صحيفة التغيير السودانية:
2025-10-16@12:02:48 GMT

عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد

تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT

عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد

 

عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد

فيصل محمد صالح

في مايو (أيار) 2023 كتبت مقالاً بهذه الصحيفة، وكان بعنوان: «حرب السودان: من يخسر أكثر؟». وبعد عامين من الحرب لم يتغير الموقف والرؤية للحرب؛ فهي سباق في الخسارة والفقدان. ربما تتراوح الخسائر في الحجم، لكن إجمالاً لم ينجح أحد.

لو نظر الإنسان للخسائر البشرية والمادية فلن يجد لها سقفاً؛ آلاف الشباب من أبناء السودان فقدوا أرواحهم في الحرب، من كل أنحاء السودان وجهاته، ومن كل المهن والوظائف، عسكرية كانت أو مدنية، ونزح الملايين من مدنهم وقراهم، ولجأ مئات الآلاف لدول الجوار.

دُمّرت البنيات الأساسية؛ مصانع ومساكن، طرق وجسور، مطارات، ومحطات كهرباء ومياه، جامعات ومدارس ومستشفيات… ولا يوجد تقدير دقيق لحجم الخسائر المادية، لكنه بالتأكيد بمليارات الدولارات.

أخطر الخسائر حدث في النفوس، متمثلاً في القيم والأخلاق الإنسانية والانقسام الحدي للمجتمع لدرجة لا يمكن تصورها. شهدنا حرباً قدمت أقصى صور البشاعة، حتى صارت الجرائم والانتهاكات الواضحة والظاهرة يتم الالتفاف عليها والبحث عن تبرير لها، بل أكثر من ذلك تُقدم باعتبارها صوراً للبطولة والانتصار. لا يتم استنكار الفعل لأنه منافٍ للقيم الإنسانية والطبيعة البشرية والقانون الدولي الإنساني، بل بوصف من ارتكبه، ويعتمد الأمر على الانتماء العرقي والقبلي والجغرافي. إذا قتلت «قوات الدعم السريع» المدنيين في ود النورة والتكينة والجموعية، تأتي التبريرات من مؤيديهم بأن هذه طبيعة الحرب، وأن المدنيين في دارفور تعرضوا لهذه المعاملة ذاتها من قبل، أو أن هؤلاء المدنيين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم، وكأن هذه جريمة. وإن قصف سلاح الطيران القرى والأسواق في دارفور يتم التبرير لذلك بأن هذه حواضن اجتماعية لـ«الدعم السريع». وإن تمت تصفية مدنيين في المناطق التي استعادها الجيش، تأتي التبريرات بأن هؤلاء كانوا متعاونين مع «الدعم السريع» حين احتلت قراهم ومناطقهم، ومن بينهم بائعات الأطعمة والشاي. الأقسى من كل ذلك أن يتورط صحافيون وسياسيون وكتّاب في الترويج لهذه الجرائم، ويسموا الطيارين الحربيين «صنّاع الكباب»، في إشارة للجثث المحترقة بعد القصف!

في الأسبوع الماضي هاجمت «قوات الدعم السريع» معسكر «زمزم» للنازحين في ضواحي مدينة الفاشر الذي عسكرت القوات المشتركة في بعض أجزائه. وكعادة «قوات الدعم السريع»، لم تفرق بين عسكري ومدني، ولا بين رجل وامرأة وطفل؛ كان الجميع هدفاً للرصاص المنهمر من كل ناحية، والحرائق التي أحالت المساكن المؤقتة إلى خراب. من بين كل الضحايا برزت صورة الطبيبة الشابة هنادي النور التي رفضت الخروج وظلت مع أهالي المدينة، تعالج أمراضهم وجراحاتهم، وتحمل السلاح أحياناً إن دعت الحال. هز موتها القلوب، وكتب عنها الناس ونعوها. بغض النظر عن الموقف السياسي، رأى فيها البعض رمزاً للمقاومة، ورأى البعض الآخر فيها نموذجاً للشباب الغض الذي راح ضحية للحرب، وفيهم من قدم الموقف السياسي قبل كل شيء، ورأى أنها مقاتلة كانت مع الصف الآخر، وبالتالي تستحق الموت!

تحاصر «قوات الدعم السريع» مدينة الفاشر منذ فترة طويلة، وتعيش المدينة ومعسكرات النازحين القريبة منها أوضاعاً إنسانية وصفتها المنظمات الدولية بالكارثية، ويقع مئات الآلاف من السكان الذين بقوا فيها في خط تقاطع النيران بين «قوات الدعم السريع» من جهة، والقوات المشتركة لحركات دارفور مع وحدات من الجيش تتمترس داخل المدينة. كانت هناك فرصة أن تبقى المدينة بعيداً عن الحرب أضاعتها الحركات المسلحة التي أعلنت دخولها الحرب بعد فترة من الحياد، ومنذ ذلك الوقت لم ترَ المدينة يوماً واحداً هادئاً.

بعد عامين من الحرب لم يربح أحد؛ خسر الجميع، وإن أنكروا ذلك، جهلاً أو مكابرة. خسرنا إنسانيتنا التي أهدرناها في الميدان، حين تمت استباحة دماء وعروض المدنيين على أساس قبلي وجهوي، وحين أمسك مقاتل شاب بلحية شيخ طاعن في السن محاولاً إذلاله، وحين تجمع رجال ونساء وأطفال ليشهدوا تصفية «متعاون» في الشارع العام وسط الزغاريد والتهليل. كما أهدرناها على صفحات «السوشيال ميديا» التي تتقيأ يومياً سموم الكراهية والتحريض القبلي والجهوي، وتوزع نتانتها على الجميع!

بعد عامين من الحرب، يقف أكثر من نيرون على قمة ركام وجبال من الخراب والدمار في الخرطوم أو في الفاشر، ليغني للانتصار، وتقف من خلفه أسراب البوم والغربان لتردد أناشيد الموت والدم، وفيهم سياسيون وكتّاب ومثقفون كبار، ويا للأسف!

الوسومالإنتماء العرقي الحرب عامان فيصل محمد صالح

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحرب عامان فيصل محمد صالح

إقرأ أيضاً:

قطر الخيرية تقدم مساعدات غذائية لتكايا النازحين بالسودان

قدمت جمعية قطر الخيرية مساعدات إنسانية إلى تكية "مركز زاكي الدين" للنازحين بمدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، والتي تضم نحو 2500 نازح.

وتشتمل المساعدات على المواد الغذائية الضرورية لتشغيل التكية وإطعام النازحين الأكثر احتياجا هناك لمدة 15 يوما، خصوصا من كبار السنّ والنساء والأطفال، الأمر الذي يسهم في تخفيف معاناتهم وتعزيز التضامن الإنساني.

وقال أحمد آدم أحمد، المدير التنفيذي لمحلية شيكان التي يوجد فيها مركز زاكي الدين لإيواء النازحين، إنهم "يثمنون عاليا الدور الكبير الذي تقوم به قطر الخيرية في دعم المتأثرين بالحرب في جميع ولايات السودان، وخاصة ولاية شمال كردفان، من خلال تقديمها الوجبات الغذائية للنازحين بالمركز الذين تم تهجيرهم قسرا من ولايتي غرب وجنوب كردفان بسبب الحرب".

الحرب والفيضانات في السودان دفعتا آلاف النازحين للاعتماد على التكايا الخيرية للحصول على الطعام (الجزيرة)

وتواصل قطر الخيرية حشد الدعم لحملتها "إطعام وحياة" بهدف توفير الغذاء في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية التي تعاني من غياب الأمن الغذائي بسبب الكوارث والأزمات والفقر.

ومنذ 30 يونيو/حزيران الماضي وحتى 25 سبتمبر/أيلول السابق، تضرر 24 ألفا و992 أسرة، و125 ألفا و56 شخصا من الأمطار والفيضانات، بحسب آخر إحصائية حكومية.

وتتزامن الكوارث الطبيعية في السودان هذه الأيام مع معاناة السودانيين جراء حرب مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023.

وخلّفت الحرب أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.

قطر الخيرية أطلقت حملة "إطعام وحياة" بهدف توفير الغذاء في عدد من الدول الأفريقية والآسيوية (الجزيرة)

مقالات مشابهة

  • قطر الخيرية تقدم مساعدات غذائية لتكايا النازحين بالسودان
  • السيسي يؤكد رفض مصر تشكيل أي كيانات موازية لحكومة السودان الشرعية
  • الدعم السريع تكثف هجماتها باستخدام الطائرات المسيرة.. من أين تحصل عليها؟
  • السودان بين مستنقع الميليشيات ومأزق الدولة المنهكة
  • انفجارات تهز أم درمان وسط تصدي الجيش السوداني لمسيرات تابعة للدعم السريع
  • الجزيرة نت تكشف تفاصيل محاولة اغتيال أبو عاقلة كيكل قائد قوات درع السودان
  • مقتل 7 أشخاص بهجمات بطائرات مسيرة شرق الخرطوم وشمال السودان ‎
  • الدعم السريع تقصف بالمسيرات والجيش السوداني يصد هجوما بالفاشر
  • الأمم المتحدة تُـدين استهداف الدعم السريع “المتكرر والمتعمد” للمدنيين في الفاشر
  • السودان.. مسيرتان للدعم السريع تستهدفان منطقة عد بابكر شرقي الخرطوم