سواليف:
2025-12-14@21:27:35 GMT

موقف عمومي

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

#موقف_عمومي

د. #هاشم_غرايبه

أزعم أنه لو تم استفتاء عشرة من شبابنا، أختيروا عشوائيا في الشارع، وسألت كل واحد منهم على حدة سؤالا واحدا: ما هو حلمك الذي تتمنى أن يتحقق؟، ستجد تسعة منهم على الأقل يجيبونك بلا تردد: أن أعيش في بلاد الغرب، وأما العاشر فسيقول لك بخجل: أتمنى ذلك، لولا أنني لا أستطيع ترك والدي فهما بحاجة لي.


لو حدث هذا الأمر في بلاد أخرى، لاستقال مسؤولون وسقطت حكومات، ولتداعى الخبراء والتربويون الى اجتماعات عاجلة ليبحثوا في السبب الذي دعا الشاب ذخر الوطن وأداة تقدمه، الى كره وطنه، والتخلي عنه بهذه السهولة، لكن في بلادنا العربية لا تقلق هذه الظاهرة أحدا، بل قد يعتبر ذلك طموحا مشروعا.
قبل التسرع في إصدار الأحكام الظالمة بحق الجيل الصاعد، واتهامه بالإنحلال وضعف الوازع الوطني والديني، يجب النظر في الأمر بموضوعية تراعي الظرف الراهن.
صحيح أن الأجيال الثلاثة الأكبر في مجتمعنا، وهم جيلنا وجيل من سبقنا ومن تلانا، أي من تزيد أعمارهم عن الأربعين، صحيح أنهم متمسكون بالوطن وبقيم العقيدة أكثر، لكن ظروفا موضوعية لعبت دورا في ذلك، أهمها:
1 – لا شك أن هذه الظاهرة حديثة العهد وكانت محدودة في بعض الأقطار العربية لكنها انتشرت منذ عشرين عاما وتفاقمت بسرعة مع انهيار آمال الشباب بالتغيير بعد القضاء على الثورات العربية، إذ خبت الآمال بتحسن الأوضاع بعد أن نجحت الثورة المضادة بإعادة الأنظمة العفنة التي كان فسادها السبب فى تدمير الاقتصادات وتفاقم البطالة، وأدى قمعها واستبدادها الى كراهية الوطن وتفضيل الاغتراب.
إذن هذا هو السبب الظرفي الأساس، والذي لا نستطيع أن نحمل المسؤولية فيه إلا لمن تشاركوا في صنعه، وهم الأنظمة وأزلامها المستفيدين من فسادها، لكن الأنكى من هؤلاء، كان بعض (التقدميين) الذين أيدوا الثورة المضادة، فوقفوا في صف الأنظمة العفنة ضد الشباب الثائرين عليها، وتحمسوا لها أكثر من أزلامها لدرجة أنهم نالوا من كرامة هذه الملايين التي خرجت الى الشوارع مطالبة بالخبز والكرامة، واتهموهم بأنهم عملاء وأجازوا قتلهم بتهمة الخيانة والإرهاب، العجيب أنه مع كل هذه الخطايا التي ارتكبوها بحق أمتهم وشبابها، لم ينالوا مغنما، ولم يحصلوا على مكافأة، لأن دافعهم الوحيد هو الكيدية والإنتقام من الجماهير التي صوتت للإسلاميين ورفضت مرشحيهم.
2 – لا يمكن اتهام جيل الآباء والأجداد بانهم لم يُرسّخوا محبة الوطن والعقيدة في نفوس الأبناء، لكن السلطات ذاتها عملت تخريبا بالمناهج لإحلال الولاء للحاكم بديلا للوطن، وإضعاف الإرتباط بالعقيدة لمحو قضية فلسطين من الوجدان الشعبي إعدادا لتقبل الإعتراف بالكيان العدو صديقا.
3 – تطور الوسائط الإعلامية وإتاحة (الإنترنت) لكل شخص، فتح الأبواب للدعاية الغربية الموجهة لخلب ألباب الناشئة، لتصوير ثقافتهم على أنها الأسمى، وبلادهم على أنها الأجمل، وحياتهم على أنها الأسعد.
4 – للمفارقة العجيبة أن الأنظمة السياسية في الغرب، تطبق مبادئ الإسلام في احقاق حقوق المواطنين وضمان العدالة في التعامل معهم والمساواة بينهم أمام القانون، مع عدم اعترافهم بأن هذه القيم اسلامية، فيما أنظمتنا العربية تدعي أنها تنتهج الإسلام فيما هي تطبق القيم الأوروبية البائدة أيام الأباطرة فلا تقيم للمواطن حقا، ولا تلتزم بالدستور الذي يبقى حبرا على ورق، فدستورها المطبق هو إرادة الحاكم.
هذا الأمر واضح للصغير والكبير، فلا غرو أن يرى الشاب الغرب جنة مقابل ما يراه في بلاده.
5 – زيادة على الأوضاع المعيشية الصعبة، وانخفاض مستوى الدخل للعاملين، وارتفاع منسوب البطالة لدى الشباب الداخلين الى سوق العمل، فهنالك انخفاض شديد في مستوى الأمن، فمن ناحية هنالك حروب متصلة يشنها الغرب على المسلمين، حققت تقتيلا للأفراد وتقطيعا للأسر، ودمارا للمرافق العامة، وإعاقة لكل مشاريع التنمية، وفوق ذلك تمارس السلطات الحاكمة التضييق وقطع الأرزاق على ذوي التوجهات الإسلامية، والتنكيل والقمع والاعتقال لكل المطالبين بحقوقهم.
6 – ذوي الكفاءات والمواهب العربية لا يجدون اهتماما في بلادهم، فيما هم مرحب بهم في الغرب، وسواء كان ذلك مقصودا من قبل الأنظمة العربية لتفريغ الأمة من العقول والكفاءات لإبقائها متحلفة، او بسبب الفساد، فهي سياسة طاردة.
بعد كل هذا كيف نستغرب فعل من يخاطر بحياته في قوارب الموت للإنتقال الى أوروبا.

مقالات ذات صلة التوحيد والعبودية 2025/07/21

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: موقف عمومي هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع

تخيل بلدا يقف على جرف هارٍ تدفعه حرب ضارية إلى الهاوية، وجيشا يقاتل على جبهات متشعبة، واقتصادا ينهار طبقة بعد أخرى، بينما تتنازع قوى عالمية على أرضه وموانئه وذهبه وموقعه الاستثنائي.

وفي قلب هذا المشهد يقف رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، محاولا أن يمسك بالعصا من وسطها: يلوح للغرب بإمكانية الشراكة، ويشد في الوقت نفسه خيوط الارتباط بالشرق الصاعد.

ليس ذلك تقلبا سياسيا ولا انتقالا عشوائيا بين المحاور، بل مناورة وجودية فرضتها الجغرافيا القاسية، وحرب أنهكت الدولة والمجتمع، وتوازنات دولية تجعل من السودان ساحة اختبار كبرى في صراع النفوذ على البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وفي هذا السياق تحديدا، برزت آخر رسائل البرهان إلى الغرب عبر مقاله الذي اختار له بعناية صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية بتاريخ 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025؛ رسالة لم تكن مقال رأيٍ عابرا، بل مذكرة سياسية مشفرة، صيغت بقدر محسوب من الإيحاء لتصل مباشرة إلى دوائر صناعة القرار.

الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة والانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي، ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا

الرسالة السياسية والصفقة غير المعلنة

في مقاله المثير، حمل البرهان قوات مليشيا السريع مسؤولية الحرب، رافضا توصيف الصراع بأنه "صراع جنرالين"، ومؤكدا أنها حرب تمرد على الدولة.

لكنه لم يكتفِ بهذا التوصيف؛ بل بنى المقال كله على فكرة واحدة: إذا ساعدتموني على تفكيك مليشيا الدعم السريع وإنهاء التمرد، فسأكون جاهزا للمضي في مسار التطبيع، وتقديم صيغة حكم مدني ترضيكم.

لوح البرهان بالانتقال الديمقراطي، وذكر الغرب بأن الصراع يهدد مصالحه في البحر الأحمر، وفتح باب الشراكة الاقتصادية، مشيرا إلى دور للشركات الأميركية في إعادة الإعمار. بدا المقال أقرب إلى عرض تفاوضي مكتمل الأركان: دعم عسكري وسياسي مقابل شرعية واستقرار وتعاون أمني.

هذه الرسالة ليست معزولة؛ فهي تأتي في وقت تتنامى فيه تحركات البرهان على الساحة الدولية: خطابات في الأمم المتحدة، إشارات إيجابية في الملفات الإنسانية، وانفتاح محسوب على المؤسسات الغربية.

إعلان

لكن هذه الإشارات لا تعني انقلابا إستراتيجيا نحو الغرب، بل هي جزء من لعبة أكبر توازن فيها القيادة السودانية بين مكاسب اللحظة، ومخاطر الاصطفاف الحاد.

بين القيمة الجيوسياسية وكلفة الاصطفاف

يحتل السودان موقعا استثنائيا. فهو بوابة البحر الأحمر، وممر التجارة العالمية، وخزان ضخم للمعادن والأراضي الزراعية. ولهذا تتصارع عليه القوى الكبرى اليوم، كما لم تفعل من قبل.

الصين ترى في السودان امتدادا لطريقها التجاري نحو أفريقيا. استثماراتها الضخمة في الموانئ والبنية التحتية والزراعة، تجعلها تبحث عن طريقة لتفادي انهيار كامل قد يبتلع مصالحها. وبكين، رغم هدوئها المألوف، تدرك أن الفوضى في السودان تعني خسارة سنوات من العمل الاقتصادي والإستراتيجي، ولذلك تتحرك بدقة: دعم محدود للجيش، وضغط خلفي لتثبيت الاستقرار دون الاصطدام بالغرب مباشرة.

أما روسيا فقد استعادت أدواتها غير النظامية عبر "أفريكا كوربس"، البديل الجديد لفاغنر، بهدف ترسيخ وجود إستراتيجي دائم على البحر الأحمر. بالنسبة لموسكو، السودان ليس مجرد شريك إستراتيجي، بل هو مفتاح لدخول القرن الأفريقي بعمق، وتحقيق توازن مع الضغوط الغربية في أوكرانيا، وأوروبا.

الغرب من جهته يراقب بقلق تمدد الشرق. لكنّ لديه شرطا واحدا لم يتغير: لا دعم اقتصاديا حقيقيا دون التقدم في ملف التطبيع، وهندسة المسرح السياسي الداخلي، واستبعاد تيار بعينه.

هكذا يجد السودان نفسه أمام معادلة مستحيلة:

الانحياز إلى الشرق يعني سلاحا متاحا، لكن يفضي إلى عزلة مالية خانقة. الانحياز إلى الغرب يعني دعما اقتصاديا محتملا، لكن يفضي إلى فقدان الإسناد العسكري، وخطر الانفجار الداخلي.

ولهذا يصبح الاصطفاف الكامل قاتلا، والمناورة بين الشرق والغرب أشبه بخيط نجاة رفيع، لكن لا بد من السير عليه.

عدم الانحياز الذكي ورهان الداخل

ضمن هذه الحسابات الدولية المعقدة، يبرز مسار ثالث يفرض نفسه بقوة:

عدم الانحياز الفعال، وهو ليس حيادا سلبيا كما في الستينيات، بل إستراتيجية قائمة على مزيج من الانفتاح الانتقائي، والمداورة الدبلوماسية.

هذا المسار يعني:

تعاونا اقتصاديا عميقا مع الصين، دون الارتهان لها. شراكة أمنية مع روسيا، دون التحول إلى بوابة لها على البحر الأحمر. انفتاحا على الغرب، دون الوقوع في فخ الشروط الثقيلة التي قد تشعل الداخل. بناء دور إقليمي يعتمد على الجغرافيا لا على الأيديولوجيا.

بهذه المقاربة، يتحول السودان من ساحة صراع إلى لاعب يجيد توظيف الصراع لصالحه.

بيد أن كل هذا لن ينجح إذا لم يتم حسم المعركة الأهم: معركة الداخل. فالرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولا بكين ولا  موسكو، بل على قدرة القيادة السودانية على:

توحيد الجبهة الداخلية، إعادة بناء المؤسسات، وقف النزيف الاقتصادي، وفرض إرادتها على القوى الإقليمية المتدخلة.

فمن دون جبهة داخلية متماسكة، تصبح المناورة الخارجية مجرد لعبة خطرة قد تسقط عند أول هزة. ومن دون قرار وطني صارم، لن تستطيع الخرطوم تحويل ثقلها الجيوسياسي إلى قوة حقيقية.

الخلاصة: المناورة ليست خيارا.. بل قدرا سياسيا

ما يقوم به البرهان اليوم ليس استسلاما للغرب ولا انحيازا للشرق، بل مناورة إجبارية تهدف إلى جمع السلاح من منطقة، والشرعية من أخرى، والمساعدات من ثالثة، دون دفع الأثمان كاملة لأي طرف.

إعلان

هي محاولة لاستثمار موقع السودان الفريد في معركة الهيمنة على البحر الأحمر، وتحويل الأزمة إلى ورقة تفاوض كبرى. غير أن هذه اللعبة الخطرة لن تجدي نفعا إذا لم يُستعَد الداخل أولا.

ففي النهاية، لا تحدد الدول الكبرى مصائر الأمم بقدر ما تحددها إرادة أبنائها.

وقدرة السودان على الخروج من النفق لا تتوقف على لعبة التوازن الدولية فحسب، بل على قوة البيت الداخلي، وتمكن القيادة من فرض رؤيتها على من يحاولون تشكيل مستقبل السودان من الخارج.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • هل يؤثر النظام النباتي على نمو الأطفال؟ دراسة تكشف فروقًا في الطول والوزن
  • الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!
  • شاهد / جديد المبدع عيسى الليث .. مساعي الغرب
  • فوائد غير متوقعة للأنظمة الغذائية النباتية للأطفال
  • غارديان: دونالد ترامب يسعى إلى تغيير الأنظمة في أوروبا
  • دراسة عالمية تكشف فروق النمو بين الأطفال النباتيين وآكلي اللحوم
  • البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع
  • ياسمين عبدالعزيز تكشف عن المهنة التي تمنت العمل بها
  • دراسة: الأنظمة الغذائية النباتية قد تكون صحية للأطفال.. ولكن بشروط
  • واشنطن: خدمة الأمن الدبلوماسي تتعاون مع الفيدراليين لتطوير تكنولوجيا الأنظمة المضادة للطائرات بدون طيار