موسكو- اعترفت روسيا بحكومة حركة طالبان في أفغانستان، بعد سنوات من خطوات تمهيدية سياسية ودبلوماسية وقانونية اتخذتها في هذا الاتجاه، في خطوة يُجمع مراقبون روس على أنها تمثل تطورا مهما ستكون له عواقب قريبة وبعيدة المدى.

وكان الاعتراف الفعلي قد أتى في وقت سابق بعد شطب موسكو الحركة من قوائم الإرهاب، مما يعني أن الخطوة التي اتُخذت الآن هي مجرد إجراء شكلي لترسيخ العلاقات الرسمية القائمة فعليا.

ويسود اعتقاد لدى مراقبين روس بأن الإجراء الروسي سيؤثر جديا على موقف الدول الأخرى، في ظل وجود توجه من جانب جزء من المجتمع الدولي نحو الاعتراف بحكومة طالبان.

عوامل الاعتراف

وبذلك تكون روسيا أول دولة في العالم تعترف بحكومة طالبان، بعد أن كانت الحركة معزولة إلى حد كبير منذ استيلائها على السلطة قبل نحو 4 سنوات، على الرغم من وجود مؤشرات على زيادة تعاونها مع دول مثل الصين والهند.

وتقدمت موسكو على بقية دول العالم بهذه الخطوة نظرا لعدة عوامل، من بينها:

عدم وجود صراعات بينها وبين الحركة الحاكمة في كابل. أهمية الاستقرار في آسيا الوسطى بالنسبة لروسيا. يمكن لأفغانستان أن تصبح شريكا إقليميا كاملا لموسكو في مجالات متعددة، بما في ذلك في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب. أهمية أفغانستان من منظور العلاقات التجارية والاقتصادية واللوجستية.

يُشار إلى أن روسيا كانت كذلك أول دولة اعترفت باستقلال أفغانستان عن الاستعمار البريطاني عام 1919.

يرى رمزان نورتازين، الخبير في دراسات بلدان آسيا الوسطى، أن الاعتراف بنظام طالبان في أفغانستان يعد أمرا بالغ الأهمية لروسيا نفسها، في ظل تعرّض آسيا الوسطى لتهديدات مثل "توسع الإرهاب والتطرف والجماعات الإجرامية وتهريب المخدرات".

ويتابع -في حديث للجزيرة نت- أنه "لكون أفغانستان بلدا مضطربا وغير مستقر، فقد شكلت مصدرا لهذه المشاكل لعقود طويلة". ويضيف أن بناء علاقة متينة مع كابل يعزز كذلك المحيط الأمني ​​لحدود روسيا في الجنوب، لا سيما بعد أن أثبتت طالبان قدرتها على التشبث بالسلطة، في ظل غياب أي معارضة حقيقية داخل البلاد.

إعلان

ووفقا لنورتازين، تكمن المهمة الملحة الآن في البحث عن صيغ فعالة للتعايش مع أفغانستان الجديدة. فأراضيها تعد مساحة مهمة لتطوير فرص جديدة للتواصل اللوجستي -على سبيل المثال- مع الهند وباكستان. علاوة على ذلك، تحتاج كابل إلى شركاء وتكنولوجيا، وفي هذا السياق، لدى الشركات الروسية إمكانات كبيرة، بما في ذلك في قطاع تطوير الموارد المعدنية والبنية التحتية.

انتصار

كما يعتقد الخبير نورتازين أن الاعتراف الروسي يمثّل في الوقت ذاته انتصارا من نوع ما للسياسة الخارجية لحكومة طالبان، التي قامت -طوال السنوات الأربع الماضية- على الرغبة في إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى وخلق فرص للتجارة والعلاقات الاقتصادية.

إضافة لذلك، قد تُشكل خطوة روسيا دافعا لشركائها في آسيا الوسطى، المجاورة لأفغانستان، للاعتراف بحكومتها الجديدة أيضا، على سبيل المثال مع طاجيكستان، التي تربطها بطالبان علاقات سيئة للغاية، إذ تدعم دوشنبه أعداء الحركة، ومنهم مثلا القادة الميدانيون الطاجيك في شمال أفغانستان.

وبناء على ذلك، فإن إقامة علاقات دبلوماسية بين موسكو وكابل ستساعد في تطبيع العلاقات الأفغانية الطاجيكية. كما ستسهم، على المدى الطويل، في تعزيز علاقات طالبان مع دول أخرى.

في المقابل، يقول مدير معهد الدراسات الإستراتيجية والإقليمية، سيف الدين تورسونوف، إن قرار موسكو الاعتراف بحكومة طالبان لن يُحدث تغييرا كبيرا في العلاقات الثنائية، لأنه في الأساس جاء لتقنين العلاقة في حد ذاتها أكثر مما هو لتعزيزها.

مخاطر

ويؤكد تورسونوف -للجزيرة نت- أن غياب السيطرة الكاملة لطالبان على أراضي أفغانستان، واستمرار أنشطة المنظمات "الإرهابية" على أراضيها، يجعلان من انضمام الحكومة الجديدة إلى نظام العلاقات الإقليمي أمرا سابقا لأوانه ومحفوفا بالمخاطر بالنسبة لجيرانها وروسيا على حد سواء.

وذهب إلى القول بأن سابقة اعتراف طرف عالمي رئيسي كروسيا بحركة طالبان حكومة رسمية للبلاد قد تؤثر سلبا على نظام الشرعية الدولية الذي أرساه القانون الدولي، مضيفا أن أي اتصالات مع أفغانستان يجب أن تأخذ في الاعتبار مخاطر عدم الاستقرار الشديد داخل البلاد، والمنافسة المستمرة لطالبان مع الجماعات "المتمردة" داخل البلاد.

وحسب تورسونوف، فإن آفاق التعاون الدبلوماسي بين روسيا وطالبان في الوقت الراهن محدودة للغاية بسبب الموقع الإقليمي لأفغانستان "التي تدخل بشكل أساسي في فلك النفوذ الجيوسياسي للصين، علاوة على العزلة الدولية الشديدة التي تعاني منها. وعليه، لا تملك في وضعها الحالي فرص تعاون واسعة النطاق مع موسكو".

ويخلص إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار هذه المعطيات، لا ينبغي تفسير الاعتراف بحد ذاته على أنه بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين، بل محاولة لاستقرار العلاقات الإقليمية وتهدئة التوتر، لأن إقامة اتصال مستدام مع أفغانستان يعد بالنسبة إلى روسيا خطوة إجبارية لمنع المخاطر والتهديدات المحتملة للأمن الإقليمي في ظل وضع دولي متفاقم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات آسیا الوسطى

إقرأ أيضاً:

وساطة سعودية قطرية تنهي التوتر بين أفغانستان وباكستان

أعلن متحدث باسم الحكومة الأفغانية الأحد، وقف الاشتباكات مع الجانب الباكستاني على الحدود بين البلدين بعد وساطة قطرية سعودية.

ونقلت وسائل إعلام عن متحدث باسم الحكومة الأفغانية قوله إنه استجابة لجهود من الوسطاء السعوديين، والقطريين، جرى وقف إطلاق النار الذي اندلع خلال الساعات الماضية على الحدود.

وكان قادة في حكومة "طالبان" أعلنوا في وقت متأخر من مساء الأحد وقف الاشتباكات بعد "تحقيق أهدافها". فيما أعلنت السعودية وقطر، مساء السبت، في بيانين منفصلين، عن قلقهما إزاء التوترات والاشتباكات التي تشهدها المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان.

وتشترك الدولتان في حدود يبلغ طولها 2640 كيلومترا، وتضم عدة معابر تشكّل عنصرا محوريا في التجارة الإقليمية والعلاقات بين الشعوب على جانبي الحدود.

وصباح الأحد، أعلن ملا حمدالله فطرت، نائب المتحدث باسم الإمارة الإسلامية في أفغانستان، أن الوضع الأمني على طول الحدود تحت سيطرة كاملة، وأن قوات الدفاع تعمل على تشديد التغطية العملياتية لمنع الأنشطة غير القانونية.

وجاءت تصريحات فطرت في كلمة رسمية تضمنت كذلك عرضًا لتقييم عام للوضع الأمني وحدد فيها تحرّكات وصفها بـ"الفتنة والفساد" قرب الخط الحدودي، محمِّلاً جهات داخلية وخارجية مسؤولية محاولات زعزعة الاستقرار.

واتهم نائب المتحدث "دائرة خاصة" داخل الجيش الباكستاني بالمسؤولية عن سلسلة أعمال تخريبية تستهدف إثارة القلاقل ضد أفغانستان. وقال إن هذه الدائرة لا تمثّل، بحسب معلوماته، غالبية العسكريين أو الساسة أو العلماء أو السكان المتدينين في باكستان، واصفًا تصرفات تلك الدائرة بأنها "استبدادية" ومصادرة لجهود الحلول المنطقية لحل القضايا الأمنية بين البلدين.

والخميس الماضي، سمع دوي انفجار في العاصمة الأفغانية كابل، وتحدثت تقارير حينها عن غارة جوية نفذتها طائرات حربية باكستانية استهدفت منطقة مارغا، في ولاية باكتيا، جنوب كابل، والحدودية مع باكستان.

وفي أعقاب ذلك، حمّلت السلطات الأفغانية باكستان المسؤولية عن الانفجارات التي وقعت في كل من مارغا وكابل. والجمعة، أعلنت حركة طالبان باكستان، مسؤوليتها عن هجمات متزامنة استهدفت قوات الأمن في إقليم خيبر بختونخوا الحدودي مع أفغانستان، وأسفرت عن مقتل 23 شخصا، بينهم 20 عنصرا أمنيا و3 مدنيين.

وتقول إسلام آباد إن مسلحي حركة طالبان باكستان ينفذون عمليات من داخل أفغانستان، وهو ما تنفيه كابل.

وبعد نفى الجيش الباكستاني تنفيذ ضربات جوية على كابول، أشار المتحدث باسمه إلى أن العمليات الأمنية داخل باكستان تأتي "لحماية أمنها القومي من التنظيمات الإرهابية القادمة من الأراضي الأفغانية".

واتهم المتحدث باسم الجيش، اللواء أحمد شريف شودري، الهند باستخدام الأراضي الأفغانية "كقاعدة عمليات ضد باكستان"، كما اتهم عناصر أفغاناً بالمشاركة في أنشطة معادية للأمن داخل البلاد.

وقال شودري في مؤتمر صحفي بولاية خيبر بختونخوا إن بلاده "دفعت ثمناً باهظاً للإرهاب"، مشيراً إلى تنفيذ أكثر من 10 آلاف عملية أمنية خلال 2025 حتى منتصف أيلول/سبتمبر، قُتل فيها 970 مسلحاً، بينهم 58 أفغانياً، فيما خسر الجيش والشرطة مئات القتلى.

وأضاف أن "التساهل مع الإرهابيين أو مَن يؤويهم ليس سياسة الدولة، وأن مؤسساتنا ستواصل ما يلزم لحماية أرواح المواطنين ووحدة أراضينا".

وأشار المتحدث إلى أن إسلام آباد تتعاون مع السعودية والإمارات وتركيا والصين والولايات المتحدة في جهود مكافحة الإرهاب، محذراً من أن "الخطر القادم من الجماعات المسلحة لا يهدد باكستان وحدها، بل الاستقرار الإقليمي والدولي أيضاً". كما طالب طالبان بعدم السماح باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضد باكستان.

مقالات مشابهة

  • باكستان تعلن مقتل 23 من جنودها و200 أفغاني.. وتتوعد بـ "رد قوي"
  • أفغانستان تعلن انتهاء العمليات العسكرية على الحدود مع باكستان
  • ما الذي حدث بين باكستان وأفغانستان؟ وما علاقة الهند؟
  • أفغانستان تعلن مقتل 58 جنديًا باكستانيًا في المواجهات الحدودية
  • وسط تصعيد خطير بين باكستان وأفغانستان.. السعودية تدعو لضبط النفس
  • وساطة سعودية قطرية تنهي التوتر بين أفغانستان وباكستان
  • بمناطق مختلفة.. مواجهات عنيفة على الحدود بين أفغانستان وباكستان
  • طالبان باكستان تتبنى هجمات أسفرت عن 20 قتيلا من الأمن
  • روسيا تُرجئ قمة عربية روسية في موسكو بسبب اتفاق غزة
  • أفغانستان.. سماع دوي انفجارين في كابول ورؤية مسيرات بالأجواء