واشنطن بوست: لماذا كان ترامب واثقا من أن إيران تطوّر قنبلة نووية؟
تاريخ النشر: 25th, June 2025 GMT
تناول الكاتب ديفيد إغناتيوس خلفيات قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضغط من أجل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، مشيرا إلى أن ثقة ترامب في أن طهران تطوّر سلاحا نوويا تعود إلى معلومات استخباراتية إسرائيلية وتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
استهل إغناتيوس مقاله، الذي نشرته واشنطن بوست الأميركية، بإيراد تصريح صادم لترامب قال فيه إن "الدولتين تتقاتلان منذ زمن طويل وبشدة لدرجة أنهما لا تعلمان ما الذي تفعلانه بحق الجحيم"، في إشارة إلى حالة الفوضى التي غرق فيها الصراع الإيراني الإسرائيلي قبل وقف إطلاق النار.
ويشير إغناتيوس إلى أن المرحلة التالية ستكون التفاوض حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني، مع تأكيد إسرائيل على ضرورة التوصل إلى اتفاق صارم يضمن منع طهران من تطوير قنبلة نووية في المستقبل.
معلومات من إسرائيل
ويكشف المقال عن أن ترامب تلقى معلومات حساسة من الجانب الإسرائيلي حول تجدد جهود إيران لتصنيع قنبلة نووية، رغم التقديرات الأميركية الرسمية التي قدمتها مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد في مارس/آذار الماضي.
وكانت غابارد قد أكدت أن إيران لا تطوّر سلاحا نوويا حاليا. ويؤكد إغناتيوس أن المعلومات التي اطلع عليها شخصيا من المصادر الإسرائيلية، مدعومة بتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، توحي بأن التقدير الأميركي كان أكثر تحفظا مما ينبغي، وأن المعلومات الإسرائيلية قد تكون أكثر دقة.
ويوضح المقال أن برنامج "أماد" الإيراني الذي بدأ مطلع الألفية كان يهدف إلى تطوير تقنيات حساسة مثل المفجرات النيوترونية ومولدات موجات الصدمة، وأن هذا البرنامج لم ينتهِ كما أُعلن، بل أعيد إطلاقه لاحقا تحت اسم "سبند" (SPND)، بقيادة العالم الإيراني محسن فخري زاده، الذي اغتالته إسرائيل في عام 2020.
وفي تطور لافت، يورد إغناتيوس أن إسرائيل استهدفت مواقع رئيسية تابعة لهذا البرنامج في مجمع شريعتي بطهران وسنجريان قرب بارشين، ودمرت معدات ومختبرات وعلماء كانوا يعملون على تطوير ما يُعتقد أنه مشروع تسلح نووي سري.
إغناتيوس: الفتيل لا يزال مشتعلا ما لم يتم العثور على الـ400 كيلوغرام الإيرانية المخصبة بنسبة 60% خبأت معلومات مهمةويشير المقال إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت مؤخرا تقريرا يدين إيران ضمنا، مؤكدة أن الأخيرة لم تصرح بوجود مواد نووية أو أنشطة ذات صلة في مواقع مثل لافيزان شيان، وفارامين، وتورقوزآباد، وهو ما وصفه إغناتيوس بأنه لا يقل حدة عن الاتهامات التي وردت في الملف الاستخباراتي الإسرائيلي.
إعلانويختم إغناتيوس بالإشارة إلى التحدي الأكبر بعد الحرب، والمتمثل في تعقّب وتدمير 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي كمية كافية لإنتاج "قنبلة قذرة" خلال أسابيع، إن لم يتم السيطرة عليها.
ورغم أن منشأة أصفهان، التي كان هذا اليورانيوم المخصب محفوظا فيها، تعرّضت للقصف، فإن تقارير أفادت بأن المخزون نُقل مسبقا.
ويحذر إغناتيوس من أن الفتيل لا يزال مشتعلا، ما لم يتم العثور على هذه المادة وتفكيكها سريعا، محذرا من أن خطر القنبلة الإيرانية لم ينتهِ بعد، وأن أي اتفاق نووي قادم لا بد أن تكون به ضمانات صارمة لمنع إعادة تفعيل هذه الأنشطة في المستقبل.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
سفير إيطالي سابق: إسرائيل لم تحقق أهدافها الاستراتيجية في حربها ضد إيران
في حوار خاص أجراه موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي مع السفير الإيطالي السابق في بغداد، ماركو كارنيلوس، والخبير في شؤون الجغرافيا السياسية الإقليمية، تناول السفير أبعاد وتداعيات وقف إطلاق النار المفاجئ بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، والذي أُعلن عنه بوساطة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
يرى كارنيلوس أن وقف إطلاق النار بعد حرب استمرت 12 يومًا، لا يمكن عزله عن سلوك الإدارة الأمريكية، وعلى رأسها دونالد ترامب، الذي يتصرف بطريقة "متقلبة" بحسب وصفه.
ويُشبه نهج ترامب بما يُعرف بـ"نظرية الرجل المجنون" المنسوبة للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، والتي تقوم على إرباك الخصوم بسلوك غير متوقع.
لكن كارنيلوس حذر من أن إرباك الخصوم لا يخلو من مخاطر، وقد يؤدي إلى تصعيدات غير محسوبة، موضحًا أن ترامب يتصرف أحيانًا وكأن ماضيه كمفاوض عقاري لا يزال يتحكم بعقله السياسي، وأن قراراته الأخيرة بدت وكأنها تخدم شعارات متناقضة، من "لنجعل أمريكا عظيمة" إلى "لنجعل إيران عظيمة من جديد".
حسابات الاحتلال وأحلام نتنياهو
بحسب كارنيلوس، فإن الحرب الإسرائيلية لم تكن فقط ردًا على تهديدات آنية، بل جزء من مخطط استراتيجي بعيد المدى يهدف إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
ويعتبر أن نتنياهو رأى في هذا التوقيت فرصة تاريخية لا تُعوض لتصفية أعداء الاحتلال الإسرائيلي، خصوصًا في ظل دعم أمريكي غير مسبوق، وتواطؤ أوروبي، وانشغال روسي بالحرب الأوكرانية، وتردد صيني.
ويشمل المخطط، وفق السفير، تدمير حماس في غزة، القضاء على حزب الله في لبنان، واستغلال انهيار النظام السوري كعامل لتفكيك ما كان يعرف بمحور المقاومة، ليصل الهدف الأخير إلى إيران.
لماذا إيران؟
يشير كارنيلوس إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أراد من الهجوم على إيران تحقيق هدفين رئيسيين: الأول، إنهاء البرنامج النووي الإيراني عسكريًا؛ والثاني، خلق حالة من الفوضى الداخلية في إيران تؤدي إلى إسقاط النظام. غير أن التطورات الميدانية تشير إلى أن أياً من الهدفين لم يتحقق بعد.
ويضيف أن الهجمات الجوية لم تحسم مصير المشروع النووي الإيراني، كما أن الأوضاع الداخلية الإيرانية لم تشهد انهيارًا، بل إن الردود العسكرية التي نفذتها طهران فاجأت خصومها، وأجبرت واشنطن وتل أبيب على مراجعة حساباتهما.
رغم إعلان وقف إطلاق النار، يبدي كارنيلوس شكوكًا حيال صموده، مشيرًا إلى سوابق عدة أعلن فيها ترامب مواقف مشابهة سرعان ما تراجع عنها أو لم تُترجم فعليا.
لكن في حال صمد الاتفاق، فهو يعني فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافها الثلاثة: تدمير البرنامج النووي الإيراني، جر أمريكا إلى حرب شاملة، وإسقاط النظام في طهران.
ويرى أن نتنياهو قد يُنظر إليه كخاسر سياسيًا، بينما قد يسوق ترامب نفسه داخليا كصانع سلام، ويبحث عن جائزة نوبل، في خطوة دعائية تشبه تلك التي قام بها سلفه باراك أوباما.
إيران بين الصدمة والرد
يؤكد السفير أن إيران دخلت الصراع وهي في وضع معقد، خاصة بعد الضربات التي طالت وكلاءها في غزة ولبنان، وانقطاع خطوط الإمداد في سوريا. لكن الرد الإيراني جاء مفاجئًا في قوته وتوقيته، ما أعاد خلط الأوراق ميدانيًا ودبلوماسيًا، وفرض وقفًا لإطلاق النار لم يكن على أجندة نتنياهو.
ويشير إلى أن إيران استخدمت ترسانتها الصاروخية بفعالية، دون أن تُدفع نحو مواجهة شاملة، وهو ما يؤكد قدرتها على فرض قواعد اشتباك جديدة، رغم العقوبات والخنق الاقتصادي.
وحول إمكانية استئناف الحوار النووي، يرى كارنيلوس أن فرص العودة إلى طاولة المفاوضات ما زالت قائمة، لكن بشروط. ويحذر من إشراك الأوروبيين في هذه المرحلة، متهمًا إياهم بالتسبب بإرباك كبير في السنوات الماضية، سواء عبر مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو عبر مواقفهم السياسية المتذبذبة.
ويقترح أن تبقى الوساطة في يد أطراف أقل انحيازًا وأكثر واقعية، داعيًا الأوروبيين للتركيز على "ما يُجيدونه" من تنظيم لوجستي، بدل محاولات التأثير السياسي غير المدروسة.
من الأحادية إلى التعددية.. من يربح السباق؟
يرى كارنيلوس أن سلوك الولايات المتحدة يُعيد إحياء نموذج الأحادية القطبية، لكنه يشكك في قدرة واشنطن على الاستمرار في هذا المسار. فالقوة وحدها لم تعد كافية، والديون الأمريكية الهائلة تُهدد النظام المالي العالمي. ويحذر من أن استمرار الصراع قد يدفع واشنطن نحو "قنبلة التخلف المالي عن السداد".
ويدعو في هذا السياق إلى إعادة قراءة كتاب بول كينيدي "صعود وسقوط القوى العظمى"، باعتباره مرجعا لفهم ما يحدث من تبدلات في موازين القوى.
يرى كارنيلوس أن التبدلات في الشرق الأوسط تُقلق موسكو وبكين، خصوصًا في ظل محاولات أمريكية لإعادة فرض الهيمنة عبر بوابة تسوية شرق أوسطية جديدة. ويشير إلى أن أي تطبيع بين واشنطن وطهران سيؤثر مباشرة على مشاريع كبرى مثل البريكس، والحزام والطريق، والتكامل الأوراسي.
ويعتبر أن إيران، بما تمتلكه من موقع استراتيجي وموارد طاقة، قد تكون النقطة التي تُنسف بها كل هذه المشاريع إن تمكنت أمريكا من إعادة تطويعها، سواء دبلوماسيًا أو عسكريًا.