تحت عنوان “القيم المشتركة – أساس النمو في عالم متعدد الأقطاب”، تحوّلت مدينة سان بطرسبورغ الروسية إلى محور استقطاب سياسي واقتصادي دولي، مع انطلاق الدورة الـ28 من منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، الممتد بين 18 و21 يونيو الجاري، بمشاركة أكثر من 20 ألف ممثل من 140 دولة، بينهم رؤساء دول، ووزراء، ومستثمرون، وخبراء دوليون، وشخصيات من الصف الأول في عالم الاقتصاد والطاقة.

بوتين في قلب الحوارات الاستراتيجية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يكتفِ بافتتاح المنتدى، بل انخرط في سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من قادة الدول، من بينهم الرئيس الإندونيسي المنتخب برابو سوبيانتو، الذي شكر روسيا على دعمها لطلب إندونيسيا بالانضمام إلى مجموعة “بريكس”، مؤكداً على أهمية اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، في وقت عبّر بوتين عن تطلعاته لدور إندونيسي فاعل في تعزيز التكامل جنوب-جنوب.

الطاقة في الواجهة: رسائل ناعمة وحسابات دقيقة

ملف الطاقة، الحاضر الدائم في المشهد الجيوسياسي، تصدر جدول أعمال المنتدى، مع مشاركة لافتة لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الذي أجرى محادثات مع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، تطرقت إلى توسيع الشراكة الاستراتيجية وتوسيع الاستثمارات السعودية في أقصى الشرق الروسي.

نوفاك كشف أن حجم التبادل التجاري بين موسكو والرياض ارتفع خلال الربع الأول من عام 2025 إلى أربعة أضعاف مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مشيراً إلى تنفيذ أكثر من 40 مشروعاً استثمارياً مشتركاً بين البلدين خلال العقد الماضي، في قطاعات متنوعة تشمل البتروكيماويات والبنية التحتية والتكنولوجيا.

وفي نبرة تتسم بالثقة، أكد نوفاك أن سوق النفط العالمي ليس في حالة عجز، رغم التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط، مشدداً على أن “السوق لن تكون متوازنة بدون النفط الروسي”، وأن مجموعة “أوبك+” مستعدة للاستجابة بمرونة لمتغيرات السوق.

أوروبا الشرقية: براغماتية الطاقة تتحدى الجغرافيا السياسية

من جهته، أعلن وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو أن بلاده لا تعتزم التخلي عن النفط الروسي عبر خط أنابيب “دروجبا”، وتعتزم استيراد ما بين 8 و8.5 مليار متر مكعب من الغاز الروسي هذا العام، مؤكداً موقفاً أوروبياً مغايراً ضمن سياق الضغوط الغربية والعقوبات على موسكو.

الجغرافيا السياسية: روسيا كوسيط بين إيران وإسرائيل

في موازاة الاقتصاد، عكست التصريحات السياسية أدواراً روسية متصاعدة، حيث أكدت موسكو استعدادها للعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل لاحتواء التوتر المتصاعد بين الجانبين.

وأكد الرئيس بوتين أن الطرفين قادران على الوصول إلى حل وسط، في حين حذرت هيئات تجارية عربية من تداعيات النزاع على سلاسل الإمداد العالمية.

مدير “روس آتوم”، أليكسي ليخاتشيف، أعلن من جهته أن المؤسسة مستعدة لإجلاء سريع للخبراء الروس من محطة بوشهر النووية في حال تطور الوضع الأمني، مما يبرز حجم القلق من انفجار محتمل قد يطال مراكز الطاقة الحساسة.

روسيا والعالم: بين التعاون والرد على العقوبات

على صعيد النظام الاقتصادي العالمي، انتقد نائب رئيس الإدارة الرئاسية الروسية مكسيم أوريشكين “الرأسمالية العدوانية” للغرب، معتبراً أنها سبب في تفاقم أزمات العالم السياسية والاقتصادية. أما بوتين، فأكد رفض روسيا للحروب التجارية، معلناً التزام موسكو بنظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب.

كيريل دميتريف، رئيس الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة، أشار إلى استمرار التعاون مع شركات أمريكية، كاشفاً أن اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرر العقوبات على الولايات المتحدة يشكل “نقطة تحول استراتيجية”، ومرجحاً أن تكون شركات النفط والغاز الأميركية من أولى الشركات العائدة إلى السوق الروسية.

من المنصات إلى المصانع: رسائل قوية من قطاع الصناعة

ولم تخلُ الفعالية من العروض الصناعية التي تستعرض القوة التقنية الروسية، حيث كشفت شركة “أفتوفاز” عن نموذج رياضي جديد من Lada Iskra Sport وسيارة كروس أوفر مبتكرة، في حين عرضت شركة “Aurus” الروسية نسخاً فاخرة من سياراتها، وسط اهتمام ملحوظ من الزوار بالشركات الصينية، أبرزها “TANK”، التي استعرضت نماذجها الناجحة في السوق الروسية.

الاقتصاد الروسي: تعافٍ بالأرقام والتحالفات

وفي وقت لا تزال فيه روسيا تحت طائلة العقوبات الغربية، تحدثت إلفيرا نبيولينا، رئيسة البنك المركزي الروسي، عن مرحلة “تعافٍ” يمر بها الاقتصاد الوطني، مدعومة باتفاقيات جديدة من بينها اتفاق تعاون اقتصادي مع البحرين.

كما أعلنت وزارة التنمية الاقتصادية أن حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول آسيان تجاوز 23 مليار دولار في 2024، محطماً رقماً قياسياً جديداً، في إشارة إلى التوجه الروسي نحو آسيا والجنوب العالمي لتعويض الأسواق التقليدية.

آراء الخبراء: بطرسبورغ مرآة لنظام عالمي جديد

الخبير الاقتصادي اللبناني بيار خوري اعتبر في تصريح لـ”سبوتنيك” أن المنتدى يعكس حاجة العالم لنمو قائم على التعددية لا التبعية، مشيراً إلى حجم المشاركة الواسعة من دول الجنوب كمؤشر على تحول نوعي في هيكلية العلاقات الدولية.

أما الخبير العراقي علي الغنبوري، فرأى أن المنتدى يشكل فرصة فعلية لتجاوز أزمات الغذاء والطاقة والرقمنة، منتقداً النظام الاقتصادي الحالي الذي “يتجاهل القيم ويؤسس لمعادلات غير عادلة تصب في مصلحة قوى بعينها”.

فمنتدى بطرسبورغ 2025 لم يكن مجرد تجمع اقتصادي، بل منصة لمراجعة التوازنات العالمية، وإعادة رسم خطوط النفوذ والشراكات، حيث تصدّر الاقتصاد واجهة المشهد، لكن خلف الستار، دارت مداولات عن السلام، الطاقة، العقوبات، والتحولات الكبرى التي ترسم مستقبل العالم المتعدد الأقطاب.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: أسعار النفط الاقتصاد العالمي بطرسبورغ روسيا سان بطرسبورغ منتدى بطرسبورغ منتدى سان بطرسبورغ الدولي

إقرأ أيضاً:

وزير الطاقة: إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سوريا وإطلاق شركات قابضة لتعزيز الإنتاج

دمشق-سانا

أكد وزير الطاقة المهندس محمد البشير، أن العمل يتم بجهود حثيثة على إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سوريا، وإطلاق شركات قابضة لتعزيز الإنتاج وتطوير البنية التحتية، بما يلبي حاجات المواطنين اليومية، ويشكل ركيزة لمشاريع التنمية الاقتصادية في البلاد.

وبيّن المهندس البشير في مقابلة مع قناة الإخبارية السورية اليوم، أن الوزارة ورثت بنية تحتية متهالكة في قطاعات النفط والكهرباء والمياه والثروة المعدنية، تشمل مصافي النفط، والحقول والآبار، وشبكات النقل والتوزيع، ومحطات التوليد التي كانت بحاجة إلى إعادة تأهيل جذرية، لافتاً إلى أن الوزارة ومنذ اللحظة الأولى، شرعت بإعادة هيكلة قطاع الطاقة عبر وضع هيكل تنظيمي جديد.

وأوضح البشير أنه تجري حالياً دراسة تأسيس شركات قابضة في مجالي النفط والكهرباء، تتولى كل أعمال التنقيب والإنتاج والنقل والتكرير والتوليد والتوزيع، بحيث تكون مشابهة لشركات النفط العالمية الكبرى كشركتي أرامكو السعودية وقطر للبترول.

وأكد البشير، أن تأسيس الشركات القابضة التي ستدير قطاع الطاقة يحتاج بعض الوقت، وسيتم إطلاقها بشكل تدريجي ضمن خطة منظمة، مبيناً أن الوزارة تدرس أيضاً إنشاء شركة لإدارة ملف التعدين والفوسفات في سوريا.

ولفت وزير الطاقة، إلى أن محطات التوليد تعاني من تدهور كبير بسبب الحرب والعقوبات، مع توقف عمل بعض المحطات مثل محطتي زيزون ومحردة، كما تعمل بعض المحطات بقدرة 50 إلى 70 بالمئة فقط، لافتاً إلى أن الجهود المكثفة أدت إلى رفع القدرة التوليدية إلى نحو 5000 ميغاواط، بينما يحدّ نقص توريد الغاز والفيول من ساعات التشغيل التي تبلغ حالياً 4 إلى 5 ساعات يومياً في جميع المحافظات.

وشدد البشير على أن الوزارة تعمل على تأمين الغاز اللازم لتشغيل محطات التوليد من عدة مصادر، مؤكداً أنه تمت إعادة تأهيل خط الغاز الذي يصل سوريا بتركيا في زمن قياسي وبكوادر وطنية، وبات جاهزاً لاستقبال الغاز من أذربيجان، حيث بدأت المرحلة التجريبية لضغط الغاز باتجاه سوريا، مع توريد 3.4 ملايين متر مكعب من الغاز تكفي لتوليد 700 إلى 900 ميغاواط، مرجحاً زيادة ساعات التشغيل إلى ما بين 8 إلى 10 ساعات يومياً في عموم سوريا خلال الأيام القادمة.

وأشار البشير، إلى استمرار المفاوضات مع الجانب التركي لشراء كمية إضافية من الغاز تصل إلى 2.69 مليون متر مكعب، ما سيساهم في زيادة إنتاج الكهرباء بما يضيف نحو 500 ميغاواط إضافية، ويزيد عدد ساعات التشغيل من ساعتين إلى ثلاث ساعات إضافية.

وقال البشير: “إن سوريا تسعى للاستفادة من كل خطوط الربط الإقليمية لتحقيق الاستقرار في توريد الطاقة”، منوهاً بأن الوزارة حصلت على منحة من البنك الدولي لإصلاح الشبكة الكهربائية التي تربط سوريا بدول الجوار؛ بهدف استجرار الكهرباء بشكل مباشر، مشيراً إلى أن الخط الذي يربط سوريا بالأردن مؤهل أيضاً لاستقبال الغاز.

وبين الوزير البشير، أن الوزارة تبذل جهوداً كبيرةً لإعادة تأهيل مصفاتي حمص وبانياس، اللتين يعتمد عليهما حالياً في إنتاج المشتقات النفطية لتغطية حاجة السوق المحلية، حيث تم رفع الإنتاج في مصفاة حمص إلى نحو 30 ألف برميل يومياً، ويتوقع زيادته من 50 إلى 60 ألف برميل خلال فترة الصيانة القادمة، بينما وصلت مصفاة بانياس إلى إنتاج نحو 100 ألف برميل يومياً.

وفي هذا السياق، كشف البشير عن دراسات جارية لإنشاء مصفاة نفط جديدة بطاقة 200 ألف برميل يومياً، بهدف أن تصبح سوريا من الدول المصدرة للمشتقات النفطية، مشيراً إلى مباحثات تجري مع عدة شركات مختصة مثل شركة سوكر التركية في هذا الشأن.

ولفت البشير، إلى أنه سيزور العراق قريباً لدراسة إعادة تأهيل خط النفط الذي يربط حقل كركوك في العراق بميناء بانياس؛ بهدف نقل النفط الخام وتغذية مصفاتي حمص وبانياس، أو للتصدير المباشر.

وحول الزيارة الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية، أكد الوزير البشير، أن سوريا اعتمدت على خبرات وطنية سعودية من شركة أرامكو وشركات أخرى؛ لتطوير قطاع النفط والغاز السوري، وتم توقيع مذكرة تفاهم للتنسيق والتعاون في مجال الطاقة.

وأكد البشير، أن وزارة الطاقة تسير في خطة تعتمد على الطاقة المتجددة كهدف رئيسي، مع التركيز على تطوير مشاريع الطاقة الشمسية والريحية، وتطوير أنظمة التخزين لتحقيق الاستقرار في الشبكة الكهربائية في سوريا.

وفي الختام، أشار الوزير، إلى فتح المجال أمام المستثمرين المحليين لإنشاء محطات طاقة شمسية صغيرة بقدرات أقل من 10 ميغاواط، ما يوسع نطاق التعاون ويعزز من قطاع الطاقة في سوريا.

شركات قابضة قطاع الطاقة وزير الطاقة 2025-08-08nedalسابق زوار موتوريكس 2025: المعرض فرصة للتعرف على السيارات الكهربائية انظر ايضاً وزير الطاقة يلتقي اللجنة السورية الأردنية المشتركة ويشيد بجهودها في إدارة واستثمار حوض نهر اليرموك

دمشق-سانا التقى وزير الطاقة المهندس محمد البشير، اليوم، أعضاء اللجنة السورية الأردنية

آخر الأخبار 2025-08-08وزير الطاقة: إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سوريا وإطلاق شركات قابضة لتعزيز الإنتاج 2025-08-08الأمم المتحدة تدعو إسرائيل إلى وقف خطتها للاستيلاء على غزة 2025-08-08“موتوريكس” يجمع أحدث الابتكارات في قطاع السيارات والذكاء الاصطناعي في سوريا 2025-08-08نحو مؤسسات أكثر كفاءة… دورة لتعزيز الأداء المؤسسي في القطاع العام 2025-08-08عودة منشد الثورة عبد الرحمن فرهود بفعالية جماهيرية في حماة 2025-08-08وزارة الطاقة: 5 ساعات كهرباء إضافية مع بداية الأسبوع المقبل 2025-08-08اليابان: إجلاء 360 ألف شخص من منازلهم واضطراب حركة النقل بسبب الأمطار الغزيرة 2025-08-08اتفاقيات اقتصادية سورية – تركية تعمق الشراكة الإستراتيجية بين البلدين 2025-08-08من رماد حرائق اللاذقية.. وزارة الزراعة تطلق خطة لإعادة الغطاء النباتي تراعي التجدد الطبيعي 2025-08-08فرق تجمع “دمشق” تفتتح منافسات المرحلة الأولى من البطولة الوطنية لعلوم الروبوت

صور من سورية منوعات الصين تنجح باختبار هبوط وإقلاع مركبة فضائية مأهولة على سطح القمر 2025-08-08 مرصد كوبرنيكوس للتغير المناخي: العالم يسجل ثالث أكثر شهور تموز حرارة على الأرض 2025-08-07
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • وسط تصاعد التوترات مع موسكو.. كندا تقود حملة جديدة لخفض سعر النفط الروسي
  • وزير الطاقة: إعادة هيكلة قطاع الطاقة في سوريا وإطلاق شركات قابضة لتعزيز الإنتاج
  • بوتين يستقبل مستشار مودي وسط توتر تجاري بين الهند وأميركا بسبب النفط الروسي
  • تعاون هندوي روسي متصاعد رغم العقوبات الأمريكية.. شراكة استراتيجية في الطاقة والتقنية
  • تشغيل الأضواء عالميا دفعة واحدة!.. تحديات وتداعيات على الكهرباء
  • ترامب يعاقب الهند برسوم جمركية جديدة بنسبة 25% بسبب النفط الروسي
  • كيف انعكست أزمة الجفاف هذا العام على تربية النحل في سهل الغاب بريف حماة؟
  • آبار جديدة لرفد شبكات المياه في ريف درعا
  • مبادرة “نبض – أحرار دير بعلبة” تدعم 700 طالب وطالبة
  • اكتشاف معبد عمره 6 قرون وسط تركيا