المؤامرات في تونس معين لا ينضب… فلا يكاد يمر وقت طويل حتى تخرج السلطة بمؤامرة ما تزعم أن «الخونة والعملاء» يحبكونها في «الغرف المظلمة… وفي ارتماء في أحضان الخارج… لتفجير الدولة من الداخل»، وغير ذلك مما بات يحفظه الناس عن ظهر قلب.
وإذا لم يخرج الرئيس قيس سعيّد شخصيا بإحداها بين كل فترة وأخرى، وهو المفتون الدائم بالحديث عن المؤامرات، توكل «المهمّة» لبعض الصغار ممن أدمنوا هذا الدور فيرمي بها في موقع «فيسبوك» لتشرع كرة الثلج في التدحرج عساها تتحوّل سريعا إلى «قضية الساعة» و«فضيحة الموسم».
آخر «المؤامرات» ما خرج به أحد هؤلاء من أنه تم العثور في مكتب حركة النهضة ومنزل زعيمها راشد الغنوشي القابع حاليا وراء القضبان على وثيقة كتب فيها بخط اليد ما يلي «هذه الوضعية (في البلاد) ستستمر ما دام الرئيس حيّا»، وهذا يعني -وفق نفس الشخص- أن هذه الوثيقة «تؤكّد وتعكس نيّة الحركة وتخطيطها وتفكيرها في اغتيال رئيس الجمهورية قيس سعيّد»، دون أن نعرف بالضبط لماذا انتظرت هذه الوثيقة أكثر من عامين على حادثة اعتقال الغنوشي وتفتيش بيته ومكتبه حتى تظهر الآن!!.
وبما أن كل مجالات التعبير السياسي قد سٌدّت بالكامل واختفت كل البرامج السياسية الإذاعية والتلفزيونية التي كانت تعجّ بها البلاد، فإنه لم يبق من فضاء للخوض في قضايا البلاد والعباد سوى موقع «فايسبوك»، مع أنه ليس مأمون العواقب دائما فكم من شخص اعتقل وحوكم بسبب تدوينة أو مشاركة لموقف، كان آخرهم أخت المحامية سنية الدهماني المعتقلة لمجرد التضامن معها والتشهير بما تتعرض له أختها في السجن من تضييق وتنكيل.
لم يتأخر الرئيس التونسي في اللحاق بمساهمته في الدفع أكثر بكرة الثلج التي أمر هو بدحرجتها، فقد جاء في بيان لرئاسة الجمهورية بعد استقبال سعيّد لرئيسة حكومته أن «التحدّي لن يُقابل إلاّ بالتحدّي والشّعب التونسي سيُواصل شقّ طريقه وسيُحبط كلّ المؤامرات وكلّ الترتيبات التي تُحاول جيوب الردّة أن تُؤجّج بها الأوضاع، فهؤلاء الذين يحنّون إلى الوراء سقطت عن وجوههم كلّ الأقنعة بالرغم من أنّهم يضعون كلّ يوم قناعا جديدا يعلم الشّعب التونسي أنّها أقنعة لم تعد تخفى على أحد».
المشكلة في تونس أن «مؤامراتها» يراد لها أن تعلن كبيرة ومخيفة ليتضح في النهاية أنها لا شيء، والقائمة هنا طويلة، حتى ولو اكتفينا فقط بـ«محاولات اغتيال» رئيسها: محاولة تسميم الرئيس عبر المخبزة، هو خبر نشرته صحيفة يومية، تعشق موالاة أي سلطة مهما كانت، لم نر لها بعد ذلك تكذيبا أو تأكيدا أو متابعة، محاولة أخرى عبر «ظرف مسموم» أصيبت جراءه مديرة مكتب الرئيس بعمى مؤقت وقد اتصل رؤساء دول بسعيّد للاطمئنان عليه لكن لم نسمع بعد ذلك أي شيء عن هذه القضية، تصريحات للرئيس نفسه في اجتماعات لمجلس الأمن القومي ومن وزير داخليته السابق توفيق شرف الدين عن محاولات اغتيال (إحداها بتحريض من «شخصية سياسية تونسيّة تحظى بحماية أمنيّة تحرّض ضدّ رئيس الدولة و تدعو لاغتياله»، كما نشر وقتها) لكن لم نر لاحقا لا توجيه تهمة لأحد ولا إيقافات ولا شيء.
لقد فقدت مفردة «مؤامرة» في تونس كل قيمة لها فلم تعد تعني شيئا، بل تحوّلت إلى موضوع تندّر لدى التونسيين يعمّق مأساة مصداقية الحكم في تونس وسوية تصرّفاتها، قبل أن يضيفوها إلى ما يصفونه بــ «الوعود الكاذبة» التي أطلقها الرئيس منذ انقلابه على الدستور في 25 يوليو/ تموز 2021 واحتكاره لكل السلطات بلا حسيب ولا رقيب: إرساء المحكمة الدستورية، محاربة الغلاء، وتوفير موارد مالية جديدة للدولة، استعادة الأموال المنهوبة من الخارج، بناء مدينة طبية كبيرة في مدينة القيروان، معرفة من نهب القروض والهبات التي منحت للدولة وفق اتهام الرئيس، حل معضلة البطالة، مقاومة الاحتكار، إصلاح التعليم والنقل والصحة، محاربة الفساد، إصلاح البنية التحتية وتطويرها، معالجة مشكلة المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء، حل مشكلة شهداء الثورة وجرحاها، والقائمة أطول من هذا بكثير.
لا يمكن هذه المرة فصل الحديث المتكرّر عن «مؤامرة» غائمة ومبهمة لاغتيال الرئيس عن اقتراب موعد الذكرى الرابعة لاستحواذه على كل السلطات، ولكن بصفر إنجازات، لا سياسية ولا معيشية ولا تنموية، وبالتالي فمن الأفضل إشغال الرأي العام بمؤامرة جديدة كملهاة للرأي العام حتى تمر ذكرى الانقلاب بأقل ما يمكن من جرأة في جردة الحساب المؤلمة.
لهذا كله كتب أحدهم يقول في «فيسبوك» عن «المؤامرة» الجديدة : «في لحظة كان يجب أن يخرج فيها ليُبرّر سنوات الخراب…اختار أن ينشر ورقة. ليس بيانًا، ولا إنجازًا، ولا مشروعًا، بل قصاصة خطّها مجهول. خمس سنوات من لا شيء… ثم ورقة مكتوبة بخط اليد..خمس سنوات من سلطة مطلقة… هل هذا ما تبقّى لك؟!! قصاصة من مكتب متهالك، في مقرّ مغلق، تعيد بثّها في الذكرى الخامسة وكأنك تعيش يوم الانقلاب نفسه؟! كأن التاريخ لم يمرّ، كأنك لا تعرف أن الناس باتت لا تخاف. جملة تُكتب على الجدار:»ما دام الرئيس حيًّا؟ بل ما دامت الشعوب حيّة… فلن يعيش الكاذب طويلا».
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه تونس مؤامرة تونس حقوق الإنسان مؤامرة قيس سعيد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة مقالات مقالات تكنولوجيا مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی تونس
إقرأ أيضاً:
سهرة ليلة عيد الأضحى تنتهي بجريمة قتل فظيعة راح ضحيتها حارس ورشة
إهتزّ حي باب الوادي بالعاصمة على وقع جريمة شنيعة، ليلة عيد ألأضحى تزامنا ووقفة عرفة، راح ضحيتها حارس ورشة تنحدر أوصوله من ولاية الشلف غرب الوطن يدعى ” ص.محمد” بنيما نجت الفتاة المسماة ” ك.مروى” تقطن ببرج البحري، من الموت بأعجوبة، التي كانت تتردد على المجنى عليه منذ أشهرللمبيت معه، برفقة فتاة أخرة تدعى ” أ.صبرينة”
وفي ليلة الجريمة، عقد أحد أصدقاء الضحية المسمى ” د.عبد الحميد” المكنى “التابلاطي”،الذي كان يقاسمه المبيت في نفس الغرفة، العزم على قتله بدون سابق إنذار طعنا بالسكين، وثم الفرار إلى مسقط رأسه بمدينة تابلاط، قبل أن يسلّم نفسه لرجال الشرطة بطلب من شقيقه.
وفي ليلة ماجنة تخللتها المخدرات وقارورات خمر، وممارسة المحظور مع الفتاة ” انبعث صراخ عالي من الغرفة، بعد طعنات غائرة اخترقت قلب الضحية أمام مرأى خليلته مروى ، قبل أن تلتحق صديقتها “صبرينة” التي حاولت اسعاف الضحية ” ص.محمد” وهي في حالة ذعر شديدة من خلال تضميد جراحه لأيقاف الدم الذي كان ينزل بغزارة حتى غمر كل بلاط الغرفة، بينما هرع المدعو ” ق. حسونة” المنحدرة أصوله من تجنانت إلى الخارج، في حالة صدمة من المشهد الذي كان عليه الضحية والفتاة ” مروى” التي كانت في وضعية شبه عارية، تنتظر من صديقتها “صبرينة” إنقاذ صديقها ” محمد” قبل أن تقع الكارثة.
ولأن القدر كان يسير عكس ما تمنته ” مروى” لفظ الضحية ” حميد” أنفاسه الأخيرة في المستشفى بعدما التّف حوله الطاقم الطبي لإنقاذ روحه، لكن بدون جدوى.
قضية الحال فتحت أوراقها محكمة الجنايات الإبتدائية بدار البيضاء اليوم الثلاثاء، في أول مناقشة خضع لها 3 متهمين موقوفين خلص التحقيق بشأنهم بأنهم لهم يد في اغتيال الضحية “د.حميد” والمشاركة في الجرم.
حيث تم متابعة المتهم الأول “د.عبد الحميد” المكنى التبلاطي بجناية الإغتيال عن سبق إصرار وترصّد نفس التهمة تقاسمها المتهم الثاني معه المدعو ” ق.حسونة” بينما توبع متهم ثالث بجناية عدم تقديم مساعدة لشخص في حالة خطر، وعدم التبليغ عن جناية يعلم بوقوعها.
حيث كشفت مجريات المحاكمة أنه في ليلة صيفية الموافق ل24 جوان لعام 2024، أول أيام عيد الأضحى المبارك، لفط شاب يدعى “ص,محمد” أنفاسه الأخيرة بالمستشفى متأثرا بجروحه العميقة التي كانت نتيجة ثلاث طعنات تلقاها على مستوى القلب، حيث تلقى صهره “معمّر ” الخبر عن طريق المتهم الأول ” د.ععبد الحميد” المكنى التابلاطي، ليلحق به ويركب معه سيارة الإسعاف، حيث كان لا يزال على قيد الحياة، ينازع الموت.
كما تبيّن أن سبب الجريمة هو شجار بسيط، كان فيها المرحوم ” محمد” تحت تأثير المخدرات والخمر، نشب بين هذا ألأخير والمتهم “د.عبد الحميد” الذي كان يقيم معه في ورشة ذات طابق واحد، جعل منها المرحوم وكرا للممارسة الرذيلة مع صديقته ” مروى” ورفيقتها “صبرينة” وتعاطي معهما ما توفّر من ممنوعات من مشروبات كحولية ومخدرات بشتى أنواعها.
حيث سمع المتهم الثاني ” حسونة” الذي كان في غرفته بمفرده يستعد للنوم، سمع ضجيجا وصراخا أسفل البناية، فنزل مسرعا نحو مصدر الصوت، وعند بلوغه غرفة ” محمد” وجد باب غرفته مغلقا، ومن خلال نافذة صغيرة شاهده ينزف دما غزيرا، والفتاة ” مروى” بجانبه مجردة من ملابسها، في حالة هيستريا، بينما كانت أرضية الغرفة كلها دماء ، فهرع ” حسونة” نحو السلالم يطلب النجدة، بينما لحقت القناة ” صبرينة.أ” ب” محمد” لأجل إسعافه لوقف النزيف.
وفي تلك الحالة قام ” عبد الحميد” بالإتصال بصهر الضحية المدعو ” معمر” وأبلغه عن الواقعة ثم توجه إلى تابلاط، بينما تقدم رجال الحماية المدنية وأخرجوا ” محمد” برفقة معمر هذا الأخير صرح لرئيس الجلسة بصفته شاهد عن الوقائع، بأن ” محمد” أخبره بأن من اعتدلى عليه هو ” التبلاطي” وسرق منه هاتفه النقال وأمواله التي كان يحتفظ بها في الغرفة لأجل شراء سيارة من واد كنيس بعد العيد، موضحا أن المبلغ يقرب 300 مليون سنتيم.
بينما أنكر المتهم “د.عبد الحميد” كل ما نسب إليه، مؤكدا أن ” محمد” يعدّ أقرب أصدقائه ومعتاد تناول الفطور طيلة شهر رمضان معه وتحضير كل الوجبات معا، ولم يكن بينهما أي خلاف.
موضحا أنه بليلة الوقائع شاهده ينزف دما والفتاة ” مروى” برفقته حيث كانا يتقاسمان نفس الغرفة لتعاطي المخدرات والخمر، حيث بعد مشاهدته مصابا أسرع إلى خارج الورشة لتبليغ صهره ” معمر”
كما نفة تهديده للفتاة “صبرينة” كما جاء في محضر سماعها، بعدما حاولت إسعاف المرحوم ” محمد” ما جعلها تختبئ في إحدى الزوايا خشية أن يكون مصيره الموت.
وأمام هذه المعطيات التمست النيابة العامة توقيع عقوبة السجن المؤبد للمتهمين “د.ح” و” ق.ح” مع 5 سنوات سجنا للمتهم الثالث وميون دج غرامة مالية نافذة.