لفترة طويلة من الزمن، خططت كينيا لأن تكون مركزا تجاريا مهما في المحيط الهندي من خلال إنجاز مشاريع تنموية طموحة من ضمنها الخطة الاقتصادية التي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار، والهادفة إلى إنشاء بنية تحتية تتمثل في طرق وسكك حديدية تربط ميناء لامو في كينيا بدولتي جنوب السودان وإثيوبيا غير الساحليتين.

وتطمح كينيا إلى ربط المناطق الشمالية التي تعاني من نقص التنمية بالمشاريع الاقتصادية عبر إنشاء ممر الطرق والسكك الحديدية لإحداث الأنشطة التي تساهم في العمل والقضاء على مظاهر الفقر المتعدد الأبعاد.

لكن نقص التمويل والتحديات الأمنية التي تعرفها بعض مناطق البلاد، أعادت أنظار المستثمرين والشركاء حول جدوى المشروع الذي تهدف كينيا من ورائه إلى أن تصبح مركزا تجاريا في شرق أفريقيا.

خطط طموحة

تُعتبر لامو من أقدم البلدات المأهولة في كينيا، وكانت واحدة من المدن الساحلية الأصلية على طول سواحل شرق أفريقيا.

نصف سكان كينيا يعانون من شح المياه (الجزيرة)

ورغم أن بناء مشروع ميناء لامو يعد حديثا، فإن خطط استثماره وضعت منذ عام 1975، وأطلقت في سنة 2013 فكرة إنشاء الممرات والأرصفة حيث إن الميناء في المدينة قد يكون أعمق وأكثر مساحة للمراسي من الميناء الأصلي في كينيا الواقع بمدينة موباسا.

إعلان

وفي مايو/أيار 2021 أشرف الرئيس الكيني السابق أوهورو موغاي على افتتاح أول محطة لرسو السفن في ميناء لامو، وقال إنه سيخلق المزيد من الفرص الاقتصادية للدول الثلاث في شرق أفريقيا وهي كينيا، وجنوب السودان، وإثيوبيا.

ومع تدشين الميناء، وضعت خطط تهدف إلى إنشاء أرصفة عميقة على طول شواطئ مقاطعة لامو المُغطاة بأشجار المانغروف، لنقل البضائع عبر طرق وخطوط سكك حديدية جديدة إلى مويالي على الحدود الإثيوبية، وناكودوك الموالية لجنوب السودان.

كما تهدف الخطة إلى نقل النفط من منطقة بحيرة توركانا المعزولة في كينيا إلى الساحل عبر خط أنابيب، على أن تبنى 3 مطارات دولية على طول الممر، إلى جانب مدن سياحية أخرى يتم فيها بناء فنادق ومطاعم لجذب السياح الأجانب.

وتوقع الداعمون للمشروع أن يحدث تحولاً في الحياة الاقتصادية في شمال كينيا، التي تخلفت إلى حد كبير عن الركب مقارنة بالنمو السريع في العاصمة نيروبي، ومومباسا مدينة الميناء الرئيسي في البلاد.

ونقلت وول ستريت جورنال عن المدير الإقليمي لممر النقل بين ميناء لامو وجنوب السودان وإثيوبيا في لامو تصريحات تقول إن "الحكومة تعتقد أن هذا المشروع سيُحدث نقلة نوعية في حياة شعب كينيا".

لكن الخطط الطموحة المتعلقة بربط الشمال الكيني بالبنى التحتية والمشاريع التنموية لا تزال متعطلة بسبب عزوف المستثمرين الذين تراجعوا بسبب انعدام الأمن.

وبعد سنوات من الإعلان عن انطلاق المشاريع لم يتم بناء سوى مرسى واحد في الميناء، كما لم ينجز سوى ممر واحد بطول 150 ميلا.

البحث عن المستثمرين

ومع التأخر في إنجار المشاريع، عملت الحكومة في كينيا على استقطاب المستثمرين من خلال البحث عن شركاء وممولين للاستثمار في المشاريع المرتبطة بميناء لامو.

وفي فبراير/شباط الماضي عقدت محادثات سعودية كينية في العاصمة نيروبي ناقشت فرص الاستثمار في ميناء لامو الذي تشرف على تشغيله الحكومة في كينيا.

نهر مارا يخترق محمية ماساي مارا من أشهر المحميات الطبيعية في كينيا (بيكسابي)

وأعلن الجانبان عن تنظيم أسبوع كيني سعودي في أبريل/نيسان الجاري بالعاصمة الرياض تشارك فيه 120 كينية، وستناقش فيه فرص الاستثمار عن طريق المناطق التجارية الحرة في ميناء لامو.

إعلان

كما تجري الحكومة في كينيا مشاورات لجلب الشركات البحرية المصرية التي كانت تتولى تطوير ميناء موباسا.

هجمات القاعدة

ورغم الجهود المبذولة من الحكومة الكينية وشركائها لتنفيذ المشاريع، فإن التحديات الأمنية بات واضحا أنها تعرقل تنفيذ الخطط على أرض الواقع.

وتعوّدت حركة الشباب الصومالية على شن هجمات ضد الأهداف الكينية على طول الحدود بين كينيا والصومال.

ووفقا لمركز دراسات الأبحاث السياسية والحقوقية في نيروبي، فإن سنة 2021 أي العام الأول من بداية إنشاء مشاريع الطرق شهد هجمات أسفرت عن مقتل 16 شخصا، وجرح 40 آخرين، من العمال الكينيين والصينيين.

وفي عام 2020، هاجم مسلحون من حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة منشأة عسكرية أميركية بالقرب من ميناء لامو وقتلوا 3 أميركيين.

وقد دفعت هذه الهجمات بالحكومة الكينية إلى إرسال الجيش والقوات الأمنية إلى تأمين مناطق العمل، الأمر الذي ضاعف الإنفاق بشكل كبير.

ووفقا لتصريحات مسؤولين حكوميين فإن التقدم في إنجاز المشروع الرابط بين غاريسا ولامو لم يتجاوز نسبة 10%.

ويقول مسؤولون إن الجزء اليسير الذي تم بناؤه من المشروع من قبل إحدى الشركات الصينية لا يستوفي المعايير الفنية المطلوبة.

ويثير استمرار العنف تساؤلات حول قدرة الحكومة في كينيا على حماية حركة الشحن على الطريق حتى في حال اكتماله.

وفي تصريحات نقلتها وول ستريت جورنال عن بعض المراقبين قال "ليست لدينا القدرة على مراقبة هذا الممر بأكمله إذا تم إنجازه".

أما مشروع السكك الحديدية الذي أعلن عنه في الخطة التنموية الأصلية لإنشاء ميناء لامو، وتعمير مدن مناطق الشمال فإنه سيظل بعيد المنال، وقد لا ينجز في حياة الكينيين وفقا لتصريح بينارد موسيمبي كيلاكا، المحاضر في جامعة ماسينو الكينية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الحکومة فی کینیا على طول

إقرأ أيضاً:

بانو مشتاق.. صوت من الجنوب الهندي يعبر إلى العالم

في زوايا الجنوب الهندي، وبين الأزقة الضيقة لمدينة "حسن" في ولاية كارناتاكا، وُلد صوتٌ روائي اختزن في سطوره وجع النساء، وحرائق المجتمعات الهامشية، ونبض الأرض التي لا يُكتب عنها إلا نادرًا، هي بانو مشتاق، الكاتبة التي اختارت أن تكون مرآةً لنساءٍ طمست حكاياتهن في ظلال الصمت، فانفجرت بالكلمات، وكتبت لتُرى، وتسمع، وتخلد.

في مايو 2025، دخلت بانو التاريخ كأول كاتبة تكتب بلغة "الكانادية" وتحصد جائزة البوكر العالمية، عن مجموعتها القصصية "مصباح القلب"، لتصبح أول مجموعة قصصية قصيرة تفوز بهذه الجائزة العالمية منذ تأسيسها، وقد ترجم العمل إلى الإنجليزية بجهد المترجمة ديبا بهاستي، التي التقطت من بين أكثر من خمسين قصة، اثنتي عشرة حكاية تنبض بالوجع والأمل.

ولدت بانو في عام 1948 وسط أسرة مسلمة بسيطة، لوالد يعمل موظفًا حكوميًا، آمن بموهبة ابنته وشجعها على التعلم في مدرسة تبشيرية، ومنذ نعومة أظافرها، كانت الكلمة سلاحها، واللغة الكانادية وطنًا تكتب فيه ومنه، تحدّت التقاليد بالحب، والزواج عن اختيار، ودخلت غمار الكتابة مدفوعة باكتئاب ما بعد الولادة، لتتحوّل معاناتها الشخصية إلى مشروع أدبي كبير.

انخرطت بانو في حركة "بانديا سهتيه" التي ظهرت في السبعينات والثمانينات، والتي كانت بمثابة صرخة ضد التمييز الطبقي والديني، ومنصة للأدب الاحتجاجي، كتبت القصة والشعر، واشتغلت في الصحافة والإذاعة، وخلقت عالمًا موازياً لنساء الجنوب، حيث العنف الأسري، والتهميش، والتناقضات التي تعيشها المرأة المسلمة في مجتمع يرزح تحت أثقال الماضي والدين والسلطة. 

"مصباح القلب" هو عمل عن النساء، ولكنه في جوهره عمل عن الإنسان، عن الروح التي تنكسر ثم تلمّ شتاتها وتضيء. 

هذا ما أكده رئيس لجنة تحكيم البوكر ماكس بورتر حين وصف الكتاب بأنه "ترجمة جذرية" وتجربة أدبية لم يسبق لها مثيل.

احتفلت عائلة بانو في حي "بنشين محلة" بفوزها، وعبّر زوجها عن فخره رغم عدم تمكنه من مرافقتها إلى لندن بسبب تأشيرة السفر. 

وفي قاعة متحف "تيت مودرن"، وقفت بانو بين أعمدة الأدب العالمي، لتقول بكل تواضع: "الأدب هو المساحة الوحيدة التي يمكننا أن نحيا فيها داخل عقول بعضنا البعض".

إن بانو مشتاق لم تفز بجائزة، بل فتحت نافذة تطل منها اللغات الإقليمية على العالم، ورفعت صوت الجنوب ليُسمَع في الشمال.

كتبت بلغة غير مرئية عالميًا، لكنها كتبت بصدق، وكان الصدق وحده كفيلًا بأن يُترجم ويُحتفى به ويُخلّد.

طباعة شارك بانو مشتاق جائزة البوكر العالمية مصباح القلب مجموعة قصصية قصيرة بانديا سهتيه

مقالات مشابهة

  • بعثة اتحاد الصناعات المصرية تبحث التعاون مع ميناء أبيدجان إنشاء توسعات جديدة وربط الموانئ
  • وزير الموارد: العراق قام بإعداد خطة طموح لحماية موارده المائية
  • السوداني:حكومتي قطعت شوطاً في الإصلاح الاقتصادي والمالي..وصندوق النقد الدولي يؤكد ان الحكومة غير جادة بذلك
  • المتحدث باسم الحكومة الألمانية يكشف تفاصيل خاصة عن المساعدات التي سمح العدو الصهيوني بإدخالها إلى قطاع غزة
  • كينيا تعترف بدورها في اختطاف زعيم المعارضة الأوغندية
  • بانو مشتاق.. صوت من الجنوب الهندي يعبر إلى العالم
  • ميناء حيفا بوابة إسرائيل التي يتوعدها الحوثيون
  • الحكومة توافق على إنشاء 3 جامعات جديدة - الأماكن والكليات
  • المملكة وقيرغيزستان تعلنان إنشاء مجلس أعمال مشترك لدفع مسار التعاون الاقتصادي بين البلدين
  • لدفع مسار التعاون الاقتصادي بين البلدين.. المملكة وقيرغيزستان تعلنان إنشاء مجلس أعمال مشترك