًا مرت كلمح البرق، ذهبت دون عودة، حيث كان كل شيء حولنا يبتسم، ويرسم ملامح الفرحة في وجوه الأطفال والكبار، وحيث النساء كنّ أكثر ألفة، والقلوب أكثر دفئًا، وحيث العيدية كانت بسيطة، ولكنها ذات معانٍ كبيرة للأطفال.
(2)
كان العيد يسافر بنا في ملكوت الخيال، نلبس له ثيابًا جديدةً، وننتظره بلهفة، وننظر إليه بمودة، ولم يكن يخيب ظننا. كان يأتي بكل تجلياته، ينثر زنابق السعادة في البيوت، متشحًا بالألفة والمودة، ينثرهما بين أهالي الحارة، الذين كانوا يتزاورون، ويزرعون الابتسامات، ويتداولون الأحاديث بصفاء وطهر. كانوا يجتمعون في بيت أحدهم، يتناولون الغداء، وتعيش القرية ليالي مليئة بالأغاني والفنون الشعبية، حيث «الرمسات» لا تنتهي، والجميع يلتقي في حلقة «الرزحة» أو «الميدان» كي يستمتعوا بما يسمعون من تحديات بين الشعراء، ومحاورات، ومواقف طريفة. ولم يكن عيد يخلو من «ركض البوش» في وقت ضحى العيد، كانت القرية أكثر دفئًا، وأُنسًا، وسعادة، كانت القلوب تبتسم قبل الوجوه.
(3)
كانت القرية تقضي أيامًا من الفرح، تسامر نجمات السماء حتى الصباح، كانت الحياة صاخبة دون ضجيج، والأصوات لا تعلو على بعضها إلا حين يبدأ سرد الحكايات. لم يكن الإسراف سمةً للعيد، فالحياة بسيطة، وأكثر الناس على مستوى معيشي واحد، لا يأكلون اللحم كل يوم، ولا يأكلونه ليَسْمَنوا، ولم تكن «الدشاديش» متوفرة في كل مناسبة، ودون مناسبة، ولم تكن ملهيات العصر الحالي تأخذ من وقتهم. كان الرجال أكثر نشاطًا، وحيوية، وبهاء، وكانت النساء أكثر نضارة، وجمالًا.
كل الأدوات كانت تأتي من البيئة المحيطة، من المزارع خاصة، فـ«ماكياج» المرأة يُقطف من نباتات «الورس» و«الياس» و«السدر». كانت أدوات الزينة رغم بساطتها أمينة، ورائعة، وزاهية، لا تُستخدم فيها الكيماويات، ولا يدخل فيها الغش والخداع، ولا تنقل الأمراض كما هي الآن. كانت النساء يحكن «الكميم» لأزواجهن، فكانت كلمات الحب الصادق تتجلى في الفعل، لا في الكلام المعسول الذي يذهب هباءً مع أول هبّة ريح تهب على عش الزوجية.
(4)
كانت مجالسة الرجال غنيمة، وفائدة، و«سِمتًا». كانوا يجيدون الإنصات بشكل كبير، يستمعون لبعضهم، ويتبادلون الحكايات والآراء. كانت المجالس بسيطة، لا ديكور فيها، ولا زخارف، ولا طاولات من الأخشاب النادرة، ولكنها كانت تضم أرواحًا طيبةً، وقلوبًا نقيةً، وأنفسًا طاهرةً. لم تكن كما هي المجالس الآن، التي تحوي من كل زخارف العالم، وتُقام للمباهاة، ولا يدخلها أحد إلا ما ندر، وإذا دخلتها لا تجد من يبادلك الحديث، أو يلتقيك بوجه بشوش. كل لاهٍ بهاتفه، ويرنو على المكان الصمت، ويخلو من الروح المرحة، فليس كل مبنى قابلًا للحياة، إلا بوجود من يدخله، أو يسكنه.
(5)
الحمد لله أنه لا يزال هناك أثر من العادات القديمة، والتقاليد العريقة في بعض قرانا العُمانية، خاصة الجبلية، أو التي لم تتأثر بمؤثرات العصر إلا بقدر يسير، والتي لا يزال الآباء يورّثون قيمهم، وأعرافهم، وعاداتهم لأولادهم، جيلًا بعد جيل، رغم أن الخطر قادم لا محالة ذات زمن. فتلك المشاهد التي نشاهدها في بعض القرى، تجلب لنا - نحن أهل المدينة، والزمن الجميل - الكثير من السعادة، وتجعلنا نتحسر على ما فات، ونلوم المدنية التي غافلتنا على حين غرة، فلم نعد نشعر بشيء، إلا بأسماء المناسبات فقط، وليس بمضامينها، وحرارتها، ومعانيها الأخلاقية، والسلوكية، وحتى الدينية.
رحم الله أيام زمان، وأهله، وقراه، وعاداته، وتقاليده، وروحه البهية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
السعودية: مؤتمر "تنفيذ حل الدولتين" يأتي استنادا إلى موقف المملكة
أكد وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، أن رئاسة المملكة بالشراكة مع الجمهورية الفرنسية للمؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية بالحلول السلمية وتنفيذ حل الدولتين، تأتي استنادا إلى موقف المملكة الثابت تجاه القضية الفلسطينية، واستمرارا لجهودها في دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وجهود التوصل إلى السلام العادل والشامل بما يكفل قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وقال الأمير فيصل في تصريح لوكالة الأنباء السعودية "واس": "إن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وبمتابعة حثيثة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، تبذل كل الجهود لإرساء السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط، وتسعى دائما من منطلق مبادئها الراسخة إلى نشر السلم والأمن الدوليين من خلال المساعي الحميدة والجهود المبذولة لإنهاء معاناة الإنسان الفلسطيني، وإيقاف دائرة العنف المستمرة والصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده، وراح ضحيته عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين الأبرياء، وأَجَّج الكراهية بين شعوب المنطقة والعالم".
وأضاف: "من هذا المنطلق جاءت رئاسة المملكة بالشراكة مع فرنسا للمؤتمر الدولي الرفيع المستوى لتسوية القضية الفلسطينية بالحلول السلمية وتنفيذ حل الدولتين على المستوى الوزاري، الذي سيُقام هذا الأسبوع بمقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك بمشاركة دولية واسعة، متطلعين إلى الدفع باتجاه تنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تقضي بإقامة دولتين ينعم فيها الفلسطينيون بدولتهم المستقلة، ويحقق للمنطقة السلام والاستقرار، ويدفع بها للمضي قدما تجاه التنمية والازدهار".
وأوضح وزير الخارجية أن المؤتمر يدعم جهود التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين الذي أطلقته المملكة، ومملكة النرويج، والاتحاد الأوروبي، في سبتمبر 2024، ويأتي استكمالا لجهود اللجنة الوزارية العربية الإسلامية المشتركة الهادفة إلى إنهاء معاناة الإنسان الفلسطيني، وتمكينه من استعادة حقوقه المشروعة، وتحقيق سلام شامل وعادل ودائم في منطقة الشرق الأوسط.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الأونروا: الإنزال الجوي للمساعدات بغزة لن ينهي المجاعة حملة إعلامية إسرائيلية ضد الأمم المتحدة تزعم أنها المسؤولة عن تجويع الغزيين بابا الفاتيكان: الوضع الإنساني يتدهور في غزة والجوع يسحق المدنيين الأكثر قراءة الفصائل الفلسطينية: استمرار جرائم الاحتلال قد يؤثر سلبا على المسار التفاوضي غزة: 18 وفاة خلال 24 ساعة بسبب الجوع مستشفى شهداء الأقصى مهدد بالخروج عن الخدمة خلال ساعات السيسي يُشيد بمساعي ترامب نحو وقف إطلاق النار بغزة عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025