ويكي توك.. هل يمكن تصفح ويكيبيديا بأسلوب تيك توك؟
تاريخ النشر: 27th, May 2025 GMT
في عصر يتسم بتسارع وتيرة استهلاك المعلومات، أصبحت المنصات التي تقدم محتوى سريعًا وجذابًا هي المهيمنة على انتباه المستخدمين. وقد نجحت منصات، مثل "تيك توك" و"إنستغرام" و"يوتيوب شورتس" (YouTube Shorts) في جذب المليارات من المستخدمين بفضل اعتمادها على آلية التمرير اللانهائي والمحتوى القصير الذي يقدم جرعات سريعة من الترفيه أو المعلومات.
وفي حال فكرنا في تطبيق هذه الآلية نفسها على المحتوى المعرفي والتعليمي، فإننا نحصل على "ويكي توك" (WikiTok) وهو التطبيق الذي يعيد تعريف طريقة استهلاك المعلومات من خلال تحويل "ويكيبيديا" (Wikipedia) إلى تجربة تفاعلية شبيهة بتطبيق "تيك توك".
المعرفة بأسلوب التمريرفي حال كنت من النوع الذي يستخدم "ويكيبيديا" للتحقق من أي شيء وكل شيء، فإن "ويكي توك" تطبيق مبتكر يجمع بين المحتوى المعرفي الشامل للموسوعة وواجهة المستخدم التفاعلية للمنصات الاجتماعية القائمة على التمرير اللانهائي، مثل "تيك توك".
ويستطيع مستخدمو "ويكي توك" تصفح سيل لا ينضب من مقالات "ويكيبيديا" واكتشاف حقائق ومعلومات شائقة أثناء التصفح، حيث يقدم التطبيق نموذجًا جديدًا لاستكشاف المعرفة بشكل عشوائي.
ويحول "ويكي توك" المقالات الطويلة والمعقدة إلى تجربة سهلة التصفح تشبه تصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
إعلانوبدلاً من البحث عن مقال معين أو التنقل عبر الروابط النصية، يقدم التطبيق بطاقات عشوائية تحتوي على مقتطفات من مقالات "ويكيبيديا" التي يمكن استكشافها بشكل بصري وسريع بمجرد تمرير الشاشة.
وتحتوي كل بطاقة على عنوان المقال ومقتطف موجز ورابط لقراءة المقال الكامل، وخيارات التفاعل.
وعند التمرير، تظهر للمستخدم فقرات رئيسية من المقالة مع صور أو رسوم بيانية ذات صلة، مما يزيد جاذبية المعلومات.
كما يتيح التطبيق خيارات متعددة للتفاعل مع المحتوى، مثل حفظ المقالات للمراجعة لاحقًا أو مشاركتها مع الأصدقاء عبر وسائل التواصل.
ويمتلك "ويكي توك" واجهة مستخدم مألوفة تدعم الوسائط المتعددة، مما يزيد فائدة التصفح، وخاصة للمواضيع التي تعتمد على الرسوم التوضيحية.
"ويكي توك" ليس مجرد واجهة بديلة لموسوعة "ويكيبيديا" بل منظومة متكاملة تعتمد على مجموعة من التقنيات لتحسين تجربة المستخدم وتسهيل استهلاك المحتوى المعرفي.
وتعد "معالجة اللغة الطبيعية" (NLP) إحدى أهم هذه التقنيات، حيث تستخدم نماذج ذكاء اصطناعي من أجل تحليل النصوص وتلخيص المقالات الطويلة واستخراج الكلمات المفتاحية والعناوين.
وبالإضافة إلى ذلك، يدعم تطبيق "ويكي توك" الترجمة الفورية للمحتوى إلى لغات متعددة، مما يجعله أداة قوية للمستخدمين غير الناطقين بالإنجليزية.
وتعتمد خوارزميات "ويكي توك" على مزيج من تقنيات التعلم الآلي، كما تقارن اهتمامات المستخدم مع مستخدمين آخرين لديهم توجهات مماثلة، مما يساعد في كشف محتوى جديد قد يكون ذا قيمة لهم.
وتحلل الخوارزميات سلوك المستخدمين، مثل الوقت الذي يقضونه في قراءة مقالة معينة أو عدد المرات التي يتخطون فيها محتوى معينا، لتقديم توصيات دقيقة بمرور الوقت.
إعلانويستخدم التطبيق تقنيات التخزين المؤقت المسبق للمقالات، بالإضافة إلى ضغط البيانات، في سبيل تقديم تجربة سلسة وسريعة، وخاصة مع الاعتماد على التمرير اللانهائي الذي يتطلب تحميل المحتوى على الفور.
كما يجري دمج مكتبات الوسائط لعرض الفيديوهات بكفاءة وتحسين عرض الرسوم البيانية المعقدة دون التأثير في أداء التطبيق.
من القراءة المقصودة إلى الاستكشاف العشوائييقدم تطبيق "ويكي توك" نموذجًا جديدًا لاستهلاك المعلومات، حيث يماثل تجربة التصفح اليومي في "تيك توك".
وبدلًا من مقاطع الرقص والكوميديا، يحصل المستخدم على جرعات معرفية تتنقل بين الحضارات القديمة والمفاهيم العلمية والسير الذاتية والتاريخ السياسي والفن، وغيرها.
وتهدف هذه العشوائية المقصودة إلى كسر الروتين المعرفي، وتحفيز الفضول من دون عناء البحث، وتشجيع المستخدم على التعمق إذا جذبه موضوع معين.
وبهذه الطريقة، يصبح التطبيق بمنزلة بوابة اكتشافات معرفية متنوعة، وينقل المستخدم من وضع الباحث عن معلومة إلى المستكشف الفضولي.
وفي السابق، كان الوصول إلى المعرفة يتطلب البحث عن المعلومات، سواء عبر محركات البحث أو تصفح المواقع التعليمية.
ولكن مع "ويكي توك" يصبح التعلم عملية سلسلة إلى حد ما، حيث تصل المعلومات إلى المستخدم دون الحاجة إلى طلبها صراحة.
وإحدى أبرز ميزات "ويكي توك" قدرته على كسر خوارزميات الترشيح التي تفرضها العديد من المنصات الرقمية.
وتميل خوارزميات التوصية بمنصات التواصل إلى حصر المستخدمين في محتوى مشابه لما شاهدوه سابقًا، ولكن "ويكي توك" يعتمد على العشوائية الموجهة التي تعرض للمستخدمين مجموعة واسعة من المواضيع، حتى تلك التي تقع خارج نطاق الاهتمامات المعتادة.
ويشجع هذا النهج على التنوع الفكري، ويساعد في توسيع آفاق المستخدمين من خلال التعريف بمواضيع جديدة.
وبالإضافة إلى ذلك، يجعل "ويكي توك" المحتوى المعرفي في متناول شريحة واسعة من الجمهور، إذ إن الكثير من المستخدمين يجدون "ويكيبيديا" معقدة بسبب طول مقالاتها وكثافة معلوماتها، وخاصة عندما يكونون معتادين على المحتوى القصير والسريع الذي تقدمه وسائل التواصل.
إعلانومن خلال تبسيط العرض وجعله تشويقيًا، يتحول "ويكي توك" إلى جسر بين عالم المعرفة الأكاديمية وثقافة الاستهلاك السريع للمعلومات، مما يعزز الثقافة المجتمعية في عصر يزداد فيه الاعتماد على المصادر الرقمية للمعرفة.
يواجه تطبيق "ويكي توك" عدة تحديات تقنية واجتماعية قد تؤثر في نجاحه، وأبرز هذه التحديات هو خطر التبسيط المفرط للمعلومات.
وخلال سعيها لجعل المحتوى سهل الاستهلاك، قد تختزل الخوارزميات الأفكار المعقدة إلى نقاط سريعة وسطحية، مما يفقدها عمقها ودقتها الأكاديمية، ويشكل هذا الأمر تحديًا خاصًا في المواضيع العلمية أو التاريخية التي تتطلب تفصيلًا دقيقًا لفهمها بشكل صحيح.
كما يواجه "ويكي توك" تحديا آخر فيما يتعلق بتأثير التمرير اللانهائي في الانتباه والاستيعاب، لأن هذه الآلية تقلل من مدى الانتباه وتضعف القدرة على التركيز فترات طويلة، وقد يتصفح المستخدمون المحتوى بسرعة دون تركيز أو تفكير نقدي.
مستقبل "ويكي توك"يتمتع "ويكي توك" بإمكانيات كبيرة لتغيير المشهد الرقمي للمعرفة، وقد يشكل سابقة لتطبيقات مماثلة في مجالات أخرى.
وعلى سبيل المثال، قد نرى في المستقبل تطبيقًا يعرض مقاطع فيديو تعليمية قصيرة بطريقة التمرير اللانهائي، أو آخر يقدم ملخصات للكتب والمراجعات الأدبية بنفس الآلية.
وقد تجعل هذه التطبيقات التعلم سلسًا ومتكيفًا مع نمط الحياة الحديثة الذي يتسم بالسرعة وانعدام الوقت الطويل للقراءة المتعمقة.
كما قد تفتح التطورات التكنولوجية المستقبلية آفاقًا جديدة للتطبيق، مثل دمج "الواقع المعزز" (AR) الذي يسمح بعرض المعلومات بشكل تفاعلي في العالم الحقيقي.
وتنقل مثل هذه الميزات التطبيق إلى مستوى جديد كليًا، حيث يصبح أداة تعليمية ديناميكية تتجاوز حدود الشاشة.
إعلانكما أن التكامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يسمح للتطبيق بتقديم ملخصات مخصصة، وحتى الإجابة عن أسئلة المستخدمين بشكل فوري.
ومع ذلك، فإن مستقبل "ويكي توك" يعتمد على قدرته على تحقيق التوازن بين جذب انتباه المستخدمين والحفاظ على جودة المحتوى.
وفي الختام، فإن "ويكي توك" يمثل نقلة نوعية في طريقة تفاعلنا مع المحتوى المعرفي، حيث يجمع بين سلاسة وسائل التواصل وثراء المحتوى التعليمي.
ومن خلال تحويل مقالات "ويكيبيديا" إلى تجربة تمرير لا نهائية، يقدم "ويكي توك" حلاً مبتكرًا لمشكلة زيادة جاذبية المعرفة العميقة وتسهيل الاستهلاك في عالم يتسم بقصر مدى الانتباه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المحتوى المعرفی وسائل التواصل من خلال تیک توک
إقرأ أيضاً:
الليثيوم ودوره الغامض في الدماغ.. هل يمكن أن يقي من ألزهايمر؟
رغم النتائج المشجعة، ما زال الطريق طويلاً قبل اعتماد الليثيوم كوسيلة وقائية لدى البشر. اعلان
لطالما استُخدم الليثيوم كعلاج أساسي لاضطراب ثنائي القطب، لكن أبحاثاً متزايدة تشير إلى أن نقص هذا العنصر قد يكون عاملاً في الإصابة بمرض ألزهايمر.
ورغم أن الآليات الدقيقة لعمل الليثيوم ما زالت غير مفهومة بالكامل، فإن ما هو واضح أنه يترك تأثيراً فريداً في الدماغ، وربما يصبح أحد العناصر الأساسية التي يحتاجها الجسد - وبالأخص الدماغ - للحفاظ على وظائفه.
"المعيار الذهبي"نعرف أن عناصر مثل الكربون والأكسجين والهيدروجين والفوسفور أساسية للحياة، فيما تؤدي عناصر أخرى مثل الحديد والكالسيوم والبوتاسيوم والصوديوم أدواراً داعمة مهمة. أما الليثيوم، فقد بدا طويلاً وكأنه ينتمي إلى فئة ثالثة من العناصر - مثل التيتانيوم أو الراديوم - لا مكان لها في الجسم البشري.
لكن منذ اكتشافه عام 1817، بدأ الليثيوم يُجرَّب لعلاج حالات مختلفة، من "التوتر العصبي" إلى الاكتئاب. بل إن إحدى الوصفات المبكرة لمشروب "7 أب" كانت تحتوي على الليثيوم، ما يفسر أحد أصول الاسم. إلا أن الجرعات كانت عالية وسامة، ومع الوقت أُزيل العنصر من تركيب المشروب.
وفي عام 1949، نجح الطبيب الأسترالي جون كيد في استخدام الليثيوم لعلاج مرضى الاضطراب ثنائي القطب، قبل أن توافق الولايات المتحدة على اعتماده عام 1970. ومنذ ذلك الحين، أصبح "المعيار الذهبي" لعلاجات استقرار المزاج، رغم أن العلماء لم يتمكنوا من تفسير آلية عمله بشكل كامل. وكما يقول الطبيب النفسي توماش هاجيك من جامعة دالهوزي في كندا: "الأدوية قد تنجح قبل أن نفهم كيف تعمل".
Related العلماء يحذّرون: معايير فيتامين B12 الحالية قد تكون غير كافية لحماية الدماغالإنفلونزا الموسمية تثير القلق في أميركا..تسجيل عشرات حالات الخلل الدماغي الحاد بين الأطفال المصابيندراسة تكشف: قلة النوم تسرّع شيخوخة الدماغ وتؤثر على وظائفه الإدراكية دلائل على حماية الدماغالجرعات العلاجية من الليثيوم عادة ما تكون مرتفعة وتُعطى في صورة كربونات الليثيوم، مع متابعة دقيقة لتأثيرها على الكلى والغدة الدرقية. لكن المؤشرات الأولى على أن له خصائص واقية للأعصاب جاءت من ملاحظة مرضى الاضطراب ثنائي القطب. هؤلاء أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للتدهور المعرفي مع التقدم في العمر. غير أن دراسة سويسرية عام 2007 وجدت أن المرضى الذين عولجوا بالليثيوم سجلوا معدلات إصابة بالخرف وألزهايمر مساوية لعامة السكان، على عكس من لم يتلقوا العلاج.
وفي 2012، أظهرت فحوص دماغية أجراها هاجيك أن مرضى عولجوا بالليثيوم احتفظوا بأحجام طبيعية في منطقة الحُصين (الهيبوكامبوس) المسؤولة عن الذاكرة، رغم تاريخ طويل من المرض. وحتى الكميات الضئيلة من الليثيوم الموجودة طبيعياً في مياه الشرب ارتبطت بانخفاض معدلات الانتحار والتراجع المعرفي في بعض المجتمعات.
الرابط مع ألزهايمرمصادفةً، كان مختبر بروس يانكر في كلية الطب بجامعة هارفرد يستخدم الليثيوم في أبحاث عن مرض ألزهايمر، عبر تفعيل مسار إشارات عصبية يُعرف باسم "wnt". ولاحظ الباحثون أن الجرعات العالية من الليثيوم في النماذج الحيوانية تعكس معظم الأعراض المرضية. هذا قادهم إلى التساؤل: هل الليثيوم نفسه جزء من الآلية المسببة للمرض؟
عند فحص أدمغة متوفين، وُجدت مستويات أساسية من الليثيوم في الأنسجة الطبيعية، لكنها كانت أقل بكثير لدى من عانوا من ضعف إدراكي أو ألزهايمر. كما تبيّن أن الليثيوم يرتبط ببروتين "أميلويد بيتا" المكوّن للويحات الدماغية الشهيرة في المرض، وكأن هذه التراكمات تمتص مخزون الدماغ من الليثيوم.
تجارب على الفئران التي حُرمت من الليثيوم بنسبة 90% أظهرت زيادة كبيرة في اللويحات وتشابكات بروتين "تاو"، إضافة إلى تراجع في الذاكرة. لكن عند إعادة الليثيوم بجرعات منخفضة (ليثيوم أوروتات)، توقفت التراكمات واستعادت الفئران قدراتها المعرفية.
آلية محتملةالليثيوم، بصفته ذرة صغيرة ونشطة كيميائياً، يؤثر في مسارات معقدة. أحد التفسيرات يكمن في دوره بتثبيط إنزيم "GSK-3β" الذي يساهم في تشابكات بروتين "تاو" المميزة لألزهايمر. كما أن تعطيله يفعّل عملية "الالتهام الذاتي" (autophagy) التي تسمح للخلايا بالتخلص من مخلفاتها. عند تفعيل هذه العملية مجدداً في الفئران، اختفت ترسبات البروتينات وتحسنت الوظائف المعرفية.
الخطوة المقبلة: التجارب السريريةرغم النتائج الواعدة، ما زال الطريق طويلاً قبل اعتماد الليثيوم وقائياً للبشر. في تشيلي، يعمل الطبيب النفسي باول فورينغير على تجربة سريرية لإعطاء جرعات منخفضة (50 ملغ) لكبار السن المصابين باضطرابات مزاجية عالية الخطورة، على مدى خمس سنوات، لمعرفة ما إذا كان يمكن منع التدهور المعرفي. إلا أن التمويل يظل عقبة، إذ لا يمثل الليثيوم دواءً احتكارياً مربحاً للشركات الكبرى، بل مادة طبيعية زهيدة الثمن.
يانكر من جانبه يخطط لدراسات إضافية باستخدام "ليثيوم أوروتات". ويشير إلى أن ما يقوم به الليثيوم في الدماغ قد يكون متعدد الأوجه، من التأثير على بروتينات "أميلويد" و"تاو"، إلى دوره المباشر في كهربية الدماغ. ويضيف: "ربما استغلّت الطبيعة هذه الخصائص قبل أن نستخدمها نحن في بطارياتنا".
بين الأمل والحذريبقى كثير من الأسئلة دون إجابة. لكن الأطباء يرون أن الجدوى العملية قد تسبق الفهم الكامل. يقول فورينغير: "لن أنتظر الصورة الكاملة كي أبدأ العلاج. إذا كنا نعطي هذا للمرضى ونرى تحسناً، فلنستمر".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة