هل الهجرة إلى بريطانيا لا تزال تستحق هذا العناء؟
تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT
فيما يتوق المهاجرون لحياة أفضل في بريطانيا تُضيّق الحكومة الخناق عليهم، وذلك بتقليل المساعدات المالية المتاحة والفنادق السكنية المخصصة لهم، بل وحتى الحدّ من المهاجرين بإعادتهم إلى بلدانهم أو إلى بلدان محايدة إن كانوا يتعرضون أو قد تعرضوا لخطر ما في بلدانهم وذلك تماشيًا مع قوانين الأمم المتحدة.
وهذا أيضًا من الأمور غير السليمة لتعرض الأفراد للخطر المفضي إلى محاكمات غير عادلة تؤدي إلى الإعدام.
تتجدد قضيّة الهجرة في أوروبا لا سيّما في بريطانيا التي عقدت في نهاية الشهر المنصرم مارس/ آذار 2025، في لندن (مؤتمر تأمين الحدود للمملكة المتحدة)، ترأسه لأول مرة في عهده كير ستارمر، رئيس الوزراء الحالي والمحامي السابق في المحاكم العليا والمهتم بحقوق الإنسان.
حضر المؤتمر أربعون مندوبًا من دول العالم من ضمنها الولايات المتحدة، وفيتنام، والعراق، وفرنسا، بالإضافة إلى مندوبين من منصات: مَيتا، وإكس، وتك توك، ليتعاون الجميع على مدى يومين في وضع خطط جديدة تشمل الضوابط البرية، والبحرية، والإلكترونية، لا سيّما أنّ التجار والسماسرة أولئك الذين أطلق ستارمر وحكومته عليهم بمنظمي جرائم الهجرة، يستخدمون الهواتف الذكية عبر القارات، ومواقع التواصل الاجتماعي.
إعلانسعى ستارمر منذ حملته الانتخابية بالتركيز على دعم وزارة الدفاع ماديًا، لا سيّما الدفاع عن أوكرانيا ضد روسيا. وبهذا تتركز خطة الموازنة على صرف 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي عليها، بينما يسعى إلى تقليل المساعدات للاجئين وطلبات اللجوء إلى 28% من الموازنة الخاصة بالإغاثة الإنسانية الخارجية، على الرغم من أن حكومة المحافظين السابقة خفّضت ذلك من 7% إلى 5%، وإذا لم يتمكن من ذلك فالاستقطاع يكون أكبر في برامج الإغاثة الإنسانية عندما أعلن ذلك في فبراير/ شباط 2025 وفقًا لموقع الحكومة الرسميّ (Institute for Government).
يأتي المؤتمر بعد أن تفقّد رئيس الوزراء بنفسه مراكز ومناطق في أوروبا العام المنصرم يستخدم اللاجئون فيها مراكب مطاطية تحمل الأطفال الذين يتعرضون للخطر، بينما ينال التّجار الموت المبالغ الطائلة على ذلك.
ويضيف ستارمر: "بأننا قد نجحنا (قبل تسنمي السلطة) عندما كنت أشغل منصب مدير النيابة العامة في إحباط العديد من المؤامرات المماثلة منقذين أرواحًا بذلك، حتى إننا منعنا تفجير طائرات فوق المحيط الأطلسي وحاكمنا المتسببين بذلك"، مضيفًا أن "على الجميع التعاون عبر مصادرنا المخابراتية والخطط التكتيكية… وبذلك نركّز على الصحة والتعليم، أما الفنادق فتعود إلى الاقتصاد المحلي، ونرفع العبء عن السكن".
وبعد دراسة دقيقة لمرصد الهجرة التابع لجامعة أكسفورد، فوفقًا للإحصائية السكانية فإنّ 16% من سكان بريطانيا وُلدوا خارج المملكة المتحدة، والعدد في ازدياد لا سيّما بين عامَي 2021 و2024.
وأشار المرصد الذي يوفر بيانات ومعلومات محايدة ومستقلة في دراساته عن الهجرة والمهاجرين في إنجلترا- في دراسته هذه- إلى أنّهم وُلدوا في الهند، وبولندا، وباكستان، ورومانيا، وهولندا، بينما لم تُشر الإحصائية إلى دول الشرق الأوسط في هذه الدراسة، مشيرةً إلى أنّ أسباب الهجرة كانت للالتحاق بالعائلة بالدرجة الأولى، وإيجاد فرص عمل أفضل فيها من بلدانهم في الدرجة الثانية، لا سيّما أن معظم المهاجرين يحملون الشهادة الجامعية، وفي السنّ القانونية المسموحة بها للعمل. ويتمركز معظمهم في العاصمة لندن، وجنوب شرق المملكة إذ يمثّلون 40% من سكانها.
إعلانفي 27 فبراير/شباط 2025 أصدرت وزارة الداخلية البريطانية آخر البيانات التي أوضحت أن سمات الدخول انخفضت نحو 460 ألف مرة بسبب انخفاض منح التأشيرة لأسباب صحية والرعاية الصحية والدراسة. يذكر دكتور بَن برندل الباحث التخصص بالمركز ذاته عن الهجرة والتأثيرالاقتصادي على الهجرة أنّ عدد المهرة من المهاجرين في القطّاع الخاص انخفض في بعض المهن اكثر من غيرها. ومن ناحية اخرى بعض أصحاب العمل رفعوا رواتب العمال واجورهم بينما انسحب البعض من تسهيلات نظام سمة الدخول للعمال كالطباخين مثلًا. وقد انخفضت سمة دخول أفراد العائلة الواحدة لبريطانيا إلى 8% في النصف الثاني من عام 2024 عمّا كانت عليه في العام السابق، وذلك لازدياد متطلبات الدخل من 18.600 إلى 29.000 جنيه إسترليني في السنة.
وبالرغم من أن حكومة العمّال حاولت منذ تسلمها السلطة الحدّ من المهاجرين بل وتقليلهم، فإنهم ازدادوا خمسة آلاف مرّة بين طلبات واستئناف لطلبات الرفض، مع ازدياد عدد الساكنين من المهاجرين في الفنادق المخصصة لهم.
ويؤكد ميهنيا كيبيس، الباحث في المركز ذاته والمختص بالسياسة والاقتصاد والمهاجرين، أن حكومة العمال لم تنجح في صراعها لتخفيض نسبة المهاجرين الذين يستخدمون الفنادق للسكن حتى، إن طلبات اللجوء قد ازدادت بنسبة 4% في الربع الأخير من العام الماضي.
أمّا مراكب الهجرة البحرية الصغيرة، فقد ازدادت بأكثر من 7.500 مركب في 2024 وأكثرهم من سوريا، وفيتنام، والسودان، واليمن، بينما يتصدر الأفغانيون القائمة يتبعهم السوريون ثم الإيرانيون.
لذا فمهمة حكومة العمال التركيز على إعادة هؤلاء المهاجرين إلى ديارهم وترحيلهم، إذ عاد 33.400 لاجئ باختيار ودون تدخل يذكر من الحكومة في 2024، إما لديارهم الأصلية أو غيرها. وللحدّ من الهجرة كذلك فقد رُفض عدد لا بأس به من تمديد الإقامة لهم.
إعلانوبتحديات مالية أكثر تواجه المهاجرين، أعلن ستارمر عن تقليل المعونات المالية للمهاجرين، مؤكدًا "من لا يعجبه الأمر فليترك البلاد".
وفي سياق آخر، حين وجّهت صحفية البي بي سي، فكتوريا دربيشر، في برنامج نيوز نايت الإخباري في 19 مارس/ آذار 2025 سؤالها إلى وزير التقاعد، تورستن بَل، إن كان يستطيع أن يعيش على 70 جنيهًا إسترلينيًا بالأسبوع أجاب بالنفي. ومن المعروف أن هذا الوزير كان قد ألّف كتابًا عن بريطانيا العظمى، وكيف لنا أن نعيد أمجادها.
وبين هذه التحديات وتلك وعلى كافة الصعد، يصارع المهاجرون من الشرق الأوسط عمومًا، والسوريون خصوصًا الحياة من أجل البقاء لا سيّما بعد التغيير المفاجئ لنظام الحكم في سوريا.
فقد أوقفت بريطانيا قرار اللجوء للسوريين بعدما منحته إلى أكثر من 300.000 سوريّ بين عامي 2011 و2021 توافقًا مع قرار مكتب الهجرة التابع للأمم المتحدة الذي سُنّ في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2024. وبهذا يبقى أمر 6.500 سوري معلقًا وفق منظمة حقّ البقاء البريطانية.
وهذا الأمر يقلق معظم السوريين، إذ لا يزال ضبابيًا بالنسبة لهم، خصوصًا مع تضارب الأخبار في البلاد وما حولها. تطالب المنظمة الأخيرة وفقًا لقرار التوقف بالبتّ في منح السوريين حق الهجرة بإعطائهم فرصًا للعمل إلى أن تتوضح الصورة السياسية في سوريا والشرق الأوسط أكثر، فلكلّ شخص قضية منفصلة عن الآخر.
ويا ليت الحكومة تقوم ذلك، كما تعمل مع الأوكرانيين ومنهم، على سبيل المثال، ريما التي عملت معينة للمرضى في بيوتهم، ثم وفرّت الدولة لها ولأمثالها دراسة الأعمال التجارية والمحاسبة، مع توفير عمل مناسب لهم بعد التخرج، وحتى التدريب بمرتّب معقول خلال الدراسة.
تستطيع الحكومة البريطانية، كما حكومات الدول الأوروبية وغيرها ممن حضر ممثلوها المؤتمر أعلاه، استقطاب ذوي الشهادات والاختصاص لزيادة الدخل القومي.
إعلانفمن الجدير بالذكر، مثلًا، أنّ الأطباء الذين أتوا بشهاداتهم من الشرق الأوسط وآسيا يمثلون 40.6% من غير الممرضين ومنسوبي الصحة الذين يعملون في الصحة العامة والخاصة على السواء.
من بين أولئك ممن تسنّم مناصب عليا كوزير الصحة السابق العراقي-الأرميني آرا درزي وغيره ممن كرّمتهم الملكة السابقة والملك الحالي على مستوى الدولة، كما المهندس الإلكتروني البروفيسور بشير الهاشمي الذي كرّمه الملك تشارلز هذا العام، بالإضافة إلى التجّار وغيرهم.
وأمّا البعض الآخر الذين لم تتوفر لهم إمكانية الدراسة إلّا أنهم يتمتعون بمهارات العمل، فبإمكانهم العمل في مجال البناء، والسياقة وغيرها من المهن البسيطة التي لا يقوم بها الإنجليز، أو أهل البلد مثلًا.
نعم، تستطيع الدولة الاختيار والتمييز بين تجّار الحروب الذين يعرّضون حياة الأشخاص، ولا سيّما الأطفال للخطر، وبين مَنْ يبني البلد الذي يختاره ليسكن فيه بعد دمار بلده الأول.
وتستطيع بهذا تخفيض تكاليف رواتب ذلك العدد المهول من الأشخاص الذين سيتدربون لاحقًا برًّا وبحرًا وإلكترونيًا للإمساك بهذا وذاك اعتباطًا.
فهل لستارمر الأخذ بالنصيحة؟ أم إنه في حَيص بَيص مع تكاليف ترامب الأميركية التي أثقلت العبء عليه، أم للسياسة لعبة أخرى؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات من المهاجرین
إقرأ أيضاً:
انـتصار إيران انـتصار للمقاومة وغــزة
يمانيون/ بقلم السفير: عبدالله علي صبري
لم يدخل الكيان الصهيوني هذه الحرب ويشن عدوانه المباشر والغادر على الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلا وهو على ثقة عالية أنه بصدد انجاز نصر عسكري خاطف، وتحقيق أهدافه المعلنة في كل المنطقة، وهذا العامل الأول والرئيس الذي أغراه حتى يتجرأ على حرب كهذه كان يتهيب الانخراط فيها على مدى العقود الماضية.
أما السبب الثاني، وهو لا يقل أهمية، فهو الدعم الأمريكي في كل خطوات إسرائيل العدوانية، بما في ذلك توفير مخرج الطوارئ لإيقاف الحرب، بعد 12 يوما من الهجمات المدمرة المتوالية التي زعزعت الداخل الإسرائيلي وأحالت ربيعه إلى يباب، بصورة لم يعرفها طوال الحروب السابقة التي أسست دولة الكيان وحافظت على تفوقها لأكثر من سبعين عاما.
وبالنظر إلى أهداف العدوان على إيران، وهي أهداف تندرج في إطار المشروع الصهيوأمريكي، وفي سياق هذه الحرب التي لا يمكن فصلها عن معركة طوفان الأقصى وجريمة الإبادة في غزة، وإن اتخذت من النووي الإيراني ذريعة لها، نستطيع الجزم أن النصر الإيراني الكبير قد ألجم إسرائيل وأنهى أحلامها المريضة في استمرار معادلة الاستباحة الشاملة، وما تعنيه من سطوة وهيمنة على دول وشعوب المنطقة. وأن ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد أو غرب آسيا، لن تكون ملامحه المستقبلية برسم أمريكي صهيوني، فمحور الاعتدال الذي بات على طريق أن يغدو محورا إسرائيليا خالصا، لن يمضي في التطبيع وخيانة القضية الفلسطينية على ورود مفروشة، كما كان يراد لو أن إيران قد هزمت لا سمح الله.
هذا يعني كذلك أن المقاومة والممانعة قد توافرت لها فرصة إضافية لكي تبقى حاضرة وفاعلة في إحياء النظام الإقليمي العربي، الذي يعيش حالة موات غير مسبوقة بسبب القيادة الخليجية، التي ارتمت بكل ثقلها في الحضن الأمريكي، فيما هي تدعو حركات المقاومة للعودة إلى الحضن العربي، وكأنما هناك مشكلة في ترجمة المصطلحات.
منحت إيران بانتصارها العسكري في هذه المواجهة التاريخية فرصة لانتعاش سيناريوهات أخرى خارج الدائرة الأمريكية، وهي سيناريوهات ما تزال في إعادة التشكل مجددا بعد الضربات الموجعة التي تلقاها المحور في لبنان وسوريا، ثم الانكفاء في العراق ومراوحة حرب غزة في مكانها.
ولا شك أن هذه السيناريوهات ذات الصبغة الإيجابية، ما تزال بحاجة إلى المزيد من الجهد السياسي والعمل الشاق، بالاستفادة من كل الدروس والتجارب القاسية التي كادت تعصف بكل المحور، مع ضرورة مواكبة المخطط الصهيوامريكي للمنطقة – بالدرجة نفسها من القوة والسرعة- الذي سيتخذ خطوات سياسية لا تقل أثرا وخطورة عن الاستهداف الاستخباراتي والعسكري.
لقد كشفت يوميات طوفان الأقصى عوار النظام الإقليمي العربي، وغدت مظلومية غزة خارج حسابات الأنظمة والشعوب العربية في الغالب الأعم، الأمر الذي أغرى وشجع الكيان الصهيوني على حرب الإبادة والاستباحة، واستثمار كل إنجازاته العسكرية في سبيل تحقيق نبوءات اليهود بشأن إسرائيل الكبرى. ولأن إسرائيل كانت كما تزعم تحارب ما تسميه بأذرع إيران في المنطقة، وقد نالت منها على نحو لا يمكن إنكاره، فقد خططت للتخلص نهائيا مما تسميه رأس الاخطبوط في طهران.
ولأنها فشلت فشلا ذريعا ولم تنجح في تحقيق هذا المخطط الشيطاني، بل على العكس فقد عرضت أمنها القومي ومنظومتها الردعية لخطر وجودي حقيقي على نحو غير مسبوق في تاريخها. وعليه بات على إسرائيل أن تراجع كل حساباتها في غزة كما في غيرها، وتعيد صياغة تقدير الموقف في ضوء الانتصار الإيراني وتداعياته المرتقبة، التي ما تزال مفتوحة على كل الاحتمالات.