في ظل نمط الحياة السريع والمليء بالضغوط، قد تبدو المهام الروتينية -مثل الطهي والتنظيف وترتيب المنزل- مجرد أنشطة مملة لكنها تحمل فوائد نفسية وجسدية مذهلة. وبعيدا عن كونها مجرد واجبات يومية، فهذه المهام يمكن أن تساهم في تحسين الصحة النفسية وتقليل التوتر وحتى الوقاية من بعض الأمراض العقلية. وقد يبدو الأمر محاولة لتخفيف عبء الأعمال المنزلية.

لكن الدراسات الحديثة تؤكد أن لها تأثيرا إيجابيا حقيقيا، حيث تساعد في تعزيز الشعور بالإنجاز، وتحسين الحالة المزاجية، وتنظيم الحياة اليومية. ولذا، فإن تغيير نظرتنا لهذه الأنشطة قد يجعلها أداة فعالة لتعزيز الصحة العقلية والجسدية. وإليك ما تخبرنا به الأبحاث الحديثة عن قيمة المهام المنزلية العادية:

1- حل المشكلات بطرق إبداعية
من الفوائد النفسية غير المتوقعة للمهام الروتينية غير المجهدة أنها تتيح للعقل فرصة للتجوال بحرية والتفكير بعمق، مما يعزز الإبداع. فعندما نشارك في أعمال بسيطة مثل الطهي أو التنظيف، يتاح لعقولنا المساحة للتفكير بحرية. وهذا النوع من التفكير المعروف بـ"التفكير التلقائي" يمكن أن يؤدي إلى ابتكار أفكار جديدة وحلول مبتكرة للتحديات اليومية التي نواجهها.

وقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا، ونُشرت بمجلة "سيكولوجيكال ساينتس" المختصة في علم النفس، أن الأشخاص الذين ينخرطون في مهام روتينية قبل مواجهة المشكلات المعقدة كانوا أكثر قدرة على التوصل إلى حلول إبداعية مقارنة بمن حاولوا حل المشكلة مباشرة دون أي نشاط بدني بسيط.

2- تقليل خطر الإصابة بالخرف
أظهرت الدراسات أن الانخراط في المهام اليومية الروتينية قد يساهم في تقليل خطر الإصابة بالخرف. وفي دراسة أجريت في البنك الحيوي بالمملكة المتحدة بين عامي 2006 و2019، وشملت حوالي 500 ألف شخص، تبين أن الأفراد الذين يقومون بالأعمال المنزلية بانتظام لديهم خطر أقل بنسبة 21% للإصابة بالخرف مقارنة بأولئك الذين لا يمارسون هذه الأنشطة. ويُعزى ذلك إلى أن هذه المهام تحفز النشاط العقلي والجسدي، مما يساعد في الحفاظ على صحة الدماغ مع التقدم في العمر.

ووفقًا لهذه الدراسة، فإن الأنشطة الروتينية مثل التنظيف والطهي تنشط مناطق مختلفة في الدماغ، مما يسهم في تحسين الوظائف المعرفية وتعزيز الصحة العقلية على المدى الطويل.

3- تقلل القلق وتخفف التوتر
يمكن أن تتحول الأنشطة اليومية -مثل الطهي أو غسل الصحون أو ترتيب الغرفة- إلى نوع من التأمل اليقظ، مما يساهم في تقليل مستويات التوتر والقلق.

وفي دراسة أُجريت في جامعة فلوريدا، أظهرت النتائج أن المشاركين الذين غسلوا الصحون بوعي (أي من خلال التركيز على إحساس الماء والصابون ورائحة المنظفات) شهدوا انخفاضًا في التوتر بنسبة 27% وزيادة في الشعور بالاسترخاء بنسبة 25%. وعندما نركز على المهمة التي نؤديها ونعيش اللحظة الراهنة، فإننا نمنح عقولنا فرصة للاسترخاء والتخلص من الأفكار السلبية.

4- الإحساس بالإنجاز والسيطرة
توفر المهام اليومية الروتينية شعورًا بالإنجاز والسيطرة، وهو أمر أساسي لتعزيز احترام الذات. فعندما نكمل مهمة معينة، مثل تنظيف الغرفة أو تحضير وجبة، نشعر أننا حققنا شيئا ملموسا.

ويمكن لهذا الإحساس بالإنجاز أن يعزز ثقتنا بأنفسنا ويحسن مزاجنا. كما أن الشعور بالقدرة على التحكم في جوانب معينة من حياتنا، حتى لو كانت بسيطة مثل ترتيب المنزل، يمكن أن يساهم في تقليل الشعور بالعجز والقلق.

5- تحسين الصحة البدنية
إلى جانب الفوائد النفسية، تسهم المهام الروتينية في زيادة النشاط اليومي، مما يعزز الصحة البدنية بشكل غير مباشر. فالأنشطة مثل المشي أثناء ترتيب المنزل، وتنظيف الأرضيات، أو طهي الطعام، تساعد في حرق السعرات الحرارية وتحسن الدورة الدموية وصحة القلب.

وتشير دراسة أجريت في معهد أبحاث الصحة جامعة ليمريك في أيرلندا إلى أن الأشخاص الذين يشاركون في الأعمال المنزلية اليومية يتمتعون بلياقة بدنية أفضل، وأن القيام بنشاط بسيط بعد تناول الطعام -مثل الوقوف أو أداء الأعمال المنزلية- يقلل من مخاطر السمنة وأمراض القلب.

6- بناء عادات إيجابية وتنظيم للحياة
يساعد إدخال المهام الروتينية في الجدول اليومي في تنظيم الحياة، مما يعزز الاستقرار النفسي والعقلي. فالأشخاص الذين يتبعون روتينا يوميا ثابتا يميلون إلى الشعور بمزيد من الاستقرار والراحة، كما أن وجود جدول منتظم يساهم في تقليل الشعور بالفوضى والقلق الناتج عن عدم التنظيم.

ووفقًا لعلم النفس السلوكي، يمكن للعادات الصغيرة المتكررة -مثل ترتيب السرير يوميًا أو غسل الصحون بعد الوجبات- أن تكون بداية لعادات أكبر، مما يحسن جودة الحياة بشكل عام.

7- تعزيز الروابط الاجتماعية
عندما تُؤدى المهام الروتينية مع أفراد الأسرة، يمكن أن تصبح وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية. وعلى سبيل المثال، الطهي معًا أو تنظيف المنزل كفريق يمكن أن يعزز التواصل والتعاون بين أفراد الأسرة. وقد يبدو تحضير وجبة الغداء أمرًا مملًا، ولكن عندما يشارك فيه أفراد العائلة معًا يصبح فرصة للمشاركة والحوار وسط يوم مليء بالأحداث. كما تعزز المشاركة في الأنشطة اليومية مع الآخرين الشعور بالانتماء والدعم العاطفي، مما يساهم في تحسين الصحة النفسية.

ورغم أن المهام الروتينية قد تبدو مملة في بعض الأحيان، فإن لها تأثيرا إيجابيا على الصحة العقلية والنفسية. ومن تعزيز الإبداع وتقليل التوتر إلى تحسين الصحة البدنية وتقوية الروابط الاجتماعية، يمكن لهذه الأنشطة اليومية أن تحدث فرقًا كبيرًا في حياتنا.

لذلك، بدلا من النظر إلى المهام الروتينية كعبء يومي، يمكننا الاستفادة منها كأداة لتحقيق التوازن النفسي وتحسين جودة الحياة. ومع الوعي بأهميتها، يمكن أن تتحول هذه العادات اليومية إلى مصدر للراحة والإنجاز والنمو الشخصي.

المصدر: السومرية العراقية

كلمات دلالية: الأعمال المنزلیة یساهم فی تقلیل تحسین الصحة یمکن أن

إقرأ أيضاً:

السكريات ليست سواسية.. أي نوع يهدد صحتك أكثر؟

كشف بحث علمي حديث أن تناول المشروبات السكرية المحلاة قد يكون أكثر ضررا على صحة الأيض مقارنة بتناول الحلويات الصلبة.

واستعرضت الدراسة المنهجية التي جمعت بيانات صحية لأكثر من نصف مليون بالغ حول العالم العلاقة بين استهلاك السكر وخطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

وأظهرت النتائج أن كل زيادة في تناول مشروب سكري أو عصير طبيعي محلى يومياً ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بالمرض.

على العكس، تبين أن استهلاك السكر في النظام الغذائي عبر الحلويات الصلبة أو السكريات الطبيعية مرتبط بانخفاض خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

وقالت الدكتورة كارين ديلا كورتي، عالمة التغذية بجامعة بريغهام يونغ: "هذه هي الدراسة الأولى التي ترسم علاقة واضحة بين مصادر السكر المختلفة وخطر الإصابة بالسكري. توضح الدراسة لماذا يشكل تناول السكر عبر المشروبات الغازية والعصائر خطراً أكبر على الصحة مقارنة بتناول السكر في الأطعمة الصلبة".

يذكر أن الاعتقاد السائد يربط بين السكريات المضافة والسكري، إلا أن بعض الباحثين يشيرون إلى أن هذا الربط ليس مدعوما بشكل كافٍ، ويرون أن السكري من النوع الثاني مرتبط بشكل أوضح بزيادة الوزن أو تناول طاقة زائدة، وليس بالسكر وحده.

في 2023، كشفت دراسات أن تناول السكر مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالسكري، لكن هذا التأثير مرتبط بشكل وثيق بمؤشر كتلة الجسم، مما يشير إلى أن السكر قد يساهم في زيادة الوزن، وبالتالي يؤثر بشكل غير مباشر على الأيض.

وتشير الدراسة إلى أن محتوى العصير العالي من السكر وقلة الألياف يجعله يشبه المشروبات الغازية من حيث تأثيره على الأيض، خلافاً للفواكه الكاملة التي تحتوي على ألياف تساعد في تنظيم مستوى السكر في الدم.

وختم الباحثون بأن الإرشادات الغذائية المستقبلية ينبغي أن تراعي السياق الغذائي العام عند تقييم تأثير السكريات، وأن لا تندد بكل السكريات المضافة بنفس الدرجة، لأن بعض مصادر السكر قد تكون أكثر ضرراً من غيرها اعتماداً على كيفية تناولها.

مقالات مشابهة

  • كيف تحول الموسيقى والفن إلى علاج لتعزيز الصحة النفسية في العراق؟
  • وزير التعليم العالي: هجرة الكفاءات حق وليست نزيفا ولا يمكن منع الشباب من الهجرة
  • رئيس قسم الزلازل: زلازل يومية تُسجل في مصر دون أن نشعر بها
  • "تيك توك" في مرمى العلم: أكثر من نصف نصائح الصحة النفسية مُضلّلة
  • غارديان: جل مقاطع فيديو الصحة النفسية على تيك توك مضللة
  • لهذا السبب.. غسل اللحوم قبل الطهي قد يكون ضاراً أكثر مما ينفع
  • المغرب.. دعوات إلى سن قانون يؤطر الجريمة المرتبطة بالاضطرابات النفسية
  • “الصحة” تطلق مشروع تعزيز التدخل المجتمع في الصحة النفسية
  • مقطع نادر يوثق الحياة اليومية في جدة عام 1389هـ.. فيديو
  • السكريات ليست سواسية.. أي نوع يهدد صحتك أكثر؟