«الاقتصاد الدائري: مسار مستدام للنمو الاقتصادي في سلطنة عُمان»
تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT
مع تسارع التغيرات البيئية والاقتصادية في العالم، باتت الحاجة إلى إعادة النظر في نماذج الإنتاج والاستهلاك التقليدية ضرورة مُلحّة. من بين أبرز النماذج التي اكتسبت زخمًا عالميًا في السنوات الأخيرة هو مفهوم «الاقتصاد الدائري»، الذي يطرح بديلا مستدامًا للاقتصاد الخطي القائم على الإنتاج، والاستهلاك، ثم التخلص.
ويعتمد الاقتصاد الدائري على أربعة مبادئ مترابطة كما حددها تقرير الفجوة الدائرية لعام 2023: أولها استخدام أقل (Narrow) لتقليل الموارد والطاقة المستخدمة، وثانيها الاستخدام لأطول فترة ممكنة (Slow) من خلال التصميم للمتانة وسهولة الإصلاح، وثالثها التجديد (Regenerate) عبر استخدام مصادر حيوية متجددة والتقليل من المواد السامة، وأخيرا إعادة الاستخدام والتدوير (Cycle) للحفاظ على القيمة القصوى للمواد لأطول فترة.
الزخم العالمي: من سياسات الاتحاد الأوروبي إلى تقرير الفجوة الدائرية 2024
أدركت العديد من الدول أهمية الاقتصاد الدائري، فاعتمد الاتحاد الأوروبي خطة عمل شاملة في عام 2020 تهدف إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050 (الاتحاد الأوروبي - خطة الاقتصاد الدائري 2020)، وتضمنت هذه الخطة لوائح لإطالة عمر المنتجات وتعزيز التدوير. في الصين، تم إدراج الاقتصاد الدائري كجزء من خطط التنمية الوطنية منذ عام 2008.
ووفقًا لتقرير «الفجوة الدائرية» لعام 2024، فإن الاقتصاد العالمي أصبح أكثر استهلاكًا للموارد مقارنة بالسنوات السابقة، حيث يتم استهلاك حوالي 101.4 مليار طن من الموارد سنويًا. من هذا الحجم الضخم، لا تتم إعادة تدوير سوى 7.2% فقط إلى الاقتصاد، مما يسلط الضوء على اتساع «الفجوة الدائرية» مقارنة بنسبة 9.1% المسجلة في عام 2018. وتشير الدراسة إلى أن النشاطات البشرية تستهلك الآن أكثر من 1.7 ضعف ما يمكن أن يجدده الكوكب بشكل طبيعي كل عام، مما يؤدي إلى تجاوز خطير للحدود البيئية.
وتبرز خطورة الوضع بشكل أكبر عندما نعلم أن استهلاك المواد في السنوات الست الأخيرة فقط يعادل استهلاك القرن العشرين بأكمله. كما يتوقع التقرير أن يصل استهلاك المواد عالميًا إلى 190 مليار طن سنويًا بحلول عام 2060 ، إذا استمرت الممارسات الحالية. وأكد التقرير أن ستة من الحدود الكوكبية التسعة -مثل تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي- قد تم تجاوزها بالفعل بفعل أنماط الإنتاج والاستهلاك الحالية.
مجالات النمو في الاقتصاد الدائري
يوفر الاقتصاد الدائري فرصًا ضخمة في القطاعات التالية:
• إدارة النفايات: كتحويل النفايات إلى وقود بديل (RDF) أو سماد عضوي.
• البناء والتشييد: باستخدام مواد دائرية مثل الأخشاب والهياكل الخفيفة بدلًا من الإسمنت والصلب.
• الصناعة التحويلية: بإعادة تصميم المنتجات لتدوم أطول ويمكن إصلاحها بسهولة.
• الزراعة: عبر تقنيات الزراعة التجديدية وتدوير المغذيات.
ويشير تقرير الفجوة الدائرية إلى أن تنفيذ 16 حلًا دائريًا في 4 أنظمة رئيسية: (الغذاء، البيئة المبنية، السلع المصنعة، والنقل) يمكن أن يؤدي إلى خفض استخراج المواد بنسبة 34%، مما يسهم في إعادة الكوكب إلى حدود بيئية آمنة، ويتيح تلبية احتياجات البشر باستخدام 70% فقط من المواد المستخدمة حاليًا.
خطوات عمانية طموحة نحو اقتصاد مستدام
تتبنى سلطنة عُمان نهجًا طموحًا لتعزيز الاقتصاد الدائري، مع التزام واضح بتحقيق معدلات تحويل للنفايات تصل إلى 60% بحلول 2030 و80% بحلول 2040. تلعب الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة «بيئة» دورًا محوريًا في هذا التحول عبر عدة مشاريع موثقة في تقريرها السنوي لعام 2024، منها:
• مشروع تحويل الغاز الحيوي إلى كهرباء في مرادم بركاء والملتقى.
• مبادرة تحويل زيت الطهي المستعمل إلى وقود حيوي بالتعاون مع شركاء محليين.
• نشر آلات إعادة تدوير البلاستيك الذكية (RVMs).
• مشروع «النفايات إلى طاقة» المتوقع أن يعالج 3000 طن يوميًا ويوفر بين 75 إلى 100 ميجاواط.
• تعزيز تدوير إطارات السيارات المستعملة.
• إطلاق مشاريع لإعادة تدوير النفايات الخضراء والأسماك والورق والكرتون.
كما قامت «بيئة» بمعالجة أكثر من 19668 طنا من النفايات الصناعية في عام 2024 (تقرير بيئة السنوي 2024)، وتعاملت مع 4100 طن من النفايات الطبية عبر منشآتها المتخصصة.
عالميًا، يقدر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023 أن تطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري يمكن أن يضيف 4.5 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
ولا تزال هناك تحديات تحول دون التحول الكامل نحو الاقتصاد الدائري، أهمها ضعف الوعي المجتمعي، ونقص البنية الأساسية المتخصصة، والحاجة إلى تشريعات تلزم الشركات بتطبيق نماذج دائرية.
وعليه من المهم دمج مفاهيم الاقتصاد الدائري في التعليم، ودعم الشركات الناشئة بالمنح والتمويل، وإصدار تشريعات ملزمة للمؤسسات، وتسهيل التمويل الأخضر، وتطوير المهارات في قطاعات مثل البناء والزراعة، إضافة إلى تعزيز الاستثمار في مشاريع التحول مثل النفايات إلى طاقة وإعادة تدوير الموارد الصناعية، ودعم الشراكات مع المؤسسات البحثية لتطوير حلول مبتكرة.
لم يعد الاقتصاد الدائري مجرد خيار، بل ضرورة استراتيجية للنمو المستدام في سلطنة عُمان والعالم. بتضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع، ويمكن لعُمان أن تكون نموذجًا إقليميًا رائدًا في هذا التحول.
د مهاب بن علي الهنائي نائب الرئيس للاستدامة والاقتصاد الدائري - الشركة العمانية القابضة لخدمات البيئة "بيئة"
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاقتصاد الدائری إعادة تدویر استهلاک ا
إقرأ أيضاً:
حملات طرق أبواب لترشيد استهلاك المياه بالشرقية
في إطار الجهود المتواصلة لتعزيز الوعي البيئي ونشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه، شهدت مدينة ههيا بمحافظة الشرقية يوماً توعوياً متكاملاً استهدف العاملين بمحطة مياه اليابانية المرشحة والمواطنين في الشوارع والمحال التجارية والمنازل، ضمن خطة شاملة تسعى لرفع الوعي بمخاطر الإسراف في المياه وأهمية الحفاظ على البيئة.
وأكد المهندس حازم الأشموني محافظ الشرقية، أن مواجهة التحديات البيئية أصبحت ضرورة ملحة، مشدداً على أهمية تكثيف الندوات التثقيفية والتوعوية سواء للعاملين بالجهاز الإداري أو المواطنين بمختلف فئاتهم العمرية، للتعريف بقضية التغيرات المناخية وطرق التكيّف معها، وكذلك نشر الوعي بأهمية ترشيد استهلاك المياه ومنع تلويث البيئة، محذراً من خطورة إلقاء المخلفات في شبكات الصرف الصحي لما يسببه من أضرار كبيرة وخسائر باهظة تتحملها الدولة.
وفي سياق متصل، أوضح المهندس محمد عبد العزيز رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي، أن الإدارة العامة للتوعية والمشاركة المجتمعية بالشركة نظمت ندوة تثقيفية للعاملين بمحطة مياه اليابانية المرشحة في مركز ومدينة ههيا، بهدف رفع الوعي لدى العاملين بخطورة إهدار المياه وأهمية الحفاظ على البيئة، بالإضافة إلى تعريفهم بالمبادرة الرئاسية "حياة كريمة" والمشروعات القومية الجارية في قطاعي مياه الشرب والصرف الصحي، وضرورة الحفاظ عليها باعتبارها استثمارات قومية تخدم الأجيال الحالية والمستقبلية.
وأشار عبد العزيز إلى أن الندوة تضمنت ورشة عمل عملية لتعليم مبادئ السباكة الخفيفة للعاملين، بهدف تمكينهم من معالجة الأعطال البسيطة وتقليل الفاقد من المياه، بما يعزز ثقافة الصيانة الذاتية ويرسخ سلوكيات إيجابية لدى المشاركين.
ولم تقتصر الحملة التوعوية على العاملين فحسب، بل امتدت إلى الشارع الههيّاوي من خلال تنظيم حملات طرق أبواب استهدفت أصحاب المحال التجارية وربات المنازل، حيث قدّم فريق التوعية رسائل مباشرة حول سبل ترشيد استهلاك المياه في الحياة اليومية، وشرح الأثر البيئي والاقتصادي المترتب على الإسراف في استخدامها، إلى جانب توزيع مطويات ومطبوعات إرشادية تحمل نصائح عملية للحفاظ على المياه والبيئة.
وأكد رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي، أن مشاركة العاملين في هذه الحملات الميدانية أمر ضروري، حيث يجعلهم سفراء للشركة في المجتمع، قادرين على نقل رسائل التوعية بأسلوب عملي ومؤثر.
وذكر أن الشركة تولي اهتماماً خاصاً لمفهوم "التوعية بالمشاركة"، بحيث يشارك جميع العاملين في الأنشطة التثقيفية، ليكونوا قدوة في سلوكيات الترشيد والمحافظة على البيئة.
بهذه الفعاليات، تواصل محافظة الشرقية وشركة مياه الشرب والصرف الصحي جهودها في نشر ثقافة الحفاظ على الموارد المائية، انطلاقاً من أن الماء مورد حيوي لا غنى عنه، وأن حماية البيئة مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والمواطنين على حد سواء، بما يسهم في دعم أهداف التنمية المستدامة وبناء مجتمع واعٍ ومسؤول بيئياً.