سودانايل:
2025-06-01@09:57:19 GMT

الحرب بين المساءلة والتواطؤ: كشف الحساب المؤجل

تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT

أسئلة الحرب ومساءلاتها لن تُؤجَّل، وإن تأخرت.فبذات حجم الكارثة التي حلّت، يجب على الوطنيين الديمقراطيين طرح الأسئلة المهمة والبحث عن إجابات داعمة وبنّاءة لها.

ومن أهم تلك الأسئلة: هل كانت المؤسسة التي أكدت، بأكثر من لسان، أن قوات الدعم السريع خرجت من رحمها (وليس صُلبها)، على علمٍ دقيقٍ بمحمولات العنف وأفكار الانتقام والعقوبات التي سينفذها "الابن" على المنشآت والمدنيين أثناء خوضه القتال؟.


هل كانت قيادات المؤسسة العسكرية تعلم ما سيفعله جنود الدعم السريع بالمدنيين والممتلكات العامة للدولة؟ هل كانت على دراية بما يكمن من حقدٍ وتربيةٍ عسكريةٍ انتهاكية تجاه أهل الوسط والشمال والشرق والغرب، وجميعهم من بناة ومؤسسي دولة 1956؟

الاجابة نعم. والدليل على ذلك أن قائد الجيش ورأس الدولة قد أجاب أحد الصحفيين، قبل اندلاع الحرب، عندما سأله: "ماذا تتوقع من الدعم السريع إذا ما وقع النزاع؟".
أجاب الرجل – كما أقرَّ الصحفي لاحقًا – قائلاً إنه يتوقع أن يدخل جنود الدعم السريع بيوت المواطنين (الأعيان) ويخربوا المنشآت، وغير ذلك.

تلك كانت الإجابة التي تختصر كل الاتهامات والدفوعات التي قدمها قائد الجيش لاحقًا، زاعمًا أن الحرب كانت "فعل خيانة مفاجئ". إذ يتضح أن القوات المسلحة، ممثلة في أعلى قياداتها، كانت على علمٍ تامٍّ بما سيقع على المواطن جراء هذه الحرب، وما سيحلّ بالوطن من خراب.

ومع ذلك، تقدم الجيش إلى الحرب، باعترافات أخيرة لبعض الضباط، خاصة من معسكر "الباقير"، لينخرط فيها دون أي وازعٍ أخلاقيٍّ وطنيّ، غير عابئٍ بما سيقع على المواطنين والوطن من دمار وخراب وخروقات لا وصف لها.

لاحقًا، سيطلق داعمو الحرب عليها اسم "حرب الكرامة"، وسيُروَّج لها بأنها دفاعٌ عن الوطن في مواجهة "هجومٍ غازٍ". لكن قطاعًا واسعًا من الرأي العام سيدرك أنها حرب استنزاف وابتزاز، ذات أهداف خفية، بعضها ظهر بوضوح، كالثروات التي تكدّست في حسابات قادة الجيش وتابعيهم، ولا تزال تتضخم كل يومٍ يمرّ من عمر هذه الحرب، التي باتت تبدو للعيان أقرب إلى خيارات أصحاب المصالح وتجار الدين والسياسة، الراغبين في عودة النظام السابق.

غير أن البعد الدراماتيكي في هذه الحرب تجلى في اجتماع الرأي العام – المتضرر من الحرب – إلى جانب الجيش الغارق في التحيز السياسي. تقوم الدنيا ولا تقعد، تُغنّي "القونات" أغاني الانحطاط، فيدفع لهن كبار اللصوص الأموال، ويُحرّضن على خداع الرأي العام، جنبًا إلى جنب مع جمهرة الإعلاميين المأجورين، والكلّ يردد شعار " بل بس" حتى إخراج آخر جندي من قوات الدعم السريع من الخرطوم و"بيوت المواطنين"، تمامًا كما اشترطت المؤسسة العسكرية في اتفاقية جدة.

لكن، ماذا يحدث الآن بعد ما سُمِّيَ بـ"تحرير الخرطوم؟.
تخرج قوات الدعم السريع "عنوةً واقتدارًا" كما يحلو لداعمي الجيش، وتتوالى الدعوات للنازحين، المغلوبين على أمرهم، الهاربين من ويلات الحرب، للعودة إلى ديارهم التي نُهِبت، والاندماج في حياةٍ خاليةٍ من أبسط الضرورات الأساسية، من ماءٍ وكهرباءٍ وأمن.

هذا الواقع يُضاف إلى سجل غياب المسؤولية الوطنية في اتخاذ قرار الحرب. بل ويخرج مدير مؤسسة أكاديمية عريقة كجامعة الخرطوم، قبل أيام، ليأمر الأساتذة والطلاب بالعودة إلى الدراسة، وكأن شيئًا لم يكن! ليس هذا فحسب، بل ترفع الدعوات، عبر منصات التواصل الاجتماعي، للجنود والمواطنين "الشفشافة" لمواصلة نهب ما تبقى من الممتلكات الخاصة والعامة، فيما يبدو وكأنه تهديدٌ جديدٌ للسكان النازحين بأنهم سيعودون ليجدوا ما تبقى قد سُرق أيضًا!

أيُّ جنونٍ هذا الذي تفعله سلطة المال بأخلاق هؤلاء الرجال؟ وأيُّ قلوبٍ تحجرت ضمائر أصحابها؟ كيف لا يأبهون بالقيم السمحة التي تربّى عليها غالبية أهل السودان؟

أسوأ الاخبار هى ما ترد من قصص اهل الداخل ممن لم يبارحوا بيوتهم، الذين سربوا معلومات تفيد بتعرضهم للسلب والنهب والاغتصاب من كتائب البراء بن مالك وجنود القوات المشتركة وكان هؤلاء قد قرروا استكمال فظائع الدعم السريع وسرقة واحتقار ما تبقى ومن تبقوا. بل لقد صرنا نشاهد الفيديوهات التي يصورها الجنود وهم يراجعون سوق الذهب وبيوت يبحثون عن الفتات، مثلما شاهدنا احدهم بعمارة الذهب بوسط الخرطوم وهو يلعن حظه بعدم عثوره حتى على خاتم ليبيعه ( بدلا من ان يسلمه امانات الشرطة).
إن ما يجري اليوم، بكل المعايير، يُضاف إلى سجل جرائم الحرب، حيث يُدفع بالملايين للعودة قسرًا، استثمارًا في ضيقهم وعُسر أحوالهم في مناطق النزوح، لإلقائهم في أتون محرقةٍ جديدةٍ، بمواصفاتٍ أخرى، أقلّها السحق الاقتصادي والاحتقار لآدمية الانسان.

طال الزمن أم قصر، فإن المستقبل مفتوحٌ لصالح الحكم المدني.ليس بالضرورة أن يأتي هذا الحكم على صهوة "صمود" أو "حمدوك" المغدورين بالتهم الجزافية، لكنه سيكون مدنيًا ديمقراطيًا، حتى في أسوأ الفرضيات.

وعندها، سيكون أول مطالبه توقيع أقسى العقوبات على الطرفين العسكريين وقادتهما، بتقديمهم إلى محاكماتٍ ميدانية، واجتثاث الحاضنة السياسية الإخوانية لكليهما، دونما رحمة، حتى تسود سلطة القانون، وتترسخ قيم الاحترام للحق العام،ويكون للأجيال الجديدة فرصةٌ حقيقيةٌ في بناء وطنٍ رفيع المعاني والقدرات. كل ذلك ولكى يتحقق، لا بد ان يعتمد على توفير وتوفر الإجابة على سؤال ماذا نحن فاعلون بالسودان بعد الحرب؟.

wagdik@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة

محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة

محمد كبسور

محمد محيي الدين، مبدع سوداني متعدّد، ورائد من رواد التجديد في الشعر الحديث. قاص وروائي ومسرحي وصاحب ملكات أدبية رفيعة، له إسهامات مقدّرة في الشعر والمسرح والسيناريو والأفلام القصيرة. تميّزت كتابته بمخزون تاريخي وقراءة في الواقع السوداني المعاصر.

من أوائل الذين درسوا بالمعهد العالي للموسيقي والمسرح، وتخصص في الدراسات النقدية. عمل في مجال التعليم. غاب عن الوطن لفترة وعاد ليواصل اسهاماته الأدبية والفنية بمدينة ود مدني والتي استقر فيها حتي لحظة وفاته صباح الثلاثاء 26 مايو 2015م.

محمد محيي الدين من مؤسسي رابطة الجزيرة للآداب والفنون والتي عملت على اثراء الساحة الثقافية في الثمانينات والتسعينات بمعية رابطة سنار الأدبية ورابطة اولوس ورابطة أبناء دارفور ونهر عطبرة الأدبية.

كان مشاركاً في كثير من المنتديات والمهرجانات العربية والسودانية. وكانت آخر مشاركاته في لجنة تحكيم جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في محور الشعر.

يعتبر محمد محيي الدين من الأدباء الذين برزوا في السبعينيات وحاولوا التمرد على قيود و بناء قصيدة الستينيات. وهو من أوائل الذين كتبوا قصيدة التدوير، و وسم ببصمته جيلاً كاملاً بمدرسته التجريبية الشعرية والمسرحية. التقط التيارات السابحة في الهواء عاملاً على تحريك الساكن الإبداعي، وبذل مجهوداً كبيراً في تبني المواهب الشابة وفي تقديم خبرته لها، وتحلّقت أجيال كثيرة حوله فرفدها بمعارفه المختلفة.

نادَى محمد محيي الدين بكتابة القصيدة المفتوحة التي تستفيد من تقنيات السينما والحوار والنثر، وشكّل بذلك تياراً شعرياً رائداً في الكتابة التجريبية. ويمتلك محمد محي الدين القدرة علي اختصار تجارب شعرية وسردية عديدة داخل النص الواحد.

ولعل أعماله التي اطلت علي الجمهور مثل ديوان “الرحيل على صوت فاطمة” ومجموعة “عشر لوحات للمدينة وهي تخرج من النهر” أو تلك التي كانت في انتظار النشر مثل مجموعة “اتكاءة على سحابة وردية” هي التي وضعت محمد محي الدين ضمن الشعراء المميزين بالسودان.

كما أن قصائده التي تناولها بعض من المغنين المجدّدين، قد سلطت الضوء علي تجربته خصوصاً وسط الأجيال الجديدة، مثل قصيدة “المناديل الوضيئة” التي لحنها وغنّاها الفنان الراحل مصطفي سيد أحمد، و”مطر الليل” التي صدرت من ضمن ألبوم غنائي للفنانة ياسمين ابراهيم.

تجربة محمد محيي الدين المسرحية تجربة ثرّة دعمها بالدراسة في المعهد العالي للموسيقى والمسرح. ويعد محي الدين من مؤسسي مسرح الشارع، حيث عرضت مسرحياته في الشوارع السودانية في كثير من المدن. ويتداخل الشعر والمسرح في عالم محمد محي الدين، فبقدر ما يكون هو شاعراً متفجراً في اللغة والصورة الشعرية والبناء المعماري للقصيدة، يكون أيضاً كاتباً مسرحياً يسعى إلى ذلك مستفيداً من شاعريته “وفق وصف الشاعر يحي فضل الله”.

ولمحمد محيي الدين العديد من الدراسات عن المسرح نُشرت بالملاحق الثقافية بالصحف ومجلة الثقافة السودانية. وعلي أيام وجوده بالمعهد كان عضواً فعالاً في جماعة السديم المسرحية.

وفي بحثه عن التجريب، قدم محمد محيي الدين مسرحية “ضو البيت” اقتباساً عن رواية الكاتب الراحل الطيب صالح. وعرضت المسرحية عام 1985 بمسرح قاعة الصداقة وقدمتها جماعة السديم المسرحية والتي عرضت له أيضاً مسرحية “مطر الليل” ومسرحية “الرجل الذي صمت” ومسرحية “القطر صفر” ومسرحية “من كي لي كي” ومسرحية “القنبلة والعصفور” كما له مسرحية عن الشيخ فرح ودتكتوك. ومارس محمد محي الدين تجربة الإخراج المسرحي داخل جماعة السديم عبر إخراجه لمسرحيته “هبوط الجراد”.

وفي الكتابة للمسرح مارس محمد محيي الدين أيضاً التأليف المستند على نصوص كتاب آخرين، وأعد كثيرا من المسرحيات العربية مثل مسرحية “أنت قتلت الوحش” للكاتب المصري الشهير علي سالم، ومسرحية “اللغز” وهي إعادة كتابة للمسرحية المعروفة (أوديب ملكاً) لنفس الكاتب، وقام محمد محي الدين بسودنتها (العيش). كما قدّم مسرحية “الرحلة، موت بالجملة”، وهذا النص سودنة لمسرحية الكاتب العبثي الفرنسي (يوجين يونسكو) (ليلة القتلة).

يقول محمد محيي الدين عن علاقة الشعر بالمسرح، “يمكن الإستفادة من الشعر في تطوُّر شكل الكتابة المسرحية ولكن يجب أن يتم ذلك بدون تعمُّد، أي لايمكن لمجرد أنك شاعر أن تكتب مسرحية. فالعملية الفنية هنا تخضع في المقام الأول لمعرفتك بفن المسرح معرفةً توازي معرفة أن تكتب قصيدة، كما أني أرى أنه يمكن أن يتطوّر شكل القصيدة بالإستفادة من المسرح، بل من الموروث من الأشكال الفنية الأخرى من (كولاج، فلاش باك، طرق ووسائل المونتاج الزماني والمكاني)”.

ويقول محمد محيي الدين “تجدني أمزج بين المسرح والشعر وأحيانا القصة، ولي مجموعة قصصية بعنوان «الرجوع إلى ضاحية المطر» فقدتها ، على كل ، إنها وسائلي وأدواتي في تعرية القبح وجعل هذا العالم أجمل ما أمكن ذلك”.

انحاز محمد محيي الدين للقصة بشكل كبير، وكان يري أن تجارب كتابة القصة في السودان في تطوّر أكيد برغم حالة الإنكار التي صاحبته.

وفي كتاباته القصصية استخدم الأسطورة والفنتازيا ممزوجة بالثقافة الشعبية السودانية في إطار حداثي لامس القصة العربية في تطور بنائها من حيث استخدام اللغة الموحية بدلالاتها وحوارها.

وعرف عن محمد محيي الدين الصراحة خصوصاً في ابداء الرأي حول كل ما يخص التجارب الأدبية والفنية.

وكثيراً ما كان ينتقد صمت وغياب الكُتاب الذين لديهم عطاء عميق وينتقد عزوفهم عن النشر، وينتقد الأثر السالب لذاك الغياب علي تواصل الأجيال. وكان يري أن انقطاع التواصل بين المبدعين الشباب والأجيال التي سبقتهم، أدى إلى انغلاق منتجات الشباب على التجارب الذاتية، فتمحورت حول الانفتاح على الثقافة العربية والافريقية والعالمية دون أن تلتقي كل الحلقات ما بين الثقافة المحلية والعالمية والعربية والافريقية. وكان يري ان التجربة الابداعية هى اتصال وليس انقطاع، وأن التجديد ليس في هدم التراث وليس في انقطاع تواصل التجارب الابداعية، التجديد في كشف عناصر الجِدّة في الواقع.

ولد  الشاعر والكاتب والمخرج المسرحي محمد محيي الدين في مدينة ود مدني في العام 1952م.

و رحل في 26 مايو 2015 إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز 63 عاما. وشيع الشاعر الراحل في موكب مهيب إلى مقابر ود مدني.

له الرحمة و المغفرة.

الوسومالتعليم السودان الشاعر محمد محيي الدين المعهد العالي للموسيقي والمسرح رابطة أبناء دارفور رابطة الجزيرة للآداب والفنون رابطة اولوس رابطة سنار الأدبية محمد كبسور نهر عطبرة الأدبية

مقالات مشابهة

  • الجيش يتصدى لمُسيرات في أجواء بورتسودان
  • الجيش السوداني يتصدى لهجوم بطائرات مسيرة في أجواء بورت سودان
  • ستة قتلى بقصف مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع على مستشفى في السودان
  • الجيش السوداني يُنقذ 71 طفلاً من قبضة الدعم السريع
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلا من “الدعم السريع”
  • الجيش السوداني يحرر 71 طفلًا زجّت بهم قوات الدعم السريع في القتال
  • قوات الدعم السريع تقصف مستشفيين في شمال كردفان
  • محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
  • الجيش السوداني يصد هجوما غرب كردفان والدعم السريع يسيطر على الدبيبات
  • 70 وفاة بالكوليرا في الخرطوم والدعم السريع تعتقل كوادر طبية