تشهد إسرائيل مؤشرات تتزايد على اختراق الإجماع الشعبي تجاه الحرب على إيران، وسط انتقادات بدأت تتسلل من الأطراف اليسارية، في وقت تتعرض فيه الجبهة الداخلية لضغوط متصاعدة بسبب الهجمات الإيرانية المتكررة، وموجات الإنفاق العسكري، وغياب أي أفق زمني لإنهاء المواجهة.

ويرى الكاتب المتخصص في الشؤون الإسرائيلية إيهاب جبارين أن المشهد في الداخل الإسرائيلي بدأ يتفكك على مستويين متوازيين: المستوى الإعلامي الرسمي الذي يواصل تغطية الأحداث بمنطق التعبئة، والمستوى المجتمعي الذي بدأت تبرز فيه تساؤلات وانتقادات، خاصة من أطراف يسارية لا تزال في هامش الخطاب العام لكنها آخذة في الاتساع.

وفي حديثه لقناة الجزيرة، أوضح جبارين أن خطاب "الوحدة في وقت الحرب"، الذي ساد خلال الأيام الأولى من المواجهة، بدأ يتعرض للتآكل، فمع تزايد الضربات الإيرانية، واشتداد الخسائر، بات بعض الإسرائيليين يتساءلون عن قدرة مؤسسات الدولة، خاصة الصحية والدفاعية، على الصمود.

وتزامنت هذه التحديات مع فقدان الرؤية بشأن نتائج الهجوم على إيران، إذ لا تتوفر معلومات دقيقة عن مدى نجاعة الضربات الإسرائيلية، وهو ما يضعف ثقة الشارع بالقيادة العسكرية والسياسية، ويعزز الشعور بأن إسرائيل دخلت هذه الحرب دون خطة خروج واضحة.

سقف زمني

ومما يثير القلق في أوساط الإسرائيليين -حسب جبارين- تجنب حديث المؤسسة العسكرية عن سقف زمني محدد للعمليات، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان سيناريوهات استنزاف سابقة في غزة ولبنان، وبهذا فإن الحديث عن حرب "بلا أفق" يدفع المجتمع للتساؤل حول الثمن الباهظ الذي سيدفعه من أمنه واقتصاده.

ورأى أن الوضع داخل الجبهة الإسرائيلية لم يعد يشبه ما كان قائما خلال الحرب على قطاع غزة، إذ كانت الخسائر تقتصر على الجنود، أما اليوم فالضربات تصيب المدنيين مباشرة، وتلحق أضرارا بمنازلهم وممتلكاتهم، وتُثقل كاهلهم بتكاليف اقتصادية مرتفعة.

إعلان

ويسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاحتواء الغضب الداخلي عبر خطاب تعبوي يضع الحرب ضمن إطار "المعركة المصيرية"، إذ يرى جبارين أن نتنياهو يحاول تقديم نفسه كقائد لحظة تاريخية، لكنه في الوقت ذاته يعاني من تآكل في مصداقيته، خاصة مع استمرار الخسائر وتفاقم الأزمة.

ومع خشيته من تبعات التمرد الداخلي، يعول نتنياهو على فكرة "كتابة التاريخ" باعتباره من يقود المواجهة ضد إيران، ويضيف جبارين أن الإعلام الإسرائيلي يعاني من "شلل موضعي" جعله مجندا بالكامل للرواية الرسمية، على غرار ما جرى في الأيام الأولى لهجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

معركة وجودية

وتروج حكومة نتنياهو للحرب بوصفها معركة وجودية، حسب جبارين، وذلك في محاولة لتذويب الفروقات بين الأبعاد العاطفية والعقلانية، وإقناع الشارع بأن أي مساءلة داخلية هي خيانة لخط الدفاع عن إسرائيل.

ومع ذلك، تتزايد الأصوات التي تربط بين الهجوم الإيراني والقصور في السياسات الرسمية، خاصة في ما يتعلق بالتحذير من اندلاع مثل هذا السيناريو منذ أشهر دون تحرك فعلي.

ويشير إلى أن بعض الأصوات في المعارضة بدأت تنتقد استمرار الحرب دون رؤية سياسية أو عسكرية واضحة، متسائلة عن جدوى الاستمرار في الصراع المفتوح، ومعتبرة أن غياب التخطيط المسبق يجعل البلاد رهينة لمواقف خارجية، أبرزها الموقف الأميركي الذي بات يلعب دورا مباشرا في ضبط مسار المواجهة.

وفي سياق متصل، ذكر جبارين أن الجيش الإسرائيلي وصف المعركة الحالية بأنها "الأكثر تعقيدا في تاريخ الدولة"، في حين أعلنت لجنة المالية الإسرائيلية عن نيتها رفع ميزانية الدفاع بنحو 30.6 مليار شيكل، مما يثير تساؤلات واسعة حول قدرة الدولة والمواطنين على تحمّل الأعباء المتصاعدة.

ويؤكد أن تكلفة الحرب اليومية تقارب 200 مليون شيكل، وهو ما يضع ضغطا هائلا على الميزانية العامة، ويهدد الرفاه الاقتصادي للإسرائيليين. كما أشار إلى أن هذه الحرب ليست الأولى التي تعيشها إسرائيل دون وضوح في البداية أو النهاية، في تشابه مع تجربة جنوب لبنان بين 1983 و2000.

وحسب جبارين، فإن المواطن الإسرائيلي يستحضر اليوم الأثمان الباهظة التي دفعتها الدولة حينها، بما في ذلك التضخم والتحولات الاقتصادية الجذرية، لكنه حتى الآن لا يشعر بوطأتها المباشرة بفضل آليات الدعم الحكومي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

الجيش الإسرائيلي الذي يستبيح المستشفيات ويختبئ خلفها

لطالما بررت إسرائيل قصفها مستشفيات قطاع غزة بأنها تضم قواعد ومكاتب سرية لحركة حماس، من دون أن تتمكن من إثبات تلك المزاعم.

ولكن المفارقة التي كشفتها إيران اليوم هو أن الجيش الإسرائيلي يختبئ خلف المستشفيات ليخفي قواعد ومراكز ومواد حساسة.

ظهرت هذه القصة للعلن عندما أعلنت إسرائيل أن قصفا إيرانيا عطل مستشفى سوروكا في بئر السبع، متهمة طهران باستهداف المرضى.

لكن إيران بادرت إلى توضيح أن القصف استهدف مقرا عسكريا خلف المستشفى يخفي فيه الجيش الإسرائيلي جنودا ومقدرات عسكرية حساسة.

وقد أكدت طهران أن القصف الصاروخي استهدف وأصاب مقر قيادة واستخبارات الجيش الإسرائيلي بجوار المستشفى الذي تعرض لأضرار جانبية جراء موجة الانفجار.

واليوم الخميس، تبادل الجانبان قصفا جديدا وأصيب 147 إسرائيليا، بينهم 6 جروحهم خطيرة، جراء أقوى هجوم صاروخي إيراني منذ يومين، وفق وسائل إعلام عبرية، بينها صحيفة يديعوت أحرونوت.

رقابة مشددة

وتفرض الرقابة الإسرائيلية حظرا مشددا على تحديد المواقع التي تستهدفها صواريخ إيران، وجرى استحداث دوريات شرطة لمنع البث من جانب الإعلام والأشخاص في هذه المواقع.

وادّعى الجيش الإسرائيلي -عبر منصة إكس- أنه "تم تحديد إصابات عدة نتيجة القصف الصاروخي، إحداها أصابت أكبر مستشفى جنوب إسرائيل"، من دون أن يحدد مواقع سقوط باقي الصواريخ.

وحسب هيئة البث العبرية (رسمية)، فإن الحديث يدور عن مستشفى سوروكا في مدينة بئر السبع جنوبي إسرائيل.

ونقلت عن طبيب في المستشفى -لم تسمه- قوله إن المبنى المتضرر هو المبنى الجراحي القديم الذي تم إخلاؤه الأربعاء.

في المقابل، قال الحرس الثوري -في بيان- إنه "في هذه العملية استُهدف مركز القيادة والاستخبارات التابع لجيش النظام (الإسرائيلي) بدقة عالية وبضربة دقيقة قرب مستشفى".

وأكدت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" أن البنية التحتية العسكرية المستهدفة "أُصيبت بدقة"، بينما تعرض مستشفى سوروكا لأضرار جانبية بسبب موجة الانفجار.

وبتركيزها على الأضرار الجانبية بالمستشفى وادعاءات مهاجمة أهداف مدنية، يبدو أن إسرائيل تحاول استمالة حليفتها الولايات المتحدة للانخراط إلى جانبها في الحرب على إيران، وفق مراقبين.

إدمان قصف المستشفيات

ومنذ بدء عدوانه على إيران فجر 13 يونيو/حزيران الجاري، استهدف الجيش الإسرائيلي استهدافا مباشرا أكثر من مستشفى، بينها مستشفى أطفال بالعاصمة طهران.

وأمس الأربعاء، قصف الجيش الإسرائيلي محيط مبنى الهلال الأحمر الإيراني شمال طهران، وأظهرت مشاهد بثها التلفزيون الإيراني تصاعد الدخان من الموقع المستهدف.

إعلان

كما ذكر التلفزيون الإيراني، الاثنين الماضي، أن الجيش الإسرائيلي قصف "مستشفى الفارابي" بمدينة كرمنشاه غربي البلاد.

واستهدفت غارات إسرائيلية مستشفى "حكيم" للأطفال في طهران، وفق وزارة الصحة الإيرانية السبت الماضي.

وبدعم أميركي ضمني، بدأت إسرائيل فجر الجمعة هجوما واسعا على إيران بمقاتلات جوية، فقصفت مباني سكنية ومنشآت نووية وقواعد صواريخ واغتالت قادة عسكريين وعلماء نوويين.

ومساء اليوم نفسه، بدأت إيران الرد بسلسلة هجمات بصاروخية باليستية وطائرات مسيّرة، بلغت عدد موجاتها 14، وخلفت إلى جانب القتلى والجرحى أضرارا مادية كبيرة، وفق مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي.

وفي غزة، دمرت إسرائيل معظم المستشفيات والمراكز الصحية، وقتلت وأصابت واعتقلت كثيرا من أفراد الطواقم الطبية والإسعاف، وفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة والأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية.

وعبر إغلاقها المعابر، تمنع تل أبيب إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية المنقذة للحياة إلى غزة، وترفض إخراج جرحى ومصابين للعلاج بالخارج، في ظل انهيار المنظومة الصحية بالقطاع المحاصر.

ومنذ 18 عاما، تحاصر إسرائيل غزة، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني -من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع- بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم.

وتشن إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حرب إبادة جماعية بغزة، تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أميركي، نحو 186 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال.

مقالات مشابهة

  • متحدث الوزراء يكشف سيناريوهات تعامل الحكومة مع الحرب الإيرانية الإسرائيلية
  • عبر الخارطة التفاعلية.. آخر التطورات في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية
  • ذلة لسان تكشف الحقيقة.. مندوبة أمريكا بمجلس الأمن: إسرائيل تنشر الفوضى بالمنطقة
  • د.محمد عسكر يكتب: الحرب السيبرانية تشتعل وسط المواجهة الإسرائيلية الإيرانية
  • القدس تئنّ تحت وطأة الحصار منذ اندلاع المواجهة الإسرائيلية الإيرانية
  • الأردن: سقوط نحو 100 مقذوف وشظية منذ بدء المواجهة الإسرائيلية الإيرانية
  • الجيش الإسرائيلي الذي يستبيح المستشفيات ويختبئ خلفها
  • المواجهة الإسرائيلية الإيرانية في يومها السابع.. آخر التطورات لحظة بلحظة
  • المواجهة تشتد بين إسرائيل وإيران.. تصعيد صاروخي غير مسبوق منذ بدء القتال