إرث العقوبات على إيران.. أزمة اقتصادية وجهود للاكتفاء الذاتي
تاريخ النشر: 16th, May 2025 GMT
طهران – تأثرت العديد من القطاعات الاقتصادية الإيرانية بشكل بالغ منذ فرض العقوبات الاقتصادية على إيران في عام 2006، مرورا بتصعيد الوضع بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018.
ورغم الضغوط الاقتصادية الكبيرة التي نجم عنها تراجع في الإيرادات النفطية وارتفاع التضخم، سعت الحكومة الإيرانية إلى تقليص الاعتماد على الواردات من خلال سياسات تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وتلقي الجزيرة نت في هذا التقرير الضوء على تأثير العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد الإيراني، بالإضافة إلى مساعي إيران في تعزيز إنتاجها المحلي عبر مختلف القطاعات، مثل الزراعة والصناعة والأدوية، كما تتناول التحديات التي تواجهها تلك السياسات في سياق الظروف الاقتصادية والسياسية الراهنة.
ما مدى الأزمة الاقتصادية الناتجة عن العقوبات؟1- تراجع الصادرات النفطية الإيرانية
منذ فرض العقوبات الأميركية في ضوء سياسة الضغط الأقصى في عام 2018، تراجعت صادرات النفط الإيرانية بشكل ملحوظ، ووفقا لوكالة تسنيم الإيرانية، كان النفط يشكل أكثر من 70% من إجمالي إيرادات الدولة قبل العقوبات، لكن بعد تشديد العقوبات، تراجعت الصادرات من 2.5 مليون برميل يوميا في عام 2017 إلى حوالي مليون برميل يوميا في 2020، وأحيانا إلى أقل من 500 ألف برميل يوميا في بعض الأوقات حسب بيانات مصادر مثل موقع "أكوإيران".
إعلان2- التضخم والركود الاقتصادي
أدى التراجع الكبير في صادرات النفط إلى انخفاض إيرادات الحكومة، مما أثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني، كما تسبب انخفاض قيمة الريال الإيراني أمام العملات الأجنبية في ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
ووفقا للبنك المركزي الإيراني، بلغ معدل التضخم في إيران حوالي 40% في عام 2020، بما أثّر على قدرة المواطنين الشرائية، وأكد تقرير موقع "اقتصاد نيوز" على أن أسعار السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والوقود ارتفعت بشكل غير مسبوق.
3- تراجع الناتج المحلي الإجمالي
انكمش الناتج المحلي الإجمالي الإيراني بصورة كبيرة بسبب العقوبات، وطبقا لتقارير صحيفة "دنياي اقتصاد"، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران في عام 2020 حوالي 240 مليار دولار، مقارنة بـ445 مليار دولار في 2017، ويعكس هذا الانخفاض تأثير العقوبات على معظم القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الصناعة والتجارة والمال.
إلى أي مدى نجحت إستراتيجية الاكتفاء الذاتي؟رغم الأزمات الاقتصادية التي شهدتها إيران نتيجة للعقوبات، اتبعت الحكومة سياسات تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات في عدة قطاعات، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي واجهتها هذه السياسات، حققت إيران بعض النجاحات في هذا المجال.
1- القطاع الزراعي
نما القطاع الزراعي الإيراني بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة، في إطار سياسات الاكتفاء الذاتي التي اعتمدتها الحكومة، ووفقا لتقارير لوكالة "إرنا"، زاد إنتاج القمح في إيران من حوالي 12 مليون طن في 2017 إلى حوالي 14 مليون طن في 2023، وهو ما يعكس محاولات إيران لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء وتقليل الاعتماد على الواردات، التي كانت تشكل نحو 70% من احتياجات إيران من المواد الغذائية قبل العقوبات.
2- القطاع الصناعي
ركزت الحكومة الإيرانية في القطاع الصناعي، على تعزيز القدرات الإنتاجية المحلية، وطبقا لتقرير منصة "تجارة أونلاين"، تمكنت إيران من زيادة إنتاجها المحلي في العديد من الصناعات، بما في ذلك صناعة السيارات والمعدات الثقيلة.
إعلانفي مجال صناعة السيارات، على سبيل المثال، ارتفع الإنتاج المحلي من حوالي مليون سيارة في 2017 إلى 1.2 مليون سيارة في 2023، وهذا يشير إلى تحسن واضح في قدرة الصناعة المحلية على تلبية احتياجات السوق الإيراني.
3- صناعة الأدوية
من أهم القطاعات التي حققت تقدما ملحوظا في مجال الاكتفاء الذاتي، قطاع صناعة الأدوية، ووفقا لموقع "أكوإيران"، تمكنت إيران من تحقيق اكتفاء ذاتي جزئي في إنتاج الأدوية، إذ ارتفعت نسبة الأدوية المنتجة محليا إلى نحو 90% في 2023، مقارنة بـ50% فقط قبل فرض العقوبات مما يشير إلى تطور ملحوظ في قطاع الصحة، رغم تحديات العقوبات على الواردات.
4- التكنولوجيا والصناعات الحديثة
شهدت إيران أيضا تقدما في مجالات الابتكار التكنولوجي والصناعات الحديثة مثل التكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي؛ ووفقا لتقارير صحيفة "دنياي اقتصاد"، شهدت الشركات الناشئة الإيرانية في هذه القطاعات نموا بنسبة 20% سنويا منذ عام 2018، ويعكس هذا التطور الجهود المبذولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات التكنولوجية وتقليل الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة.
ما أبرز التحولات التي مر بها الاقتصاد الإيراني وأدت إلى تراجع مؤشرات الأداء؟في ظل التحديات الاقتصادية المتراكمة التي تواجه إيران، من العقوبات الدولية إلى تبعات السياسات الداخلية، تتزايد التساؤلات حول مستقبل النمو الاقتصادي في البلاد ومدى قدرة الاقتصاد الإيراني على الصمود أو التعافي.
وفي هذا السياق، يقدّم أستاذ الاقتصاد بيمان مولوي قراءة تحليلية لمسار الاقتصاد الإيراني خلال العقود الماضية، مسلطا الضوء على التحولات الكبرى التي شهدها هذا المسار وأسباب التراجع الحاد في مؤشرات الأداء.
أوضح بيمان مولوي للجزيرة نت أن الاقتصاد الإيراني مر بـ3 مراحل رئيسة من حيث النمو خلال العقود الأخيرة:
بين عامي 1961 و1976، أي قبل الثورة بعامين، شهدت إيران نموا اقتصاديا بلغ متوسطه 11%، وهي فترة تُعد من أنجح مراحل الاقتصاد الإيراني. في مرحلة الحرب، كان النمو سلبيا، وفي فترة ما بعد الحرب، بين عامي 1989 و2009، بلغ متوسط النمو نحو 5%". المرحلة الثالثة، التي بدأت مع العقوبات النووية الأميركية في عام 2011 وتبعها لاحقا فرض عقوبات من الأمم المتحدة، شهدت تراجعا حادا في النمو، إذ انخفض متوسطه خلال السنوات الثلاث عشرة -مع السنة الماضية- إلى نحو 1.1%. وأكد أن هذه العقوبات "أثرت بشكل عميق على بنية الاقتصاد الإيراني، وأدت إلى شلّ حركته". إعلانوأضاف أستاذ الاقتصاد أنه "في عام 2011، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران ذروته عند 645 مليار دولار، لكنه اليوم انخفض إلى أقل من 300 مليار دولار، أي تراجع إلى النصف. وبالمثل، تراجع نصيب الفرد من الدخل إلى أقل من النصف، في ظل تزايد عدد السكان".
وحذّر مولوي من استمرار هذا المسار، قائلا "مع استمرار هذا النهج، قد ينخفض الناتج المحلي ونصيب الفرد من الدخل في السنوات القادمة إلى أقل من 3 آلاف دولار. وفي حين أن الاقتصاد لم ينهَر بالكامل، إلا أنه متوقف، ويعيش على الحد الأدنى"
وأضاف "رغم أن شعار الاكتفاء الذاتي منع الجوع، إلا أنه أدى إلى تدهور المعايير الاقتصادية والاجتماعية، إذ تراجع ترتيب إيران في مؤشر الحرية الاقتصادية من 100 إلى 158 من أصل 165، وترتيب حرية التجارة الخارجية وصل إلى المرتبة الأخيرة".
كيف كشفت العقوبات عن الاختلالات البنيوية في الاقتصاد الإيراني؟يعتبر أستاذ الاقتصاد مرتضى أفقه أن الأزمة الاقتصادية في إيران تعود إلى ما قبل العقوبات، ويقول إن "ما تعانيه البلاد ليس ظرفا طارئا بل نتيجة تراكمات منذ ثلاثة عقود. العوائد النفطية كانت تحجب مظاهر الأزمة، ومع تشديد العقوبات ظهرت سوءات التدبير بوضوح".
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن "البيئة الاقتصادية لا تدعم الإنتاج أو الاكتفاء الذاتي، بسبب البيروقراطية المعطِّلة والإدارة غير الفعالة وغياب الاستقرار الإداري".
ويرى أن الشعارات مثل "الاقتصاد المقاوم" لم تُترجم إلى سياسات فعلية، معتبرا أن "اقتصادا قائما على النفط لا يمكن وصفه بالمقاوم. الاستثمار في الإنسان هو مفتاح بناء اقتصاد قوي، وليس الاعتماد على الموارد الطبيعية فقط".
وأكّد أفقه أن الاقتصاد القائم على النفط والموارد الأرضية اقتصاد هش وعرضة للصدمات، ولا يمكن أن يُوصف بالمقاوم، وما طُرح من شعارات حول الاقتصاد المقاوم لم يُترجم إلى سياسات ملموسة خلال العقد الماضي.
إعلانوبينما يستمر الجدل في الداخل الإيراني حول أولويات المرحلة المقبلة، وما إذا كان بالإمكان تجاوز الأزمة بالاعتماد على القدرات الذاتية، يرى مختصون مثل أفقه أن مستقبل الاقتصاد الإيراني سيبقى رهنا بالإصلاحات البنيوية الحقيقية، وليس بالشعارات أو الإجراءات الظرفية، مؤكدين أن الاستثمار في الإنسان هو وحده الكفيل ببناء اقتصاد قوي ومستدام.
هل كانت الأطروحات الداخلية حول تحويل العقوبات إلى فرصة واقعا قابلا للتحقيق؟في خضم النقاش المستمر حول أثر العقوبات الغربية على الاقتصاد الإيراني، تتباين الآراء بين من يرى في العقوبات فرصة لتعزيز "الاقتصاد المقاوم"، ومن يصفها بأنها ضربة قاصمة لبنية اقتصادية هشّة أصلا.
وفي هذا السياق، يقدّم أستاذ الاقتصاد أيزاك سعيديان قراءته التحليلية للواقع الاقتصادي الإيراني خلال السنوات الأخيرة، موضحا أن الآثار العميقة للعقوبات تجاوزت الشعارات، وانعكست بوضوح في تراجع مؤشرات الأداء الاقتصادي ومناخ الاستثمار.
ورأى أيزاك سعيديان في حديثه للجزيرة نت أنه رغم أن الاتفاق النووي خفف ظاهريا بعض القيود المفروضة، إلا أن الاعتماد العالمي على الاقتصاد الأميركي جعل الدول الأخرى تتجنب التعامل مع إيران، وهو ما فرض فعليا حصارا اقتصاديا غير معلن على البلاد.
وأكد سعيديان أن بعض الأطروحات الداخلية التي تحدثت عن تحويل العقوبات إلى فرصة لتعزيز القدرات المحلية لم تكن واقعية، وقال إن "المؤشرات الاقتصادية لا تدعم هذا التفاؤل"، مشيرا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي شهد تراجعا حادا، ولم يظهر أي تحسن ملموس في معدلات البطالة أو في باقي المؤشرات الحيوية.
ويرى سعيديان أن عجز الموازنة كان أحد أبرز تداعيات العقوبات، إذ ازداد عاما بعد عام، من دون وجود إنتاج فعلي قادر على دعم قيمة العملة الوطنية أو تعويض النقص في الموارد. كما قال إن "البنية الاقتصادية ظلت هشّة، ومع غياب النمو، تفاقمت الأزمة".
إعلانوفيما يتعلق بالقطاعات الإستراتيجية، أوضح سعيديان أن صناعات مثل النفط والغاز والبتروكيمائيات لا تزال تعتمد على بنى تحتية تعود إلى عقود مضت، وعدمُ مشاركة الشركات الأجنبية في تحديث هذه القطاعات حرم الاقتصاد من فرص استثمارية كبرى، لتتوجه رؤوس الأموال بدلا من ذلك نحو دول الخليج.
ورأى أن واحدة من أخطر النتائج كانت تضخما تجاوز 50%، مما خلق بيئة اقتصادية غير مستقرة دفعت بالمستثمرين المحليين أنفسهم إلى إخراج أموالهم تدريجيا من السوق الإيراني، وقال إن "تراجع أمن الاستثمار لم يكن مقتصرا على الخارج فقط، بل شمل الداخل أيضا".
وختم سعيديان بالتأكيد على أن الحديث عن قدرة الاقتصاد الإيراني على الازدهار رغم العقوبات لا يستند إلى الواقع، وأوضح أنه "لو كانت هذه الفرضية صحيحة، لشهدنا نموا في الناتج المحلي وتحسنا في المؤشرات العامة، لكن ما حدث كان العكس تماما"، مشددا على ضرورة معالجة الخلل البنيوي بدلا من التعويل على الصمود وحده.
ولا تكتفي رؤية سعيديان بتوصيف الأزمة، بل تشير بوضوح إلى أن تجاوزها لا يتم إلا عبر إصلاحات اقتصادية جذرية وتوفير بيئة استثمارية مستقرة، بعيدا عن التعويل على التحدي والصمود كشعارات سياسية، فالتجربة -كما يؤكد- أن الاقتصاد لا ينهض بالشعارات، بل بالمؤسسات والكفاءة والسياسات الواقعية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الناتج المحلی الإجمالی الاقتصاد الإیرانی الاکتفاء الذاتی أستاذ الاقتصاد على الواردات الاعتماد على على الاقتصاد أن الاقتصاد ملیار دولار إلى أقل من إیران من إیران فی فی عام فی هذا
إقرأ أيضاً:
العدوان الصهيو أمريكي على إيران (4)المنافقون يتفقدون آثار القصف الصاروخي الإيراني على الكيان
دائماً يخفون لنجدتها، ويهبون لمساعدتها، ويخافون عليها ويقلقون من أجلها، ويتسابقون في التعاطف معها، وإظهار الحب والولاء لها، والحزن على مصابها، والبكاء على قتلاها، وذرف الدموع على ضحاياها، ويتنادون لنصرتها والتضامن معها، ويؤيدونها في أفعالها وينسون جرائمها، ويمدونها بالسلاح والمال والعتاد، ويسخرون لها منابرهم الإعلامية ومنصاتهم السياسية، ولا ينتبهون إلى ما فعلته أسلحتها وما دمرته طائراتها، وما خلفته صواريخها، ولا يحرك ضمائرهم حجم الجرائم التي يرتكبونها، والمجازر التي ينفذونها، وأعداد الضحايا المتزايدة من الأطفال والنساء والشيوخ وعامة المدنيين العزل والأهالي الهاربين من القتل والفارين من القصف.
وبالمقابل يتطرفون في التنديد بأعدائها ويبالغون في مهاجمة خصومها، ويدعون لمحاسبتها ومعاقبتها، ويحرضون المجتمع الدولي ضدها، ويتآمرون عليها ويتحالفون ضدها، وينعتونها بأبشع النعوت وأقذع الصفات، ويطلقون عليها أسوأ الألقاب، رغم أنها تصد العدوان وترد على الجريمة، وتمارس حقها المشروع في الدفاع عن مواطنيها، وحماية حقوقها، والحفاظ على سيادتها، والذود عن حياضها، وترد بحسابٍ، وتقصفُ بعقلانية، وتتجنب المدنيين وتبتعد عن المنشآت المدنية والتجمعات السكانية، ولا تستهدف الشخصيات ولا تقتل عمداً وقصداً عامة المواطنين في بيوتهم وأماكن لجوئهم.
حجم الدمار الذي تسبب به طيران العدو الإسرائيلي، التي هي طائراتٌ أمريكية هجومية حديثة، تحرص الإدارة الأمريكية على تزويد الكيان بها دون غيرها، ليتفوق بها على المنطقة وكل محيطها، وتعجز دولها عن إسقاطها أو التصدي لها، والتي خلفتها صواريخه الأمريكية الصنع أيضاً، دمارٌ كبيرٌ جداً، وخرابٌ واسعٌ طال مناطق مختلفة من إيران، وتسبب في خسائر كثيرة وألحق أضراراً كبيرة، وأدى إلى استشهاد مئات الإيرانيين، قادةً ومسؤولين وعلماء وفنيين نويين وعامةَ المواطنين، علماً أن ضراوة الغارات الإسرائيلية لا تنفي أبداً حقيقة الرد الإيراني، ولا تقلل من حدة القصف الصاروخي وآثاره التي لم يتمكن العدو من إخفائها وطمسها، وعجز عن حماية مستوطنيه من الانهيار النفسي بسببها، ومحاولة الفرار والهروب خوفاً من المزيد منها.
رغم أن قادة العالم كلهم يعرفون يقيناً أن الكيان الصهيوني ورئيس حكومته نتنياهو يمارسون في المنطقة كلها، وضد جميع سكانها البطش والتسلط والإرهاب، ويعتدون على دولها وينتهكون سيادتها، ويدمرون مقدراتها، إلا أنهم يقفون معه ويؤيدونه، ويصدقون روايته، ويكررون كالببغاء سرديته، ويتماهون مع حالته، ويتباكون معه ويجأرون بالصراخ من أجله، ويلبون دعواته لهم لزيارة كيانهم، والوقوف على أطلال مبانهم، ومعاينة آثار القصف الإيراني على مناطقهم، ليروا بأم أعينهم “الجريمة الإيرانية”، ويقتنعوا بالمظلومية الإسرائيلية، ويفرضوا على دول أوروبا عامةً والغربية خاصةً حماية اليهود ودولتهم، والدفاع عنهم وضمان وجودهم، ومحاربة كل من يهدد كيانهم أو يستهدف وجودهم.
أمام هذه المظلومية الكاذبة والسردية المزيفة، تنشط وزارة الخارجية الإسرائيلية، في توجيه الدعوات لوزراء خارجية الدول وسفرائها، ومبعوثيها وممثليها، وغيرهم من الوفود السياحية والعلمية والثقافية والفنية، لزيارة المناطق التي سقطت فيها الصواريخ الإيرانية، ومعاينة آثارها ومعرفة نتائجها، والإصغاء إلى المرشدين الإسرائيليين الكاذبين، الذين يحفظون رواياتٍ أمنية معدة لهم، ومجهزة خصيصاً لتعمية زوارهم وخداع المتضامنين معهم، وتحريضهم ضد إيران، ودفعهم لإطلاق مواقف وإصدار تصريحاتٍ ضدها، تدينها وتتهمها وتحملها المسؤولية عما يجري في المنطقة، وتدعي عليها بأنها التي بدأت بالعدوان واستعدت له، وأنها التي هيأت الأجواء له وسهلته.
ألا يستطيع أولئك المنافقون الكاذبون، الأفاقون المخادعون، الدجالون المتواطئون، أن يتجاوزوا الأوامر العسكرية الإسرائيلية، ويخالفوا التحذيرات السياسية، وأن يتحرروا من التبعية الصهيونية والعبودية الأمريكية، وأن يكونوا ولو لمرةٍ واحدة في تاريخهم، عقلاء إنسانيين منطقيين، وأن يستفيقوا من غفلتهم ويوقظوا ضمائرهم، فيتجهوا قليلاً إلى الجنوب من حيث سيدهم القاتل، ورسم لهم طريقهم المعتدي الباغي، وأن يزوروا قطاع غزة المدمر، ليروا حجم الدمار الحقيقي الذي ألحقه هذا العدو المتباكي، وأن يحصوا عدد الضحايا الذين قتلهم في مجازر دموية، ومذابح موصوفة ضد الإنسانية، حينها يكون ضميرهم قد صحا، وإنسانيتهم قد استعيدت، وإن كنت وغيري لا نظن أبداً أنهم يريدون أن يستيقظوا من غفلتهم، وأن يعودوا إلى رشدهم، وأن يصطفوا إلى جانب جنسهم الإنساني، ذلك أنهم سبب المشكلة وأساس الأزمة، وصناع الكيان ورعاته، وزارعوه في منطقتنا كخنجرٍ مسمومٍ وحماته.
* كاتب وباحث سياسي فلسطيني