المواطنة الرقمية بسلطنة عمان .. ممارسات مسؤولة في الفضاء الالكتروني
تاريخ النشر: 24th, May 2025 GMT
تمثل المواطنة الرقمية أحد الجوانب الأساسية في التعامل مع الفضاء الإلكتروني، وأصيح الوعي بالحقوق والواجبات الرقمية ضرورة في ظل تنامي الاستخدام اليومي للتقنيات الحديثة.
ووضعت سلطنة عمان العديد من التشريعات واللوائح لتنظيم استخدام التكنولوجيا في المجتمع، مثل قانون تقنية المعلومات، وقانون المعاملات الإلكترونية، مما يعكس التزام الدولة بتوفير حماية قانونية للحقوق الرقمية، وتعد هذه التشريعات جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى مواكبة التحول الرقمي والتأكد من أن كل فرد يتبع القواعد القانونية والأخلاقية، وهو ما يعزز من ثقافة المواطنة الرقمية.
وأكد محامون في استطلاع أجرته «عُمان» أن القوانين العمانية وفّرت إطارًا قانونيًا لحماية المستخدمين، خاصة القُصّر، من المخاطر الرقمية المتزايدة.
وقال المستشار القانوني والخبير الاقتصادي الدكتور قيس السابعي، عضو الجمعية الاقتصادية العمانية أن مفهوم "المواطنة الرقمية" من أبرز المفاهيم الضرورية في العصر الحديث، خصوصًا مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والانترنت في حياتنا اليومية. وأضاف السابعي أن المواطنة الرقمية تشير إلى قدرة الأفراد على استخدام التكنولوجيا والإنترنت بطريقة مسؤولة وفعّالة، ما يعني أن المواطن الرقمي يجب أن يكون قادرًا على التعبير عن أفكاره بكل احترام ووعي، مع الحفاظ على خصوصيته الشخصية على الإنترنت وعدم نشر أي بيانات قد يتم استخدامها بشكل خاطئ في المستقبل.
وأكد قيس السابعي أن المواطنة الرقمية لا تقتصر على الاستخدام الآمن للتكنولوجيا فقط، بل تمتد لتشمل استخدام الوسائط المختلفة للإسهام في رفاهية المجتمع. وهي تشمل أيضًا إظهار السلوكيات الإيجابية على الإنترنت، مثل تعزيز ثقافة الحوار والاحترام المتبادل بين الأفراد في المجتمع الرقمي. ومن خلال هذا المفهوم، يتمكن المواطن الرقمي من الحفاظ على الحقوق الشخصية، مثل الخصوصية وحماية البيانات الشخصية من الانتهاك، مع الالتزام بالقوانين التي تنظم النشاطات الإلكترونية.
وبين السابعي أن ترسيخ المواطنة الرقمية في سلطنة عمان يتطلب من المؤسسات التربوية والأسر والمدارس لعب دور محوري في تعليم الأفراد كيفية استخدام التكنولوجيا بشكل صحيح وآمن. وأشار إلى أن المواطنة الرقمية لا تقتصر فقط على الأفراد البالغين، بل يجب أن تكون جزءًا من التربية في المراحل العمرية المبكرة، وذلك من خلال تعليم الأطفال كيفية التعامل مع الإنترنت بشكل آمن.
وأشار السابعي أن في سلطنة عمان، تم تطوير مجموعة من البرامج والمبادرات التي تعزز هذا المفهوم، مثل برنامج "انتخب"، الذي يعزز المشاركة السياسية الرقمية للمواطنين في العملية الانتخابية. كما أشار إلى منصة "تجاوب"، التي أُطلقت مؤخرًا لتوفير آلية للتفاعل مع المواطنين عبر الإنترنت من خلال تلقي الاستفسارات والشكاوى، مما يعكس تكامل المشاركة الرقمية في الحياة الحكومية والمجتمعية.
ونوّه الدكتور السابعي إلى أن العديد من الدوائر الحكومية في سلطنة عمان تعتمد على "الباركود الإلكتروني" في توفير خدمات إلكترونية سلسة وآمنة، وهو ما يعكس التقدم الكبير في تطبيقات التحول الرقمي داخل المؤسسات الحكومية. وأضاف أن هذه الأدوات الرقمية، مثل "تجاوب"، تساهم بشكل كبير في تحسين جودة العمل الحكومي وتيسير التواصل مع المواطنين بشكل أكثر فعالية وسرعة.
ووضح أن المواطنة الرقمية تساهم بشكل كبير في تطوير المجتمع من خلال بناء مجتمعات افتراضية يسودها الاحترام والوعي المشترك. كما أن هذا المفهوم يعزز من التفاعل بين المجتمعات المختلفة حول العالم، ويسهم في تبادل الأفكار والمعرفة عبر الإنترنت. ومع تزايد استخدام الإنترنت في جميع مجالات الحياة، من المهم أن يكون كل مواطن رقميًا على وعي بكيفية استخدام هذه الوسائل بشكل آمن.
وفي الختام، أكد المستشار القانوني الدكتور قيس السابعي أن المواطنة الرقمية تمثل أداة أساسية لبناء مجتمع رقمي قوي وآمن في سلطنة عمان. وأضاف أن تعزيز مفهوم المواطنة الرقمية، سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي، يعكس توجه سلطنة عمان نحو تحقيق رؤية عمان 2040، التي تركز على التحول الرقمي كجزء من التنمية المستدامة وتحقيق الريادة في المجالات الرقمية على المستوى الدولي.
بدوره، أوضح المحامي فهد بن مالك الكندي أن المواطنة الرقمية لا تقتصر على كونها ثقافة أخلاقية في التعامل مع الفضاء الرقمي فحسب، بل تشمل أيضًا الحق في الوصول إلى المعلومات وكيفية استخدامها بطريقة مسؤولة وأخلاقية. وأكد على أهمية التحلي بالحذر في تداول الأخبار، لما لنشر المعلومات الزائفة من أثر كارثي على الأفراد والمجتمع، مؤكدًا أن الخصوصية الرقمية تكتسب أهمية مضاعفة في ظل التطورات المتسارعة في تقنيات المراقبة وتحليل البيانات.
وبيّن أن المواطنة الرقمية ترتكز على السلوكيات الأخلاقية واحترام خصوصية الآخرين والتصرف بطريقة مسؤولة عبر الإنترنت. ولفت إلى أن الاعتراف الدولي بالحقوق الرقمية بدأ في عام 2012 عندما أقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن الوصول إلى الإنترنت يُعد حقًا إنسانيًا، ما شكّل نقطة انطلاق نحو اعتبار الحقوق الرقمية جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان.
وأشار الكندي إلى أن هذه الحقوق تقوم على قيم الحرية والمساواة والخصوصية، وتكتسب بُعدًا كونيًا يتجاوز الحدود الجغرافية. ومن أبرز هذه الحقوق: الحق في الخصوصية، وحرية التعبير، وحق الوصول إلى الإنترنت، إلى جانب الحيادية الرقمية التي تضمن عدم التمييز في الوصول إلى المحتوى أو الخدمات.
وأكد المحامي فهد أن الوصول إلى الإنترنت بات ضرورة حياتية كالخدمات الأساسية الأخرى، وأن غياب هذا الحق يحد من فرص التعليم والعمل والتواصل الاجتماعي. كما اعتبر أن حماية الخصوصية الرقمية أصبحت تحديًا حقيقيًا، في ظل الاستخدام التجاري غير المشروع للبيانات، مشيرًا إلى أهمية وجود قوانين صارمة تُعزز حماية البيانات الشخصية.
ونوّه إلى أن منصات التواصل الاجتماعي قد تتسبب أحيانًا في تقييد حرية التعبير عبر خوارزميات رقابية غير شفافة، ما يتطلب وجود ضمانات تكفل التعبير دون انتهاك لحقوق الآخرين. كما تطرّق إلى أهمية الهوية الرقمية الموثوقة، والتي تكفل حماية البيانات الشخصية والتحكم في الحضور الرقمي.
التحديات القانونية
واستعرض الكندي عددًا من التحديات التي تواجه الحقوق الرقمية، من بينها الرقابة الحكومية التي تُقيّد الوصول إلى الإنترنت أو تحجب مواقع معينة، واستغلال البيانات من قبل الشركات الكبرى دون موافقة واضحة من المستخدمين، بالإضافة إلى الفجوة الرقمية وحرمان ملايين الأشخاص من الوصول إلى الإنترنت. وأشار إلى أن مبادرات مثل مشروع "ستارلينك" تسعى لسد هذه الفجوة من خلال بث الإنترنت عبر الأقمار الصناعية.
وأكد أن الحقوق الرقمية باتت ضرورة قانونية لحماية القيم الإنسانية في عصر التكنولوجيا، مؤكدًا على ضرورة إصدار تشريعات ملزمة تحمي هذه الحقوق وتحفظها من الانتهاك.
واجبات المستخدمين ومسؤولياتهم القانونية
أشار المحامي الكندي إلى أن من أبرز واجبات المستخدم في الفضاء الرقمي الالتزام بالصدق في نقل المعلومات، واحترام الخصوصية، وتجنّب خطاب الكراهية، والابتعاد عن أي سلوك مسيء أو احتيالي، مؤكدًا أن هذه السلوكيات تمثل أساس المواطنة الرقمية المسؤولة.
وبيّن أن المسؤوليات القانونية تشمل حماية البيانات الشخصية، الامتناع عن ارتكاب الجرائم الإلكترونية، احترام حقوق الملكية الفكرية، والامتثال لقوانين حماية البيانات، إلى جانب الالتزام باستخدام أدوات الحماية الإلكترونية ككلمات المرور والمصادقة الثنائية. ووضح أهمية التوعية بهذه المسؤوليات لضمان بيئة رقمية آمنة، يتمكن فيها الجميع من استخدام الإنترنت دون التعرض لانتهاكات أو محتوى ضار.
التنمر الإلكتروني
أكد المحامي فهد الكندي أن التنمر الإلكتروني بات ظاهرة متزايدة تهدد سلامة الأفراد، ورغم عدم وجود تعريف صريح له في القانون العُماني، إلا أن العديد من نصوص قانون الجزاء وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات تغطي سلوكيات مشابهة، مثل القذف والسب والتهديد والابتزاز.
وأوضح أن التنمر قد يأخذ أشكالًا متعددة، منها التنمر الاجتماعي، المهني، السياسي، أو الاقتصادي، ويُمارس من خلال وسائل متعددة مثل الرسائل النصية أو الوسائط المرئية أو غرف الدردشة. ولفت إلى أن العقوبات تختلف حسب طبيعة الجريمة، إذ قد تتراوح بين شهر إلى ثلاث سنوات سجن، وغرامات تصل إلى ثلاثة آلاف ريال عُماني، وقد تمتد العقوبة إلى أكثر من عشر سنوات في حالات التحريض على الكراهية أو المساس بالنظام العام.
وبيّن المحامي فهد الكندي أن المادة (19) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات تجرّم نشر المحتوى الذي يمس القيم الدينية أو النظام العام، وتشمل بذلك الشائعات والأخبار الكاذبة التي تهدد الأمن الاجتماعي أو الاقتصادي. وأكد أن القانون العُماني لا يفرّق بين المنصات المستخدمة في التنمر، سواء كانت واتساب أو فيسبوك أو غيرها، ويمنح الضحايا الحق في تقديم بلاغ رسمي والمطالبة بالتعويض، مع توفير الدعم النفسي في حال تطلب الأمر. وأشار إلى أن القاصرين يخضعون لقانون مساءلة الأحداث، بحيث يُطبّق عليهم نظام الإصلاح والرعاية إذا كانوا دون السادسة عشرة، بينما تُطبّق عليهم العقوبات بالسجن إن تجاوزوا هذا السن بحسب جسامة الجريمة.
تعزيز الوعي القانوني
اقترح الكندي عددًا من الخطوات لتعزيز الوعي القانوني لدى المستخدمين في الفضاء الرقمي، منها وضع سياسات قانونية واضحة للاستخدام الرقمي، وتوفير برامج توعوية موجهة خاصة للشباب، وتشجيع ثقافة الحوار المسؤول. كما دعا إلى تطوير تقنيات لرصد المحتوى الضار دون المساس بحرية التعبير، وتفعيل دور المنصات الرقمية لتلقي الشكاوى والاقتراحات، وبناء ثقافة رقمية قائمة على المسؤولية والاحترام المتبادل. وأكد أهمية التعاون بين المؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني لتعزيز الأمن السيبراني، وتفعيل الدبلوماسية السيبرانية، وبناء القدرات الوطنية، وتعزيز مبادئ الشفافية والحوكمة الرقمية لضمان ثقة المواطنين بالممارسات الرقمية للدولة.
من جهته، أشار المحامي ناصر بن سليمان الزيدي إلى أن التوسع المتسارع في استخدام التقنيات الحديثة، وما تبعه من انخراط واسع للأطفال في الفضاء الرقمي، أبرز الحاجة إلى إطار قانوني فعّال يضمن حمايتهم من المخاطر المرتبطة بهذا العالم المتنامي. وبيّن أن المشرّع العُماني استوعب هذه الحاجة، فأدرج في قانون الطفل عددًا من الضمانات التي لا تقتصر على الواقع المادي فحسب، بل تمتد إلى الفضاء الإلكتروني، لضمان حماية متكاملة للطفل.
قانون الطفل
وأوضح الزيدي أن قانون الطفل العُماني، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (22/2014)، عرّف الطفل بأنه كل من لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، مع الاعتداد بشهادة الميلاد الرسمية لإثبات ذلك. وقد نص القانون على حقوق متعددة تشمل الحماية من العنف والاستغلال، ومعاملة تحفظ للطفل كرامته وسمعته، كما ورد في المادة (7)، مشيرًا إلى أن هذه الحماية تشمل التهديدات الرقمية مثل المحتوى غير الملائم، أو التنمّر الإلكتروني، أو الاستغلال الجنسي عبر الإنترنت.
وأكد المحامي ناصر أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات جاء مكملًا لقانون الطفل، حيث تضمّن عقوبات مشددة في حال كان المجني عليه حدثًا. واستعرض المادة (14) التي تنص على عقوبات تتراوح بين سنة وثلاث سنوات سجن، وغرامات تصل إلى خمسة آلاف ريال عُماني، عند استخدام الوسائل التقنية لنشر أو حيازة مواد إباحية تتعلق بالأطفال. كما تناول المادة (15) التي تعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات إذا استُخدمت هذه الوسائل في الإغواء أو التحريض على الفجور مع قاصر.
وأضاف الزيدي أن حماية الطفل لا تقع على الدولة وحدها، بل تشمل أولياء الأمور، الذين تقع عليهم مسؤولية الرقابة والتوجيه، مثل استخدام أدوات الرقابة الأبوية، وتوفير بيئة معرفية تُمكّن الطفل من الاستخدام الآمن للوسائل الرقمية. وأشار إلى أنه في حال أدى الإهمال إلى ضرر فعلي بالطفل، فقد تنشأ مسؤولية قانونية على ولي الأمر، خاصة إذا ثبت علمه بالمخاطر وعدم اتخاذه التدابير المناسبة.
كما أشار إلى أن مسؤولية الحماية تمتد إلى الشركات الرقمية ومزودي خدمات الإنترنت، الذين يُطلب منهم تفعيل أدوات التحقق من العمر، وتوفير آليات فاعلة لتصفية المحتوى غير الملائم، بالإضافة إلى تمكين أولياء الأمور من ممارسة الرقابة الفعّالة. وأوضح أن الإخلال بهذه الالتزامات قد يترتب عليه مسؤولية جنائية، وفقًا للقانون الوطني والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الطفل.
واختتم المحامي ناصر الزيدي بالتأكيد على أن حماية الأطفال في البيئة الرقمية لم تعد خيارًا، بل أصبحت واجبًا قانونيًا وأخلاقيًا ومجتمعيًا يتطلب تكاملًا في الجهود بين الأسرة، والجهات الرسمية، والقطاع الرقمي، لضمان بيئة رقمية آمنة تحترم خصوصية هذه الفئة وتؤمن لها الحماية الكاملة من التهديدات الرقمية المتزايدة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حمایة البیانات الشخصیة الوصول إلى الإنترنت تقنیة المعلومات الحقوق الرقمیة الفضاء الرقمی فی سلطنة عمان عبر الإنترنت وأشار إلى أن المحامی فهد قانون الطفل الرقمیة ا فی الفضاء الع مانی لا تقتصر من خلال ن الطفل أن هذه التی ت ع مانی
إقرأ أيضاً:
مسؤولة أوكرانية تدعو لإعداد الأطفال لحرب طويلة مع روسيا
دعت إيرينا فيريشوك نائبة رئيس مكتب فلاديمير زيلينسكي إلى إعداد الأطفال في أوكرانيا لحرب طويلة مع روسيا "ستستمر لقرون".
ونشرت صحيفة "سترانا.وا" (Strana.ua) مقتطفات من مقابلة فيريتشوك على "تلعرام"، حيث قالت: "إذا علمت روسيا... أن كل منزل سيقاتل وأن الأرض ستشتعل تحت أقدامهم، فلن يتقدموا... هذه استراتيجيتنا ونحن نضعها منذ المدرسة. يجب أن يستعد أطفالنا، ويجب أن يعرفوا ما هي الحرب".
وأضافت المسؤولة الأوكرانية أن النزاع بين أوكرانيا وروسيا لن ينتهي حتى في حالة وقف إطلاق النار، داعية المجتمع إلى الاستعداد لحرب ستستمر لعدة قرون قادمة.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس عن قرار إنشاء منطقة عازلة آمنة على طول الحدود بين روسيا وأوكرانيا، مؤكدا أن القوات المسلحة الروسية قد بدأت بتنفيذ الأمر