أظهر تقرير بحثي صادر عن شركة سيلزفورس تحولًا جذريًا في نظرة الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية نحو الذكاء الاصطناعي، حيث انتقلوا من الحذر في الإنفاق على هذه التقنية إلى الاستثمار الاستراتيجي فيها باعتبارها أداة رئيسية لتعزيز الكفاءة وتحقيق نمو طويل الأمد في الإيرادات.

وفقًا للبيانات، كان نحو 70% من هؤلاء التنفيذيين في عام 2020 يتبعون استراتيجيات متحفظة تجاه الذكاء الاصطناعي، إلا أن هذه النسبة تراجعت بشكل حاد إلى 4% فقط في عام 2025.

ويعكس هذا التغيير إدراكًا واسع النطاق لأهمية الذكاء الاصطناعي كعنصر أساسي في تحسين العمليات، ودعم اتخاذ القرار، وابتكار نماذج أعمال جديدة.

 إعادة تعريف العائد على الاستثمار في التكنولوجيا

أشار 61% من الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية إلى أن وكلاء الذكاء الاصطناعي، أو ما يُعرف بالقوى العاملة الرقمية القادرة على أداء المهام ذاتيًا، أسهموا في إعادة صياغة مفهوم العائد على الاستثمار. فلم يعد النجاح يقاس فقط بالمؤشرات المالية المباشرة، بل أصبح يشمل مجموعة أوسع من المخرجات التجارية، مثل زيادة الإنتاجية وتحسين تجربة العملاء وخلق مصادر إيرادات جديدة.

ويقول روبن واشنطن، الرئيس التنفيذي للشؤون المالية في سيلزفورس، إن إدخال القوى العاملة الرقمية لا يعد مجرد تحديث تقني، بل يمثل "تحولًا استراتيجيًا يعيد صياغة دور القادة الماليين، لينتقلوا من مجرد حراس للموارد إلى مهندسين للقيمة المؤسسية."

 ضغط متزايد لتحقيق نتائج أسرع

أفاد 65% من المشاركين في الدراسة أنهم واجهوا خلال العام الماضي ضغوطًا لتسريع العائد على استثماراتهم في التكنولوجيا. ويبدو أن الرؤية تغيرت من التركيز على خفض التكاليف الفوري إلى الاستثمار في تحقيق مكاسب طويلة الأمد تشمل زيادة الإيرادات وتعزيز القدرة التنافسية.

أحد التنفيذيين أوضح أن الفرق الجوهري بين تقييم التقنيات التقليدية والذكاء الاصطناعي يكمن في أن عائدات الأخير قد تظهر على المدى الطويل، نتيجة لعمليات متواصلة ونماذج أعمال مبتكرة.

 تحوّل في استراتيجيات الإنفاق

أبرز التقرير أن حصة الميزانيات المخصصة للذكاء الاصطناعي ارتفعت بشكل واضح، حيث يخصص الرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية في المتوسط 25% من ميزانية الذكاء الاصطناعي لتطوير واستخدام الوكلاء الرقميين، كما أكد 64% منهم أن هذه التقنية دفعتهم إلى إعادة التفكير في أساليب الإنفاق المؤسسي، فيما أشار 35% إلى أنها تتطلب جرأة أكبر واستعدادًا أكبر لتحمل المخاطر الاستثمارية.

أثر مباشر على الإيرادات وتغيير نماذج الأعمال

يرى 74% من التنفيذيين أن وكلاء الذكاء الاصطناعي لن يقتصر دورهم على خفض التكاليف، بل سيؤدون دورًا فعالًا في تعزيز الإيرادات. ويتوقع مستخدمو هذه التقنية منهم زيادة دخل مؤسساتهم بمعدل 20% تقريبًا. كما أشار 72% إلى أن هذه التقنية ستحدث تحولًا في نماذج الأعمال، فيما توقع 55% أن يشارك الوكلاء الرقميون في مهام استراتيجية بدرجة أكبر من المهام الروتينية.

 الذكاء الاصطناعي شريك في اتخاذ القرار

بات الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا متزايدًا في عمليات اتخاذ القرار التجاري، حيث قال 78% من المشاركين إنهم يستخدمونه بشكل متزايد لدعم القرارات الاستراتيجية. وتشمل أبرز المجالات التي يُسند فيها العمل للوكلاء الرقميين:

تقييم المخاطر (74%)
التنبؤ المالي (58%)
إدارة النفقات (54%)

 دلالات التحول

توضح هذه النتائج أن القادة الماليين لم يعودوا ينظرون إلى الذكاء الاصطناعي على أنه خيار تكنولوجي إضافي، بل كأحد أركان استراتيجية الأعمال المستقبلية. ومع انخفاض نسبة التحفظ إلى 4% فقط، تتجه معظم المؤسسات نحو دمج هذه التقنية في صميم عملياتها، مع التركيز على تعظيم الفوائد طويلة المدى بدل الاكتفاء بالمكاسب السريعة.

كما يعكس هذا التحول قناعة متزايدة بأن القدرة التنافسية في بيئة الأعمال الحالية تعتمد على الاستثمار في الأدوات التي تمكّن المؤسسات من الاستفادة من البيانات بشكل أذكى، واتخاذ قرارات أسرع، وابتكار حلول أكثر كفاءة لتحديات السوق.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: سيلزفورس الذكاء الاصطناعي التقنية التكنولوجيا المؤسسات الذکاء الاصطناعی للشؤون المالیة هذه التقنیة

إقرأ أيضاً:

هل تنجو الديمقراطية من شرور الذكاء الاصطناعي؟

كان من المفترض أن تعمل التكنولوجيا الرقمية على توزيع السلطة ونشرها على نطاق واسع. كان الحالمون في زمن الإنترنت المبكر يأملون أن يتسنى للثورة التي كانوا يطلقون لها العنان تمكين الأفراد من تحرير أنفسهم من الجهل والفقر والاستبداد. ولفترة من الزمن، على الأقل، فعلت ذلك حقا. ولكن اليوم، تتنبأ الخوارزميات المتزايدة الذكاء بكل خياراتنا وتشكلها، مما يتيح أشكالا فَـعّالة غير مسبوقة من المراقبة والتحكم المركزيين دون إخضاعها لأي مساءلة.

هذا يعني أن ثورة الذكاء الاصطناعي القادمة قد تجعل الأنظمة السياسية المنغلقة أكثر استقرارا من الأنظمة المفتوحة. في عصر يتسم بالتغيير السريع، قد تُـثـبِـت الشفافية، والتعددية، والضوابط والتوازنات، وغير ذلك من السمات الديمقراطية الرئيسية كونها تَـبِـعات ومعوقات. هل يصبح الانفتاح الذي منح الديمقراطيات ميزتها لفترة طويلة السبب وراء تراجعها؟ قبل عقدين من الزمن، رسمتُ "منحنى على هيئة الحرف J" لتوضيح العلاقة بين انفتاح أي بلد واستقراره. كانت حجتي باختصار أنه في حين تتمتع الأنظمة الناضجة بالاستقرار بسبب انفتاحها، وتستقر الأنظمة الأوتوقراطية الراسخة لأنها منغلقة، فإن البلدان العالقة في الوسط الفوضوي (الواقعة عند أسفل المنحنى "J") أكثر عرضة للانهيار تحت الضغوط.

لكن هذه العلاقة ليست ثابتة؛ فهي تتشكل بفعل التكنولوجيا. في ذلك الوقت، كان العالم يمتطي موجة من إبطال المركزية. كانت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) والإنترنت تربط الناس في كل مكان، وتسلحهم بمعلومات أكثر من تلك التي كان بوسعهم الوصول إليها في أي وقت مضى، وتقلب الموازين لمصلحة المواطنين والأنظمة السياسية المفتوحة. ومن سقوط سور برلين والاتحاد السوفييتي إلى الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، بدا التحرر العالمي عنيدا لا يلين. منذ ذلك الحين، انقلب هذا التقدم في الاتجاه المعاكس. فقد أفسحت ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات اللامركزية المجال لثورة بيانات مركزية مبنية على تأثيرات الشبكة، والمراقبة الرقمية، والوكز الخوارزمي. وبدلا من نشر السلطة، عملت هذه التكنولوجيا على تَـرَكُّـز السلطة، ومنحت أولئك الذين يتحكمون في أكبر مجموعات البيانات ــ سواء كانوا من الحكومات أو شركات التكنولوجيا الكبرى ــ القدرة على تشكيل رؤية وأفعال ومعتقدات مليارات من البشر. مع تحوّل المواطنين من وكلاء رئيسيين إلى أدوات للتصفية التكنولوجية وجمع البيانات، اكتسبت الأنظمة المنغلقة الأرض. وانـتُـزِعَـت المكاسب التي حققتها الثورات الملونة. في المجر وتركيا جرى تكميم الصحافة الحرة وتسييس السلطة القضائية. وعمل الحزب الشيوعي الصيني، على تعزيز سلطته وعكس مسار عقدين من الانفتاح الاقتصادي. والأمر الأكثر دراماتيكية أن الولايات المتحدة تحولت من كونها الـمُـصَـدِّر الرئيسي للديمقراطية في العالم ــ وإن كان ذلك على نحو غير متسق ويتسم بالنفاق ــ إلى الـمُـصَـدِّر الرئيسي للأدوات التي تقوضها. سوف يؤدي انتشار قدرات الذكاء الاصطناعي إلى دفع عجلة هذه الاتجاهات. وقريبا، سوف "تَـعـرِفُـنا" النماذج المدرّبة على بياناتنا الخاصة على نحو أفضل مما نعرف أنفسنا، وتبرمجنا بسرعة أكبر مما نستطيع نحن برمجتها، وتنقل مزيدا من السلطة إلى القِـلة التي تتحكم في البيانات والخوارزميات. هنا، ينحرف المنحنى على هيئة حرف "J" ويصبح أشبه بحرف "U" ضحل. ومع انتشار الذكاء الاصطناعي، ستصبح كل من المجتمعات المنغلقة بإحكام والمجتمعات الشديدة الانفتاح أكثر هشاشة نسبيا مما كانت عليه. ولكن بمرور الوقت، ومع تحسن التكنولوجيا وتوطيد السيطرة على النماذج الأكثر تقدما، يصبح بوسع الذكاء الاصطناعي ترسيخ الأنظمة الاستبدادية وإضعاف الديمقراطيات، وهذا كفيل بقلب شكل المنحنى مرة أخرى ليصبح على هيئة حرف J مقلوب يحابي سَـفحُـه المستقر الآن الأنظمة المنغلقة. في هذا العالم، سيكون بمقدور الحزب الشيوعي الصيني تحويل مخزونه الهائل من البيانات، وسيطرة الدولة على الاقتصاد، وأجهزة المراقبة القائمة، إلى أداة أشد قوة. وسوف تنجرف الولايات المتحدة نحو نظام نَـهَّـاب يعمل من أعلى إلى أسفل، حيث يفرض نادٍ صغير من عمالقة التكنولوجيا قدرا متناميا من النفوذ على الحياة العامة سعيا إلى تحقيق مصالح خاصة. وسوف يصبح كل من النظامين مركزيا ــ ومهيمنا ــ على حساب المواطنين. وسوف تنحو دول أخرى ذات المنحى، بينما تواجه أوروبا واليابان انعدام الأهمية الجيوسياسية (أو ما هو أسوأ من ذلك، انعدام الاستقرار الداخلي) مع تخلفها في السباق نحو سيادة الذكاء الاصطناعي.

الواقع أن السيناريوهات البائسة كتلك الموضحة هنا من الممكن تجنبها، ولكن فقط إذا انتهت الحال بنماذج الذكاء الاصطناعي اللامركزية المفتوحة المصدر في نهاية المطاف إلى القمة. في تايوان، يعمل مهندسون ونشطاء في تايوان على حشد المصادر الجماعية لتمويل نموذج مفتوح المصدر مبني على منصة DeepSeek، على أمل إبقاء الذكاء الاصطناعي المتقدم في أيدي مدنيين وليس بين أيدي الشركات أو الدولة. (من عجيب المفارقة هنا أن حتى منصة DeepSeek جرى تطويرها في الصين). قد يؤدي نجاح هؤلاء المطورين التايوانيين إلى استعادة بعض من اللامركزية التي وعدت بها الإنترنت الـمُـبَـكِّرة ذات يوم (وإن كان من الممكن أيضا أن يخفض الحاجز الذي يحول دون تمكين قوى خبيثة من نشر قدرات ضارة). ولكن في الوقت الراهن، يكمن الزخم في نماذج منغلقة تعمل على تركيز السلطة. يقدم لنا التاريخ على الأقل بصيصا من الأمل. كانت كل ثورة تكنولوجية سابقة ــ من المطبعة والسكك الحديدية إلى وسائط الإعلام المرئية والمسموعة ــ تتسبب في زعزعة استقرار السياسة ثم الدفع قسرا بمعايير ومؤسسات جديدة أعادت في النهاية التوازن بين الانفتاح والاستقرار. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كانت الديمقراطيات قادرة على التكيف مرة أخرى، وفي الوقت المناسب، قبل أن يشطبها الذكاء الاصطناعي من النص.

إيان بريمير مؤسس ورئيس مجموعة أوراسيا وشركة GZERO Media، وعضو في اللجنة التنفيذية للهيئة الاستشارية رفيعة المستوى للأمم المتحدة بشأن الذكاء الاصطناعي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • يدًا بيد لجعل الذكاء الاصطناعي أداة لنفع الإنسانية
  • كليات الذكاء الاصطناعي.. خطوة استراتيجية نحو مستقبل مصر 2030
  • الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأورام «خطر»
  • د. محمد بشاري يكتب: الإفتاء في زمن الذكاء الاصطناعي
  • هل تنجو الديمقراطية من شرور الذكاء الاصطناعي؟
  • أمين الفتوى: الذكاء الاصطناعي أداة مساعدة للمفتي ولا يغني عن اللمسة الإنسانية
  • «النقل» تطلع على تجربة مركز المعلومات المالية في توظيف الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يدعو لإبادة البشر عبر رسائل سرية
  • الذكاء الاصطناعي يهدد أسواق الأسهم