سودانايل:
2025-06-18@05:56:54 GMT

الرزيقات بين فرية التحريض وسندان الوطن الجريح

تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT

دكتور الوليد آدم مادبو

“لا يمكن إرساء سلم أهلي ما لم يُعاد الاعتبار للأنماط المحلية في إدارة التوازنات القَبَلية، وما لم تتوقف الدولة عن فرض صيغها العسكرية على مجتمعاتٍ لم تُخلق للحرب بل للتعايش." — (دارفور المستوطنة الأخيرة، 2012)

تتعالى في الأفق أصواتٌ نشاز، تروج لمزاعم لا تخلو من خبث، مفادها أن نظارة الرزيقات قد ارتضت لنفسها دور المتآمر على الوطن، وأنها انضوت تحت جناح الفوضى، تارة باسم القَبَلية، وتارة أخرى بدعوى التحالف مع الدعم السريع.

هذه السردية التي يروّج لها بعض أبواق النظام البائد، لا تسعى إلى الحقيقة، بل تهدف إلى شيطنة كل من لم يخضع لمنطقهم الأمني القديم، أو يمتثل لسلطتهم الرمزية المتهالكة.

بل قد يمتد الكيد وتوُظَّف الشائعات لتشويه الرموز، فتزعم هروب ناظر الرزيقات، السيد محمود موسى إبراهيم موسى مادبو. وهي شائعة لا تليق إلا بمن يجهل التاريخ أو يتعمد تزويره، فالهروب ليس من شيم من رسخوا في الأرض وتوارثوا حمل الأمانة جيلاً بعد جيل، بل هو من طبائع القيادات الطارئة على التاريخ، التي لا أصل لها ولا جذر في وجدان الناس.

نعم، قد يخطئ الإنسان فيقول ما لا يجوز قوله أو يفعل ما يجوز فعله تحت وطأة المشاعر واستعارة العواطف، لكنه متى ما استعاد توازنه النفسي والذهني فيلزمه الرجوع إلى الحق وإلى جادة الطريق، “ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح، وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون”. صدق الله العظيم

إن نظارة الرزيقات، بامتدادها التاريخي العريق، لم تكن يوماً أداة في يد الطغيان، بل لطالما قاومت محاولات اختطافها وتوظيفها في مشاريع استئصالية، بدأت بإعلان “الجهاد” على الجنوبيين، وانتهت بمجازر الإبادة في دارفور. رفض آل مادبو الانخراط في تلك الحروب العبثية، ووقفوا، بقدر استطاعتهم، سدّاً أمام تفكيك النسيج الاجتماعي، لكن مواجهة دولة تستقوي بأجهزتها الإعلامية واستخباراتها العسكرية، لم تكن بالأمر الهيّن. الجنوبيون وأبناء دارفور، ممن خبروا الحقائق على الأرض، يدركون تمامًا هذا العجز البنيوي لا الأخلاقي.

لقد ترك رحيل الناظر سعيد محمود موسى مادبو (1931-2016)، عليه رحمة الله، فراغاً استغله الطامعون لإعادة هندسة الخارطة القَبَلية وفق أجندة المركز النخبوي، الذي لم يرَ في أهل دارفور سوى وقودٍ لحروبه، وخزاناً بشرياً لأجهزته القمعية. ولكن حين اندلعت الحرب الأخيرة، لم يعد أمام الكيان العربي في دارفور وكردفان خيارٌ سوى الدفاع عن نفسه، بعد أن أصبح هدفاً ماثلاً، لا في الدعم السريع وحده، بل في استهداف البوادي والهوية والانتماء.

غير أن الردّ على الظلم لا يجب أن يتحول إلى حقد، ولا ينبغي أن يُختزل في سرديات ثأرية. *إن ما نحن فيه ليس خلاف قبائل ولا تصارع أجنحة، بل أزمة دولة انهارت بنيتها، وتمزقت سلطتها، واستُلب قرارها من النخب الأمنية التي تقمصت دور “الضحية” بينما هي من صنعت الكارثة الحالية*. إن الحل ليس في تخوين المكونات، بل في رد الاعتبار للمهمشين، وفي المصالحة الوطنية الشاملة التي تعترف بالألم، وتُرسي دعائم عدالة لا تُقصي أحداً.

الوطن اليوم ليس بحاجة إلى مزيد من الجراح، بل إلى ضمادات صادقة، تُفرق بين الفاعل والمفعول به، بين من أجّج النيران ومن اجتهد في إطفائها، حتى وإن لم يملك إلا صوته. فالرزيقات، كغيرهم من مكونات السودان، لا يمكن عزلهم ولا تخوينهم، بل يجب إشراكهم في نحت المشروع الوطني الجديد. وإلا، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، نُعيد إنتاج الخراب نفسه بأسماء مختلفة، حتى تضيع البلاد بين شهوة السلطة، وعجز المصالحة.

إن الرزيقات، كما بقية نظارات السودان، ليسوا أعداءً لهذا الوطن، بل جزءٌ أصيل من نسيجه. إذا أردنا أن نستعيد السودان، فعلينا أن نُحسن الإصغاء لاختلافاتنا، ونحتكم لصوت الحكمة لا خطاب الكراهية. أما إذا أصرّ البعض على تعمية البصائر، والاكتفاء بلعب دور الضحية، فستغرق سفينة الوطن، وسيصعب حينها العثور على من ينقذنا من الغرق.

ختاماً، هذا المقال لا يبرّئ أحداً من تبعات الحرب، ولا ينفي تورّط أفراد من أي جهة في أفعال مدانة، لكنه يرفض منطق وصم الجماعات وشيطنتها بالجملة. إنه نداء للتعقّل لا للتبرئة، للإنصاف لا للتخندق، للإنقاذ لا للإدانة. *السودان لا يُبنى على خطاب الكراهية ولا على توزيع الذنوب وفق خرائط الهوية، بل على اعتراف صادق بالمسؤولية الجماعية*، ومصالحة تبدأ من الاعتراف بالألم وتؤسس لوطن لا يظلم فيه أحد ولا يُستثنى منه أحد.

‏April 26, 2025

auwaab@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

ابشع الجرائم الانسانية : ذكرى مقتل الوالي خميس

ابشع الجرائم الانسانية : ذكرى مقتل الوالي خميس..
شهدت مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور فى مثل هذا اليوم واحدة من أكثر جرائم القتل بشاعة ، وما زاد قبحاً هو إشهار الفاعل جريمته وتوثيقها والفرح بها..

لقد اختطف فى صبيحة هذا اليوم من العام 2023م والي غرب دارفور (خميس ابكر) ورئيس التحالف السوداني من مكتبه وأقتيد إلى مقر مليشيا الدعم السريع المتمردة فى المدينة ، وآخر ظهور حى له برفقة القائد المليشي عبدالرحمن جمعة حيث اطلق عليه وابل من الرصاص ثم ألقيت جثته فى الشارع للأطفال والرعاع للعبث بها والدوس عليه بالسيارات وتعليق جثمانه فى شجرة وتركه دون مواراته الثرى ، لا يمكن أن ينسى العام تلك الصور البشعة والتوحش فى القتل والهمجية فى التصرفات..

وقد روت منابر ومنصات كثيرة تفاصيل تلك الواقعة ، التى كانت جزءاً يسيراً مما حدث فى ولاية غرب دارفور فى تلك الأيام وما تلاها ، وكشفتها كلها عن إبادة جماعية مكتملة الاركان وعن تصفيات عرقية وعن قتل الأطفال الذكور واغتصاب الفتيات وعن تهجير قسري ، وعن دفن الأحياء بعد إجبارهم على حفر قبورهم.. تلك ماسأة لا يمكن مرورها بتعاقب الأيام..
اجعلوا هذه الجرائم حاضرة في الأذهان فهى بداية ونموذج لجرائمهم فى ود النورة وفنقوقة وهبيلا والسديرة والهلالية والفاشر وأم كدادة وفى كل مكان وطأته اقدام المليشيا المتمردة ومن عاونهم داخل البلاد وخارجها..

الذين يحاولون مساواة الجيش بهذه المليشيا المتمردة ، فهم شركاء وحلفاء لها ، فى هذه الأفعال والإنتهاكات غير المسبوقة..
لعنة الله تغشاهم.. ورحم الله الشهداء..
وحفظ الله البلاد والعباد
د.ابراهيم الصديق على
15 يونيو 2025م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حالة الجمود التي يعاني منها خريجي مدرسة الحركات المسلحة في فهم وتفسير الأحداث
  • المعجزة التي يحق لكل سوداني أن يفتخر بها
  • الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم
  • لبنان في قلب ليزيو.. قديسو البلد الجريح يزرعون الايمان في العالم
  • جلوس 500 طالب من ولايات دارفور لأداء الامتحانات في مروي
  • نادية صبرة تكتب: إيران بين مطرقة الاغتيال وسندان الخيانة
  • "بوق التحريض".. إسرائيل تنفّذ تهديدها بتدمير هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية
  • ابشع الجرائم الانسانية : ذكرى مقتل الوالي خميس
  • برلماني: التحريض والتشكيك أدوات الجماعة الإرهابية لتفكيك المجتمعات
  • بين تهنئة محمد كاكا ودعم حفتر … ماذا يحدث في خاصرة السودان الغربية؟