النفط والطاقة في صدارة منتدى بطرسبورغ 2025.. تحالفات جديدة ورسائل استراتيجية
تاريخ النشر: 19th, June 2025 GMT
تحت عنوان “القيم المشتركة – أساس النمو في عالم متعدد الأقطاب”، تحوّلت مدينة سان بطرسبورغ الروسية إلى محور استقطاب سياسي واقتصادي دولي، مع انطلاق الدورة الـ28 من منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، الممتد بين 18 و21 يونيو الجاري، بمشاركة أكثر من 20 ألف ممثل من 140 دولة، بينهم رؤساء دول، ووزراء، ومستثمرون، وخبراء دوليون، وشخصيات من الصف الأول في عالم الاقتصاد والطاقة.
بوتين في قلب الحوارات الاستراتيجية
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكتفِ بافتتاح المنتدى، بل انخرط في سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من قادة الدول، من بينهم الرئيس الإندونيسي المنتخب برابو سوبيانتو، الذي شكر روسيا على دعمها لطلب إندونيسيا بالانضمام إلى مجموعة “بريكس”، مؤكداً على أهمية اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، في وقت عبّر بوتين عن تطلعاته لدور إندونيسي فاعل في تعزيز التكامل جنوب-جنوب.
الطاقة في الواجهة: رسائل ناعمة وحسابات دقيقة
ملف الطاقة، الحاضر الدائم في المشهد الجيوسياسي، تصدر جدول أعمال المنتدى، مع مشاركة لافتة لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الذي أجرى محادثات مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، تطرقت إلى توسيع الشراكة الاستراتيجية وتوسيع الاستثمارات السعودية في أقصى الشرق الروسي.
نوفاك كشف أن حجم التبادل التجاري بين موسكو والرياض ارتفع خلال الربع الأول من عام 2025 إلى أربعة أضعاف مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مشيراً إلى تنفيذ أكثر من 40 مشروعاً استثمارياً مشتركاً بين البلدين خلال العقد الماضي، في قطاعات متنوعة تشمل البتروكيماويات والبنية التحتية والتكنولوجيا.
وفي نبرة تتسم بالثقة، أكد نوفاك أن سوق النفط العالمي ليس في حالة عجز، رغم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، مشدداً على أن “السوق لن تكون متوازنة بدون النفط الروسي”، وأن مجموعة “أوبك+” مستعدة للاستجابة بمرونة لمتغيرات السوق.
أوروبا الشرقية: براغماتية الطاقة تتحدى الجغرافيا السياسية
من جهته، أعلن وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو أن بلاده لا تعتزم التخلي عن النفط الروسي عبر خط أنابيب “دروجبا”، وتعتزم استيراد ما بين 8 و8.5 مليار متر مكعب من الغاز الروسي هذا العام، مؤكداً موقفاً أوروبياً مغايراً ضمن سياق الضغوط الغربية والعقوبات على موسكو.
الجغرافيا السياسية: روسيا كوسيط بين إيران وإسرائيل
في موازاة الاقتصاد، عكست التصريحات السياسية أدواراً روسية متصاعدة، حيث أكدت موسكو استعدادها للعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل لاحتواء التوتر المتصاعد بين الجانبين.
وأكد الرئيس بوتين أن الطرفين قادران على الوصول إلى حل وسط، في حين حذرت هيئات تجارية عربية من تداعيات النزاع على سلاسل الإمداد العالمية.
مدير “روس آتوم”، أليكسي ليخاتشيف، أعلن من جهته أن المؤسسة مستعدة لإجلاء سريع للخبراء الروس من محطة بوشهر النووية في حال تطور الوضع الأمني، مما يبرز حجم القلق من انفجار محتمل قد يطال مراكز الطاقة الحساسة.
روسيا والعالم: بين التعاون والرد على العقوبات
على صعيد النظام الاقتصادي العالمي، انتقد نائب رئيس الإدارة الرئاسية الروسية مكسيم أوريشكين “الرأسمالية العدوانية” للغرب، معتبراً أنها سبب في تفاقم أزمات العالم السياسية والاقتصادية. أما بوتين، فأكد رفض روسيا للحروب التجارية، معلناً التزام موسكو بنظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب.
كيريل دميتريف، رئيس الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة، أشار إلى استمرار التعاون مع شركات أمريكية، كاشفاً أن اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرر العقوبات على الولايات المتحدة يشكل “نقطة تحول استراتيجية”، ومرجحاً أن تكون شركات النفط والغاز الأميركية من أولى الشركات العائدة إلى السوق الروسية.
من المنصات إلى المصانع: رسائل قوية من قطاع الصناعة
ولم تخلُ الفعالية من العروض الصناعية التي تستعرض القوة التقنية الروسية، حيث كشفت شركة “أفتوفاز” عن نموذج رياضي جديد من Lada Iskra Sport وسيارة كروس أوفر مبتكرة، في حين عرضت شركة “Aurus” الروسية نسخاً فاخرة من سياراتها، وسط اهتمام ملحوظ من الزوار بالشركات الصينية، أبرزها “TANK”، التي استعرضت نماذجها الناجحة في السوق الروسية.
الاقتصاد الروسي: تعافٍ بالأرقام والتحالفات
وفي وقت لا تزال فيه روسيا تحت طائلة العقوبات الغربية، تحدثت إلفيرا نبيولينا، رئيسة البنك المركزي الروسي، عن مرحلة “تعافٍ” يمر بها الاقتصاد الوطني، مدعومة باتفاقيات جديدة من بينها اتفاق تعاون اقتصادي مع البحرين.
كما أعلنت وزارة التنمية الاقتصادية أن حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول آسيان تجاوز 23 مليار دولار في 2024، محطماً رقماً قياسياً جديداً، في إشارة إلى التوجه الروسي نحو آسيا والجنوب العالمي لتعويض الأسواق التقليدية.
آراء الخبراء: بطرسبورغ مرآة لنظام عالمي جديد
الخبير الاقتصادي اللبناني بيار خوري اعتبر في تصريح لـ”سبوتنيك” أن المنتدى يعكس حاجة العالم لنمو قائم على التعددية لا التبعية، مشيراً إلى حجم المشاركة الواسعة من دول الجنوب كمؤشر على تحول نوعي في هيكلية العلاقات الدولية.
أما الخبير العراقي علي الغنبوري، فرأى أن المنتدى يشكل فرصة فعلية لتجاوز أزمات الغذاء والطاقة والرقمنة، منتقداً النظام الاقتصادي الحالي الذي “يتجاهل القيم ويؤسس لمعادلات غير عادلة تصب في مصلحة قوى بعينها”.
فمنتدى بطرسبورغ 2025 لم يكن مجرد تجمع اقتصادي، بل منصة لمراجعة التوازنات العالمية، وإعادة رسم خطوط النفوذ والشراكات، حيث تصدّر الاقتصاد واجهة المشهد، لكن خلف الستار، دارت مداولات عن السلام، الطاقة، العقوبات، والتحولات الكبرى التي ترسم مستقبل العالم المتعدد الأقطاب.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: أسعار النفط الاقتصاد العالمي بطرسبورغ روسيا سان بطرسبورغ منتدى بطرسبورغ منتدى سان بطرسبورغ الدولي
إقرأ أيضاً:
مصر وإسبانيا تبحثان تفعيل الحوار الاقتصادي وعقد منتدى أعمال مشترك في 2026
في إطار زيارته إلى مملكة إسبانيا لحضور اجتماعات الدورة السابعة لمنتدى التجارة والاستثمار بمنظمة الاتحاد من أجل المتوسط (UfM)، وعقد عدد من الاجتماعات الرسمية مع الجانب الإسباني، قام الوزير المفوض التجاري/ د. عبد العزيز الشريف – وكيل أول الوزارة ورئيس التمثيل التجاري المصري – بعقد سلسلة من اللقاءات الرسمية بالعاصمة مدريد، وذلك في إطار متابعة وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين جمهورية مصر العربية ومملكة إسبانيا، واستثمار الزخم الإيجابي الذي تشهده العلاقات الثنائية عقب الزيارات رفيعة المستوى الأخيرة بين قيادتي البلدين.
وشملت الاجتماعات لقاءً بمقر وزارة الاقتصاد والتجارة والأعمال الإسبانية مع كل من خوان لويس خيمينو، مسئول التجارة الدولية والاقتصاد ومسئول ملف التعاون مع مصر، و خافيير ألفاريز، نائب مساعد وزير أفريقيا والشرق الأوسط، وبمشاركة أعضاء المكتب التجاري المصري، حيث تم بحث مستجدات العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين البلدين، وسبل الارتقاء بها بما يعكس عمق الشراكة الاستراتيجية القائمة.
هذا وقد أكد د. عبد العزيز الشريف خلال اللقاء أن إسبانيا تُعد من أهم الشركاء التجاريين لمصر على مستوى الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أن العلاقات الثنائية تشهد زخماً ملحوظاً تُوِّج بعدد من الزيارات الرسمية الهامة، كان آخرها زيارة جلالة ملك إسبانيا إلى مصر خلال شهر سبتمبر الماضي، والتي عُقد على هامشها منتدى أعمال مصري – إسباني مشترك بمشاركة كبرى الشركات من الجانبين، وذلك في إطار متابعة النتائج الاقتصادية والاستثمارية لزيارة رئيس الجمهورية إلى إسبانيا.
كما تم خلال الاجتماعات التباحث حول أهمية عقد الاجتماع الأول للحوار الاقتصادي المنبثق عن مذكرة التفاهم الموقعة على هامش زيارة رئيس الجمهورية إلى إسبانيا، إلى جانب عقد الاجتماع الأول لمجلس الأعمال المصري – الإسباني المعاد تشكيله، مع بحث إمكانية تنظيم حدث متكامل يضم الحوار الاقتصادي ومنتدى لرجال الأعمال خلال النصف الأول من عام 2026.
وفي هذا السياق، أشار د. الشريف، إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تطوراً ملحوظاً في مؤشرات التبادل التجاري بين البلدين، حيث ارتفعت الصادرات المصرية إلى إسبانيا لتسجل نحو 1.68 مليار يورو خلال عام 2024، مع استمرار النمو في الصادرات غير البترولية لتتجاوز 1.47 مليار يورو، بما يعكس تنوع القاعدة التصديرية المصرية وقدرتها التنافسية في السوق الإسباني.
كما أوضح أن الميزان التجاري حقق فائضاً لمصلحة مصر بلغ نحو 225 مليون يورو خلال عام 2024، لافتاً إلى أن أبرز الصادرات المصرية إلى إسبانيا تشمل الحديد والصلب، والوقود والزيوت المعدنية، والأسمدة، واللدائن، إلى جانب الخضر والفاكهة.
وأكد رئيس التمثيل التجاري المصري تطلع الجانب المصري إلى البناء على هذا الأداء الإيجابي من خلال دفع العلاقات الاستثمارية إلى مستويات أكثر تقدماً، مشيراً إلى أن حجم الاستثمارات الإسبانية القائمة في مصر لا يزال دون المستوى المأمول، حيث لا يتجاوز نحو مليار يورو، داعياً الشركات الإسبانية إلى ضخ مزيد من الاستثمارات والمشروعات الجديدة في السوق المصري، في ضوء ما توفره مصر من فرص استثمارية واعدة وحوافز تنافسية.
وفي ختام زيارته، عقد د. الشريف اجتماعاً مع مارتا بلانكو، رئيسة CEOE International باتحاد منظمات الأعمال الإسباني، حيث تم بحث مشاركة الاتحاد في فعاليات الحوار الاقتصادي ومنتدى الأعمال المرتقب، وأعربت عن تطلع الشركات الإسبانية للتوسع في السوق المصري، مؤكدة أن مصر تمثل شريكاً استراتيجياً لإسبانيا على المستويين الاقتصادي والتجاري.