أبعاد استئناف التعاون بين الجزائر وفرنسا بعد قطيعة دامت أشهرا
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
الجزائر- تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية حركة دبلوماسية جديدة مع زيارة وزير الدولة لشؤون أوروبا والخارجية الفرنسي جان نويل بارو، إلى الجزائر بعد 8 أشهر من التصعيد والقطيعة بين البلدين على خلفية أزمة حادة، بدأت تعرف بوادر تهدئة.
وأعلن بارو من الجزائر، عقب لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عودة العلاقات الثنائية إلى طبيعتها بعد فترة توتر لم "تخدم مصالح الطرفين"، مؤكدا أن فرنسا تتطلع لطي صفحة التوترات الحالية، لإعادة بناء شراكة هادئة وسلمية مع الجزائر.
وأشار بارو إلى أنه ناقش مع الرئيس تبون ووزير خارجية الجزائر أحمد عطاف جميع القضايا التي شغلت البلدين بالأشهر الأخيرة، بهدف تفعيل المبادئ التي تم الاتفاق عليها خلال المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الفرنسي والجزائري في 31 مارس/آذار، واستعادة الديناميكية والطموح الذي حدداه بإعلان الجزائر 2022.
الخلاف وحلهوبما يخص قضية الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، دعا بارو، على غرار الرئيس الفرنسي، إلى "بادرة إنسانية" تجاهه، نظرا لسنه وحالته الصحية.
وكان الرئيسان الجزائري والفرنسي قد اتفقا بأول اتصال بينهما منذ يوليو/تموز الماضي على "العمل سويا بشكل وثيق وبروح صداقة لإضفاء طموح جديد على هذه العلاقة الثنائية".
إعلانوتدهورت العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا في يوليو/تموز 2024 بعد إعلان باريس دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء الغربية، وتفاقمت الأزمة مع توقيف الكاتب بوعلام صنصال وملف الهجرة.
وناقش بارو، مجالات متعددة للتعاون بهدف إعادة العلاقات الثنائية لمسارها الطبيعي، وشملت التعاون الأمني عبر استئناف تبادل المعلومات بين أجهزة الاستخبارات في البلدين، إضافة للتعاون الاقتصادي، وكذلك في مجال الهجرة والقضاء.
وبما يتعلق بالذاكرة، أوضح الوزير الفرنسي أن الاتصالات قد استُؤنفت بين المؤرخين الفرنسيين والجزائريين ضمن اللجنة المشتركة، مؤكدا أنه يتابع هذا الملف شخصيا.
وذكر أن الرئيس تبون أكد له توجيه دعوة للمؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا لزيارة الجزائر، لمواصلة العمل على استعادة الممتلكات الثقافية، مشيرا إلى أن المتابعة ستكون على مستوى شخصي منه ومن نظيره الجزائري.
من جهته، قال المحلل السياسي وأستاذ القانون، موسى بودهان، إن جميع مجالات التعاون التي تم مناقشتها تهم البلدين، خاصة ملف الذاكرة، حيث تسعى الجزائر لاسترجاع "الأرشيف وجماجم المقاومين" التي لا تزال محفوظة في المتاحف الفرنسية.
وأضاف بودهان للجزيرة نت أن التركيز على التعاون القضائي بين البلدين أمر بالغ الأهمية، نظرا للاتفاقيات الدولية والثنائية التي يصادق عليها الطرفان، وتشمل تسليم المجرمين واسترداد المحجوزات العقارية والمنقولة الناتجة عن قضايا فساد، والموجودة في فرنسا، وهو ما تسعى الجزائر لتحقيقه عبر الإنابات الصادرة عن جهاتها المختصة.
ويرى الباحث في الدراسات الإستراتيجية، نبيل كحلوش، أن تراجع التنسيق بين الجزائر وفرنسا، وخاصة بمنطقة الساحل، جعل "الفراغات الإستراتيجية" أكثر عرضة للاستقطاب الدولي من الشرق والغرب، ودفع ذلك الوزير الفرنسي للإشارة لهذه النقطة باعتبارها تحديا أمنيا للطرفين معا، مما يفتح المجال أمام تحديات إقليمية جديدة تتطلب تنسيقا أكبر بين البلدين.
إعلانوعلى المستوى الاقتصادي، يقول كحلوش للجزيرة نت إن "تراجع حضور الشركات الفرنسية في السوق الجزائرية لصالح فاعلين اقتصاديين آخرين كان سببا مباشرا لفتور العلاقات بين البلدين، مما يجعل إبداء التزام فرنسا بالاستثمار في الجزائر والتعاون التنموي عاملا محوريا لإعادة تحديد العلاقات الثنائية في المستقبل".
وأشار كحلوش إلى أن اللقاء خلال زيارة الوزير الفرنسي شهد فتورا ملحوظا، حيث لم يُمنح الاهتمام البروتوكولي الذي كان يُمنح لهذه الزيارات كما في السابق، مما يعكس تحولا في العلاقات بين البلدين.
ورغم أن هذه الزيارة تعد "اختبارا" لمدى استجابة الطرفين للواقع الجيوسياسي الجديد -حسب كحلوش- فإن الأزمة بين البلدين لم تنتهِ بعد، مما يفتح المجال أمام مزيد من التحديات في العلاقات الجزائرية الفرنسية.
"زيارة باهتة"من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رضوان بوهيدل، أن التحرك الدبلوماسي الجزائري الفرنسي يندرج في إطار تسويق سياسي موجه للرأي العام لا أكثر.
وأشار بوهيدل في حديثه للجزيرة نت، إلى وجود "نية واضحة" من الجزائر لإعادة الأمور إلى نصابها، خاصة بالنظر للعدد "الهائل" من الجزائريين المقيمين بفرنسا، ويُقدّر بين 6 ملايين و7 ملايين نسمة، وهو من أهم النقاط التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
واعتبر أن الزيارة ذات "طابع بروتوكولي" فقط، حيث كان الاستقبال "باهتا" من طرف الجزائر، في رسالة واضحة بأنها غير راضية تماما عن الزيارة.
ووصف الأكاديمي العلاقات الجزائرية الفرنسية بأنها "لم تكن يوما طبيعية" كعلاقات فرنسا مع باقي الدول، بل كان يشوبها دوما "توترات وشحن سياسي"، نتيجة العديد من القضايا المشتركة، على رأسها "ملف الذاكرة"، الذي لا يمكن الحديث عن عودة الأوضاع لطبيعتها دون التطرق إليه.
تحديات للعودة
وقال بوهيدل إن الرئيس الجزائري صرح بوضوح أن على فرنسا "تنظيف مخلفات التجارب النووية في رقان"، إضافة إلى ملف الأرشيف وجماجم الشهداء المحفوظة في متاحفها، "وهي نقاط أخرى لا تقل أهمية".
إعلانوبما يخص تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن إعادة بعث العلاقات والتعاون، يرى بوهيدل أنها يجب أن تُترجم لخطوات عملية على أرض الواقع.
وحول موقع اليمين المتطرف ضمن مسعى إعادة العلاقات، يشير بوهيدل إلى أنه يواصل نفس الخطاب والسلوك الذي دأب عليه لسنوات، ومن الصعب أن يتراجع اليوم عن مواقفه، خاصة بما يتعلق بملف الهجرة وضرورة ترحيل عدد من الجزائريين، وهو ما ترفضه الجزائر كونه "ترحيلا انتقائيا".
وختم أن "الكرة الآن في الملعب الفرنسي، وتحديدا بيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يبدو غير قادر على التحكم بالتصريحات العدائية" لبعض وزرائه، كوزير الداخلية الذي يُتوقع مواصلة هجماته ضد كل ما هو جزائري، وقد تزداد حدتها مع تصاعد خطابه داخل فرنسا وأوروبا عموما.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العلاقات الثنائیة بین البلدین من الجزائر إلى أن
إقرأ أيضاً:
وزير التجارة الخارجية الفرنسي يؤكد عزم بلاده توسيع الشراكة الاقتصادية مع سلطنة عمان
كتب - خليل بن أحمد الكلباني
آفاق جديدة للتعاون في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والفضاء
نمو التجارة الثنائية بين البلدين في عام 2024 بنسبة 60%
فرنسا تدعم الإعفاء الكامل للمواطنين العُمانيين من تأشيرات شنغن
أكد معالي نيكولا فوريسيي الوزير المكلف بشؤون التجارة الخارجية والاستقطاب لدى وزير أوروبا والشؤون الخارجية بالجمهورية الفرنسية أن العلاقات الثنائية بين سلطنة عُمان وفرنسا علاقات راسخة وقائمة على الثقة، مشيرا إلى أن باريس تسعى إلى تعزيزها والارتقاء بها إلى المستوى الذي تستحقه، لافتا أن هناك رؤى مشتركة وتعاونا مثمرا في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة والفضاء.
وأعرب معاليه عن سعادته بزيارته لسلطنة عُمان، مشيرا إلى أنه التقى خلال زيارته بعدد كبير من المسؤولين العُمانيين، وكانت اللقاءات مثمرة وتعكس رغبة مشتركة في تعزيز التعاون المستقبلي. كما شارك في الزيارة ممثلون لعدد من الشركات الفرنسية الكبرى، مؤكدًا أن الشركات الفرنسية تمتلك حضورًا قويًا في عُمان وتتمتع بخبرة كبيرة في عدة قطاعات، وأن هناك مستوى عاليا من التفاهم والتوافق بين الجانبين.
وأشار معالي فوريسي لـ«عمان» إلى نمو التجارة الثنائية بين البلدين في عام 2024 بنسبة 60%، مؤكدا على تواصل هذا النمو في العام الجاري، من خلال شراكات جديدة في مجال معالجة النفايات وإنتاج مياه الشرب والطاقة لاسيما الطاقة الخالية من الكربون، ومراكز البيانات والذكاء الاصطناعي.
ولفت معاليه أن بلاده تسعى إلى تعزيز التعاون مع سلطنة عُمان في عدة مجالات استراتيجية، أبرزها التحول الطاقي والتنقل الحضري المستدام والطيران والفضاء، وأوضح الوزير أن فرنسا قامت باستثمارات كبيرة في سلطنة عمان من خلال شركات رائدة مثل توتال إنرجيز TotalEnergies وإي دي إف رونوفلابل EDF Renouvelables في قطاع الطاقة المتجددة، مؤكدًا أهمية تطوير شراكات أوسع في هذا المجال الحيوي،
كما أشاد بالخبرة الفرنسية المعترف بها دوليا في مجال السكك الحديدية والمترو وإدارة البيئة الحضرية، مؤكدًا أن هذه الخبرات تشكل محورا أساسيا للتعاون في مشاريع النقل الحضري المستدام، وفي قطاع الطيران والفضاء أشار إلى توقيع شركة إيرباص للدفاع والفضاء عقدًا لبناء أول قمر صناعي عُماني للاتصالات، وهو ما يفتح آفاقًا واسعة لتوسيع الشراكات بين البلدين في هذا القطاع الاستراتيجي.
وفيما يتعلق بتسهيلات الحركة الاقتصادية، أكد الوزير دعم فرنسا الكامل لإعفاء المواطنين العُمانيين من تأشيرات شنغن، مشيرا إلى أن العمانيين يمنحون حاليًا تأشيرة متعددة الدخول لمدة خمس سنوات عند تقديم طلبهم الأول، واعتبر هذا الإجراء خطوة مهمة نحو تعزيز الحراك الاقتصادي بين البلدين.
وأشار الوزير إلى أن تعزيز الشراكة الاقتصادية يستلزم تأسيس علاقات متينة ومتجددة في القطاعين الاقتصادي والمالي، بما يتيح لشركات البلدين الاستثمار المشترك في قطاعات المستقبل والابتكار على نطاق أوسع، وأكد أن فرنسا تدعم مبادرة الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاقيات شراكة اقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما يعزز الاستثمارات ويتيح فرصًا أوسع للتعاون التجاري بين سلطنة عُمان وفرنسا.
وعلى صعيد متصل أشار معاليه إلى أن بلاده تعمل وفق الأطر والقوانين الأوروبية فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية، وأن الهدف هو تحقيق توازن بين حماية الأسواق المحلية وتشجيع التعاون مع الشركاء الدوليين، ومن ضمنهم سلطنة عُمان، وأكد أن فرنسا منفتحة على تطوير علاقاتها مع سلطنة عُمان في مختلف المجالات بما يبني شراكات طويلة الأمد.
وتناول الوزير خطط عُمان الطموحة في مجال الطاقة، موضحا أن سلطنة عمان تستهدف تلبية 30% من احتياجاتها بالطاقة المتجددة بحلول 2030، و60% بحلول 2040، والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2050، وقال: إن الشركات الفرنسية مهتمة جدا بالمساهمة في هذه المشاريع، وإنها مستعدة لتقديم خبراتها وتقنياتها لدعم التحول الطاقي في عُمان، بما في ذلك مجالات الهيدروجين الأخضر.
وذكر أن جزءا من منظومة «إيرباص» الدفاعية طُوّر من خلال شراكات مع الجانب العُماني، كما تطرق إلى مشروع مشترك محتمل لإنشاء منصة أعمال على غرار «محطة F» في فرنسا والتي هي أكبر حرم جامعي للشركات الناشئة في العالم، بهدف استقطاب الشركات الناشئة وتطوير منظومة ابتكار مشتركة.
وأكد الوزير على ثقته الكبيرة في مستقبل العلاقات العُمانية الفرنسية، وعلى التزام فرنسا بدعم سلطنة عُمان في مشاريعها الاستراتيجية، خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة والفضاء.