في زمنٍ أصبحت فيه ضغطة زر كفيلة بتغيير ملامح الوجه ولون العين وحتى تفاصيل الجسد، تحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة تقنية إلى تريند يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يعد تعديل الصور يقتصر على تحسين الإضاءة أو إزالة العيوب، بل تخطى ذلك إلى خلق صورة جديدة قد تنفصل تماماً عن الحقيقة، ورغم بريق المتعة والإبهار الذي يقدمه هذا التوجه، إلا أن آثاره السلبية باتت مقلقة، من تزوير الهوية وتشويه الواقع، إلى تعزيز معايير جمالية زائفة، وانعكاسات نفسية واجتماعية قد تترك جروحاً عميقة في وعي الأفراد، خصوصاً الشباب والمراهقين.

هذا التحقيق يُطلق صافرة إنذار بشأن الخطر الذي يهدد صورنا الشخصية، ليناقش كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل «صورتك» من مجرد بكسلات إلى أداة لجمع المعلومات، وكيفية حماية نفسك من الوقوع في فخ التسريب أو الاستخدام غير الأخلاقي، مؤكدين على قاعدة أساسية، وهي أن الوعي الأمني للمستخدم هو خط الدفاع الأول والأخير عن هويته الرقمية.

عدسة الخداع.. حين يصنع الذكاء الاصطناعي واقعا غير موجود

قال الدكتور محمد بحيري، مدرس الذكاء الاصطناعي بالجامعة المصرية الروسية، إن أدوات تعديل الصور المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل جيميني من جوجل وشات جي بي، تعمل وفق آليات تضمن الحفاظ على خصوصية المستخدم.

وأضاف «بحيري» في تصريحاته لـ «الأسبوع»: «البرامج المعتمدة تلتزم بمعايير أخلاقية صارمة، فالصور يتم رفعها بواسطة المستخدم الذي يتحمل مسؤوليتها، فالبرنامج لا يمكنه تغيير محتوى الصورة بشكل جذري ومخالف لأخلاقيات المستخدم (كمن يرفع صورة محجبة) إلا إذا طلب هو ذلك صراحةً، وهذه البيانات تُخزَّن وتُستخدم في نماذج تدريب ضخمة، لكن البرامج الموثوقة -الخاضعة لاتفاقيات مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) والتي تخص حقوق الملكية والبيانات- لا تُصرّح باستخدام هذه الصور لأي أغراض أخرى خارج نطاق الخدمة المباشرة».

وحذّر « بحيري» من مخاطر التسريب، قائلاً: «لا يوجد دليل على حدوث تسريب للصور من برامج مثل جيمني جوجل أو شات جي بي تي، لكن الخطر يكمن في البرامج غير الموثوقة، فإذا رفع المستخدم صوره على برنامج لا يخضع لمعايير GDPR، قد يتم استخدام تلك الصور من قِبل الشركة المطورة، حتى لو حصل المستخدم على النتيجة المطلوبة، لذا فعلينا أن نعي أن أي برنامج، بما في ذلك البرامج العملاقة، قد يكون عرضة للاختراق في المستقبل، مما يجعل الوعي بجهة الاستخدام أمراً حتمياً».

واستطرد: «عند البحث في متاجر التطبيقات، يجد المستخدم عشرات البرامج تحمل أيقونة شات جي بي تي نفسها، يجب على المستخدم أن يكون واعياً لمعرفة البرنامج المعتمد من غيره، حتى لا يقع فريسة لبرامج تستغل صوره في أغراض غير أخلاقية أو مسيئة».

وفيما يتعلق بالمخاطر المستقبلية الأعمق، أشار «بحيري» إلى أن التحدي لا يقتصر على استخدام الصور بشكل مسيء أو فردي، بل في جمع البيانات الضخمة لتكوين ملف شامل عن الشعوب.

واختتم «بحيري» حديثه، بالقول: «الذكاء الاصطناعي يجمع خصائص الصور ويُحلل ملامح المصريين وأشكالهم وتصرفاتهم التي يستخلصها من تفاعلاتهم مع البرنامج، والهدف هنا هو بناء ما نسميه «الثقافة الخفية» للشعب، فإذا أصبح هناك اتفاق عالمي مستقبلاً على إمكانية استنساخ أشكال أو شخصيات رقمية، فإن الذكاء الاصطناعي سيكون لديه النموذج العام (General Visual Extraction) للملامح المصرية، مما يمكنه من إنتاج نسخ مطابقة للملامح بدقة عالية. لذا، فإن وعي المستخدم هو خط الدفاع الأول عند استخدام هذه الأدوات».

الذكاء الاصطناعي والتجميل الرقمي: زينة عابرة أم تهديد للهوية؟

من جانبه، أكد الدكتور محمد الحارثي، استشاري أمن المعلومات، على أهمية الوعي الأمني للمستخدمين عند التعامل مع أدوات تعديل وتوليد الصور بالذكاء الاصطناعي، مشدداً على أن البيانات الشخصية هي المسؤولية الأولى والأخيرة للمستخدم.

وأضاف «الحارثي» لـ «الأسبوع»: «من المهم أن نعي جميعاً، وبخاصة الأطفال واليافعين، أن صورنا الشخصية التي تُرفع على هذه التطبيقات قد تظل قابلة للاستخدام من قِبل طرف ثالث، فبياناتنا لا تُسجل فقط لدينا أو لدى الشركة المالكة للتطبيق، . ورغم أن صورنا موجودة بالفعل على منصات التواصل الاجتماعي، إلا أننا ننصح دائماً بضرورة التعامل بحرص شديد مع البيانات الشخصية عند التفاعل مع أي وسيلة لتوليد الصور عبر الذكاء الاصطناعي».

وشدد «الحارثي» على نقطتين حاسمتين لتقليل المخاطر القانونية والأمنية، تتمثل في استخدام الصور الشخصية فقط، إذ يجب أن يتعامل المستخدم مع صوره الشخصية فقط، وليس صور الآخرين، فقد ظهرت بالفعل ترندات تشجع على استخدام صور شخصيات أخرى، وهذه مشكلة تترتب عليها إجراءات قانونية سواء محلياً أو دولياً، لانتهاكها حقوق ملكية الصورة أو استغلالها، لذا يجب أن نكون حريصين جداً على عدم المساس بحقوق الآخرين.

إلى جانب، تجنب الترندات غير المفيدة، فلا يجب أن ننساق وراء الترندات بمختلف أشكالها، فكثير من هذه الترندات غير مفيدة حقيقية وتُعتبر مضيعة للوقت، والأهم أنها تزيد من تعرض بياناتنا لمخاطر غير ضرورية.

وفي ختام تصريحاته، أكد «الحارثي» على احتمالية التسريب وسوء الاستخدام، حتى مع وجود الصور على السوشيال ميديا بالفعل، قائلًا: «قد يتم استغلال هذه الصور بشكل آخر في أغراض توليد محتوى مسيء أو أغراض غير أخلاقية، فصورنا موجودة بالفعل على منصات التواصل، وقد يتم استغلال هذه الصور مع طرف آخر، ولا نمنع الناس من الاستمتاع أو التفاعل مع التكنولوجيا، لكن يجب أن يكونوا حريصين على نوع الصورة ونوع التعديل الذي يسمحون به، وأن يتعاملوا مع الأمر بوعي أمني عالٍ».

ظاهرة تعديل الصور بواسطة الذكاء الاصطناعي في ميزان الأرقام

بقي القول إنه، وفقا لدراسات وتقارير دولية حديثة، باتت ظاهرة تعديل الصور بواسطة الذكاء الاصطناعي مرتبطة بآثار سلبية متزايدة على الأفراد والمجتمع، فقد أظهرت دراسة منشورة في دورية BMC Psychology (2023) أن الانخراط في تعديل الصور يرتبط بانخفاض الثقة بالنفس وزيادة المقارنة الجسدية، بما يؤدي إلى شعور متنامٍ بعدم الرضا عن المظهر. وفي جانب آخر، تشير الإحصاءات إلى اتساع نطاق الصور والفيديوهات المزيفة «Deepfake»، حيث كشف استطلاع دولي أن نحو 60% من المستهلكين واجهوا محتوى مزيفاً خلال العام الماضي، بينما لا تتجاوز دقة البشر في تمييز الصور الحقيقية من المزيفة 53% فقط، وهو ما يعادل تقريباً مستوى الصدفة، كما خلصت دراسات إلى أن أقل من 0.1% من المستخدمين استطاعوا التفريق بشكل كامل بين الصور والفيديوهات الحقيقية والمزيفة، وهذه الأرقام تكشف عن خطورة الظاهرة، ليس فقط على مستوى الهوية الفردية وتشويه الواقع، وإنما أيضاً في تعزيز معايير جمالية زائفة قد تترك آثاراً نفسية عميقة، خاصة بين الشباب والمراهقين.

اقرأ أيضاًمن السكك الحديدية إلى الذكاء الاصطناعي.. محطة بشتيل وتحقيق حلم النقل الذكي

النقل الذكي في مصر.. ثورة التكنولوجيا التي تعيد تشكيل شوارعنا

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الذكاء الاصطناعي تحويل الصور تريند الصور الصور المعدلة توليد الصور بالذكاء الاصطناعي توليد الصور الذکاء الاصطناعی تعدیل الصور یجب أن

إقرأ أيضاً:

%40 من شباب إنجلترا يستخدمون الذكاء الاصطناعي للمشورة والدعم

كشف استطلاع جديد، اليوم الأربعاء، أن نحو 40% من الشباب في إنجلترا يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي للحصول على نصائح أو دعم أو حتى للبحث عن رفقة، رغم شعور الكثيرين منهم بالحاجة إلى مزيد من التواصل البشري الحقيقي.

وبحسب الاستطلاع الذي أجراه معهد يوغوف لصالح مؤسسة أون سايد الخيرية، قال 20% من هؤلاء الشباب إنهم يلجؤون إلى الذكاء الاصطناعي لأنه "أسهل من التحدث إلى شخص آخر"، فيما أشار 10% منهم إلى أنهم لا يجدون أحدا يمكنهم التحدث إليه غير هذه البرامج.

ورغم انتشار استخدام خاصية الدردشة الآلية، أوضح التقرير أن 6% فقط من المستخدمين يثقون بالذكاء الاصطناعي أكثر من ثقتهم بالبشر، في دلالة على أن معظم الشباب يدركون أن هذه البرامج قد تُظهر ميلا لإعطاء إجابات "ترضي المستخدم" أكثر من تقديم نصائح دقيقة.

اهتمام متزايد بتأثير التكنولوجيا

ويأتي هذا التقرير في إطار الدراسة السنوية التي تطلبها مؤسسة أون سايد منذ عام 2022، والتي تركز على كيفية قضاء الشباب أوقات فراغهم. وجرى لأول مرة إدراج أسئلة تتعلق بالذكاء الاصطناعي هذا العام، بالنظر إلى التأثير المتصاعد لهذه التكنولوجيا على حياة الفئات الشابة في المملكة المتحدة.

وشملت العينة نحو 5 آلاف مشارك تتراوح أعمارهم بين 11 و18 عاما، وفق ما أكده متحدث باسم الجمعية.

وبموازاة زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، تشير نتائج الدراسة إلى ثبات أنماط أخرى في حياة الشباب:

%76 يمضون معظم وقت فراغهم أمام الشاشات، وهي نسبة لم تتغير منذ 2023. %48 يقضون غالبية وقتهم في غرف نومهم. %18 يمضون أوقات فراغهم بمفردهم.

وقال جيمي ماسراف، المدير التنفيذي لمؤسسة أون سايد، إن هذه الأرقام تظهر أن "الوحدة والاعتماد على التكنولوجيا والعزلة" باتت مكوّنا ثابتا في حياة العديد من الشباب.

ورغم أن 14% فقط من الشباب قالوا إنهم يقضون وقت فراغهم مع أصدقائهم، أكدت الدراسة أن نحو نصف المستطلعين (49%) يشعرون بأن اللقاءات الواقعية مع الأصدقاء تمنحهم إحساسا أكبر بالترابط والانتماء.

إعلان

وأضاف ماسراف أن قلة وجود مساحات مخصصة للشباب للالتقاء والتفاعل الطبيعي تجعلهم يلجؤون -منطقيا- إلى التكنولوجيا لتعويض هذا النقص.

مقالات مشابهة

  • من الثقافة إلى الذكاء الاصطناعي.. مهرجان گەلاوێژ ينطلق في السليمانية (صور)
  • تعاون بين «سند» و«ستراتا» و«سندان» لتعزيز الذكاء الاصطناعي في قطاع صناعة الطيران
  • أين تقف مصر في مجال الذكاء الاصطناعي
  • مايكروسوفت تفاجئ العالم.. تحويل جذري يضع ويندوز في مركز قوة الذكاء الاصطناعي
  • حكم استخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة المحتوى العلمي ثم نسبته إلى النفس
  • وداعا للبرامج المعقدة.. أسهل طريقة لإنشاء صور بالذكاء الاصطناعي من واتساب
  • فقاعة الذكاء الاصطناعي وحساباتها الواهية
  • %40 من شباب إنجلترا يستخدمون الذكاء الاصطناعي للمشورة والدعم
  • من الدفاع إلى الذكاء الاصطناعي .. تفاصيل الاتفاقيات السعودية الأميركية
  • الذكاء الاصطناعي يُعيد تعريف الثروة!