الجزيرة:
2025-08-03@07:14:09 GMT

لماذا لم تتفاعل تونس مع التغيير السياسي في سوريا؟

تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT

لماذا لم تتفاعل تونس مع التغيير السياسي في سوريا؟

رغم مرور أكثر من 6 أشهر على سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وتشكّل حكومة جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تواصل تونس صمتها الرسمي تجاه هذا التحول السياسي المفصلي، في وقت سارعت فيه معظم الدول العربية إلى إعلان مواقف واضحة، تفاوتت بين الترحيب الحذر والدعم وإعادة تطبيع العلاقات.

وباستثناء البيان الصادر عن الخارجية التونسية في اليوم الثاني لسقوط النظام، الذي أكدت فيه أهمية وحدة سوريا، وسلامة أراضيها واحترام إرادة شعبها، فإن تونس لم تبد حتى الآن أي تفاعل سياسي مباشر مع التغيير الجوهري الذي شهدته سوريا، فلا بيان رسمي، ولا تهنئة، ولا مؤشرات على نية إعادة العلاقات الدبلوماسية.

في ضوء ذلك يطرح هذا التقرير تساؤلا محوريا: لماذا لا تتفاعل تونس مع التغيير السياسي الجديد في سوريا؟ وهل يعكس هذا الغياب نهجا دبلوماسيا محسوبا يرتكز على التريث وعدم التسرع؟ أم أنه انعكاس لحالة انشغال داخلي ترك الملف السوري خارج أولويات السياسة الخارجية؟

محللون يرون تردد تونس في إقامة علاقات مع العهد الجديد في سوريا يعكس امتدادا للتحالف مع الأسد (الفرنسية) تونس ونظام الأسد قبل السقوط

بينما يأتي الصمت التونسي تجاه التغيير السياسي في سوريا وليد الحياد أو التريث الدبلوماسي بحسب أنصار الحكومة، يعكس وفق مراقبين وناقدين للسياسة الخارجية التونسية، امتدادا لتحالف سياسي سابق بين نظام الرئيس قيس سعيد والنظام السوري المخلوع، إذ شهدت العلاقات بين الطرفين تقاربا لافتا في السنوات الأخيرة، بلغ ذروته بلقاء مباشر جمع سعيّد ببشار الأسد على هامش القمة العربية في جدة عام 2023.

وكانت تونس من أوائل الدول التي أغلقت سفارتها في دمشق مطلع سنة 2012، إلا أن الوضع تغير مع انفراد سعيد بالحكم في صيف 2021، إذ سارعت تونس إلى مد يدها للنظام السوري السابق في مسعى لفك عزلته، وفي سنة 2022، التقى سعيد بوزير خارجية الأسد فيصل المقداد، على هامش زيارتهما إلى الجزائر بمناسبة الذكرى الـ60 للاستقلال، وطلب منه نقل تحياته إلى بشار الأسد.

وبعد عام من هذا اللقاء، قرر قيس سعيد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في سوريا وإعادة فتح السفارة التونسية في دمشق، مجددا تأكيد وقوف بلاده إلى جانب دمشق في وجه من يصفهم بـ"قوى الظلام والساعين إلى تقسيم هذا البلد العربي".

إعلان

واستمر الموقف التونسي الداعم لنظام الأسد المخلوع إلى أيام معركة "ردع العدوان"، إذ تبنى الرئيس سعيد رواية النظام، وعبّر عن إدانته الشديدة لما اعتبرها "الهجمات الإرهابية التي استهدفت شمال سوريا"، معلنا تضامنه مع النظام السوري، داعيا المجموعة الدولية إلى "مساندة هذا البلد الشقيق، حتى يحافظ على سيادته وأمن شعبه واستقراره ووحدة أراضيه".

ولم يمر يوم واحد على سقوط الأسد، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، حتى عدلت تونس بوصلة موقفها الرسمي 180 درجة عبر بيان أصدرته خارجيتها، معربة عن "احترامها أن يختار الشعب السوري مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي".

الخوف من التجربة السورية

رغم أن الرئيس التونسي، قيس سعيد، وصل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع، في واحدة من أبرز تجارب الربيع العربي الديمقراطية، فإن استفراده بالحكم لاحقا وسط انتقادات واسعة له بتجاوز صلاحياته وقمع الحياة السياسية، بالإضافة غلى مواقفه اللاحقة، كشفت عن موقف متوجّس من نجاح ثورات الربيع العربي، حيث هاجم ما سماه "الفوضى" و"المؤامرات الخارجية".

من هذا المنطلق، يرى مراقبون أنه ليس مستغربا أن يقف سعيد موقف المتفرّج تجاه تجربة التغيير السياسي في سوريا، لا سيما أنها جاءت خارج الأطر التي تروق له، وعبّرت عن مناخ تحرري لا يتوافق مع نهجه.

ويرى الباحث التونسي الطيب غيلوفي أن سعيّد وقف "ضد الربيع العربي منذ البداية"، رغم أنه أحد نتاجاته، وقد أغلق قوس الانتقال الديمقراطي الذي أوصله إلى الحكم.

ويشير غيلوفي في حديثه للجزيرة نت إلى أن سعيّد والأسد يتشابهان في رفضهما لمطالب الثورات، وإن اختلفت الوسائل، مضيفا "الأسد واجهها بالقمع الدموي، وسعيّد بتجميد المؤسسات والانقلاب على دستور الثورة".

ولفت غيلوفي إلى أن هناك بعدا آخر يفسر التحفظ التونسي من السلطة الجديدة في سوريا، يرتبط بموقف سعيد من "الإسلام السياسي"، الذي يعارضه كمنافس على الحكم لا كتوجه فكري أوديني، لذلك لم يلجأ إلى استئصال الإسلاميين بل واجههم كخصوم سياسيين.

إعلان

وفي تقرير نشرته فايننشال تايمز في ديسمبر/كانون الثاني 2024، أكدت الصحيفة أن دولا عربية من بينها تونس حذرت من المخاطر المحتملة بعد سقوط الأسد، مستشهدة بتجارب فاشلة في مصر وليبيا، وأشارت الصحيفة إلى أن تونس ترى في نجاح أي نموذج ديمقراطي تحديا قد يسهم في تقويض الاستقرار الداخلي.

ضبابية في السياسة الخارجية التونسية

اتسمت السياسة الخارجية التونسية منذ صعود الرئيس قيس سعيد للحكم عام 2019 بحالة من الغموض، وميلا نحو الانكفاء تجاه القضايا العربية والإقليمية الكبرى، كالموقف من الأزمة الليبية مثلا، والموقف من الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويعتبر الموقف الرسمي تجاه التغيرات العميقة السريعة التي عصفت بنظام الأسد الذي كان النظام التونسي الحالي يقف في صفه أحد عناصر الارتكاز التي يؤسس عليها بعض المراقبين نظرتهم النقدية تجاه سياسة تونس الخارجية المرتبكة، في حين يرى مناصرو الحكومة التونسية أن هذا الموقف يعكس تريثا مدروسا واتباعا لعرف دبلوماسي تونسي بعدم التدخل في شؤون الدول.

في هذا السياق، يقول المحلل التونسي صلاح الدين الجورشي للجزيرة نت إن السياسة الخارجية التونسية وجدت نفسها "في التسلل" عند سقوط نظام الأسد بتلك السرعة، موضحا أنها لم تكن تملك لا بعدا استشرافيا ولا معلومات كافية حول إمكانية حدوث هذا التغيير العميق في سوريا.

وبالنسبة للباحث الجورشي، فقد عكس البيان الرسمي تجاه سقوط الأسد على يد هيئة تحرير الشام "موقفا باهتا وباردا لأن السلطة السياسية التونسية كانت تحت وقع الصدمة ومتفاجئة من وقوع السلطة في دمشق بيد مجموعات كان يعتبرها الموقف الرسمي "إرهابية ومارقة عن القانون".

بدوره، يُفسّر الصحفي التونسي رياض ساكمة هذا الموقف بأنه نابع من حرص تونس على ثوابت سياستها الخارجية، التي تأسست منذ الاستقلال على عدم التدخل وتجنّب التسرع والحفاظ على لغة دبلوماسية متوازنة.

إعلان

وينوه سكمة في حديثه للجزيرة نت أن تغيّرا مفاجئا مثل الذي حدث في سوريا يدفع تونس إلى التريث، تفاديا لأي موقف قد يضر بمصالحها أو علاقاتها المستقبلية، خاصة في ظل استمرار الصراع وغموض المشهد على حد قوله.

وكانت الخارجية التونسية أكدت في بيانها الصادر في التاسع من ديسمبر/كانون الأول على ضرورة التفريق بين الدولة من جهة والنظام السياسي القائم داخلها من جهة أخرى، فالنظام السياسي هو شأن سوري خالص يختاره الشعب السوري صاحب السيادة، فهو وحده الذي له الحقّ في تقرير مصيره بنفسه بمنأى عن أي شكل من أشكال التدخل الخارجي.

هاجس الجهاديين التونسيين

ويمثّل ملف المقاتلين التونسيين الذين التحقوا ببعض المجموعات المسلحة في سوريا أحد أكثر الملفات حساسية بين دمشق وتونس.

فقد شكّل التونسيون النسبة الأعلى من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية وجماعات أخرى، وهو ما جعل -بحسب مراقبين- أي حديث عن تقارب تونسي مع الإدارة السورية الجديدة محاطا بأسئلة صعبة تتعلق بالمحاسبة والتسليم والموقف من العائدين.

ومع انهيار نظام الأسد، وتحرر بعض المعتقلين من السجون، برزت مخاوف في تونس من عودة هؤلاء "المقاتلين" إلى البلاد دون رقابة أو محاسبة، بحسب ما أشار إليه الصحفي التونسي رياض ساكمة، الذي يرى أن هذا التطور يزيد من تعقيد المشهد الأمني، رغم تأكيده على جاهزية الجيش والأمن التونسي للتعامل مع أي تهديد محتمل، سواء أكان فرديا أو جماعيا.

في المقابل، يقلل الباحث التونسي الطيب غيلوفي من حجم هذا التهديد، ويرى أن الملف لا يشكل عائقا جوهريا أمام إعادة تطبيع العلاقات. ويشير إلى أن معظم المقاتلين التونسيين كانوا ضمن تنظيم الدولة، ويقبعون حاليا في سجون قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بينما لا يشكّل من قاتل مع هيئة تحرير الشام عددا ذا شأن.

ويضيف أن قبول الولايات المتحدة بدمج فصائل المعارضة في ترتيبات أمنية مع الحكومة السورية الجديدة يُسقط أي حجة تونسية لتأجيل الانفتاح.

إعلان

ويرى مراقبون أن السلطات التونسية التي تواجه تحديا داخليا بشأن هذا الملف تخشى أن يؤدي تقارب سريع مع السلطة الجديدة في دمشق إلى مطالب مباشرة بالتعاون الأمني، أو حتى تسليم المطلوبين.

كما أن دمشق الجديدة، التي تسعى لإعادة بناء شرعيتها، قد تستخدم هذا الملف للضغط السياسي أو للمطالبة بمواقف واضحة من الدول التي جاء منها المقاتلون.

وتشير مجموعة سوفان -وهي منظمة بحثية مقرها في نيويورك تقدم خدمات أمن إستراتيجية للحكومات والمنظمات المتعددة الجنسيات- إلى أن تونس تأتي في المرتبة الأولى بعدد المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، إذ بلغ عددهم 6500 مقاتل، أغلبهم انضم إلى صفوف تنظيم الدولة.

يشار إلى أن السلطات التونسية قد أقرت مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، إجراءات جديدة تقضي بتحويل الرحلات القادمة من تركيا إلى محطة منفصلة عن مطار قرطاج الرئيسي، في خطوة يرى مراقبون أنها ذات صبغة أمنية بالأساس، وتهدف إلى قطع الطريق أمام إمكانية عودة عناصر كانت تقاتل في سوريا، خصوصا بعد سقوط نظام الأسد المخلوع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الخارجیة التونسیة السیاسة الخارجیة التغییر السیاسی نظام الأسد قیس سعید فی سوریا فی دمشق إلى أن

إقرأ أيضاً:

طارق الزمر لـعربي21: التغيير في مصر بات قريبا.. وسقوط السيسي بدأ من داخل النظام

قال الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية المصري، ورئيس مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور طارق الزمر، إن "التغيير في مصر بات أقرب مما نظن، خاصة إذا استثمرت القوى الوطنية اللحظة الراهنة، ونجحت في تقديم مشروع جامع، يُزاوج بين الشجاعة السياسية والحكمة الاستراتيجية، وأرسلت رسائل مطمئنة للأطراف المعنية بالداخل والخارج".

وأكد الزمر، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "النظام يواجه مأزقا وجوديا حقيقيا. الاقتصاد كان، ولا يزال، نقطة الضعف القاتلة؛ فتدهور قيمة الجنيه، وانهيار الخدمات، وجنون الأسعار، كلها مؤشرات على قرب الانفجار. لكن ما يُسرّع السقوط ليس الاقتصاد فقط، بل تآكل الحاضنة الشعبية، وتنامي السخط بين النخب، وانكشاف النظام أمام العالم".

ورأى أن "هناك تحوّلا واضحا في مواقف بعض العواصم الإقليمية والدولية تجاه نظام السيسي؛ فدول الخليج، التي كانت تعتبره حائط صدّ ضد الإسلاميين، بدأت تشعر بأن استقراره مُكلف وغير مضمون. أوروبا، من جهتها، باتت أكثر قلقًا من موجات الهجرة غير الشرعية التي قد تتفجر مع أي انهيار. أما أمريكا، فقد خفّضت خطابها الداعم، وباتت تراعي صورتها أمام الرأي العام".

واستدرك الزمر قائلا: "هذا التبدل لا يعني أن الغرب أو الإقليم سيتخلّون عن النظام فورًا، لكنه يعني أنهم يُعدّون البدائل بهدوء، ويتعاملون مع النظام بوصفه عبئا مرشحا للسقوط. وهذه لحظة مهمة يجب ألا تُهدرها المعارضة، لصالح تغيير سلمي آمن، يضمن ألا تسقط الدولة، وأن يكون التغيير هذه المرة لصالح شعبنا، الذي انتظر طويلا، ولم يجنِ حتى الآن سوى الفقر والقمع".

وبسؤاله عن موعد سقوط نظام السيسي وفق تقديراته، أجاب الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية المصري: "هذا مرهون بعامل مفاجئ، أو لحظة انكسار داخل مؤسسات الدولة، أو حراك مفاجئ من الشعب. لكن المؤكد أن السقوط بدأ من داخل النظام، وأن الشرعية التي بناها بالقوة تتآكل بصمت".

وفيما يلي نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":

كيف تقيّم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر بعد 12 عاما من حكم السيسي؟

ما تعيشه مصر اليوم هو حصاد مرّ لسياسات فاشلة استمرت على مدى أكثر من عقد. سياسيا، تم تجريف الحياة السياسية بالكامل، وقُضي على كل أشكال التعددية والتداول السلمي للسلطة، فيما تم إحكام القبضة الأمنية على الدولة والمجتمع.

لم يعد هناك برلمان حقيقي، ولا أحزاب مستقلة، ولا إعلام حر، بل كل شيء بات يدور في فلك السلطة المطلقة.

اقتصاديا، وصلت مصر إلى مرحلة خطيرة من الانكشاف المالي، بعد أن اعتمد النظام على الديون الخارجية والمشاريع غير الإنتاجية، ما أدى إلى تضخم الدين العام وتآكل قيمة العملة.

أما اجتماعيا، فقد ارتفعت نسب الفقر والبطالة إلى معدلات تنذر بالخطر، وانهارت الطبقة الوسطى التي طالما كانت صمام الأمان في المجتمع.

نحن أمام دولة تعاني من أزمات متداخلة، وفقدت قدرتها على الإصلاح من داخلها.

ما هي أبرز التحديات التي تواجه النظام المصري داخليا في ظل حالة الاحتقان المجتمعي؟

التحديات التي يواجهها النظام المصري لم تعد مقتصرة على فشل سياسي أو اقتصادي، بل أصبحت وجودية. أولها، فقدان الشرعية الشعبية؛ فالنظام لم يعد يتمتع بأي غطاء جماهيري حقيقي، سوى الأجهزة الأمنية والدعائية.

ثانيا، الانهيار الاقتصادي بات ملموسا، مع أزمة ديون غير مسبوقة، وتراجع القدرة الشرائية للمواطن، وغياب الأفق لتحسين الوضع.

ثالثا، تصاعد الغضب الصامت لدى قطاعات واسعة من المجتمع، وخاصة الشباب والطبقات المهمشة، وهو غضب غير مؤطر لكنه قابل للانفجار في أي لحظة.

والتحدي الأكبر هو أن النظام يستمر في تجاهل هذه المؤشرات، ويعتمد على القمع وحده كوسيلة للاستمرار، مما يزيد احتمالات الانفجار المجتمعي غير المنضبط.

كيف تقارنون حوادث الوفاة الأخيرة داخل أقسام الشرطة مع حادثة خالد سعيد التي سبقت ثورة يناير؟

المؤشرات تتشابه بشكل مرعب، بل إن الوضع الآن أسوأ في بعض الجوانب. في حالة خالد سعيد، كانت هناك شرارة فجّرت الغضب، لكن اليوم هناك العديد من "خالد سعيد" يتكررون في صمت، وسط غياب الإعلام الحر والقضاء المستقل. أن يموت ستة مواطنين في أسبوع واحد داخل مقرات الاحتجاز، بعضها تحت التعذيب أو الإهمال الطبي؛ فهذا يشي بانهيار منظومة العدالة تماما.

القمع بات أكثر انتشارا، والثقة بين المواطن والشرطة في أدنى مستوياتها. وإذا كانت واقعة خالد سعيد فجّرت ثورة، فإن تراكم هذه الوقائع اليوم قد يفجّر ما هو أوسع وأعمق، خصوصا مع غياب أي إصلاح حقيقي أو مساءلة لمنتهكي حقوق الإنسان.

كيف تنظرون إلى انتخابات مجلس الشيوخ الحالية في ظل الجدل حولها؟

لا يمكن الحديث عن "انتخابات" حقيقية في ظل غياب الحرية السياسية. ما يحدث في انتخابات الشيوخ أقرب إلى تمثيلية مكررة، حيث يجرى اختيار معظم المرشحين مسبقا، ويتم إقصاء الأصوات المستقلة والمعارضة، في ظل قانون انتخابات مفصل على مقاس النظام. حتى الناخبون أنفسهم باتوا يدركون عبثية المشهد، ولهذا فإن نسب المشاركة تكون متدنية. النظام يستخدم الانتخابات لخلق واجهة ديمقراطية زائفة يقدّمها للخارج، لكنها لا تعني شيئا للمواطن المصري، الذي يدرك أن صوته لم يعد له وزن، وأن نتائج أي اقتراع تحددها الأجهزة الأمنية سلفا وليس الصناديق.

هل ترى أن الغضب المكتوم في صدور المصريين يمكن أن يتحول إلى حراك شعبي قريب؟

الغضب المكتوم موجود بالفعل، ويتسع يوما بعد يوم. الناس أصبحت تدرك أن السلطة غير قابلة للإصلاح، وأن الضغوط الاقتصادية والحياتية بلغت حدا لا يُحتمل. ومع ذلك، لا يمكن توقع انفجار الحراك بشكل آلي، لأن ذلك يعتمد على عدة عوامل: وجود قيادة موثوقة، خطاب جامع، قنوات تعبير، وظرف إقليمي مواتٍ.

لكن لا شك أن مصر اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى لحظة مفصلية، وأخطر ما يمكن أن يواجهها هو أن ينفجر هذا الغضب بشكل عشوائي فهو يُهدّد الدولة والمجتمع وهو ما لا نرجوه لبلادنا. لذلك، فإن واجب القوى الوطنية اليوم هو تأطير هذا الغضب، وتحويله إلى حراك منضبط يسعى إلى تغيير حقيقي ومستدام أو إصلاح يليق بمكانة مصر.

لماذا فشلت المعارضة المصرية حتى الآن في تقديم مشروع يلتف حوله الشعب؟

المعارضة المصرية تعاني من ثلاث مشكلات رئيسية: الانقسام، غياب الرؤية، وفقدان الثقة بينها وبين الشارع. كثير من القوى المعارضة لا تزال أسيرة خطاب ما قبل 2013، ولم تطور أدواتها ولا رؤيتها بما يتناسب مع الواقع المتغير. هناك أيضا إشكالية عدم وضوح الهدف النهائي: هل الهدف هو إسقاط النظام بأي ثمن، أم بناء مشروع وطني جامع؟، الشارع يريد بديلا يثق فيه، لا مجرد معارضة تكتفي بالنقد.

المطلوب اليوم هو إعادة بناء الثقة مع الناس، وتقديم برنامج حقيقي للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، يلامس همومهم ويُشعرهم أن التغيير ممكن وليس مجرد حلم.

هل تتحمل المعارضة في الخارج مسؤولية غياب التأثير داخل مصر؟

نعم، المعارضة في الخارج تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، خاصة وأنها لم تستثمر هامش الحرية الذي تتمتع به لبناء مشروع سياسي جامع أو تشكيل قيادة بديلة. كثير منها انشغل بالصراعات الداخلية، أو بمناكفات إعلامية لا طائل منها.

كما أن المسافة النفسية والثقافية بين المعارضة في الخارج والناس في الداخل ازدادت، بسبب غياب التواصل الحقيقي، وعدم وضوح أولويات الفعل السياسي. مع ذلك، لا يمكن تحميلها كامل المسؤولية، لأن الظروف الأمنية داخل مصر لا تسمح بعمل معارض مؤثر. المطلوب هو تعزيز التشبيك بين الداخل والخارج، وبناء جبهة إنقاذ وطنية قادرة على صياغة خطاب يتجاوز المظلومية إلى بناء المشروع.

هل ترى أن حل حزب البناء والتنمية أنهى مشروعكم السياسي؟

لا أعتقد ذلك، بل على العكس. الحزب قد يُحل ككيان قانوني بقرار سلطوي، لكن الأفكار والمشروع الذي تبنّاه لا يمكن حله. نحن طرحنا نموذجا فريدا للإسلام السياسي المعتدل، القائم على المراجعة الدائمة والنقد الذاتي، والتفاعل مع المجتمع، والعمل تحت مظلة القانون. هذا النموذج لا يزال حيّا، وربما يكون أكثر حضورا في ظل غياب بدائل عقلانية.

تجربتنا أثبتت أن الإسلاميين قادرون على التكيف والانخراط في العمل المدني، وأظن أن المستقبل سيعيد الاعتبار لمثل هذه التجارب التي جمعت بين الجذرية الفكرية والمبدئية الأخلاقية والواقعية السياسية.

ما أثر المراجعات التي قمتم بها؟ وهل ثمة توافق داخل التيار الإسلامي بشأنها؟

المراجعات التي أطلقناها لم تكن فقط مراجعة فكرية، بل كانت مشروعا متكاملا لإعادة تعريف العلاقة بين الحركة والدولة، وبين الجهاد والعمل المدني. هذه المراجعات أسّست لفقه جديد للحركة الإسلامية في السياق الوطني، وقد كان لها بطبيعة الحال بعض الخصوم ومَن حاولوا تشويهها، لكن بعد مرور ما يقرب من ثلاثة عقود، بات كثيرون يرون فيها اجتهادا رائدا. صحيح أن التوافق داخل التيار الإسلامي بشأنها ليس شاملا، لكنه يتسع، خاصة مع فشل خيارات أخرى لم تفكر حتى في مجرد المراجعة. كثير من الشباب باتوا أكثر اقتناعا بجدوى المراجعة والعمل السياسي، وبأن الإسلام يجب ألا يُختزل في الصدام أو الشعارات.

ما مستقبل الحركات الإسلامية في مصر؟ وهل يمكن أن تعود إلى المشهد بعد سنوات من الاستئصال الكامل؟

أعتقد أن الحركات الإسلامية في مصر تمتلك قدرة ذاتية على التجدّد، وأن ما مرت به من استئصال ليس نهاية لمسيرتها، بل فرصة عميقة لإعادة النظر في الذات والمشروع.

لقد أثبتت الحركات الإسلامية دائما قدرتها على الصمود، رغم ما واجهته من تنكيل وسجن وتشويه إعلامي. المستقبل لن يكون لمَن يحمل الراية فقط، بل لمَن يُجدّد المشروع، ويستوعب المستجدات، ويكون أقدر على مواجهة التحديات والعقبات الجديدة، ويستوعب دروس السياسة والاجتماع، ويتعلم كيف يكون الإسلام رافعة لبناء الدولة لا أداة صراع عليها. العودة ممكنة، بل متوقعة، لكن بشرط واحد: أن تكون عودة بفكر متجدّد، وشراكة واسعة، ورؤية وطنية عابرة للتنظيمات والحزبيات.

كيف انعكست عملية “طوفان الأقصى” والعدوان على غزة على الوضع الداخلي في مصر؟

"طوفان الأقصى" لم يكن حدثا عسكريا فقط، بل كان زلزالا أخلاقيا أعاد ضبط بوصلات الوعي في المنطقة. في الداخل المصري، أعاد الحدث إحياء القضية الفلسطينية في وجدان الناس، وكسر حالة الجمود السياسي المفروضة، وأظهر الهوّة العميقة بين النظام والشعب.

الكثير من المصريين شعروا أن موقف نظامهم لا يمثلهم، بل يُحرجهم. تكررت المقارنات بين مواقف الشعوب الحرة في العالم، وبين حالة الانكفاء الرسمية في مصر.

كما لفتت المعركة الأنظار إلى تدهور موقع مصر الإقليمي وتراجع دورها التاريخي. ولذلك، يمكن القول إن طوفان الأقصى فتح شقوقا جديدة في جدار الصمت المصري، لا أظن أن تمر مرور الكرام.

ما موقفكم من سياسة النظام المصري تجاه غزة؟ وهل تعبر عن المزاج الشعبي؟

موقف النظام المصري تجاه غزة مُخزٍ، وهو موقف لا يُعبّر بأي حال من الأحوال عن المزاج الشعبي المصري، الذي كان ولا يزال داعما لفلسطين ومقاومتها، ودائم التعاطف مع غزة. المصريون يتعاطفون مع غزة بشكل كبير لأسباب دينية وقومية، كما أنهم يرون في معركتها مع الاحتلال امتدادا لمعركتهم مع الاستبداد والهيمنة.

النظام تعامل مع غزة من منطلق أمني بحت، خائفا من أي انتقال للروح الثورية إلى الداخل، ولذلك مارس دورا وظيفيا لا يليق بمكانة مصر ولا بتاريخها. لو تُرك للشعب المصري أن يُعبّر، لرأينا موقفا أكثر شرفا ووضوحا، ولرفع رأس الأمة كلها عاليا.

هل تعتقد أن تداعيات القضية الفلسطينية يمكن أن تُحيي الحراك السياسي في مصر؟

نعم، وبكل قوة. فالقضية الفلسطينية لطالما كانت مُحفّزا للحراك الشعبي والسياسي في مصر، سواء في انتفاضة الأقصى عام 2000، أو في مظاهرات 2003 ضد احتلال العراق، أو حتى خلال العدوانات المتكررة على غزة، بل كانت غزة وفلسطين حاضرة بقوة في ميادين مصر عام 2011 التي كشفت عن الجينات الحقيقة للشعب المصري.

الفلسطينيون بجهادهم لا يحركون الوجدان المصري فقط، بل يوقظون فكرة الكرامة والمقاومة. كلما اشتعلت المعركة هناك، تذكّر الناس هنا كل الدماء المصرية التي اريقت في هذا الاتجاه، وكيف أن الاستبداد في الداخل أصبح مرتبطا بالاحتلال في الخارج بشكل وثيق.

ولذلك، فإن فشل النظام في التعبير عن نبض الشارع تجاه فلسطين، قد يكون أحد المفاتيح لإعادة إحياء روح الغضب السياسي، شرط أن يُترجم هذا الوعي إلى فعل منظّم.

ما أبعاد تغير المواقف الإقليمية والدولية من دعم السيسي؟

هناك تحوّل واضح، وإن كان بطيئا، في مواقف بعض العواصم الإقليمية والدولية تجاه نظام السيسي؛ فدول الخليج، التي كانت تعتبره حائط صدّ ضد الإسلاميين، بدأت تشعر بأن استقراره مُكلف وغير مضمون. أوروبا، من جهتها، باتت أكثر قلقا من موجات الهجرة غير الشرعية التي قد تتفجر مع أي انهيار.

أما أمريكا، فقد خفّضت خطابها الداعم، وباتت تراعي صورتها أمام الرأي العام. هذا التبدل لا يعني أن الغرب أو الإقليم سيتخلون عن النظام فورا، لكنه يعني أنهم يُعدّون البدائل بهدوء، ويتعاملون مع النظام بوصفه عبئا مرشحا للسقوط. وهذه لحظة مهمة يجب ألا تُهدرها المعارضة، لصالح تغيير سلمي أمن، يضمن ألا تسقط الدولة، وأن يكون التغيير هذه المرة لصالح شعبنا، الذي انتظر طويلا ولم يجن حتى الآن سوى الفقر والقمع.

بالتالي إلى أي مدى اقترب نظام السيسي من السقوط؟ وهل الاقتصاد هو كلمة السر؟

النظام يواجه مأزقا وجوديا حقيقيا. الاقتصاد كان ولا يزال نقطة الضعف القاتلة؛ فبعد أن أوهم الناس بالاستقرار مقابل التنمية، وجدنا أنفسنا أمام دولة مديونة، مفلسة، وعاجزة عن توفير الأساسيات. تدهور قيمة الجنيه، وانهيار الخدمات، وجنون الأسعار، كلها مؤشرات على قرب الانفجار. لكن ما يُسرّع السقوط ليس الاقتصاد فقط، بل تآكل الحاضنة الشعبية، وتنامي السخط بين النخب، وانكشاف النظام أمام العالم. متى يسقط؟، هذا مرهون بعامل مفاجئ، أو لحظة انكسار داخل مؤسسات الدولة، أو حراك مفاجئ من الشعب. لكن المؤكد أن السقوط بدأ من داخل النظام، وأن الشرعية التي بناها بالقوة تتآكل بصمت.

إذا اختفى السيسي غدا.. مَن سيكون البديل برأيكم؟ المعارضة المنقسمة أم الدولة العميقة؟

سؤال البديل هو السؤال الأخطر والأكثر إلحاحا. في حال اختفاء السيسي فجأة، المرجّح أن تتحرك الدولة العميقة للحفاظ على النظام دون رمزه. لكن هذا لا يعني أن المعارضة خارج اللعبة، بل يعني أنها أمام فرصة تاريخية لإثبات النضج والاستعداد. صحيح أنه لا توجد حتى الآن قيادة موحدة أو مشروع وطني جاهز، وهذه ثغرة خطيرة. لكن يجب على المعارضة أن تتجاوز خلافاتها، وتطرح بديلا مدنيا توافقيا لا يُقصي أحدا، ويمنح الناس الأمل. لا أحد يريد تكرار تجربة الفوضى أو الانقلابات المتتالية. المطلوب هو بديل يُقنع الداخل ويطمئن الخارج ويُمهّد لانتقال سلمي حقيقي.

ما السيناريوهات الأقرب لمستقبل مصر؟ وهل ترى التغيير أقرب أم أبعد؟

السيناريوهات المحتملة لمستقبل مصر متعددة، لكنها تدور بين ثلاثة مسارات رئيسية:

1- الانهيار غير المنضبط: بسبب الأزمة الاقتصادية وغضب الشارع، دون قيادة بديلة، وهو أخطر السيناريوهات.

2- الانتقال الخشن من داخل الدولة: أي إزاحة السيسي من قبل مؤسسات النظام للحفاظ على بقائه، مع تعديل شكلي للمشهد.

3- التغيير المنظم بقيادة وطنية: عبر حراك شعبي مؤطر، يفرض إصلاحا جذريا أو يفتح باب انتقال حقيقي.

أرى أن التغيير بات أقرب مما نظن، خاصة إذا استثمرت القوى الوطنية اللحظة الراهنة، ونجحت في تقديم مشروع جامع، يزاوج بين الشجاعة السياسية والحكمة الاستراتيجية، وأرسلت رسائل مطمئنة للأطراف المعنية بالداخل والخارج، تلك الأطراف التي يعنيها استقرار مصر، والذي أصبح يستلزم انتقال آمن للسلطة، فالنظام لم يعد يمتلك رواية مقنعة، ولا دعما شعبيا، ولا أدوات صمود طويلة.

مقالات مشابهة

  • وفد سوري في موسكو.. لماذا؟
  • طارق الزمر لـعربي21: التغيير في مصر بات قريبا.. وسقوط السيسي بدأ من داخل النظام
  • وزيرا الخارجية التركي والسعودي يبحثان مستجدات الأوضاع في سوريا وغزة
  • المشيشي يتحدث عن احتجازه في قرطاج عند انقلاب قيس سعيد
  • الخارجية السورية: اللقاء التاريخي بين بوتين والشيباني أكد انطلاق مرحلة جديدة من التفاهم السياسي والعسكري بين سوريا وروسيا
  • بوتين يستقبل وزير الخارجية السوري في الكرملين ويؤكد دعم سوريا
  • سيناتور أميركي: احتجاجات تونس تظهر أن سعيد فقد شرعيته
  • من الحليف إلى الشريك..روسيا تبحث عن سوريا ما بعد الأسد
  • الشيباني: سوريا تريد علاقة سليمة مع روسيا قائمة على التعاون
  • باكو تستضيف جولة مباحثات جديدة بين سوريا وإسرائيل