الثورة /

منذ اللحظة الأولى لانطلاق العدوان الأخير على الجمهورية الإسلامية في إيران، في ما عُرف إعلامياً بـ”حرب الـ12 يوماً”، أطلق جهاز الموساد الإسرائيلي تحركاته في العمق الإيراني محاولاً تفعيل شبكاته وتجنيد عناصر جديدة للقيام بمهام استخباراتية وعمليات تخريبية تهدف إلى إرباك الداخل الإيراني وشل استجابته العسكرية.


وسرعان ما بدأت تلك الشبكات بالتساقط واحدة تلو الأخرى بعد تحركات مضادة واسعة من قبل أجهزة الأمن الإيرانية، التي نجحت في كشف عشرات العناصر، وتفكيك مجموعات كانت تعمل بشكل سري منذ أشهر وربما سنوات، ضمن مخطط أكبر للضغط على طهران وإرباك خطوطها الخلفية أثناء المواجهة.
هذا الانكشاف لم يقتصر على إيران فحسب، بل أعاد تسليط الضوء على شبكات الموساد في عموم الإقليم، خصوصاً في اليمن، التي تحتل موقعاً مركزياً في خارطة الاهتمام الاستخباراتي الإسرائيلي.
اليمن، بتاريخها الجيوسياسي الحساس وموقعها المطل على باب المندب، تمثل نقطة ارتكاز استراتيجية لأي مشروع استخباراتي معادٍ للمقاومة ومحور المواجهة.
وعلى مدار العقود الماضية، لم تكن الأراضي اليمنية بعيدة عن أنشطة التجسس التي قادها الموساد، سواء عبر واجهات استخباراتية أجنبية أو عبر وسطاء محليين. وقد سُجلت عدة محاولات تم إحباطها من قبل الأجهزة الأمنية اليمنية، كشفت عن توجه إسرائيلي حثيث نحو تجنيد عناصر محلية أو اختراق المؤسسات من الداخل.
مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، اتخذ الموقف اليمني منحىً تصعيدياً واضحاً، معلناً انحيازه الصريح إلى جانب المقاومة الفلسطينية، ودخل خط المواجهة من خلال عمليات بحرية وجوية استهدفت مصالح العدو في البحر الأحمر ومحيطه. وقد أربك هذا الانخراط المفاجئ وغير المتوقع كل حسابات الكيان، الذي يبدو أنه لم يكن مستعداً للتعامل مع جبهة جديدة في جنوب شبه الجزيرة العربية، ذات قدرة على التأثير المباشر في شريان تجارته البحري وأمنه الإقليمي.
وبالرغم من تفوق الكيان الإسرائيلي تكنولوجياً، وفوقيته العسكرية من حيث العتاد والتقنيات، إلا أن محاولاته للعمل العسكري المباشر ضد اليمن كانت ضعيفة النتائج وفاشلة عملياً. مصادر عسكرية إسرائيلية لم تُخفِ أن العمليات الإسرائيلية في اليمن لم تحقق أهدافها، وأرجعت ذلك إلى “غياب العنصر البشري” على الأرض، في إشارة مباشرة إلى فشل شبكات الموساد في إيجاد مصادر محلية موثوقة يمكن الاعتماد عليها في جمع المعلومات أو توجيه العمليات. وقد شكل هذا الفشل دافعاً إضافياً لدى الموساد لإعادة تنشيط عمله في اليمن، وتعويض الخلل في البنية الاستخباراتية.
من هنا، دخل الموساد في طور جديد من محاولاته داخل اليمن، مستعيناً بدول العدوان التي ترتبط به بعلاقات أمنية وتنسيقية، لا سيما السعودية والإمارات. وقد حاولت هذه الأطراف، بدفع إسرائيلي، تفعيل خلايا تجسس وتجنيد عناصر جديدة على الأرض اليمنية، غير أن عمليات الأجهزة الأمنية اليمنية كانت حاسمة وسريعة، حيث تم إسقاط معظم هذه الشبكات وتفكيكها قبل أن تترسخ أو تحقق أي تقدم فعلي، مما أعاد المشروع الاستخباراتي الإسرائيلي إلى نقطة الصفر تقريباً.
الموساد بطبيعته يعتمد على مزيج من الأساليب الكلاسيكية والحديثة في التجنيد، مستفيداً من الوسائل السيبرانية، والاستقطاب النفسي والإيديولوجي، بالإضافة إلى الإغراءات المادية. وغالباً ما يستهدف الأشخاص الذين يعانون من أزمات مالية، أو أولئك القريبين من المراكز الحساسة. يُقدَّم التعاون في البداية على أنه عمل معلوماتي عابر أو خدمة بسيطة، قبل أن ينزلق المجنّد إلى شبكة كاملة من التورط الأمني الذي يصعب التراجع عنه. هذه الأساليب ليست بغريبة عن الواقع اليمني، مما يستدعي بقاء المجتمع في حالة وعي ويقظة مستمرة.
وهنا يأتي دور الإعلام الوطني كخط دفاع أول، ليس في نشر الأخبار فحسب، بل في بناء الوعي، وكشف الأساليب الخفية التي تستخدمها أجهزة مثل الموساد. من خلال التحقيقات الاستقصائية، البرامج الوثائقية، والمبادرات التوعوية، يمكن للإعلام أن يفضح هذه المخططات ويمنح المواطن أدوات الحذر والتفكير النقدي، خصوصاً في بيئة حرب شاملة لا تقتصر على الصواريخ والطائرات، بل تمتد إلى الأجهزة، والشاشات، والرسائل الخادعة.
وفي هذا السياق، يتحول كل مواطن يمني حر وشريف إلى شريك أمني فاعل، ليس من خلال حمل السلاح فقط، بل من خلال الانتباه والإبلاغ، وعدم التساهل مع أي نشاط مشبوه. فالمعركة مع أجهزة كالموساد لا تخاض فقط على مستوى الأجهزة المختصة، بل هي معركة وعي وموقف، يكون فيها كل فرد نقطة فاصلة بين النجاح أو الفشل، الأمن أو الاختراق. والشجاعة هنا لا تتمثل فقط في مواجهة العدو بالسلاح، بل في الوقوف …
… وقوة فاعلة في رسم توازنات المنطقة. ولعل فشل الموساد في اليمن، رغم محاولاته المتكررة، ليس إلا مؤشراً إضافياً على يقظة مجتمع بدأ يعي دوره في معركة أوسع من الحدود، وأعمق من الجغرافيا.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

محاولات حوثية فاشلة لاختراق جبهات الضالع

تشهد جبهات القتال في محافظة الضالع جنوب اليمن تصعيدًا عسكريًا خطيرًا من قِبل مليشيا الحوثي، وسط محاولات تسلل متكررة باتجاه مواقع القوات الجنوبية في عدد من محاور التماس. 

وأفادت مصادر ميدانية بأن القوات الجنوبية تمكنت خلال الساعات الماضية من إحباط هجوم واسع شنّته المليشيا على أحد المواقع العسكرية في جبهة الضالع الحدودية، بعد معارك عنيفة أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الحوثيين، فيما ارتقى جنديان من القوات الجنوبية خلال أدائهما للواجب الوطني في الدفاع عن المحافظة.

ويأتي هذا التصعيد بالتزامن مع تحركات أممية ودولية تهدف إلى تحقيق اختراق ملموس في مسار التهدئة، ما يُظهر – وفق مراقبين – نوايا الحوثيين الواضحة لعرقلة تلك الجهود، وإعادة إشعال الجبهات كسلوك تفاوضي قائم على التصعيد الميداني بدلاً من الانخراط في تسوية سياسية. وتؤكد مصادر عسكرية أن المليشيا عمدت خلال الأيام الماضية إلى الدفع بتعزيزات كبيرة إلى خطوط التماس، لا سيما عقب فتح طريق الضالع، مع استحداث مواقع جديدة على طول الجبهة.

ووفقًا لمصدر ميداني في جبهة الضالع، فقد تمكّنت القوات الجنوبية من التصدي للهجوم الحوثي الذي استهدف موقعًا عسكريًا في الجبهة، مشيرًا إلى أن الاشتباكات دارت لساعات، وأجبرت عناصر المليشيا على التراجع بعد أن تكبدت خسائر مباشرة في الأرواح والعتاد. وأشاد المصدر ببسالة الجنود وثباتهم في مواقعهم رغم شدة المواجهات.

وكشفت المصادر أن المليشيا الحوثية، وكعادتها بعد كل هجوم فاشل، لجأت إلى قصف عشوائي استهدف مناطق سكنية في محيط الاشتباكات، في محاولة للتعويض عن فشلها الميداني، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة المدنيين ويُفاقم من معاناتهم في المناطق الحدودية القريبة من الجبهات. وتستمر القوات الجنوبية في حالة تأهب قصوى تحسبًا لمزيد من محاولات التسلل والخرق، وسط دعوات لتوثيق الانتهاكات وفضح التصعيد الحوثي أمام المجتمع الدولي.

مقالات مشابهة

  • محاولة فاشلة لسرقة سيارة إسعاف بطنجة
  • "أطفال حسب الطلب".. قفزة علمية نحو كتابة الشيفرة الوراثية وسط تحديات أخلاقية متصاعدة
  • مهمة فضائية فاشلة تتسبب في فقدان أكثر من 160 رفات بشرية
  • تكتل الأحزاب اليمنية يحذّر: انهيار اقتصادي وانتهاكات أمنية تهدد هيبة الدولة
  • الفاضلي: البعثة الأممية في ليبيا.. فاشلة   
  • ضبط أعداد هائلة من المسيرات في إيران وحملات أمنية مكثفة
  • محاولات حوثية فاشلة لاختراق جبهات الضالع
  • نيويورك تايمز: ازدهار المقاهي اليمنية في أمريكا لكن الحرب في اليمن أثرت على عملها؟ (ترجمة خاصة)
  • ترامب: سي إن إن كاذبة ونيويورك تايمز فاشلة