بقلم : حسين الذكر ..

على ذكر التربية والتعليم ومناهجها الانموذجية كباكورة حتمية واسس منطقية لاي نهضة حضارية محتملة .. يذكر ان الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس القى محاضرات في معهد المعلمين بأمريكا نهاية القرن التاسع عشر ، مذكرا اياهم : ( اذا سرتم على هذه المناهج فان أمريكا ستحكم العالم بعد خمسين عام ) وهو ما تحقق بالضبط .


طالعت خبرا حول مؤتمر عربي يبحث إشكالية التعليم في الواقع العربي المتاثر بالعولمة والتواصل وقد فرحت كثيرا بذلك لانه يحمل عنوانا لطالما حلمت التعاطي به .. وقد سارعت بالخطاب لرئاسة المؤتمر حول إمكانية تقديمي ورقة عمل فيه .. جائت الإجابة بان الوقت قد انتهى واغلق ملف المشاركين .
قبل سنوات كنت موفدا إعلاميا في كوريا الجنوبية وقد لاحظت ان باصات طويلة تنقل أطفالا لبناية مجاورة .. بفضول صحفي اردت التعرف على ما يحصل فزرت المكان مع مترجم كوري .. وقد تبين انها سفرات مدرسية لمتحف تنشيطي يتناسب مع اعمار الابتدائية .. ثم عرفني بالمديرة التي بجلتني كثيرا حينما علمت اني صحفي .. فسالتها عن اهم درس تحرص على تعليمه للصغار دون ان يكون ضمن المنهج الوزاري .. فقالت بكلمة واحدة : ( اعلمهم الصراحة .. اهم شيء افتخر به واحرص عليه اذا ما جعلت رجال المستقبل يتفهموا وينموا على الصراحة ) ..

بعد سقوط الدولة العثمانية وانفضاح الثلاثي المشؤوم عربيا ( الفقر الجهل والمرض ) .. تم سن منهجية للتعليم العربي على يد شخصيات صنعت لها شهرة خاصة وحظيت باهتمام رسمي وسلطت عليها الأضواء ومنحت صلاحيات عجيبة في اغلب بلدان العرب ولم تتغير تلك المنهجية منذ مائة عام برغم تغيير الأنظمة عبر الثورات والمؤامرات والاحتلال والانتخابات .
ان اقامت مؤتمرات ملهمة ومهمة للتعليم والتربية تعد من اهم الحاجات الاساسية للنهضة العربية فضلا عن كونها التفاتة وحدث يستحق الاهتمام والمتابعة وتحري النتائج سيما من قبل وزارات التربية والتعليم والجهات المختصة ذات العلاقة .. مع التحفظ على تجارب سابقة ظلت حبيسة البهرج والزخرف والعناوين الطنانة والبحوث الرنانة التي بقيت محفوظة فوق الرفوف كحال مئات بل الاف الرسائل والاطروحات العلمية التي تخص المحور دون التفات اي شخص مسؤول او مؤسسة مختصة .
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وبرغم الإحباط والخيبة وما راوده من احساس بضرورة التغيير قرر الفيلسوف البريطاني راسل افتتاح مدرسة لتعليم الأطفال واصر على استمرارها برغم الضائقة المالية والخسائر التي تعرض لها حتى اضطر كتابة مقالات تافهة للصحف من اجل رفد المدرسة بالمبالغ .. وقد ساله احد الصحفيين عن مغزى ذلك فقال : – ( لا ابالي كتابة مقالات تافهة من اجل الحصول على المال .. لكني اشعر بالسعادة والسمو حين اوظف كل شيء من اجل هدف سام ) . علما انه تعرض لكثير من المضايقات والانتقادات بسبب منهجيته المعتمدة التي وضعها وحرص على تطبيقها بروح الفيلسوف العارف المتطلع لبناء الانسان والباحث عن حقيقته وليس بجيب وجشع مستثمر تاجر متعطش للمال قبل اي شيء آخر!
وقد وضع الفيلسوف راسل شروط صارمة للمتعلمين وللمعلمين :-
1- منح التلاميذ كامل حرية التعبير بلا قيد او شرط .
2- الابتعاد التام عن اي اجراء تاديبي سيما الضرب منه .
3- ان تكون الأجور متيسرة والاولوية للاذكياء وضحايا الحرب .
4- ان يعزل المتميزين في حصص ومنهج مختلف عن الاخرين .

حسين الذكر

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

حلّ العمال الكردستاني يفتح نقاشا تونسيا.. هل يجب أن تحل النهضة نفسها؟

ربط عدد من المثقفين والمهتمين بالشأن السياسي في تونس بين القرار التاريخي الذي اتخذه حزب العمال الكردستاني بحلّ نفسه طوعًا، والتحولات التي يشهدها المشهد السياسي التونسي، متسائلين عمّا إذا كان هذا القرار يمكن أن يشكّل نموذجًا يُحتذى به في تونس، وتحديدًا في ما يتعلّق بمستقبل حركة النهضة، التي باتت في نظر البعض عبئًا على المرحلة الانتقالية وتعطّلًا لمسار ديمقراطي مأزوم منذ 25 تموز / يوليو 2021، بينما يرى آخرون في هذا الربط إسقاطًا مجحفًا لا يراعي خصوصية السياقين.

هذا الحدث، الذي قرأه البعض في بعده التركي فقط، أثار جدلاً فكرياً وسياسياً في تونس، لا سيما بعد أن دعا الأكاديمي عبد الرزاق حاج مسعود حركة النهضة إلى أن تحذو نفس الخطوة. وتفاعل مع دعوته مثقفون وقياديون من داخل الحركة وخارجها، بين من وجد في الدعوة نقداً بنّاءً، ومن رآها إسقاطاً غير منصف.

حزب العمال الكردستاني.. من البندقية إلى الأمة الديمقراطية

في نهاية سبعينيات القرن الماضي، انطلق حزب العمال الكردستاني (PKK) من معركة وجود مسلح في وجه الدولة التركية، منادياً بدولة قومية كردية. لكن وبعد عقود من الصراع و40 ألف قتيل، لم يُنجز الحزب مشروعه القومي، بل وجد نفسه أمام واقع جديد فرضه تحوّل الدولة التركية، وصعود خطاب "الأمة الديمقراطية" الذي تبناه عبد الله أوجلان. لقد تخلّى الحزب عن حلم الدولة، ليطرح نفسه كمكوّن ديمقراطي يتفاعل مع متغيرات محلية ودولية. لم يكن هذا "انتحاراً سياسياً"، بل تطوراً في فهم المرحلة وسلوكاً نقدياً تجاه الذات.




إسقاط النموذج على تونس.. نهضة بلا نهوض؟

رأى حاج مسعود في هذا التحول مرآةً يمكن أن ترى فيها حركة النهضة مصيرها. الحركة التي تشكّلت في رحم صراع مع الدولة القومية البورقيبية، حملت طيلة عقود مشروعاً إسلامياً إصلاحياً لم ينجُ من الانغلاق الأيديولوجي ولا من براغماتية مفرطة في ما بعد الثورة. ويذهب حاج مسعود إلى أن "البلوكاج التاريخي" الذي تسببت فيه النهضة لا يقل كارثية عن تجربة الـPKK، رغم اختلاف الوسائل والمرجعيات.

تونس، وفق حجته، لم تعد بحاجة إلى "إعادة تدوير" حركات نشأت في حقب الاستبداد، بل إلى الدخول في المستقبل عبر أدوات جديدة. دعوته لحل النهضة هي نداء فلسفي لتجاوز زمن الجماعة والقبيلة السياسية، لا مجرد تصفية حسابات أيديولوجية.



أصوات من الداخل بين الدفاع والتأمل

القيادي في النهضة رياض الشعيبي، وفي ردّ متزن، لم ينفِ الطرح بل أعاد تأطيره. أشار إلى أن تاريخ النهضة نفسه عرف لحظات دعا فيها بعض أعضائها إلى الحل أو التغيير الجذري، لكنها صمدت لأن وظيفتها السياسية لم تنتهِ بعد. يعترف الشعيبي بأن الرمزية التي تمثلها النهضة اليوم قد تكون عائقاً، لكنه يرى أن الدعوة إلى تفكيك المقولات الأيديولوجية تحتاج إلى حوار عميق لا إلى قرارات فوقية.



في المقابل، قدّم الأمين البوعزيزي مرافعة فكرية تنتقد التشبيه بين النهضة وPKK. رأى أن حزب العمال لم يُهزم بل تطور، وأن حركة النهضة لا تحمل مشروع دولة قومية أصلاً، بل تسعى إلى تفكيك "الاستعمار المعرفي" الذي تجلى في نموذج الدولة الحديثة الموروثة. لذلك، فإن حلّ النهضة لن يحرر تونس، بل سيعزز الردة السياسية التي جسدها انقلاب 25 يوليو 2021، على حد وصفه.



الحبيب بوعجيلة: المقارنة متعسفة والسياق مغاير تمامًا

يرى الكاتب والباحث السياسي الحبيب بوعجيلة أن دعوة حلّ النهضة تعاني من خللين كبيرين، الأول أخلاقي، والثاني تحليلي: "لا يُطرح هذا الموضوع والحزب محاصر، بقياداته وجماهيره، مما يفقد النقاش قيمته الأخلاقية والعقلانية. كما أن السياقات مختلفة جذريًا؛ فحلّ الكردستاني جاء ضمن ترتيبات إقليمية ودولية لإعادة هيكلة النفوذ في الشرق الأوسط، بينما الوضع في شمال أفريقيا مختلف كليًا".

يضيف بوعجيلة أن: "الحزب الكردي كان ذا نزعة انفصالية عرقية، أما النهضة فهي مكوّن وطني مدني وضروري لتوازن الحياة السياسية في تونس. وجودها ـ بصيغتها الحالية أو بعد التحيين ـ ضرورة ضمن ترتيبات الاستقرار في تونس والمنطقة".



هند الغرسلي: النهضة حزب ديمقراطي سلمي.. والتشبيه فاسد ومتحامل

من جهتها، وصفت الناشطة والمدونة هند الغرسلي الطرح بكونه متحاملاً ومنتقى بعناية لاستهداف النهضة دون غيرها من المكونات السياسية: "الأصل في المقارنة أن تكون بين أشياء متجانسة. لا وجه شبه بين حزب كردي يساري مسلح وتاريخه دموي، وحركة النهضة المسالمة التي تؤمن بالديمقراطية والحقوق والحريات".

وأضافت بلهجة نقدية لاذعة: "لم يُطلب من عبير موسي أو حزب العمال أو غيرهم حل أحزابهم، فقط النهضة. هذا انتقائي ومفضوح. وإذا أردوغان حلّ حزبه، عندها فقط نناقش الفكرة!".

وأكدت الغرسلي أن النهضة رغم كل ما واجهته، "ظلّت تمارس السياسة بسلمية، وتصبر على معاداة ظاهرية ومبطّنة، وتُعد اليوم رصيداً في مواجهة الانفراد بالسلطة".



في ظل استمرار الانسداد السياسي وتعطّل مؤسسات الدولة، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى واقعية الدعوات لحلّ الأحزاب الكبرى، وعلى رأسها النهضة، باعتبارها إرثًا تاريخيًا في الحياة السياسية التونسية. وبين من يراها عائقًا، ومن يعتبرها ضرورة وطنية، يبدو أن الأزمة أعمق من مجرد وجود حزب، بل هي أزمة مشروع ديمقراطي لا يزال في مرحلة المخاض.


مقالات مشابهة

  • حلّ العمال الكردستاني يفتح نقاشا تونسيا.. هل يجب أن تحل النهضة نفسها؟
  • منصور بن زايد يشارك في القمة العربية التي بدأت أعمالها في بغداد
  • نائب إطاري يدعو السوداني إلى التعامل بالمثل مع الدول العربية التي حضرت للقمة بمستويات أدنى
  • الاتحاد الأوروبي يؤكد أنه لا يعترف بـ"الجمهورية الصحراوية" المزعومة وكذا دوله الأعضاء
  • الاتحاد الأوروبي يجدد التأكيد على أن لا الاتحاد ولا أي من دوله الأعضاء يعترف بـ”الجمهورية الصحراوية” المزعومة
  • برلماني: توجيهات الرئيس السيسي بتطوير التعليم تؤكد محورية الإنسان بمشروع النهضة الوطنية
  • توافق عربي حول السودان وسد النهضة… قرارات جامعة الدول العربية
  • إطلاق جائزة التعليم العالي للغة العربية وآدابها
  • للطلاب.. هل من مواد اختيارية أو تقليص مناهج؟