طفرة علمية تقرّب البشرية من حلم طاقة الاندماج النووي
تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT
في لحظة قد يصفها بعضهم بالثورية في مسار البحث عن مصادر طاقة نظيفة وآمنة، أعلنت شركة "تايب وان إنيرجي" نشرَ أساس فيزيائي شامل ومتماسك لأول محطة طاقة اندماجية تجريبية قابلة للتنفيذ الصناعي بحسب الشركة.
وجاء هذا التقدم غير المسبوق في سلسلة من ستة أبحاث علمية محكمة، نُشرت في عدد خاص من دورية جورنال أوف بلازما فيزيكس، الصادرة عن مطبعة جامعة كامبريدج، مما يضع حجر الأساس لأول مفاعل عملي بتقنية "الستيلراتور" يحمل اسم "إنفينيتي وان".
ويقول كريس هيجنا، المؤسس المشارك، ونائب رئيس شركة ستيلاريتور لتحسين الفيزياء، وأحد المساهمين في تطوير النموذج الفيزيائي الجديد، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "لطالما كان التغلب على الخصائص المعقدة لحالة البلازما لإتمام عملية الاندماج النووي هدفا بحثيا رئيسيا لكثير من المهتمين بالاحتواء المغناطيسي لعقود. يتميز الستيلراتور بين أجهزة الاحتواء المغناطيسي بتصميمه الخارجي الدقيق للمجال المغناطيسي اللازم لاحتواء البلازما".
تخيل أنك تضع مكعب ثلج في كوب ماء. بعد قليل، يذوب الثلج ويتحول إلى ماء، ثم إذا سخنت الماء، سيتحول إلى بخار. هذه كلها حالات مختلفة للمادة، الصلبة، والسائلة، والغازية. لكن، هناك حالة رابعة للمادة تسمى البلازما. ورغم أنك ربما لم تسمع بها من قبل، إلا أنها ليست غريبة أو نادرة، بل هي في الحقيقة الحالة الأكثر وجودًا في الكون، فالشمس والنجوم كلها تتكوّن من البلازما.
عندما نُسخّن الغاز إلى درجات حرارة هائلة تتخطى 100 مليون درجة مئوية، تتحول ذرات الغاز إلى حالة شديدة النشاط، لدرجة أن الإلكترونات الصغيرة داخل الذرات تنفصل عنها.
في هذه الحالة، لا يعود الغاز غازًا، بل يتحول إلى بلازما، وهي مادة مشحونة بالطاقة، ومليئة بالجسيمات شديدة السرعة التي تتحرك في كل اتجاه وتتصادم مع بعضها بعضا، وكأنها عاصفة نارية كهربائية. هذه البلازما هي ما نحتاجه لإنتاج طاقة الاندماج النووي، وهي نفس ما يحدث داخل الشمس!
إعلانفي هذه الحرارة العالية، تتمكن نوى ذرات الهيدروجين من الاندماج معًا، فتتحد نواتان صغيرتان لتكوين نواة واحدة أكبر، وهذا ما يُسمى الاندماج النووي. لكن المفاجأة، هي أن الكتلة النهائية للنواة الجديدة تصبح أقل قليلاً من مجموع الكتلتين الأصليتين! إذًا، أين ذهب فارق الكتلة؟
هنا تحدث المعجزة الفيزيائية، إذ تتحول الكتلة المفقودة إلى طاقة صافية، وفقًا لمعادلة آينشتاين الشهيرة (الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء). بمعنى آخر، في كل مرة تندمج فيها ذرتان، يخرج منهما قدر من الطاقة، وكأنه انفجار متناهي الصغر، لكنه نظيف وآمن.
تسخير قوة النجوملكن تسخير البلازما ليس سهلا، بل يشبه أن تحاول حبس كرة من النار تدور بسرعة هائلة وتريد أن تبقيها في غرفة من دون أن تحرق الغرفة ودون أن تنطفئ، كيف ستفعل ذلك؟ هذا هو التحدي الذي يحاول العلماء حله باستخدام جهاز اسمه "الستيلراتور".
ويوضح هيجنا: "الستيلراتور هو جهاز يحاول إنتاج الاندماج النووي من خلال استخدام مجالات مغناطيسية مصممة بعناية. وقد صممنا أكثر من 150 ألف تكوين مغناطيسي واختبرنا خصائص البلازما الناتجة عنها باستخدام أدوات حسابية متطورة. وما توصلنا إليه في أبحاث مجلة فيزياء البلازما، هو تكوين واحد يحقق جميع المتطلبات من دون عقبات تقنية قاتلة".
الستيلراتور يشبه إلى حد ما كعكة دائرية ضخمة ملتفة ومعقدة، مصنوعة من مغناطيسات هائلة القوة، تُنتج مجالات مغناطيسية ضخمة. هذه المجالات تعمل مثل الأيدي الخفية التي تمسك بالبلازما وتتلاعب بها كالخباز الماهر الذي يتلاعب بالعجين، فتمنعها من الهروب أو لمس جدران الجهاز. وعليه، فإن نجاح الستيلراتور يكمن في الإبقاء على البلازما معلقة في الهواء باستخدام قوى مغناطيسية، حتى تندمج الذرات معًا وتُطلق طاقة هائلة.
يقول هيجنا: "الوقود المستخدم في الاندماج النووي وفير. فكما هو معروف، المصدر الأساسي للوقود هو نظائر الهيدروجين المتوفرة بكثرة، فضلاً عن أن نواتج الاندماج النووي غير ضارة، بعكس منتجات الانشطار النووي أو الفحم أو الغاز".
إعلانهذا التصور الجديد يفتح آفاقًا لتطوير مفاعلات اندماجية قادرة على العمل في استقرار وفعّالية، بما يضمن دمج النظرية والتطبيق في منظومة واحدة قابلة للتنفيذ.
تمثل محطة "انفينيتي وان" النموذج الأولي الذي تخطط الشركة لإنشائه بالتعاون مع هيئة وادي تينيسي للطاقة في الولايات المتحدة. وسيتم بناء المحطة في موقع محطة فحم قديمة، ما يمثل رمزًا لتحول تاريخي من الطاقة الملوثة إلى طاقة نظيفة.
يقول هيجنا: "مع أي تقدم تكنولوجي جديد، هناك دائمًا قدرٌ من عدم اليقين. ولعلّ التحدي الأكبر هنا يكمن في تكامل جميع الأنظمة المطلوبة للستيلراتور، بما في ذلك الفيزياء الأساسية للبلازما، وآلية التخلص من الحرارة والجزيئات، ونظام التوليد الذاتي للوقود، إضافة إلى ملفّات المغناطيس عالية الحرارة".
استند هذا الإنجاز إلى تعاون مكثف بين علماء من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك مختبر أوك ريدج الأميركي الذي قدم حواسيبه الخارقة لمحاكاة الخصائص الفيزيائية للتكوينات المغناطيسية، وعلى رأسها الحاسوب "فرونتير" المصنف ضمن أسرع الحواسيب عالميًا.
ويرى هيجنا، أن الوصول إلى هذه المرحلة لم يكن ممكنًا لولا ثلاثة تطورات أساسية أولاً، توفر تقنيات الموصلات الفائقة ذات درجات الحرارة العالية التي تسمح ببناء ملفات مغناطيسية قوية؛ وثانيًا، إثبات فعالية نهج الستيلراتور بمشروع فينديلشتاين 7-إكس في ألمانيا؛ وثالثًا، تطور النظرية والحوسبة الفيزيائية للبلازما، مما مكن الفريق من تصميم وتوقّع سلوك النظام بدقة.
اقتصاد الاندماجرغم أن الطاقة الاندماجية تعد أكثر تعقيدًا من حيث التصميم والتنفيذ، إلا أن الباحثين يؤكدون أهمية أن تكون مجدية اقتصاديًا مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة التقليدية. ويؤكد هيجنا ذلك: "الجانب الاقتصادي للطاقة الاندماجية هو دافع رئيسي لتصميماتنا. من المهم أن يكون المنتج النهائي الذي تقدمه شركة تايب وان إنيرجي قابلًا للتطبيق اقتصاديًا".
إعلانلا يخلو طريق الاعتماد الواسع على الاندماج النووي من التحديات، خصوصًا من ناحية السياسات. ورغم أن بعض المنتقدين يرون أن الاندماج النووي لا يزال "على بُعد 30 عامًا" من الواقع، يرد هيجنا على هذا الادعاء بتأكيد واقعية الطموح الجديد، ويقول: "هدف شركة تايب وان إنيرجي هو إنتاج محطة اندماج تجريبية بحلول منتصف الثلاثينات. ولتحقيق الانتشار الواسع لهذه التقنية، سيكون من الضروري الحصول على دعم حكومي كبير".
يمكننا القول، إن الأبحاث التي نشرتها شركة تايب وان إنيرجي تُعدّ نقلة في مسيرة الاندماج النووي، ليس فقط لأنها تقدم نموذجًا نظريًا متينًا، بل لأنها تتجه نحو التنفيذ الواقعي، مدعومة بتكنولوجيا متطورة، وتعاون دولي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الاندماج النووی طاقة الاندماج
إقرأ أيضاً:
المخلوقات الفضائية.. وهم كاذب أم حقيقة علمية مثبتة ؟!
الكون، وبكل ما فيه من معالم واضحة وأخرى غامضة وعميقة تقع في غياهب الذاكرة والمجهول، لا تزال حتى هذه اللحظة ثمة محاور تدعو إلى الدهشة وإلى تحريك رؤوس البشر نحو المسافات البعيدة؛ حيث الفضاء يلمع بنجومه المنيرة في الليالي السوداء المظلمة.
يومًا بعد آخر، تقترب بعض الملامح من مرآة الحقيقة والواقع الذي نريد أن نعرفه أو نصدق كل ما نسمع عنه، ولطالما كان البشر مفتونين جدًا بالسماء وما تحمله من أسرار، خاصة وأن العالم مكتظ بالكثير من الخبايا الغامضة أكثر قبل أن يتطور العلم الحديث، فكان الناس ينظرون إلى النجوم والكواكب كأماكن مأهولة بالأسرار التي تخبرهم بأن ثمة كائنات سماوية تعيش في عالم الغيب.
ومع كل وجه خفي تظهر معالمه في مرآة الوجود، يعتقد الناس بأنهم قد أدركوا شيئًا جديدًا من حقيبة المجهول الذي طال انتظاره، لكن مع الوقت يكتشفون بأن الطريق لا يزال طويلًا جدًا لفك كل الرموز الصعبة التي لم يستطع الإنسان أن يتوصل إليها حتى مع العلم الذي مكنه الله به لفهم الأشياء على حقيقتها وما يغوص في باطنها من لغز فريد.
فالألغاز تارة تكون جدًا معقدة وصعبة، وقد تحيط بالبشر من كل جانب سواء في السماء أو الأرض، ولكن العلم لا يتوقف عند نقطة الصفر، بل يستمر قارب البحث مُبحرًا في محيطات المعرفة والبحث عن الحقائق وأسرار هذا الكوكب.
وعامًا بعد عام، تظل الكثير من أبواب المعرفة عتباتها «مقفلة بأصفاد من حديد»، وما خلفها يظل غامضًا وغائبًا عن إدراك البشر حتى وإن أبحروا في خيالاتهم وتصوراتهم المعقولة واللامعقولة.
كما نعلم جليًّا، في خارج هذا الكوكب ثمة كواكب أخرى تدور في ملكوت الله، وكل كوكب له ما يميزه عن الآخر، لكن أسراره تبقى غاية في السرية رغم الغزو البشري إليها على مدى عقود من الزمن، فالعلماء لا يكفّون أو يملّون من سعيهم من أجل المعرفة، فهم يسيرون رحلاتهم الفضائية إلى الكواكب القريبة من الأرض بهدف استكشافها ومعرفة أسرار الحياة عليها، ومع انتهاء مهمة رواد الفضاء وعودتهم إلى الأرض، تنطلق مجموعة أخرى جديدة، مُكلفة برصد شيء آخر في الفضاء البعيد، فكل رحلة لها مهمتها الخاصة والمحددة، ومن خلالها يجمع العلماء والباحثون في المراكز الدولية العلمية الكثير من المعلومات ويحلّلون بعضًا من الصور التي تأتيهم من خارج الغلاف.
وعبر السنين الطويلة من البحث والتحري والسعي إلى كشف النقاب عن الجانب المظلم الذي يحيط بهذا العالم الذي نعيش فيه، توصل العلماء إلى بعض المعلومات المهمة، ولكن في الوقت ذاته بقيت ثمة أسئلة عالقة في أذهانهم تبحث عن إجابة، منها ما يذهب نحو الأميال البعيدة، والآخر إلى طبيعة الحياة فوق تلك الكواكب السيارة؟ يسألون أنفسهم عن سكانها الحقيقيين، وعن تفاصيل حياتهم اليومية؟ وما الذي يميز كوكبهم عن كوكبنا الأرضي؟
عشرات الأسئلة بقيت على مرّ التاريخ غامضة، وربما ستبقى دهرًا من الزمن حائرة في أذهان الباحثين والعلماء حول العالم، لكن هناك من يروّج إلى أن سكان الكواكب الأخرى مختلفون في أشكالهم وأحجامهم عن البشر، ويتفاوتون كثيرًا في القوة البدنية، وطبيعة الحياة التي يمارسونها على كوكبهم الغامض.
منذ زمن والناس تروّج لفكرة زيارة الفضائيين إلى الأرض مستخدمين الأطباق الطائرة في تنقلاتهم، ولكن حتى هذه اللحظة لم يجزم العلماء والباحثون بوجود هذه «المخلوقات الفضائية العجيبة»، ويرفض البعض فكرة أنهم يتسللون عبر طبقات الجو العليا من أجل الوصول إلى الأرض واستكشاف كوكبنا أو يحاولون السيطرة علينا كغزاة وعداء للبشر يخططون لاحتلال كل شبر من كوكب الأرض.
وتشير بعض المصادر الصحفية إلى «أن آلاف الأشخاص حول العالم قد أبلغوا عن مشاهدة أضواء غريبة أو أجسام غير مألوفة في السماء، وبعض هذه المشاهدات تم تفسيرها لاحقًا كظواهر طبيعية أو طائرات عسكرية سرية، ولكن العديد منها بقي دون تفسير واضح».
هناك مجرد فرضيات واحتمالات قد لا يجانبها الصواب، لكنها تظل هاجسًا يبعث الرهبة والحيرة في نفوسنا، فليس هناك أي تأكيد على أنهم قد وصلوا إلينا حتى في الزمن الغابر، فنحن وغيرنا نكذّب هذه الروايات وننفيها بشكل قاطع جملة وتفصيلًا.
قد يكون صناع الأفلام السينمائية في هوليوود قد عملوا على ترسيخ وجود هذه المخلوقات الخارقة على كوكب الأرض، وعملوا على نسج سيناريوهات مضللة تسعى إلى زعزعة الاستقرار النفسي لدى البشر والخوف من المستقبل الغامض على الكوكب وتعرضه إلى الخطر!
من جهة ثانية، هناك بعض الدراسات التخيلية تتوارد بشكل متلاحق تعاني من انقسام وانفصال تام ما بين «الحقيقة والخيال» في وجود الكائنات الفضائية من الأصل، والبعض الآخر وإن كان يؤمن بوجودهم الفعلي، إلا أنه لا يذهب نحو فكرة غزوهم إلى الأرض نهائيًا، ويستبعد كل هذه التخيلات ويعتبرها مجرد أوهام كاذبة لا أساس لها في الواقع.
وللتاريخ، هل تساءلت يومًا، لماذا يرسم البشر صورًا مشوهة ومخيفة للكائنات الفضائية؟ والجواب لذلك هو محاولة التخيل الشكلي لمثل هذه الكائنات التي على اعتبارها رمزا للقوة والاختلاف في الملامح والشكل المألوف للكائن البشري، استطاعت أفلام الخيال العلمي ترسيخ هذه الصور التصورية لمثل هذه الكائنات وجعلها أكثر تقبلًا لدى المشاهد.
من جهة أخرى، فلماذا نحن مهتمّون كثيرًا بأمور الكواكب الأخرى؟
ربما هو مجرد فضول بشري أو الرغبة في معرفة الأشياء المجهولة التي تحيط بنا، ولذا حرّكت بعض أفلام الكرتون هذه الاهتمامات من حيث تصوير الرجال الفضائيين على أنهم غزاة الأرض، فهبّ الإنسان إلى الدفاع عن هذا الكوكب من خلال استخدام الأسلحة المختلفة، واستطاع في كل مرة طردهم وإفشال مخطط الفضائيين في احتلال الأرض والسيطرة عليها بشكل كامل!
قد يُخيّل لنا أحيانًا بأن من يعيش إلى جوارنا على كوكب الأرض كائنات أخرى، بمعنى أن هناك حياة أخرى تعيشها بعض «الكائنات الحية» سواء كانت مختلفة عن أشكالنا الطبيعية أو فطرتنا الإنسانية.
وهذا ما يجعلنا نغوص أكثر في تقبل فكرة «قصص الخيال العلمي»، فنؤلف الأحداث والغايات ونصدقها، وربما يزداد حجم الحيرة لدى بعض الناس ويحتارون في تصديق «الخيال أو الواقع»، ولكن لنكن أكثر دقة وأقرب إلى المنطق ونسأل أنفسنا: لماذا يراودنا الشك دائمًا بأن هناك مخلوقات خارقة تشاركنا العيش على كوكب الأرض، خصوصًا وأن العالم به فراغات وأماكن لا تزال مجهولة الملامح؟ وهل يعيش الغرباء الآتون من كواكب أخرى في أماكن الظل التي لا نعرفها ولا نراهم أو نحس بوجودهم، تمامًا مثلما يعيش الجن إلى جانبنا، وقليل جدًا من تصادف بهم؟!
لنتفق جميعًا على أن في هذا الكون الواسع ثمة أشياء غامضة -وهي حقيقة واقعية- وقد تكون أحيانًا مخيفة وصادمة، فهل سيأتي يوم نرى الكائنات الفضائية تسير في شوارعنا وتسكن إلى جوار مساكننا؟! وبالتالي نصدق كل الروايات والتخيلات التي سُردت في الكتب والمجلدات وغيرها؟!