موقع النيلين:
2025-06-16@13:43:04 GMT

تفكيك خطاب الخرطوم مدينة غير آمنة

تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT

رغم الانتصار الكبير الذي حققته القوات المسلحة والقوات النظامية بإعادة سيطرتها الكاملة على ولاية الخرطوم، وإخراج مليشيا الجنجويد من أحيائها، لا تزال بعض الأصوات تردد أن الخرطوم “غير آمنة”.

هذا الوصف الذي يبدو في ظاهره حريصاً على الواقع الأمني، يخفي في باطنه خلطًا خطيرًا بين نوعين مختلفين من التهديدات: التهديد الوجودي الذي شكّله احتلال المليشيا، والتحديات الأمنية الجنائية التي تلي مرحلة التحرير وتستوجب إعادة البناء.

إن الخرطوم اليوم لا تعاني من غياب الدولة كما كان عليه الحال في فترة احتلال الجنجويد لأحيائها. آنذاك، شهدنا جرائم ممنهجة تتراوح بين القتل والاغتصاب والتعذيب والنهب الجماعي، وتمتعت المليشيا خلالها بغطاء تنظيمي وعسكري جعلها تمثل تهديداً وجودياً لكيان الدولة ذاته. كان المواطن في تلك اللحظة يواجه آلة قتل لا تعترف بأي قانون، ولا تقيم وزناً لأي عرف أو دين أو ضمير.

اليوم، وبعد طرد الجنجويد من الخرطوم، انتقلنا إلى مرحلة جديدة، وهي مرحلة ما بعد الصدمة، والتي تتسم بضعف أمني نسبي وجرائم فردية أو شبه منظمة، لكنها بالتأكيد لا ترقى إلى حجم التهديدات السابقة.

من الخطأ – بل من الظلم – أن نساوي بين وجود مجموعات صغيرة تمارس السطو أو النهب في ظل عدم اكتمال إنتشار الشرطة، وبين وجود مليشيا مسلحة ارتكبت جرائم إبادة وعنف جنسي ممنهج بحق المدنيين.

هذا الخلط يُضعف الجهود المبذولة لإعادة الاستقرار، ويفتح الباب أمام الحرب النفسية التي تسعى بعض الأطراف إلى تأجيجها لترسيخ شعور دائم بانعدام الأمان، حتى بعد استعادة الدولة لمواقعها.

وقد أثبتت تجارب دولية كثيرة أن مرحلة ما بعد التحرير من الجماعات المسلحة عادةً ما تشهد انفلاتاً أمنياً جزئياً بسبب الفراغ الذي تخلّفه الحرب، وصعوبة إعادة الانتشار الفوري للأجهزة النظامية.

في العراق بعد طرد تنظيم داعش من الموصل، استمرت عمليات السلب والسرقة لعدة أشهر، رغم إعلان التحرير، إلى أن تمكنت الشرطة من بسط سيطرتها تدريجياً. وكذلك في مدينة ميدوغوري بنيجيريا، عقب إخراج جماعة بوكو حرام، ظلت المدينة تشهد انفلاتاً أمنياً وجريمة حتى استعادت السلطات السيطرة الأمنية الكاملة بعد عام كامل من إعلان الانتصار العسكري. حتى في مدن كبرى مثل نيويورك عقب أحداث 11 سبتمبر، ارتفعت معدلات الجريمة مؤقتاً نتيجة ارتباك الأجهزة الأمنية وتحوّل اهتمامها نحو التهديدات الكبرى، لكن الأمر عولج لاحقاً بفعالية.

ما تعيشه الخرطوم اليوم ليس استثناءً من هذه القاعدة، بل هو سيناريو طبيعي لمدينة خرجت من تحت براثن ميليشيا إجرامية كانت تمارس الحكم بقوة السلاح. التحديات الأمنية الراهنة يمكن السيطرة عليها، وهي في متناول الدولة والمجتمع معاً، شريطة توفر العزيمة والتعاون.
في ظل هذه الظروف، تقع على عاتق المواطن مسؤولية كبيرة في حماية نفسه ومحيطه، والتعاون مع السلطات لا الاكتفاء بلعب دور الناقد السلبي. ومن هنا، تبرز أهمية توعية الناس ببعض الإجراءات البسيطة التي يمكن أن تقلل من تعرّضهم للمخاطر، مثل تجنب التحرك الليلي في الأماكن المعزولة، عدم حمل مقتنيات ثمينة، والتنسيق بين الجيران لتأمين الأحياء، إضافة إلى ضرورة الإبلاغ الفوري عن أي نشاط مشبوه.

كما يُطلب من الجميع الامتناع عن ترويج الشائعات أو تصوير العاصمة كأنها غابة، فمثل هذه السرديات لا تخدم سوى أعداء السودان، وتمنحهم فرصة الترويج لفشل الدولة حتى بعد الإنجازات الواضحة. الخرطوم اليوم تنفض عنها غبار الاحتلال، وتدخل مرحلة التعافي، وكل من يقارن حالها اليوم بما كان عليه الوضع قبل أشهر يرتاح ضميره ويقينه.

القول بأن الخرطوم “غير آمنة” بشكل مطلق ليس توصيفًا واقعيًا، بل موقفٌ نفسي أو سياسي غير دقيق. الخرطوم تحررت، نعم، لكنها تحتاج إلى وقت ومشاركة شعبية واعية لكي تتعافى بالكامل. الفرق كبير بين مدينة تقاتل لتعيش، وبين مدينة كانت تُغتصب وتُنهب وتُحرق على يد عصابة تتقن القتل.

وعلى هذا الأساس، فإن مسؤولية كل وطني حقيقي اليوم هي أن يُسهم في البناء، لا في التشكيك. فالأمن مسؤولية جماعية، كما أن الوعي بالفرق بين الخطر والاضطراب هو أول خطوة نحو استعادة الحياة.

عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان
١٨ أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

العودة إلى نهج الولاية أو السقوط في مستنقع التبعية .. قراءة في خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في ذكرى يوم الولاية (تفاصيل)

يمانيون / تحليل / خاص

في خطابه بمناسبة الذكرى السنوية ليوم الولاية، قدّم السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، رؤية عميقة ومتماسكة تربط بين العقيدة الإسلامية ومجريات الواقع السياسي، مستعرضًا الأبعاد الدينية والفكرية والاجتماعية لمبدأ الولاية، ومسلطًا الضوء على التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، لاسيما في ظل تصاعد الصراع مع المشروع الصهيوني والتحالفات الغربية.

ولاية الله ورسوله وأثرها على هوية الأمة

أكد السيد القائد أن إحياء يوم الولاية ليس طقسًا طائفيًا أو مناسبة رمزية فحسب، بل هو إعلان ولاء لله ورسوله وأوليائه، وإحياء لمبدأ قرآني أصيل يُعدّ ركيزة في بناء الهوية الإيمانية للأمة. وتحدث عن هذا اليوم بوصفه شهادةً بكمال الدين، وامتدادًا لمسؤولية الأمة في التمسك بالقيادة الربانية. في هذا السياق، يُربط مفهوم الولاية بالعقيدة، والانتماء، والطاعة، والتزكية، لا باعتباره شأناً تاريخيًا منعزلاً، بل أمرًا حاضرًا تتفرع منه مسؤوليات سياسية وأخلاقية ومصيرية.

مواجهة الولاية للطاغوت والهيمنة الأجنبية

يحمل خطاب السيد القائد نقدًا حادًا وواضحًا لمسألة “التولي لليهود والنصارى”، مؤكدًا أن هذه العلاقة، التي قد تتجلى في صورة تعاون سياسي أو اقتصادي أو عسكري، تشكل انحرافًا عن الانتماء الإيماني الأصيل، وتمثل خطورة على الأمة، لأنها تنزع عنها استقلالها وكرامتها، وتحولها إلى أداة في خدمة أعدائها.
السيد القائد شدد على أن الوعي الإيماني الغائب عن كثير من المجتمعات هو ما يجعلها تقبل بالخضوع للهيمنة الأجنبية، موجهًا تحذيرًا واضحًا من “حركة النفاق” التي تنشط داخل الأمة لتبرير التبعية للغرب والكيان الصهيوني تحت شعارات مضللة.

قراءة في الواقع الإقليمي 

ربط السيد القائد بين البعد العقائدي للصراع ومجرياته الميدانية، لا سيما في فلسطين وغزة. حيث أكد أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من إبادة جماعية في غزة هو التعبير الأقصى عن ظلم الطاغوت الصهيوني، وأن المعركة ليست فقط على الأرض، بل أيضًا معركة هوية وثقافة وارتباط بالقيم القرآنية.

وفي سياق متصل، توقف عند العدوان الإسرائيلي الأخير على الجمهورية الإسلامية في إيران، معتبرًا أنه يمثل عدوانًا على محور المقاومة بأكمله، لا على إيران وحدها. واعتبر الموقف الشعبي والسياسي الداعم لإيران خطوة إيجابية، داعيًا إلى موقف موحد لا يخضع لإملاءات أمريكية أو غربية.

الصراع على الهوية والوعي

من أبرز محاور الخطاب، تحذير السيد القائد من محاولة الأعداء إعادة تشكيل وعي الأمة ووجهتها عبر الإعلام والسياسة والثقافة. حيث أكد أن الغرب يسعى لتجريد المسلمين من عناوينهم الدينية والإيمانية، ليجعلهم يتحركون تحت لافتات “حقوقية” و”سياسية” فارغة، في حين يواصل هو توظيف الدين – زورًا – في معاركه.

وبهذا السياق، دعا السيد القائد إلى التمسك بالولاية كدرعٍ يحمي الأمة من الذوبان والانهيار، وإلى اعتماد القرآن كمصدر أول لفهم الواقع وتحديد المواقف، بعيدًا عن التضليل الإعلامي والخداع السياسي الذي يمارسه العدو.

خطاب يحمل أبعادًا استراتيجية

يأتي خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في لحظة حرجة من تاريخ الأمة الإسلامية، حيث تتكالب عليها مشاريع الاحتلال والتطبيع والتفكيك. الخطاب يتجاوز الأسلوب التحريضي أو التعبوي المعتاد في المناسبات الدينية، ليشكل رؤية استراتيجية شاملة تدمج الإيمان بالعمل السياسي، وتحول الولاية من مبدأ ديني إلى أداة مقاومة ومشروع نهضوي جامع.

السيد القائد يرسم خط تماس واضح بين الأمة وأعدائها، ويطالبها بوضوح بأن تختار: إما طريق الاستقلال والكرامة الإيمانية، أو طريق الخضوع والانهيار تحت أقدام الطغاة. وفي هذا المفترق التاريخي، تتجلى أهمية أن تكون العقيدة مرجعية الموقف، لا المصالح السياسية الضيقة.

مقالات مشابهة

  • محافظ القاهرة يكشف لمصراوي تفاصيل تفكيك كوبري السيدة عائشة
  • برج الحمل حظك اليوم الإثنين 16 يونيو 2025: تستقبل مرحلة أكثر هدوءا
  • ورقة بحثية: إسرائيل تشن حربًا داخل إيران.. تفكيك الثورة دون إسقاط الدولة
  • نظر محاكمة 7 متهمين بخلية مدينة نصر اليوم
  • أبناء الأقاليم الجنوبية يطاردون خطاب الإنفصال بإسبانيا
  • طارق خطاب يودّع الملاعب ويبدأ مشواره بالتدريب
  • برج الجدي .. حظك اليوم الأحد 15 يونيو 2025: استثمارات مالية آمنة
  • العودة إلى نهج الولاية أو السقوط في مستنقع التبعية .. قراءة في خطاب السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي في ذكرى يوم الولاية (تفاصيل)
  • "لمدة 15 ساعة "انقطاع المياه بالأدوار العليا عن مدينة اسيوط مساء اليوم
  • محلل سياسي لـ سرايا: رد إيران على الهجوم الإسرائيلي سيكون باهت بعد تفكيك أذرعها