في خضم المعارك المعقدة التي يشهدها السودان بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع، برز اسم القائد أبو عاقلة كيكل كشخصية محورية ومثيرة للجدل. يمثل كيكل حالة فريدة، حيث انتقل من قيادة فصيل معارض إلى القتال في صفوف الجيش الوطني الذي كان يوماً ما خصماً له. هذا التحول، وتأثيره الملموس على سير العمليات العسكرية، قد جلب له الأنصار والمؤيدين، ولكنه في ذات الوقت أثار حفيظة وامتعاض البعض، وفتح الباب أمام مقارنات غير دقيقة وتساؤلات حول دوافع وأبعاد مشاركته في الصراع.

بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة انضمام قادة وعناصر من قوى معارضة أو مسلحة لجيش الدولة بعد فترات صراع أو تسويات هي ظاهرة متكررة في التاريخ الإنساني، وفي السياق السوداني على وجه الخصوص، حيث شهدت البلاد على مر تاريخها الحديث عودة العديد من قادة الحركات المسلحة أو رموز المعارضة الذين حملوا السلاح إلى صف الدولة ومؤسساتها عبر اتفاقيات سلام أو مصالحات وطنية. وبالتالي، فإن فكرة انضمام مقاتلين وقادة سابقين إلى صف الجيش الوطني ليست سابقة فريدة في حد ذاتها، ولكن بروز دور شخص مثل القائد كيكل وتأثيره الكبير في معركة مصيرية بهذا الحجم هو ما يجعله محط الأنظار بشكل استثنائي.
ولفهم مسار كيكل المعقد، لا بد من استيعاب القناعات التي يُعتقد أنها قادته للانخراط في المعارضة المسلحة في مرحلة سابقة. حيث أن دوافعه الأصلية للتمرد كانت تتمحور حول اعتراضه على بعض الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومات المتعاقبة مع حركات ومليشيات مسلحة في مناطق مختلفة من السودان، مثل دارفور والنيل الأزرق، وعلى رأسها اتفاقية جوبا للسلام. هذه الاتفاقيات، التي منحت امتيازات ونفوذاً سياسياً واقتصادياً لتلك المليشيات، كان يُنظر إليها على نطاق واسع في مناطق مثل وسط وشمال وشرق السودان على أنها جاءت على حساب حقوق ومصالح إنسان هذه المناطق، وتسببت في اختلال توازن القوى الوطني. من هذا المنطلق، يمكن تفسير موقف كيكل على أنه نابع في الأصل من رفضه المبدئي لظاهرة المليشيات المسلحة المناطقية التي كانت تسعى لفرض أجندتها والتكسب على حساب هيبة الدولة المركزية ووحدة نسيجها الوطني.

على الصعيد الميداني، لا شك أن انضمام القوات التي يقودها أبو عاقلة كيكل، والتي تُعرف بقوات درع السودان، للقتال إلى جانب القوات المسلحة، خاصة في مناطق محورية بالجزيرة والخرطوم وشرق النيل وأم درمان ، قد أحدث فارقاً ملموساً على الأرض، فقد مثلت هذه القوات عاملاً هاماً في ترجيح كفة الجيش، وذلك لما تتمتع به من معرفة عميقة بالتضاريس المحلية وتكتيكات حرب المدن، مما منح الجيش زخماً جديداً وساهم في استعادة السيطرة على مناطق واسعة كانت تحت قبضة مليشيا الدعم السريع. هذا النجاح الميداني لم يمر مرور الكرام؛ ففي الصراعات التي تنقسم فيها الولاءات وتتضارب المصالح، غالباً ما يثير النصر والتقدم غيظ وامتعاض الأطراف المعارضة أو تلك التي ترى مصالحها مهددة. لذا، فإن مساهمة كيكل وقواته في تغيير موازين القوى جعلته هدفاً مباشراً للانتقاد والهجوم من قبل جهات لا يروق لها أي تقدم للقوات المسلحة.

ومن أبرز أشكال الهجوم على القائد كيكل محاولة تشبيهه بقائد مليشيا الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والإيحاء بتطابق مساريهما أو مصيريهما. ورغم أن كليهما ينحدر من خارج المؤسسة العسكرية التقليدية وقد قادا قوات مسلحة، فإن الفوارق الجوهرية في النشأة والمسار والظروف التي أحاطت بكل منهما تجعل هذه المقارنة قاصرة ومغلوطة بشكل كبير. مليشيا الدعم السريع نشأت وتضخمت كقوة موازية للجيش داخل هيكل الدولة، قبل أن تنقلب عليه وتقاتله للسيطرة على السلطة. حميدتي بنى هذه القوة بدعم مباشر من النظام السابق ثم عبر تحالفات متقلبة، وشكل تحدياً وجودياً للدولة ومؤسساتها. والأهم أن صعود الدعم السريع وتعاظم نفوذه المالي والعسكري ارتبط بشكل وثيق بمشاركاته الخارجية، أبرزها في عمليات “عاصفة الحزم” باليمن، حيث تلقى دعماً مالياً ولوجستياً هائلاً من دول خليجية، مما مكنه من بناء قدرات ضخمة وتجاوز هيكل الجيش التقليدي بشكل مقلق. في المقابل، أبو عاقلة كيكل جاء من خارج هيكل الدولة كمعارض أو متمرد في مرحلة سابقة بدافع رفضه لما اعتبره نفوذاً غير مشروع للمليشيات المناطقية على حساب الدولة ومناطق أخرى، وهو اليوم يقاتل إلى جانب المؤسسة العسكرية الرسمية ضد القوة التي تمثل ذروة ظاهرة المليشيات التي اعترض عليها سابقاً.

ايضا حميدتي وقواته وأنصارهم يقاتلون للاستيلاء على السلطة وتفكيك الجيش، بينما كيكل يقاتل إلى جانب الجيش لاستعادة سيادة الدولة ومؤسساتها في مواجهة تمرد مسلح عليها.
ان الظروف التي أدت إلى صعود قوة كالدعم السريع وتلك التي دفعت شخصيات مثل كيكل لتغيير مواقعهم تختلف كلياً، ولكن المفارقة اللافتة للنظر هنا تتمثل في أن أشد منتقدي القائد كيكل اليوم هم أنفسهم من كانوا في مرحلة سابقة يدعون الدولة إلى التفاوض معه ومع قائده، والتوصل إلى تسوية سياسية مع مليشيا الدعم السريع. كان يُنظر إليهم حينها، عندما كانوا يقاتلون الدولة، كـ”أصحاب قضية” يمكن الجلوس معهم. وهذا التحول الجذري في المواقف يقود إلى استنتاج مؤكد بأن العداء الحقيقي لدى هؤلاء ليس موجهاً لشخص أبو عاقلة كيكل بذاته، أو لتاريخه كمعارض سابق، بل هو في حقيقته عداء للمؤسسة التي يقاتل في صفها الآن: الجيش السوداني. يهاجمون كيكل لأنه أصبح عنصراً فعالاً في دعم جهود الجيش لاستعادة هيبة الدولة وهزيمة التمرد الذي ربما كانت بعض الأطراف تراهن عليه كوسيلة لتحقيق أجندتها السياسية. ان انتصارات الجيش، التي يساهم فيها كيكل، لا تروق لهم، ولذلك يستخدمون تاريخه السابق كذريعة للطعن في دوره وفي الجيش الذي يدعمه.

ختاما، يمثل أبو عاقلة كيكل شخصية تجسد التداخل المعقد بين مسارات التمرد والتسوية والقتال في صف الدولة. حالته تسلط الضوء بوضوح على الطبيعة المركبة للصراعات الداخلية في السودان. وبغض النظر عن تقييم مساره السابق، فإن دوره الحالي في دعم الجيش هو ما جعله هدفاً للعداء المستتر أو المعلن من قبل جهات ترى في تقدم الجيش تهديداً لمصالحها، أو تلك التي تُعرف بمواقفها التاريخية المعارضة للمؤسسة العسكرية.

*بقلم: ود الجزيرة الكاهلي*

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع أبو عاقلة کیکل

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: ميليشيا الدعم السريع تجند مقاتلين داخل أفريقيا الوسطى

كشفت مسؤولة في الأمم المتحدة، أن ميليشيا الدعم السريع، تقوم بتجنيد مقاتلين داخل أفريقيا الوسطى، مشيرة إلى تزايد وجود عناصرها في منطقة أبيي، وهى منطقة متنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، وتتواجد بها قوة تابعة للأمم المتحدة تعمل على ضمان جعل المنطقة منزوعة السلاح إلى حين تقرير مصيرها.

وكانت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشئون أفريقيا، مارثا بوبي، قد قدّمت ليل الجمعة، إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي حول جهود المنظمة الدولية لدعم السودان في مساره نحو السلام والاستقرار.

وقالت مارثا بوبي فى كلمتها إن قوات الدعم السريع تقوم بعمليات تجنيد في شمال شرق أفريقيا الوسطى.

وأشارت إلى أن مجلس الأمن الدولي أدان هجومًا على قوات حفظ السلام التابعة لبعثة الأمم المتحدة في أفريقيا الوسطى «مينوسكا» نفذته عناصر مسلحة يُعتقد أنها سودانية.

وأفادت مارثا بوبي بأن تزايد وجود عناصر الدعم السريع في منطقة أبيي فاقم الوضع الهش أصلًا، وشددت على أن تبعات النزاع في السودان تتجاوز حدوده.

وأكدت مارثا بوبي عدم وجود مؤشرات تشير إلى قرب نهاية النزاع في ظل تصميم أطرافه على تحقيق أهداف عسكرية.

وحذّرت من تزايد استخدام الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الطائرات المُسيّرة، مما أدى إلى توسيع رقعة القتال إلى مناطق كانت مستقرة، حيث أدت الهجمات الجوية إلى سقوط ضحايا مدنيين ونزوح جماعي.

وتوقعت أن تصبح مدينة الأبيض بولاية شمال دارفور نقطة اشتعال رئيسية في الأسابيع المقبلة، بعد تحوّل النزاع إلى دارفور وكردفان.

وكشفت المسئولة الأممية، أن الأمم المتحدة تسعى إلى هدنة إنسانية مؤقتة لتيسير وصول المساعدات إلى المناطق المتأثرة بالنزاع، بدءًا من الفاشر مع السماح للمدنيين بالمغادرة طوعًا وبأمان.

ووافق رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان على طلب توقف القتال في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور لمدة أسبوع لتوصيل الإغاثة.

وقالت مارثا بوبي إن الأمم المتحدة تشجع على الحفاظ على وحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه كـ"عناصر أساسية لحل مستدام للأزمة".

وشددت على ضرورة وجود قيادة مدنية لصياغة توافق سياسي ورؤية شاملة من أجل العودة إلى انتقال سلمي تقوده حكومة مدنية.

اقرأ أيضاًأبو الغيط: الحرب في السودان تسببت في أسوأ أزمة إنسانية على الأرض

الجيش السوداني: استشهاد 3 مدنيين وإصابة 8 آخرين جراء قصف الفاشر

السودان: مقتل وإصابة 18 عنصرا من ميليشيا الدعم السريع في الفاشر

مقالات مشابهة

  • عبد الله يحي: وحدة الصف العسكري وتلاحمها مع الإرادة الشعبية كانت حجر الأساس في تثبيت أركان الدولة
  • السجن المؤبد عشرين عاما لمؤيدة ومتعاونة مع مليشيا الدعم السريع المتمردة
  • إمعانا في خنقها.. “الدعم السريع” تفعل هذا في الفاشر
  • الدعم السريع ترد على «هدنة الفاشر» وتتمسك بشروط لوقف إطلاق النار
  • الجيش السوداني يقصف تجمعا للدعم السريع بجامعة نيالا
  • الأمم المتحدة: ميليشيا الدعم السريع تجند مقاتلين داخل أفريقيا الوسطى
  • مقاومة الفاشر: مليشيا الدعم السريع تستمر في قصف أحياء المدينة منذ صباح اليوم
  • السودان يدعو لتصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية
  • 13 قتيلا بينهم أطفال بقصف لقوات الدعم السريع في دارفور
  • السودان.. 20 قتـ.يلا في هجمات لميليشيا الدعم السريع على قرى جنوب الأبيض