الابتسام تحت الماء.. كيف تتواصل الدلافين بتعابير الوجه؟
تاريخ النشر: 7th, June 2025 GMT
عندما نرى نحن البشر تعابير وجه، مثل أفواه مفتوحة ومسترخية، فإن وجوهنا تحاكيها تلقائيًا في غضون أجزاء من الثانية. يُسمى هذا "تقليد الوجه السريع"، وهو رد فعل لا إرادي يبدأ دون أن نفكر فيه.
يساعد هذا التقليد، البشر وكثيرا من الحيوانات على مزامنة الحركات أثناء اللعب. ومع ذلك، ظل دور تعابير الوجه في إدارة اللقاءات المرحة بين الحيوانات البحرية لغزًا حتى الآن.
لكن الدلافين قارورية الأنف أو ذات الأنف الزجاجي أحدثت ضجة أخيرًا، إذ اكتشف العلماء أنها "تبتسم" أثناء اللعب، ووثقوا في دراستهم وجود تعبيرات وجه، مفتوحة الفم تشبه تلك التي تستخدمها الحيوانات الأخرى، ما قد يقدم رؤى جديدة عن تطور الثدييات، بما فيها البشر.
ووفقًا للدراسة الحديثة التي نُشرت في مجلة "آي ساينس"، فإن هذا التعبير الذي يُشبه الابتسام لدى البشر تستخدمه للتواصل مع بعضها بعضا أثناء اللعب، ويُلاحظ غالبًا أثناء تفاعلاتها المرحة مع الدلافين الأخرى، خاصةً عندما يكون المُرسِل ضمن مجال رؤية المُستقبِل.
الدلافين التي تعيش في المياه المعتدلة والاستوائية في العالم، بما فيها السواحل الأفريقية، توسع شبكتها الاجتماعية بعدما تكون الأم رفيقة اللعب الأولى، وتلعب مع الدلافين الأخرى في الأسابيع الأولى من حياتها.
إعلانوتعتمد الدلافين بشكل كبير على الإشارات البصرية للتنقل في عوالمها الاجتماعية، لكن حركات عضلات وجهها المحدودة تجعل دراسة تعابيرها أمرًا صعبًا للغاية.
ومع ذلك، فإن السلوك الاجتماعي المرح للدلافين وطريقة توجيهها للإشارات إلى المجال البصري إلى بعضها بعضا تُشبه ما تفعله الثدييات الأخرى، وهذا يشير إلى أنها قد تستخدم تعابير الوجه لنقل المعلومات، ما يجعلها نموذجًا مثاليًا لدراسة كيفية تواصل الحيوانات باللعب.
وإلى جانب ذلك، تتواصل الدلافين عبر أحد أكثر الأنظمة الصوتية تعقيدًا في عالم الحيوان، حيث تستخدم صفارات عالية النبرة للتعرف إلى بعضها بعضا والتفاعل اجتماعيًا.
ربما تطوَّر هذا لأنها تعيش في مياه عكرة حيث تكون الرؤية منخفضة، مما يُجبرها على الاعتماد على الصوت، ومع ذلك، يُمكن للصوت أيضًا أن يُعرّضها للحيوانات المفترسة أو المتنصتين.
عندما تكون الدلافين في مياه صافية أو عندما تكون قريبة من بعضها بعضا، فإنها تستطيع التحول إلى التواصل البصري. وقد افترض الباحثون أن هذا سيجعل تعابير الوجه أساسية للتبادلات السريعة بين الطرفين.
عندما تلعب الدلافين معًا، يساعدها مزيج من الصفير والإشارات البصرية على التعاون وتحقيق الأهداف، وتُعد هذه الإستراتيجية مفيدة، خاصة أثناء اللعب الاجتماعي عندما تكون أقل حذرًا من الحيوانات المفترسة.
وقد أظهرت أبحاث سابقة أن الدلافين، عند تواصلها مع أنواع أخرى، تُبدي اهتمامًا بالغًا بمعرفة ما إذا كان جمهورها منتبهًا أم لا، ويشير هذا إلى أنها تدرك تركيز مُتلقيها، وتُعدّل سلوكها وفقًا لذلك.
وعلى الرغم من أن الدراسات السابقة تناولت التواصل السمعي بين الدلافين، إلا أن القليل منها ركز على أساليب أخرى للتواصل، مثل لغة الجسد.
ما تكشفه "ابتسامات" الدلافينوتسلِّط الدراسة الجديدة الضوء على قدرات التواصل المتطورة التي تتجاوز مجرد الإشارات الصوتية لدى الدلافين، وتلقي ضوءًا جديدًا على كيفية استخدامها لإشارات وجهية دقيقة أثناء اللعب الاجتماعي.
إعلانفي حديقتين للحياة البرية (زومارين روما في إيطاليا وبلانيت سوفاج في فرنسا)، صوَّر الباحثون 22 دولفينًا من فصيلة قارورية الأنف لمدة 80 ساعة على مدار 60 يومًا.
خلال هذه الفترة، خاضت الدلافين 837 جلسة لعب حر، أدّت فيها حركات بهلوانية بمفردها، ولعبت أيضًا مع البشر، ومع أنواع أخرى من الدلافين، فهي حيوانات اجتماعية للغاية، وغالبًا ما يمكن رؤيتها في مجموعات تصل إلى 15 دلفينا.
وعند تحليل تسجيلات هذه الثدييات البحرية الاجتماعية فائقة الذكاء، أحصى الباحثون ما مجموعه 1288 حالة فم مفتوح أو "ابتسامة" خلال جلسات اللعب.
وفي حين أن الغالبية العظمى من هذه "الابتسامات" حدثت أثناء لعب الدلافين مع بعضها بعضا، إلا أنها لا تميل إلى إصدارها في مواقف أخرى، فالقليل منها حدث أيضًا أثناء اللعب مع البشر أو بمفردها.
كما كانت هذه الثدييات المائية أكثر ميلاً لاستخدام تعابير الوجه المفتوحة (ما يقرب من 90% منها) عندما يتمكن رفاقها من رؤية وجوهها.
فوجئ الباحثون باكتشاف، أن الدلافين لا تستخدم فقط تعابير الفم المفتوح أثناء اللعب، بل إنها قادرة أيضًا على التقليد السريع لتعابير وجوه الآخرين. كان هذا إحدى أبرز نتائج هذه الدراسة، إذ لم يكن أحد يعلم بوجود هذا التقليد لدى الدلافين.
وتقول إليزابيتا بالاجي، الباحثة المشاركة في الدراسة وخبيرة الرئيسيات المعرفية بجامعة بيزا في إيطاليا، في بيان: "تظهر إشارات الفم المفتوح والتقليد السريع بشكل متكرر عبر التصنيف الحيوي للثدييات، مما يشير إلى أن التواصل البصري لعب دورًا حاسمًا في تشكيل التفاعلات الاجتماعية المعقدة، ليس فقط لدى الدلافين، ولكن لدى العديد من الأنواع على مر الزمن".
كما بحثت الدراسة أيضًا في مسألة ما إذا كانت ابتسامات الدلافين المفتوحة تُعدّ استعدادًا للعضّ وليست إشارة. ومع ذلك، عندما كانت تبتسم لرفاقها، كانت تتلقى "ابتسامة" مماثلة في أكثر من ثلث الحالات (33.16%).
إعلانوفي 66.84% من الحالات الأخرى، لم يُبادِل المُستقبِل الابتسامة، ولم يعضّ الدلفين المُبادر رفيقه، ويشير هذا إلى أن هذا السلوك ربما يكون قد تطوّر من إستراتيجية منع العض إلى شكل من أشكال التواصل، حيث تحوّلت الوظيفة الأصلية إلى إشارة اجتماعية.
على الرغم من أن الباحثين لاحظوا أن الدلافين تُصدر تعبيرًا بفتح الفم أثناء اللعب، إلا أنه ليس من الواضح ما يعنيه هذا السلوك، ولا سبب "الابتسامة"، كما لا يعلم الباحثون ما إذا كانت "الابتسامة" تعني للدلافين الشيء نفسه الذي تعنيه للبشر.
وقد لوحظت كائنات أخرى، مثل الذئاب والقطط وإنسان الغاب، تُصدر تعبيرًا مشابهًا بفتح الفم أثناء اللعب، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنها تشعر أو تُعبّر عن حالة مزاجية معينة.
لم يُحلل الباحثون أيضًا ما إذا كانت الدلافين تُصدر أصواتًا أثناء ابتسامها، لذا يُحتمل أنها كانت ببساطة تفتح أفواهها لإصدار أصوات.
ركزت الدراسة حصريًا على رصد التواصل البصري للدلافين في بيئات مُتحكّم بها، ما أتاح للباحثين فهم تفاعلاتها الدقيقة، لذا يبقى السؤال مطروحًا، هل الدلافين البرية (الدلافين الموجودة في بيئتها الطبيعية في المحيطات والأنهار) "تبتسم" أيضًا لبعضها بعضا، وإذا كان الأمر كذلك، ففي أي سياقات.
على عكس الدلافين التي خضعت للدراسة، تتمتع الدلافين الحرة بمساحات أكبر بكثير للتفاعل ومطاردة بعضها بعضا أثناء اللعب، وكثيرًا ما توجد في مياه ذات رؤية محدودة. في هذه الظروف، قد لا تكون الإشارات البصرية بنفس فعالية الإشارات الصوتية.
يمكن إجراء أبحاث مستقبلية على الدلافين البرية، ويتطلب هذا استخدام الذكاء الاصطناعي، ومراقبة طريقة نظر الدلافين إلى بعضها بعضا (تتبع حركة العين)، وتسجيلات الموجات فوق الصوتية.
إعلانمن شأن هذا أن يُحسّن فهم العلماء للتواصل متعدد الوسائط والاختلافات بين الدلافين التي تلعب مع بعضها بعضا، وتلك التي تلعب مع الأنواع الأخرى.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحج حريات الحج أثناء اللعب ا أثناء ومع ذلک ا بعضا إلى أن ما إذا
إقرأ أيضاً:
ارتكاب إسرائيل جرائم حرب.. كشفٌ لقُبح الوجه الأمريكي
الثورة /متابعات
أثار اعتراف المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، بارتكاب إسرائيل جرائم حرب في غزة، ردود أفعال واسعة، حول الدور الأمريكي بحماية كيان الاحتلال دون قيد أو شرط، ودون الالتزام بالقانون الإنساني والدولي، وأيضًا حول ما يمثله التصريح من ظهور الحقيقي للإدارة الأمريكية التي تنطلق سياساتها من رغبات قادة إسرائيل، بغض النظر عن ارتكازها لأية قيمة إنسانية أو أخلاقية.
وقد أكد ماثيو ميلر، أن إسرائيل ارتكبت “من دون شك” جرائم حرب في قطاع غزة، مشيراً إلى أن واشنطن أضاعت فرصة حقيقية للضغط على نتنياهو لوقف الحرب.
وقال ميلر، في تصريحات أدلى بها خلال مشاركته في بودكاست عبر شبكة “سكاي نيوز”، إنه يسترجع تلك الفترة ويسأل نفسه: “هل كان بإمكاننا الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف إطلاق النار؟ نعم، كانت لدينا تلك الفرصة عندما قُتل آلاف المدنيين الفلسطينيين الأبرياء بين مايو 2024 ويناير 2025، لكننا لم ننتهزها”.
وفي تقييمه لما يجري في غزة، شدد ميلر على أنه لا يعتقد أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية، لكنه يرى أن ما حدث يرقى بلا شك إلى مستوى جرائم حرب، مضيفًا أن تصريحاته اليوم تعبر عن رأيه الشخصي، خلافًا لفترة عمله كمتحدث رسمي باسم الخارجية الأمريكية، حين كانت كل كلماته تمثل الموقف الرسمي للحكومة.
اعتراف مهم
من جهتها أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أن تصريحات ميلر تمثل “اعترافًا مهمًّا” يدين الاحتلال ويؤكّد جرائمه، ويكشف محاولات الإدارات الأمريكية التعمية عن حقيقة هذه الحرب الوحشية ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة.
وقالت حماس، في بيان صحفي أمس الثلاثاء،: “كشف ميلر بوضوح أنّه لم يكن مسموحًا له قول الحقيقة وهو في منصبه، وأنه كان مضطرًا للالتزام بالرواية الرسمية للحكومة الأمريكية حول ممارسات الاحتلال”، مشيرة إلى أن موقف ميلر يفضح التواطؤ السياسي العميق للإدارات الأمريكية مع الاحتلال وتستّرها الإجرامي على انتهاكاته الوحشية.
وشددت الحركة على أن هذا الاعتراف لا يُدين الاحتلال وحده، “بل يضع واشنطن أمام مسؤوليتها المباشرة كشريكٍ فعلي في جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تُرتكب بحق شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، عبر التمويل والتسليح وتوفير الحماية السياسية والدبلوماسية، والتغطية الإعلامية المضلّلة”.
وطالبت حماس المجتمع الدولي والمؤسسات القضائية الدولية بترجمة هذه الاعترافات الخطيرة إلى تحقيقات وإجراءات قانونية عاجلة، ومحاسبة كل من تورّط أو تواطأ في هذه الجرائم، سواء من مجرمي الحرب الصهاينة، أو من وفّر لهم الدعم والغطاء.
دم على يد ميلر
وتعليقًا على هذه التصريحات عبرت المتحدثة السابقة باسم الخارجية الأمريكية، هالة غريط، عن شعورها بـ”القرف” إزاء اعترافات ميلر، وقالت: “كنت أعرف ذلك منذ البداية، لأننا جميعًا كدبلوماسيين يعملون لدى وزارة الخارجية يعرفون أي شيء حول ما يحصل في قطاع غزة، كنا نعرف أن ما يحصل هو جرائم حرب”.
وأضافت غريط في لقاء لها على شبكة الجزيرة أمس الثلاثاء: “أنا شخصيًّا كنت أرفع التقارير بشكل يومي عما يحصل في قطاع غزة، وكنت أعمل مع ماثيو ميلر في المكتب ذاته (مكتب الشؤون العامة العالمية)، وكنت أعرف ما يعرفه (ميلر)، لأني أيضًا كنت أرسل هذه التقارير، وهذا ما أدى في نهاية المطاف إلى استقالتي شخصيًّا”.
وتابعت المتحدث السابقة باسم الخارجية الأمريكية، أن هذه المسألة ليست فقط مسألة ضمير، وإنما هي مسألة قانون، قائلة: “عندما أصبحت دبلوماسية منذ 18 عامًا، أقسمتُ بالولاء لدستور الولايات المتحدة، وكان لدي تصريح أمني بدرجة “سري للغاية” طوال خدمتي الدبلوماسية، وهذا يعني أننا لا ننتهك القانون الأمريكي”.
ورفضت غريط تبريرات ميلر بأنه كان يتحدث نيابة الحكومة، مشيرة إلى أنها هي أيضًا كانت تتحدث نيابة عن الحكومة، “لكن هذا لا يعني أننا مخولون بانتهاك القانون، ولا مخولون بالكذب على الشعب الأمريكي، وبالتالي فإن ماثيو ميلر على يديه “دم” لأنه يعرف تماما ما كان يفعله”.
انحياز أمريكي لإسرائيل
وبدوره فسّر الكاتب والمحلل السياسي سعيد عريقات، تصريحات ميلر، بأنها تأتي في سياق استعداداته لدخول عالمه المهني في مجال الأموال؛ حيث يريد إرسال رسالة مفادها أنه صاحب أخلاق ولديه موقف، وأنه لم يكن يتفق مع ما تفعله الإدارة الأمريكية ولكني كنت أتحدث باسم الإدارة، بخلاف ما لدي من رأي وموقف.
وأكد عريقات في لقا له على الجزيرة أمس الثلاثاء، أن هذا هو موقف كل المتحدثين باسم الخارجية، وقال: “لقد مرّ علي أكثر من 27 عامًا وأنا انقل ما يجري بالخارجية وأسأل المتحدثين، وكلهم بعد أن تركوا الخارجية قالوا أشياء شبيهة بتصريحات ميلر، وإن كانت ليست بحجم الحديث عن أحداث غزة الحالية” مشيرًا إلى أن هذه المواقف تكررت بين الإدارات الأمريكية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية.
وأشار إلى أن المعهود لمتحدثي الخارجية الأمريكية باستمرار هو تبني وتكرير الرواية الإسرائيلية، مؤكدًا أن الموقف الأمريكي الرسمي هو موقف منحاز بشكل كامل إلى جانب إسرائيل، وأن الإدارة الأمريكية دائمًا تدعم إسرائيل بالسلاح، وتقوم بالتغطية عنها في الأمم المتحدة، إضافة إلى الدعم المالي الكبير؛ حيث إن إدارة الرئيس السابق جو بايدن وحدها أرسلت إلى إسرائيل 21 مليار دولار.
ولفت المحلل السياسي إلى أن هذه الازدواجية الأمريكية بين القناعة الشخصية، وبين التصريحات الرسمية، لا تختص فقط بالمتحدثين الرسميين، بل تشمل أيضًا مسؤولين سياسيين، مستشهدًا بمواقف متشابهة للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وكذلك وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، بعد أن ترك كل منهما منصبه، وقال كل منهما كلاما شبيهًا بتصريحات ميلر.
وذكر عريقات أيضًا تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو، الذي قال: “نحن مهمتنا أن نكذب.. أن نسرق.. أن نحتال”، متوقعًا في نفس الوقت أن وزير الخارجية السابق، أنتوني لبينكن عندما ينتهي من كتابه الذي يعمل عليه، سيقول الشيء ذاته، لأن هذا هو التراث الأمريكي “تراث لا أخلاقي”.