إطلاق كبسولات تذكارية إلى الفضاء تضم رفاتا وحمضا نوويا بشريا
تاريخ النشر: 30th, June 2025 GMT
في مشهد يمزج بين العلم والمشاعر، تستعد شركة "سيليستيس" الأميركية لإرسال ذكريات بشرية إلى مدار الأرض، ضمن مهمة فضائية انطلقت يوم الاثنين 23 يونيو/حزيران الماضي، على متن صاروخ "فالكون 9" التابع لشركة "سبيس إكس"، من قاعدة "فاندنبرغ" الفضائية في كاليفورنيا.
الكبسولات التي لا يتجاوز حجمها راحة اليد، ستنقل رماد أو عينات "دي إن إيه" لأشخاص من مختلف أنحاء العالم، في رحلة تدور حول الأرض ثم تعود، لتسلم كذكرى خالدة لعائلاتهم، لتكون بمثابة طريقة وداع غير تقليدية من الأرض إلى الفضاء.
وتحمل المهمة الجديدة اسم "بيرسيفيرانس" وهي جزء من تعاون حديث بين شركة سيليستيس، الرائدة في خدمات "الدفن الفضائي"، وشركة الفضاء الأوروبية "ذا إكسبلورايشن كومباني"، والتي ستستضيف الحمولة التذكارية على متن مركبتها الفضائية في أول مهمة تجارية لها.
وظهر مفهوم الدفن الفضائي في تسعينيات القرن الماضي، كخدمة مبتكرة تسمح بإرسال رماد أو حمض نووي بشري إلى الفضاء الخارجي، بدلا من الدفن أو الاحتفاظ بالرفات على الأرض.
وكانت شركة "سيليستيس" من أوائل الشركات في هذا المجال، حيث أطلقت منذ عام 1997 عشرات المهام التي حملت رفات أحبة، ومشاهير، وحتى حيوانات أليفة، إلى مدار الأرض، أو إلى القمر، أو إلى الفضاء العميق.
وتتنوع هذه الرحلات بين "مهام مدارية تدور حول الأرض لفترة قبل العودة أو الاحتراق في الغلاف الجوي"، و"مهام تحت مدارية تصعد وتعود، وتُستعاد الكبسولات كتذكارات"، و"مهام قمرية أو عميقة تبقى فيها الرفات في الفضاء للأبد"، وهو خيار يرتبط غالبا بشخصيات لها شغف خاص بالاستكشاف والكون.
وحملت بعض الرحلات رمادا رمزيا لأسماء شهيرة، مثل أساطير سلسلة "ستار تريك"، و4 رؤساء أميركيين سابقين، ومبدعين في مجال الخيال العلمي والسينما.
إعلان من المدار إلى الذاكرةوفي مهمة "بيرسيفيرانس"، دارت الكبسولات حول الأرض من مرتين إلى ثلاث، قبل أن تعود إلى الغلاف الجوي وتهبط في المحيط الهادي، ثم تمت استعادتها وتسليمها إلى ذوي المشاركين.
وتُعد هذه المهمة هي الثانية تجريبيا لشركة "ذا إكسبلورايشن كومباني"، والأولى التي تحمل حمولات لعملاء حقيقيين قبل إطلاق مركبتها المدارية الكاملة "نيكس إيرث" المقرر التحامها بمحطة الفضاء الدولية عام 2028.
وقال تشارلز تشافر، الرئيس التنفيذي لشركة سيليستيس في تصريحات لموقع "سبيس دوت كوم": "يسعدنا أن نقدم نوعا جديدا من الرحلات الفضائية بفضل تعاوننا مع "ذا إكسبلورايشن كومباني"، فالكبسولات تدور حول الأرض وتعود، لتمنح المشاركين تجربة فريدة ومؤثرة".
وسجلت المهمة أيضا لحظة تاريخية، حيث سيكون الطفل الألماني "ماتيو بارث"، البالغ من العمر 3 سنوات، أصغر أوروبي يرسل حمضه النووي إلى الفضاء، في لفتة رمزية للانضمام إلى جده الراحل "ديتر بارث"، الذي كان شغوفا بالفضاء.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات إلى الفضاء حول الأرض
إقرأ أيضاً:
الإمارات تقود تطوير أنظمة المراقبة والتحليل الجغرافي في الفضاء
آمنة الكتبي (دبي)
لم تعد الأقمار الاصطناعية مجرد رمز للتقدم العلمي، بل أصبحت في الإمارات أدوات يومية تخدم الحكومة والمجتمع، وذلك من خلال استثمارها في أنظمة الرصد والتحليل الجغرافي، حيث باتت الدولة تمتلك واحدة من أكثر الشبكات الفضائية فاعلية في المنطقة، قادرة على توفير بيانات آنية تدعم صنع القرار في البيئة والأمن والاقتصاد، بالإضافة إلى التخطيط الحضري.
وتبرز دولة الإمارات كأحد أبرز الفاعلين في مجال توظيف تكنولوجيا الفضاء لدعم القرارات الوطنية، عبر منظومة متقدمة من أنظمة الاستشعار «عن بُعد» والتحليل الجغرافي الفضائي، كما وفرت منصات استراتيجية لإنتاج بيانات دقيقة تسهم في تحسين التخطيط العمراني، ورصد التغيرات البيئية، وتحقيق الأمن الغذائي والمائي، وتطوير استراتيجيات الاستجابة للكوارث.
ومن خلال مشاريع طموحة مثل القمر الاصطناعي «MBZ-SAT» و«الاتحاد سات» و«مسبار الأمل»، تمضي الإمارات بخطى واثقة نحو بناء بنية تحتية رقمية فضائية متكاملة، تجعل من الفضاء شريكاً دائماً في صناعة القرار، حيث يشكّل القمر الاصطناعي «MBZ-SAT»، الذي طوّره مركز محمد بن راشد للفضاء، إحدى أبرز المحطات في مسيرة الإمارات الفضائية، وهو يعُد من أكثر الأقمار دقة في المنطقة، من حيث التصوير الفضائي، وقد تم تصميمه لتقديم صور عالية الوضوح لدعم قطاعات متعددة؛ مثل التخطيط العمراني، وإدارة البنية التحتية، والزراعة الذكية ورصد التغير المناخي، ويتميز بنظام أوتوماتيكي متقدم لمعالجة الصور في المدار، إضافة إلى إمكانيات الذكاء الاصطناعي التي تساعد في تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر كفاءة قبل أن تصل إلى محطات الاستقبال الأرضية.
وفي خطوة تعكس التزام الإمارات ببناء جيل جديد من الكفاءات الوطنية في علوم الفضاء، تم إطلاق «الاتحاد سات» كأول قمر اصطناعي يتم تطويره بالتعاون بين الجامعات الإماراتية ومركز محمد بن راشد للفضاء، وتم تصميمه لرصد التغيرات البيئية ومراقبة جودة الهواء والمياه، ما يسهم في دعم الدراسات الأكاديمية والسياسات البيئية الحكومية، ويعُد هذا المشروع نموذجاً يحتذى به في إشراك الشباب في بناء أنظمة فضائية تخدم الواقع المحلي، وتسهم في تسريع إنتاج البيانات العلمية الدقيقة التي تدعم اتخاذ القرار في المؤسسات الحكومية.
«مسبار الأمل»
ويمثل «مسبار الأمل» أحد أبرز إنجازات دولة الإمارات في مجال استكشاف الفضاء، وهو أول مهمة عربية إلى كوكب المريخ، بل أيضاً لدوره المحوري في جمع بيانات غير مسبوقة حول الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، حيث وفّر المسبار منذ وصوله إلى مدار المريخ في فبراير 2021، أكثر من مليون ملف علمي متاح للمجتمع البحثي العالمي، تشمل قراءات دقيقة عن التغيرات المناخية، وتوزيع الغازات، ونشاط العواصف الترابية.
وتستخدم هذه البيانات في دراسة الظواهر الكوكبية وربطها بنماذج بيئية على كوكب الأرض، مما يعزّز من الفهم العلمي لتغير المناخ وتأثيراته المحتملة، كما يعكس «مسبار الأمل» قدرة الإمارات على إنتاج بيانات علمية معقدة ترفد المجتمع الدولي، وتؤكد على حضور الدولة كلاعب فاعل في منظومة علوم الفضاء العالمية. وأثبتت التجربة الإماراتية أن القيمة الحقيقية للأقمار الاصطناعية لا تكمن في إطلاقها فقط، بل في كيفية استغلال بياناتها، وتوفّر الدولة حالياً مئات الصور الفضائية يومياً يتم تحليلها في مراكز متخصّصة، وتستخدم هذه البيانات في رصد الغطاء النباتي لمتابعة المحميات الطبيعية وتقييم الأداء الزراعي، وتحليل النمو العمراني وتوجيه التوسع الحضري وفقاً للبيانات الواقعية، بالإضافة إلى رصد انبعاثات الكربون وتلوث الهواء باستخدام أنظمة تحليل متقدمة، والتنبؤ بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات أو تحركات التربة، وتفعيل خطط الطوارئ بناءً على قراءات فضائية آنية. ومن خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع تحليل الصور الفضائية، أصبح بالإمكان اكتشاف أنماط بيئية أو عمرانية دقيقة بشكل فوري، ما يمكن الجهات المعنية من التدخل الاستباقي بدلاً من المعالجة اللاحقة، حيث بإمكان الأنظمة رصد وجود بناء عشوائي أو تدهور بيئي في منطقة معينة، وإرسال تنبيه مباشر للبلدية أو الهيئة المعنية، كما تم تطوير خوارزميات محلية في مركز محمد بن راشد للفضاء قادرة على تصنيف وتحليل الصور الفضائية وفقاً للغرض المطلوب، سواء كان زراعيًا، بيئياً، أمنياً، أو لوجستياً.
توطين علوم البيانات
تسير الإمارات بخطى واضحة نحو توطين علوم البيانات الفضائية عبر برامج تأهيلية مكثّفة ومراكز بحثية متخصّصة، تسهم في تطوير كوادر وطنية قادرة على تفسير الصور وتحويلها إلى معلومات استراتيجية، وتعمل جهات مثل وكالة الإمارات للفضاء، والمركز الاتحادي للمعلومات الجغرافية، ومركز محمد بن راشد للفضاء، على إطلاق برامج تدريبية ومنح بحثية موجهة للجامعات والباحثين المواطنين، لتعزيز بناء القدرات في مجال علوم الأرض من الفضاء.
تطوير الخطط
أكد سعيد المنصوري، رئيس قسم الاستشعار «عن بُعد» في مركز محمد بن راشد للفضاء، أن استخدام الصور الفضائية أصبح أداة استراتيجية بيد الجهات الحكومية في الدولة، تسهم في تطوير الخطط وتقييم المشاريع على أُسس علمية دقيقة، ونعمل على تعزيز توظيف تقنيات الاستشعار عن بُعد في مختلف القطاعات الحيوية، من خلال تزويد المؤسسات الوطنية ببيانات آنية وشاملة عن التغيرات البيئية والمكانية، ما يتيح لها الاستجابة السريعة والتخطيط الاستباقي، كما نطوّر في المركز خوارزميات تحليل ذكية، قادرة على استخلاص مؤشرات دقيقة من الصور الفضائية، تدعم جهود الدولة في مجالات الأمن الغذائي، ورصد آثار التغير المناخي، وتحقيق أهداف الاستدامة.
وأضاف: أن مركز محمد بن راشد للفضاء يركز على تأهيل كوادر إماراتية متخصّصة في تحليل الصور ومعالجة البيانات، من خلال برامج تدريبية متقدمة وشراكات بحثية مع الجامعات، بما يعزّز استقلالية الدولة في إدارة بياناتها الجغرافية من الفضاء إلى الأرض.
منصة رقمية
قال المهندس سلطان الزيدي، مدير مجمع البيانات في وكالة الإمارات للفضاء يُعد المجمع منصة رقمية لجمع وتوفير البيانات الفضائية للعلماء والباحثين ورواد الأعمال والمؤسسات الحكومية والخاصة، بهدف تطوير برمجيات وإيجاد حلول لمواجهة التحديات الوطنية والعالمية، كما يهدف إلى إنشاء بيئة محفّزة لاستخدام البيانات والتقنيات الفضائية وتحفيز الاستثمار في عالم بيانات الفضاء، بتبني نظام تصميم تشاركي وبناء منصة لتطبيقات الفضاء، كذلك بناء القدرات الوطنية في قطاع الفضاء وتسريع تطوير المنتجات الفضائية الاستباقية في مواجهة التحديات الاستراتيجية الوطنية والعالمية.
وأوضح أنه سيتم إطلاق 13 تطبيقاً يشمل برمجيات وخوارزميات من أجل مراقبة كوكب الأرض، وهي طرائق مبتكرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي وتخدم مجالات عدة، منها الأمن الغذائي والتغير المناخي وإدارة الأزمات والكوارث، موضحاً إن أبرز هذه التطبيقات، تشمل منصة تحليل البيانات الفضائية، وهي مدعومة بالذكاء الاصطناعي، تهدف إلى إحداث تحول في تسهيل الوصول للصور الفضائية وتحليلها وتصورها، كما تُعد الأولى في المنطقة، حيث تسد الفجوة بين بيانات الفضاء والخدمات، بتسهيل الوصول إلى الصور الفضائية، وتوفير سوق ديناميكي للتطبيقات المبتكرة في مراقبة الأرض.