في خطوة تُعد من أخطر المنعطفات في مسار العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، أقرّ المجلس الأمني المصغر في إسرائيل، يوم الاثنين 5 مايو 2025، خطة جديدة لتوسيع العمليات العسكرية داخل القطاع، تتضمن ما وصفه مسؤولون إسرائيليون بـ"احتلال غزة" والسيطرة الكاملة على أراضيها، إلى جانب تعزيز ما يُسمّى "الهجرة الطوعية" لسكان غزة إلى الجنوب.

يأتي ذلك بالتزامن مع خطة إسرائيلية لإعادة تنظيم توزيع المساعدات الإنسانية عبر شركات أجنبية وتحت إشراف الجيش الإسرائيلي، ما أثار رفضًا واسعًا من الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، واعتبرته حركة حماس "ابتزازًا سياسيًا" وخرقًا واضحًا للقانون الدولي.

خطة الاحتلال الإسرائيلي

وأكدت وكالة فرانس برس، أن المجلس الوزاري الأمني المصغر في إسرائيل وافق على خطة عسكرية شاملة تشمل "السيطرة على قطاع غزة ونقل سكانه إلى الجنوب حماية لهم"، وفق ما أفاد به مصدر رسمي.

في السياق ذاته، نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مكتب رئيس الوزراء أن الخطة تشمل احتلال القطاع بالكامل، بينما نقلت رويترز عن مسؤول إسرائيلي رفيع أن الخطة قد تصل إلى "السيطرة الكاملة" على غزة.

كما أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، يوم الأحد 4 مايو، استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط استعدادًا لتوسيع الحرب، مشيرًا إلى إطلاق عملية عسكرية جديدة تحت اسم "عربات جدعون" في حال فشل جهود الوساطة الخاصة بملف الرهائن.

وبحسب مسؤول عسكري كبير تحدث لـ رويترز، فإن "العملية ستبدأ بكثافة عالية ولن تتوقف حتى تحقيق كل أهدافها"، مضيفًا أن هناك "فرصة سانحة" للتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن بالتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المرتقبة للمنطقة الأسبوع المقبل.

وفي تصريحات شديدة اللهجة، قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إن "الجيش لن ينسحب من الأراضي التي يسيطر عليها في غزة، حتى مقابل إطلاق سراح الرهائن"، مشددًا على أن الاحتلال ليس مؤقتًا بل "بهدف البقاء".

أزمة المساعدات الإنسانية وخطة التوزيع الجديدة

تتزامن الخطة العسكرية مع توجه الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ آلية جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية، عبر شركات أجنبية، في مقدمتها شركة فرعية تابعة لشركة استشارات أمن قومي أمريكية، بحسب تايمز أوف إسرائيل.

وأوضحت القناة 14 الإسرائيلية أن المساعدات ستُوزع من خلال مراكز تقع في جنوب غزة تحت إشراف وتأمين من الجيش الإسرائيلي.

ومن المتوقع إدخال 100 شاحنة يوميًا فقط، مقارنة بـ600 شاحنة كانت تدخل يوميًا خلال فترة وقف إطلاق النار، وهو ما ترى فيه الحكومة الإسرائيلية وسيلة "للضغط على حماس للإفراج عن الرهائن"، بينما وصفتها منظمات دولية بـ"تجويع منهجي للشعب الفلسطيني".

وتشمل الخطة توزيع المساعدات أسبوعيًا، حيث تحصل كل عائلة على صندوق يحتوي على 70 كيلوغرامًا من الغذاء، يكفيها لعدة أيام، وتضطر للعودة مجددًا إلى المراكز العسكرية للحصول على دفعة جديدة.

رفض دولي وخشية إنسانية

رفضت الأمم المتحدة الخطة الإسرائيلية الجديدة بشدة. وقال مكتب الأوتشا (مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية) إن الخطة "تتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية"، خاصة أنها تدفع المدنيين إلى دخول مناطق عسكرية لتسلّم الحصص الغذائية، ما يعرض حياتهم للخطر.

وأكدت الأمم المتحدة أنها "لن تشارك في أي خطة لا تلتزم بالمبادئ الأساسية المتمثلة في الحياد والاستقلال والإنسانية والنزاهة".

وأوضح الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين يان إيغلاند، عبر منصة "إكس"، أن إسرائيل تريد "عسكرة المساعدات"، مطالبًا الأمم المتحدة بإغلاق شبكتها الحالية وتوزيع المساعدات وفق آلية تضعها إسرائيل، وهو ما وصفه بـ"المخطط غير الإنساني".

من جهتها، أكدت حركة حماس رفضها القاطع لهذه الخطة، معتبرة أنها "محاولة لخداع المجتمع الدولي"، ووسيلة للابتزاز السياسي وانتهاك صريح لاتفاقيات جنيف، وشددت على أن الحصار وسياسة التجويع لا يمكن أن تكون وسيلة تفاوض.

مجزرة جديدة وضحايا متزايدون

في موازاة ذلك، أعلنت وزارة الصحة في غزة والدفاع المدني عن سقوط 19 شهيدًا فلسطينيًا فجر الاثنين في مجزرتين جديدتين شمال القطاع، نتيجة قصف إسرائيلي على حي الكرامة وقرية العطاطرة. كما أفادت الوزارة بوصول جثامين 32 شهيدًا خلال 24 ساعة فقط.

وقالت سمية المصري (42 عامًا)، إحدى الناجيات: "كنا نائمين وفجأة شعرت أنني وسط النار. صراخ الأطفال وحريق في الدار. أصبت في الوجه وكتفي الأيمن، ونقلونا إلى المستشفى"، في شهادة مؤلمة نقلتها فرانس برس.

وارتفعت حصيلة القتلى الفلسطينيين منذ بدء العدوان إلى 52,567، بينهم 16,278 طفلًا، إضافة إلى 57 وفاة بسبب سوء التغذية، و311 طفلًا قتلوا منذ ولادتهم خلال الحرب، وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية.

وأشارت الوزارة إلى أن النساء الحوامل والأطفال محرومون من أبسط مقومات الرعاية الصحية، فيما تواصل إسرائيل منع إدخال لقاحات شلل الأطفال، ما يهدد بانفجار صحي جديد في القطاع.

وتشكل الخطة الإسرائيلية لتوسيع العدوان على غزة واحتلاله رسميًا، إلى جانب تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة ضغط سياسي تحت إشراف الجيش، تطورًا خطيرًا في مجريات الحرب المستمرة.

وبينما تتصاعد التحذيرات الأممية والإنسانية من التبعات الكارثية لهذه السياسة، تُواجه إسرائيل اتهامات متزايدة بانتهاك القانون الدولي، وبارتكاب جرائم حرب عبر فرض النزوح القسري والتجويع الجماعي للمدنيين.

وفي ظل هذه التطورات، تبقى الحاجة ملحة لتدخل دولي حاسم يكبح جماح الاحتلال ويعيد الاعتبار للعدالة الإنسانية في غزة.

في سياق متصل، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، الدكتور أيمن الرقب، إنه "منذ أحداث السابع من أكتوبر، يواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية غير مسبوقة، ويتعرض لاتهامات مباشرة من المعارضة وحتى من بعض حلفائه السياسيين الذين حمّلوه مسؤولية الإخفاق الأمني والعسكري في ذلك اليوم".

وأضاف الرقب في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي يرفض تشكيل لجنة تحقيق مستقلة، لأنه يدرك أن نتائجها ستُحمّله المسؤولية المباشرة"، مشيراً إلى أن "الاحتلال الإسرائيلي بطبيعته كيان قائم على تغذية الصراعات الداخلية والخارجية، وضمان بقائه يعتمد على وجود أعداء دائمين يبرر عبرهم سياساته العدوانية".

وتابع الدكتور الرقب أن "المجتمع الإسرائيلي يتكوّن من خليط غير متجانس من الجنسيات والخلفيات الثقافية، ما يجعله هشاً في حال غياب التوترات الأمنية، ولذلك فإن الاستقرار يمثل تهديداً وجودياً لبنية هذا الكيان".

يأتي هذا التصعيد في وقت تتواصل فيه الغارات الجوية المكثفة على مختلف أنحاء قطاع غزة، وسط تحذيرات دولية من كارثة إنسانية متفاقمة، ومطالبات متكررة بوقف العمليات العسكرية وتوفير ممرات إنسانية آمنة للمدنيين.

طباعة شارك غزة قطاع غزة نتنياهو إسرائيل

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: غزة قطاع غزة نتنياهو إسرائيل المساعدات الإنسانیة الأمم المتحدة قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

خطة تخالف المبادئ الإنسانية

فى إعلان صادم خرج مؤخرا وزير المالية الإسرائيلى "بتسلئيل سمو تريش" ليقول: "إن قطاع غزة سيدمر بالكامل بعد انتهاء الحرب الجارية بين إسرائيل وحركة حماس منذ أكثر من عام ونصف. وبعد الحرب سيبدأ سكان غزة في المغادرة بأعداد كبيرة نحو دولة ثالثة بعد نقلهم إلى جنوب القطاع". وكان المجلس الأمني المصغر فى إسرائيل قد وافق مؤخرا على خطة لتوسيع العمليات العسكرية تشمل احتلال القطاع. وقال الموقع الأمريكي الإخبارى"أكسيوس":"إن اسرائيل تخطط لاحتلال القطاع وتسويته بالكامل إذا لم تتوصل إلى اتفاق بحلول موعد زيارة " ترامب" إلى المنطقة".

الجدير بالذكر أن خطط العملية تدعو إلى هدم أى مبانٍ لا تزال قائمة، وتشريد جميع السكان المقيمين بها والبالغ عددهم مليون نسمة وترحيلهم إلى منطقة إنسانية واحدة. وفي معرض التعقيب على ذلك قالت حركة حماس: "إن الخطة تمثل قرارا صريحا بالتضحية بـ (الأسرى الإسرائيليين فى قطاع غزة ).وكان مسؤول عسكري إسرائيلي كبير قد قال:"إن هناك فرصة سانحة أمام التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن المحتجزين فى غزة خلال زيارة " ترامب" للمنطقة". وأوضح بأن إسرائيل ستبدأ عملية جديدة فى قطاع غزة إذا لم يحدث اتفاق.

أما عضو المكتب السياسى فى حماس "باسم نعيم"، فقد طالب المجتمع الدولي بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف (جريمة التجويع). وقال:"لا معنى لأى مفاوضات غير مباشرة مع الاحتلال، ولا للتعامل مع أى مقترحات جديدة لوقف إطلاق النار فى ظل حرب التجويع والإبادة التى تنفذها إسرائيل ضد الشعب الفلسطينى فى غزة". وأضاف: "إن المجتمع الدولى وفى مقدمته المؤسسات الأممية اعتبرت سياسة التجويع التى تنتهجها إسرائيل فى القطاع جريمة حرب".

لقد حثت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة إسرائيل مؤخرا على ضرورة إنهاء حظر المساعدات الإنسانية والذى يعرّض سكان قطاع غزة للمجاعة. وأدان المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منع إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية منذ مارس الماضى قائلا: "إن ذلك يسبب مجاعة من صنع الإنسان ذات دوافع سياسية". وكانت إسرائيل قد أوقفت إدخال المساعدات الإنسانية متهمة حركة حماس استغلالها لصالحها، وهو ما تنفيه الحركة التى تتهم إسرائيل باستخدام التجويع كسلاح حرب. ورفضت "حماس" تصريحات الرئيس الأمريكى " ترامب" التى اتهمها فيها بالسيطرة على المساعدات الإنسانية في قطاع غزة. وقالت إنها تتناقض مع تقارير الأمم المتحدة، وشهادات المنظمات الإنسانية العاملة فى القطاع. وانبرت تطالب الولايات المتحدة الأمريكية بالضغط على إسرائيل لفتح المعابر المغلقة أمام دخول جميع المواد الأساسية المنقذة للحياة.

فى الوقت نفسه رفضت وكالة "الأونروا" ووكالات أخرى الخطة الإسرائيلية المتعلقة بتوزيع المساعدات الإنسانية. وقال مكتب الأمم المتحدة: إن الخطة تخالف المبادئ الإنسانية الأساسية، ويبدو أنها صُممت بهدف ترسيخ السيطرة على المواد التي تحافظ على الحياة كما لو كانت تكتيكا لممارسة الضغط، وباعتبارها جزءا من استراتيجية عسكرية ضد إسرائيل. لقد باتت الصورة واضحة اليوم، فإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تتحكمان فى توزيع الإمدادات. بيد أن ما وضح تحديدا هنا فى هذا الإطار هو أن الخطة تجسد التمويه الإسرائيلى الأمريكى حيث إنها تهدف إلى إطالة أمد الحصار المفروض على قطاع غزة، وهذا ما تأكد على أرض الواقع، ألا وهو أن إسرائيل لا تريد السماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، وتعمل على إطالة أمد الحصار حتى تصل غزة إلى مرحلة متفاقمة من المجاعة.

مقالات مشابهة

  • تهجير قسري ورعب أمني بثلاث دول.. سيدة كوردية فيلية تحصد امتيازاً في سر الحياة
  • ‏الجيش الإسرائيلي: اعتراض صاروخ أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل
  • الحديدة…مسير عسكري لخريجي دورات طوفان الأقصى بالمنصورية دعما لغزة
  • استشهاد فلسطينية بعد استئناف الجيش الإسرائيلي قصفه لغزة
  • تعديلات الإيجار القديم| مستأجر: ما يحدث تهجير قسري.. والفيومي: تُحذف من المضبطة
  • إعلام عبري: إسرائيل توافق على دخول المساعدات لغزة مقابل الإفراج عن الجندي عيدان
  • ‏إذاعة الجيش الإسرائيلي: صاروخ أُطلق من اليمن باتجاه إسرائيل وسقط قبل وصوله
  • خبير عسكري: غياب الدعم الأميركي يربك الحسابات الإسرائيلية في اليمن
  • الجيش الهندي: باكستان فقدت ما بين 35 إلى 40 عسكريًّا في القتال بين الطرفين
  • خطة تخالف المبادئ الإنسانية