لورونس سيالوم/ ترجمة: حافظ إدوخراز

أولى المفكر الاقتصادي الأمريكي ذو الأصل الروسي هايمن مينسكي (Hyman Minsky) مكانةً محورية لدراسة القطاع المالي في سبيل فهم عمل الاقتصادات الرأسمالية، وبعد مضيّ ما يقرب قرنًا على مولده، جاءت الأزمة المالية لعام 2008 لتُعيد تسليط الضوء على تحليلاته بشأن الاضطرابات المالية، وعلى أفكاره بخصوص الآليات الكفيلة باحتوائها.

وُلد هايمن مينسكي (1919-1996) لزوجين روسيّين كانا ناشطين في صفوف الحركة الاشتراكية، واضطرّا إلى الفرار من روسيا عام 1905 والهجرة إلى الولايات المتحدة. وهو اقتصادي أمريكي ينتمي فكريًّا إلى تيار ما بعد الكينزية في علم الاقتصاد، وبعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الرياضيات من جامعة شيكاغو عام 1941 اتّجه مينسكي إلى دراسة الاقتصاد، وبمجرد انتهاء الحرب العالمية الثانية، شرع في إعداد أطروحته للدكتوراه بجامعة هارفارد.

وشغل مينسكي خلال مسيرته الأكاديمية منصب أستاذٍ للاقتصاد في جامعة براون (Brown University) بمدينة بيركلي (ولاية كاليفورنيا)، وفي جامعة واشنطن بمدينة سانت لويس (ولاية ميزوري)، قبل أن يُنهي حياته المهنية في معهد ليفي للاقتصاد بكلية بارد (Levy Economics Institute of Bard College)، وهي مؤسسة معروفة بانتمائها فكريا إلى تيار ما بعد الكينزية في علم الاقتصاد.

يعدّ كتاب «تثبيت اقتصادٍ مضطرب» الذي نُشر عام 1986، أكمل أعمال مينسكي وأكثرها نضجًا. وقد أُعيد طبعه باللغة الإنجليزية عام 2008، وترجم إلى الفرنسية عام 2015. ولا تخلو تواريخ هذه الإصدارات من دلالة.

وقد انطلقت كل أعماله من إرادة توضيح وتفسير وفهم هذه التحولات العميقة والمستمرة للرأسمالية وعدم استقرارها ودور القطاع المالي في هذه الديناميات.

1986.. صوتٌ قوي

يعارض الدّوغمائية السائدة

شهدت ثمانينات القرن الماضي انتصارًا كبيرا للنظريات الاقتصادية التي قامت عليها الليبرالية الجديدة المعاصرة، وموجةً واسعة من التحرير المالي. فبعد فترة ما بعد الحرب التي تميّزت بالتأثير البالغ للمقاربات الكينزية، غدت نظريات مدرسة شيكاغو هي المهيمنة على الفكر الاقتصادي. وقد أصبحت نظرية التوقّعات العقلانية وفرضية كفاءة الأسواق المالية ذات نفوذٍ واسع في الأوساط الأكاديمية. والأخطر من ذلك على مصير العالم أنّ صانعي القرار السياسي وأجهزة الإدارة العليا قد تبنّوا هذه النظريات وحوّلوها إلى عقائد ثابتة.

وقد أصدر مينسكي كتابه الموسوم «تثبيت اقتصادٍ مضطرب» في اللحظة نفسها التي تعمّقت فيها عمليةُ أمْوَلَة أنظمتنا الاقتصادية (هيمنة المنطق المالي وتغلغل القطاع المالي في الاقتصاد) بمباركةٍ من الاقتصاديين المهيمنين الذين وعدونا بتخصيصٍ أفضل للموارد وبتوزيعٍ وإدارةٍ أحكم للمخاطر وبتنظيمٍ ذاتي للأسواق المالية يمنحنا مناعةً ضدّ الأزمات الكبرى. وقد حذّرنا هذا الكتاب الذي سبح ضد تيّار العقيدة السائدة آنذاك، من خطر عدم الاستقرار الكامن في الأنظمة المالية إن هي تُركت لذاتها من دون رقابة خارجية. غير أنّ صوته قد ظلّ صرخةً في وادٍ، ونُظر إليه كعرّافٍ متشائم.

إن كان معاصرو مينسكي قد عانوا من فقدان الذاكرة وأهملوا دروس أزمة الثلاثينات من القرن الماضي، فهو على عكسهم لم ينسَها قطّ. فقد كانت دراسة تلك الأزمة الكبرى هي الأساس الذي شيّد عليه فكره وهيكلَ مجمل أعماله. حتى إنّه قد أصدر كتابًا عام 1982 يحمل عنوانًا ذا دلالةٍ بالغة: «هل يمكن أن يتكرّر ذلك من جديد؟». ولم يغب عن بال مينسكي لحظةً أنّ أزمة الكساد العظيم قد سبقتها مرحلة من الحماسة المفرطة والتفاؤل الاقتصادي الأعمى، ومن التفاقم الهائل في مظاهر التفاوت وانفجارٍ على مستوى المديونية وسلسلةٍ من عمليات الاحتيال المالي. وكان من أشهر المحتالين آنذاك شخص يُدعى كارلو بونزي (Carlo Ponzi) الذي بقي اسمه يتردّد على الأسماع كلما ذُكر «هرم بونزي» المعروف، وهو المخطّط الذي أعاد المحتال المالي برنارد مادوف (Bernard Madoff) إحياءه في عصرنا. يقوم هذا المخطط الاحتيالي على استدراج المستثمرين من خلال إغرائهم بعوائد مالية عالية، ودفع تلك العوائد من مدّخرات المستثمرين الجدد.

وطالما ظلّت تدفّقات الادّخار الجديدة التي تدخل للمخطط تفوق العوائد المالية المستحقة للمستثمرين الأوائل، فإن السباق يظل مستمرا. وبما أن أرباح المتقدّمين تُدفع في الحقيقة من أموال المتأخرين وليس من عائدات الاستثمار الوهمية، فبمجرد أن تتزعزع الثقة ويحلّ الشك يقلّ المدّخرون الجدد ويسقط «قصر الأوراق» منهارًا على نفسه.

لقد تُوفِّي مينسكي سنة 1996، فلم يشهد بالتالي تلك الأزمة المالية الكبرى التي كان يخشاها أشدّ الخشية، والتي كان قد فكّك آلياتها بشكل استباقي.

2008.. مرارة انتصارٍ متأخر

لم يتحقق سوى بعد الوفاة

وبينما كان النظام المالي العالمي على شفير الانهيار عام 2008، برز كتاب مينسكي إلى الواجهة باعتباره يقدّم مفاتيح لفهم لتلك الأزمة الكبرى قبل أكثر من عشرين عامًا من وقوعها. وقد كان هذا الاعتراف المتأخر بـمثابة «لحظة مينسكي». فذاك الذي كان يُنظر إليه بوصفه فاقدًا للنظر السليم بسبب هوسه بأزمة الثلاثينات، غدا المرجع الذي لا غنى عنه واستُشهد بأقواله على نطاقٍ واسع حتى من طرف أولئك الذين كانوا قد تجاهلوه من قبل، والذين يمكن أن نشك أحيانًا أنّهم قرؤوه أصلًا. غير أنّ ذلك الحماس ما لبث أن خبا سريعًا، وتلاشى معه تأثير مينسكي.

ولعلّ تطوّر موقف المفوضية الأوروبية لهُوَ خير تجسيدٍ لهذا الشعور بأنّ القوس قد أُغلق، وأنّ الدروس لم تُستخلص بالكامل من تحليلات مينسكي. فبعدما كانت المفوضية تؤكّد، في أعقاب أزمة 2007-2008، على أنّ الاستقرار المالي هو الشرط المسبق الضروري للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف، قلبت لجنة يونكر (Jean‑Claude Juncker) التي باشرت مهامها سنة 2014، ترتيب الأولويات وأصبح النمو الاقتصادي هو الشرط المسبق للاستقرار المالي. لقد قاد هذا التحوّل الجوهري في المنظور، من خلال مشروع اتحاد أسواق الرساميل في الاتحاد الأوروبي، إلى إعادة تفعيل آلية توريق الديون المصرفية التي تزعم اللجنة قدرتها على إعطاء دفعة قوية لتمويل الاقتصاد، ولا سيما تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة. يا لهُ من فقدانٍ غريب للذاكرة، ونسيانٌ لجذور أزمة 2008 التي كان مينسكي قد فكّك آلياتها بمهارة حتى من قبل أن تقع!.

ليس من المبالغة القول إنّ مينسكي كان متبصّرًا وصاحب رؤيةٍ استشرافية. فلقد نجح في إبراز العلاقة بين الابتكارات المالية وسيولة الأصول وعدم الاستقرار المالي، في الوقت الذي كانت فيه النّظم المالية ما تزال مقيّدة ومحكومة بضوابط صارمة. وقد بيّن أنّ هذه الابتكارات تزيد من حجم التمويلات المتاحة ولو بقي المعروض من النّقد المركزي دون تغيّر، مما يحدّ من قدرة البنوك المركزية على ضبط عرض التمويل في الاقتصاد. كما أنها تدفع البنوك إلى تقليص سيولة ميزانياتها من خلال الاحتفاظ بقدرٍ أقل من الأصول السائلة القابلة للتحويل السريع إلى نقود، وإلى رفع مستوى الرافعة المالية لديونها. إن هذه التشوّهات في الميزانيات، التي تسمح بها الابتكارات المالية، تُضعف البنوك بسبب النقص الواضح في رأس المال فتصير بذلك هشّةً أمام مخاطر السيولة.

لقد كان مينسكي يصف الآليات التي ستفضي في نهاية المطاف إلى أزمة 2007-2008 بسبب ابتكاراتٍ مالية جرى الاستهانة تمامًا بتأثيراتها الماكرو‑اقتصادية.

مفارقة «الطّمأنينة»

وفرضية عدم الاستقرار المالي

لقد قام مينسكي بتعميم فرضية عدم الاستقرار المالي التي صاغها كينـز بشأن الآليات التي أفضت إلى أزمة الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الماضي. وتشير هذه الفرضية إلى نزعةٍ كامنة في الاقتصادات الرأسمالية، التي تجمع بين التمويل عبر الأسواق المالية والقروض البنكية، إلى توليد مراحل متعاقبة من الهشاشة المالية المتنامية بشكلٍ ذاتي المنشأ.

يحلّل مينسكي الأزمة المالية باعتبارها ظاهرةً ذاتية المنشأ في الدورة المالية، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقا بعمل النظام المالي نفسه. ففي تصوّر مينسكي، لا قدرة للأسواق على تنظيم ذاتها، بل إنّها وعلى العكس تسهم في حالةٍ من العمى الجماعي التي تحول دون استشراف قدوم الأزمة المالية. وهذه الأخيرة تتجذّر في فترة الطّفرة المالية والتفاؤل الاقتصادي التي تتميّز بارتفاع أسعار الأصول المالية والعقارية وبالتوسّع السريع في الائتمان، وهذان العاملان يتعاضدان ويقوّي أحدهما الآخر. وتجد هذه النشوة المالية ما يعزّزها في فترات تتّسم بظروف نقدية ومالية ميسّرة، وغالبًا ما تعرف ابتكاراتٍ مالية.

تدعم هذه الشروط التمويلية المواتية النّشاط الاقتصادي، غير أنّها تفضي في الوقت نفسه إلى انزلاقاتٍ على مستوى المديونية، وإلى إفراطٍ في الاستثمار في بعض القطاعات ولا سيما العقار. يعجز الفاعلون الاقتصاديون عن إدراك مواطن الضعف في ميزانياتهم (كثرة الديون وعدم كفاية الأموال الذاتية لتغطيتها إضافةً إلى الديون المتعثّرة) لأنها تكون محجوبةً عنهم بوهم الثّراء الذي تولّده المبالغة في تقييم أسعار الأصول. وعندما يُصاب الاقتصادَ بصدمةٍ ما، تجد الأُسر والشركات المثقلة بالديون نفسها عاجزة عن الوفاء بخدمة ديونها. إنّ التصوّر الكامن للعلاقة بالمخاطر، الذي تقوم عليه فرضية عدم الاستقرار المالي، يقف على النقيض من ذلك الذي تروّج له النّظرية المالية المعيارية، والتي تعدّ النّفور من المخاطر ثابتًا سيكولوجيا لدى الفاعلين، وإن كانوا يتفاوتون في شدّته. وهذا الثبات في النفور من المخاطر، وفقًا لهذه النظرية، هو الذي يؤدّي عند وقوع الصدمات، إلى سلوكيات تعيد النظام إلى حالة التوازن.

أما في فرضية عدم الاستقرار المالي، فإن الفاعلين غير الماليين والمصارف يأخذون قراراتهم في بيئةٍ تتّسم بقدر عالٍ من عدم اليقين، الأمر الذي يؤثّر في عقلانية سلوكياتهم. ويكون نفورهم من المخاطر متغيّرا وموافقًا للدورة الاقتصادية، وتلعب كلٌّ من الثقة و»الروح الحيوانية» دورًا محوريا في ذلك. في فترات الحماسة المالية ينخفض النفور من المخاطر في أسواق الائتمان لدى طالبي القروض كما لدى المُقرضين على حدٍّ سواء. وتصير أسواق الائتمان هشّةً عندما يظنّ الفاعلون أنّ المخاطر في أدنى مستوياتها بسبب أنّ الأرباح مرتفعة والتضخّم منخفض وكلفة الائتمان زهيدة. وهذا هو ما يُعرف بمفارقة الطّمأنينة الشهيرة.

يصير الفارق في أسعار الفائدة بين أفضل المقترضين والمقترضين الأعلى مخاطرة منخفضًا. وهذا يعني أنّ الأسواق المالية لا تعود قادرة على التمييز بين جودة المقترضين المختلفين ولا بين مخاطر عجزهم عن السدّاد، في الوقت الذي تتزايد فيه مديونية المقترضين مع اتّساع عرض الائتمان. وهكذا يتراكم خطر العجز عن السّداد في الميزانيات، من غير أن يدرك الفاعلون ذلك ما دامت موجة الحماسة المالية مستمرة. وقد كانت هذه الدينامية في صميم الأزمة المالية لعامي 2007-2008. ولقد كان من أبرز السّمات اللافتة للتوسّع الهائل في المديونية الذي موّل المضاربة العقارية في الولايات المتحدة، انكماش الفوارق الائتمانية خلال الأعوام 2003 إلى 2006، أي غياب التمييز بين مقترضين متفاوتي الجودة. وبالنظر إلى الوراء الآن فإن ذلك سيظهر كخطأٍ فادح على مستوى تقييم المخاطر، لكنه لم يلفت مع ذلك انتباه الهيئات التنظيمية ولا البنوك المركزية أثناء سير الأحداث. ولو كان مرجعهم الفكري هو مينسكي، لكان التشخيص مختلفًا على نحوٍ جذري. لقد كان المنظّمون والهيئات الرقابية والبنوك المركزية، الذين أعماهم الإيمان بكفاءة الأسواق المالية وقدرتها على التنظيم الذاتي، يرون أنّ الابتكارات المالية تُحسّن من تكاملية الأسواق وتزيد من فرص توزيع المخاطر. والنتيجة كانت أنهم لم يروا الأزمة القادمة في الطريق.

هل ألهم مينسكي الإصلاحات في القطاعين المصرفي والمالي؟

إن عودة الدورات المالية الحادّة التي تتخلّلها أزمات مالية متكرّرة منذ ثمانينات القرن الماضي، تؤكد صحّة تحليلات مينسكي. فمنذ الحرب العالمية الثانية وحتى سبعينيات القرن العشرين، لم تكن للدورة المالية وجودٌ فعلي، إذ كانت خاضعةً لما عُرف في الأدبيات الاقتصادية بـ«القمع المالي». ويشير هذا المصطلح إلى القوانين الصّارمة التي كان القطاع المالي يخضع لها (أسعار الفائدة المحدّدة، والقيود على حركة رؤوس الأموال، وعزل الأنظمة المالية بعضها عن بعض). ويحمل هذا الوصف في طيّاته استنكارًا ممّن استخدموه، لكونه يفترض أن تقييد القطاع المالي يعرقل النمو ويشوّه عمليّتي تخصيص الموارد وتقييم المخاطر. ومع ذلك، لم يؤدِّ ذلك إلى إبعاد المخاطر والتكاليف المرتبطة بالأزمات المالية فحسب، بل أدّى كذلك إلى فترةٍ من النمو القوي في معظم البلدان المتقدمة. ومرةً أخرى كان مينسكي على حق، ففي ظل نظام رأسمالي غير مستقر بطبيعته، لا يمكن تحقيق استقرار مؤقت سوى من خلال القوانين والقيود التنظيمية. وقد ترافق تفكيك هذه القيود مع عودة متزايدة للدورات المالية.

لو لم يتعرّض مينسكي للتّهميش، ولو كان أُتيح له أن يهمس في آذان الهيئات التنظيمية وصنّاع القرار، لكنّا اليوم لنعيش في عالمٍ أكثر أمانًا. ويقدّم لنا الفصل الثالث عشر من كتابه: «تثبيت اقتصادٍ غير مستقر»، والذي اختارَ له كعنوان: «برنامج للإصلاحات»، العديد من المفاتيح. وإذا كانت بعض الإصلاحات التي أوصى بها قد تجاوزها الزمان وتتعلّق بالاقتصاد الأمريكي تحديدًا، غير أن بعضها الآخر لا يزال محتفظًا براهنيّته الكاملة. وكانت السياسة الاحترازية الكليّة التي تركّز على استقرار النظام المالي ككل (وإن لم يكن هذا المصطلح متداولًا في زمن مينسكي) ستصبح في صميم السياسات الاقتصادية، في حين أنها لا تزال حتى اليوم متواضعةً ومحدودة للغاية. وتهدف هذه السياسة إلى تقليل احتمال وقوع أزماتٍ مالية نظاميّة، مستخدمةً في سبيل ذلك أدواتٍ مخصّصة للتخفيف من حدّة الدورة المالية وللحدّ من تركّز المخاطر، ولا سيما عند البنوك النّظامية. وتُعدّ المخاطر المالية الكليّة معقّدةً من حيث فهمها وتقييمها، إذ تتجلّى في بُعدين متمايزين تمامًا، فلدينا من جهة تطوّر هذه المخاطر عبر الزمن، ومن جهة أخرى توزيعها وتركيزها في لحظة معيّنة.

يشكّل هذان البُعدان الهيكل الأساس في أعمال مينسكي، حتى وإن كانت المصطلحات التي استخدمها للتّعبير عنهما متجاوزةً ومختلفة عمّا شاع استعماله بعد الأزمة المالية العالمية. لقد أظهرت هذه الأزمة أنّ الانكشافات المشتركة (مثل تشابه تركيبة المحافظ المالية، والانكشافات أمام مخاطر الأطراف المقابلة التي تولّد قدرًا عاليا من التّرابط بين الوسطاء الماليين) يمكن أن تقود إلى إفلاس عددٍ كبير من المؤسسات في الوقت نفسه. ونتحدّث هنا عن البُعد المتعلق بالمخاطر العابرة للنظام المالي. أمّا الانسياق مع الدورة الاقتصادية (procyclicality)، فيعني ميل الوسطاء الماليين إلى زيادة انكشافهم أمام المخاطر وإلى التقليل الممنهج من تقديرها خلال مراحل التوسّع. ويقع هذان الأثران الخارجيّان (externalities)، اللذان يبرّران وضع تنظيمات احترازية كلّية، في قلب أعمال مينسكي.

يشير مفهوم الانسياق مع الدورة الاقتصادية في النظام المالي إلى العمليات المتعدّدة والمتعزِّزة ذاتيًّا في غالب الأحيان، التي تُفضي إلى ظهور هشاشة مالية خفيّة خلال المرحلة الصّاعدة من الدورة المالية (مفارقة الطمأنينة)، والتي تجعل الأزمة المالية أشدّ خطورةً إذا اندلعت في مرحلة انكماش الاقتصاد. وهي تتغذّى في فترات الازدهار على انحيازاتٍ منهجية تتمثل في التقليل من تقدير المخاطر وانحراف هياكل التمويل نحو تمويلاتٍ أقصر أجلًا، الأمر الذي يعزّز بطبيعة الحال هشاشة النظام المالي وضعفه أمام مخاطر السّيولة.

لورونس سيالوم أستاذة علم الاقتصاد بجامعة باريس نونطير

المصدر: موقع حياة الأفكار

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الأسواق المالیة الأزمة المالیة النظام المالی القطاع المالی القرن الماضی من المخاطر فی الوقت التی کان من خلال التی ت غیر أن ة التی

إقرأ أيضاً:

فهم استراتيجيات إدارة المخاطر في تداول الفوركس

تداول الفوركس يوفر فرصًا لتحقيق الأرباح ولكنه يحمل مخاطرة كبيرة. لذلك، إدارة المخاطر تعتبر جزءًا أساسيًا من النجاح في هذا المجال. تعلم كيفية استخدام الاستراتيجيات والأدوات المتاحة لتحسين نتائج تداولك.

في عالم تداول الفوركس، المخاطر تأتي جنبًا إلى جنب مع الفرص. فهم كيفية التعامل مع هذه المخاطر يمكن أن يكون الفرق بين النجاح والفشل. التداول دون خطة لإدارة المخاطر قد يؤدي إلى خسائر كبيرة. لذلك، من الضروري لكل متداول أن يتعلم كيفية استخدام OneRoyal الاستراتيجيات المناسبة لحماية رأس المال وتحقيق العوائد المرجوة. هذا المقال سيساعدك في فهم الأساسيات اللازمة لتحقيق ذلك.

أهمية إدارة المخاطر في تداول الفوركس

الفوركس هو سوق عالمي لتداول العملات يتميز بحجمه الكبير والسيولة العالية. يتأثر السوق بعوامل متعددة مثل السياسات الاقتصادية والأحداث الجيوسياسية، مما يجعله محفوفًا بالمخاطر. لكل من يريد الدخول في هذا السوق، فهم هذه المخاطر أمر بالغ الأهمية للحفاظ على استقرار رأس المال.

إدارة المخاطر في التداول تعني وضع خطط واستراتيجيات لتقليل الخسائر المحتملة وزيادة العوائد. بغض النظر عن مستوى خبرتك، فإن تجاهل إدارة المخاطر يمكن أن يعرضك لخسائر كبيرة. لذا، يجب عليك دائمًا مراعاة تطبيق تقنيات إدارة المخاطر كجزء أساسي من استراتيجيتك التجارية.

التداول الناجح في سوق الفوركس لا يعتمد فقط على تحقيق الأرباح، بل أيضًا على القدرة على حماية رأس المال من التقلبات الحادة. العديد من المتداولين المبتدئين يركزون على العوائد المحتملة دون إعطاء الاهتمام الكافي للمخاطر المرتبطة بكل صفقة. هذا النهج قد يؤدي إلى استنزاف سريع للحساب التجاري. من خلال تطبيق مبادئ إدارة المخاطر الصحيحة، يمكنك بناء استراتيجية تداول مستدامة تضمن البقاء في السوق على المدى الطويل وتحقيق نمو ثابت ومتوازن في محفظتك الاستثمارية.

أحد الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المتداولون الجدد هو الاعتقاد بأن إدارة المخاطر تحد من إمكانيات الربح، لكن الواقع عكس ذلك تمامًا. إدارة المخاطر الفعالة تمنحك القدرة على البقاء في السوق لفترة أطول وتحمل التقلبات الطبيعية دون استنزاف رأس المال. المتداولون الناجحون يدركون أن الحفاظ على رأس المال هو الأولوية الأولى، حيث أن فقدان نسبة كبيرة من رأس المال يتطلب عوائد أعلى بكثير لاستعادة الوضع الأصلي. على سبيل المثال، خسارة 50% من رأس المال تتطلب ربح 100% لاستعادة المبلغ الأصلي، مما يوضح أهمية تجنب الخسائر الكبيرة منذ البداية.

استراتيجيات فعالة لإدارة المخاطر

هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكنك اعتمادها لإدارة المخاطر بشكل فعال، مثل تحديد حجم الصفقة واستخدام أوامر وقف الخسارة وجني الأرباح. هذه الأدوات تساعدك على التحكم في الخسائر وضمان تحقيق العوائد المرجوة دون تعريض رأس مالك للخطر الزائد.

الأدوات التكنولوجية المتقدمة توفر لك أيضًا وسائل إضافية لتحليل السوق واتخاذ قرارات مستنيرة. اختيار الأدوات المناسبة يعتمد على مستوى خبرتك واحتياجاتك الفردية كمتداول. تأكد من أنك تستفيد من جميع الموارد المتاحة لتطوير استراتيجيات فعالة.

من الاستراتيجيات الأساسية التي يجب على كل متداول إتقانها هي قاعدة نسبة المخاطرة إلى العائد، والتي تساعد في تحديد ما إذا كانت الصفقة تستحق المخاطرة أم لا. يُنصح عمومًا بأن تكون نسبة العائد المحتمل إلى المخاطرة المحتملة لا تقل عن 1:2، مما يعني أن الربح المتوقع يجب أن يكون ضعف الخسارة المحتملة على الأقل. بالإضافة إلى ذلك، تنويع الصفقات وعدم التركيز على زوج عملات واحد يساعد في توزيع المخاطر وتقليل تأثير الخسائر المحتملة. التحليل المستمر لأداء صفقاتك السابقة يوفر رؤى قيمة لتحسين استراتيجياتك المستقبلية.

نصائح لتعزيز استراتيجيات إدارة المخاطر

للمتداولين الجدد والمحترفين على حد سواء، هناك دائمًا مجال لتحسين استراتيجيات إدارة المخاطر الخاصة بك. ابحث دائمًا عن طرق لتوسيع معرفتك حول الأسواق المالية وأحدث الأدوات والاستراتيجيات المتاحة لدعم تداولاتك. لا تتردد في الاستفادة من الموارد التعليمية والتوجيهات.

من المهم أيضًا تطوير خطة تداول واضحة تتضمن أهدافًا واقعية وإجراءات محددة للتعامل مع مختلف السيناريوهات السوقية. تأكد من مراجعة وتحديث خطتك بانتظام لمواكبة التغيرات في السوق وضمان استمرار النجاح في مسيرتك التجارية.

الانضباط العاطفي يعد أحد أهم العوامل في إدارة المخاطر بنجاح. العديد من المتداولين يقعون في فخ اتخاذ قرارات متسرعة بناءً على الخوف أو الطمع، مما يؤدي إلى خرق قواعد إدارة المخاطر الخاصة بهم. احتفظ بسجل تداول مفصل يوثق كل صفقة وأسباب دخولك وخروجك منها، فهذا يساعدك على تحليل أنماط سلوكك وتحديد نقاط الضعف. كما يُنصح بتخصيص نسبة صغيرة فقط من رأس المال لكل صفقة، عادة ما بين 1-2%، لضمان أن خسارة واحدة أو حتى سلسلة من الخسائر لن تؤثر بشكل كبير على حسابك الإجمالي.

مقالات مشابهة

  • مشاركون في «أسبوع أبوظبي المالي 2025» لـ«الاتحاد»: أبوظبي أنموذج عالمي في قيادة التحولات المالية
  • يمكن رؤيته بمصر.. موعد أطول كسوف كلي للشمس في القرن الحالي
  • ترامب ينتقد قيادة أوروبا ويعلن استعداده لدعم سياسيين ينسجمون مع رؤيته
  • المجلس الوزاري للاقتصاد يقترح تشكيل لجنة وزارية عليا للحد من ظاهرة التلوث البيئي
  • القابضة لمياه الشرب تتابع جهود الشركات التابعة في مواجهة موجة الطقس غير المستقر
  • مشروع "قطار السعودية - قطر السريع".. دعم للاقتصاد وتجسيد لقوة العلاقات
  • فهم استراتيجيات إدارة المخاطر في تداول الفوركس
  • صحة الشيوخ تدعو وزير الصحة لعرض رؤيته للبرامج العلاجية
  • الأمير ويليام يضع ملامح رؤيته ليوم تتويجه المنتظر