خبير إسرائيلي: حماس تفرض انسحابا إسرائيليا وتتفوق في حرب العصابات
تاريخ النشر: 22nd, July 2025 GMT
قال خبير إسرائيلي في شؤون حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن أي اتفاق جديد مع الحركة "سيؤدي عمليا إلى انسحاب إسرائيلي شبه كامل من الأراضي التي احتُلت في عملية عربات جدعون" بقطاع غزة، خاصة من المناطق الجنوبية مثل محور موراغ وأجزاء واسعة من مدينة رفح التي وصفها بأنها إستراتيجية.
وفي مقابلة مع صحيفة معاريف أكد إيال عوفر -الذي يقدَّم كخبير في اقتصاد حماس- أن الحركة باتت تحقق مكاسب إستراتيجية مزدوجة، فهي من جهة رسّخت حضورها الميداني بفضل اندماجها في صفوف المدنيين وقدرتها على تنفيذ حرب عصابات ناجحة ضد جيش الاحتلال، ومن جهة أخرى تمكنت عبر المفاوضات واستمرار استنزاف هذا الجيش من انتزاع تنازلات إسرائيلية كبيرة دون أن تُلزم نفسها بوقف دائم للقتال.
إسرائيل لن تحكم غزة للأبد
وأوضح عوفر أن "4 أشهر مرت على وقف إطلاق النار، ولا تزال حماس تدير مفاوضات صعبة وتفرض مطالبها، في حين تواصل إسرائيل تقديم التنازلات"، معتبرا أن "المبدأ الإسرائيلي الذي تم الترويج له خلال الاتفاق السابق -وهو العودة إلى القتال إذا فشلت المفاوضات- لم يؤدِ إلى أي نتيجة إستراتيجية، بل انتهى إلى مأزق جديد".
وأضاف "في حال تم التوصل إلى صفقة تبادل جديدة فإن حماس ستفرض انسحابا إسرائيليا من معظم الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل خلال حملة عربات جدعون، بما في ذلك طريق موراج وأغلب مناطق رفح"، مشيرا إلى أن ذلك سيكون بمثابة هدية مجانية للحركة مقابل مكاسب محدودة لإسرائيل.
ووفق عوفر، فإن الشعور بأن "إسرائيل لن تحكم غزة بأكملها إلى الأبد" بدأ يترسخ على الأرض حتى بين بعض المجموعات المحلية التي استفادت من الوجود الإسرائيلي المؤقت، مثل "مجموعة أبو شباب" التي قال إنها طلبت مؤخرا حماية دولية بسبب تهديدات حماس لها بالانتقام.
ويرى عوفر أن الاستثناء الوحيد في هذا المسار هو "محور فيلادلفيا" الحدودي مع مصر، إذ زعم أن حماس "توافق ضمنا على بقاء إسرائيلي هناك"، وقال إنها تستفيد اقتصاديا من ذلك.
إعلانوأضاف أن الحركة "تفضل تدفق المساعدات وإعادة الإعمار عبر المعابر الإسرائيلية، حيث جودة البضائع أفضل، بعكس ما قد يأتي من مصر من بضاعة أقل جودة"، حسب رأيه.
كما حذر الخبير الاقتصادي من أن إسرائيل تجد نفسها في وضع عبثي يتمثل في تحمّلها مسؤولية مدنية عن سكان قطاع غزة، في حين أن السيطرة الفعلية ما زالت بيد حماس.
وقال "إسرائيل تتحمل الآن مسؤولية رعاية صحة واقتصاد مليوني فلسطيني، لكنها لا تسيطر على أي من المراكز السكانية، بل تحكمها حماس، وبالتالي لا خيار أمامنا سوى تمرير المساعدات عبرها أو عبر تجار السوق السوداء".
وزعم عوفر أن إسرائيل تقدم فعليا مساعدات لحماس (بشكل غير مباشر) حتى قبل التوصل إلى أي اتفاق، بما في ذلك الوقود والمساعدات الإنسانية، وهو ما يعتبره دليلا على فشل الإستراتيجية الإسرائيلية في إدارة الملف الإنساني للقطاع.
وتجاهل عوفر آلية المساعدات التي تديرها شركة أميركية برعاية جيش الاحتلال الذي يتعمد استهداف طالبي المساعدات، مما يؤدي إلى وقوع شهداء وجرحى بالعشرات يوميا، وذلك حسب شهادة المنظمات الإنسانية.
سر صمود حماس
وفسر عوفر استمرار قوة حماس بنقطتين مركزيتين، أولا: اندماج عناصرها في النسيج السكاني المدني، مما يصعّب على الجيش الإسرائيلي مواجهتها دون الإضرار بالمدنيين.
وثانيا: قدرة الحركة على تنفيذ عمليات متكررة توقع إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يعزز صورتها كقوة عسكرية كبرى أمام جمهورها المحلي والعربي.
وقال عوفر "حماس تؤذي جنودنا كل بضعة أيام، وتخلق في الوقت ذاته صورا لأطفال قتلى وجائعين تُستخدم سلاحا دعائيا فعالا في حرب الرأي العام الدولي"، على حد قوله.
وفي تقديره لتوجهات الحركة في المرحلة الراهنة زعم الخبير الاقتصادي أن حماس تماطل لكسب الوقت وتعرف أنها غير مهددة عسكريا بشكل حقيقي، متجاهلا الرأي السائد في إسرائيل بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الذي يماطل في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار لأسباب سياسية بحتة.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن الحركة حصلت بالفعل على "الجائزة الكبرى"، وهي عودة أكثر من مليون نازح إلى مدينة غزة وشمال القطاع، في حين لم تحصل إسرائيل -حسب قوله- سوى على "بضع رهائن" مقابل سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف جيشها.
وتساءل ساخرا "هل تم إقناع حماس من خلال عملية عربات جدعون بالتراجع عن مطالبها؟ هل نراها تتوسل من أجل صفقة لا تتضمن سوى وقف مؤقت لإطلاق النار؟ الأمر ليس كذلك".
وختم عوفر بأن "الوضع الحالي ليس سوى خسارة كاملة، وفي نهاية المطاف سنُطرد من غزة كما يُطرد الفاسد من السوق".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
غزة- أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي مساء اليوم السبت اغتيال رائد سعد القيادي في كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، باستهداف سيارة مدنية على الطريق الساحلي جنوب غرب مدينة غزة.
وزعم الاحتلال أن اغتيال سعد جاء ردا على خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، بتفجير عبوة ناسفة في وقت سابق بقوة من الجيش الإسرائيلي داخل غزة، لكن القناة الـ 12 العبرية قالت إنه "تم استغلال الظروف المواتية لاغتياله دون أي علاقة بأي انتهاك للتهدئة".
وأطلق الجيش الإسرائيلي على عملية اغتيال سعد اسم "وجبة سريعة"، حيث سنحت له الفرصة لاغتيال الرجل الثاني حاليا في الجناح العسكري لحركة حماس، بعد القيادي عز الدين الحداد الذي يقود كتائب القسام.
وباغتيال رائد سعد تكون إسرائيل قد نجحت في الوصول إليه بعد أكثر من 35 عاما من المطاردة، تعرض خلالها للكثير من محاولات الاغتيال.
مسيرة قيادية
ولد رائد حسين سعد في الخامس عشر من أغسطس/آب عام 1972 في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والتحق مبكرا بصفوف حركة حماس، وبدأ الاحتلال يطارده في بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987.وعتقلته قوات الاحتلال أكثر من مرة.
حصل على درجة البكالوريوس في الشريعة من الجامعة الإسلامية أثناء وجوده في السجن عام 1993، حيث كان نشطا حينها في الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس، وحصل سعد على شهادة الماجستير في الشريعة من الجامعة نفسها عام 2008.
وبحسب المعلومات الخاصة التي حصلت عليها الجزيرة نت، التحق سعد بالعمل العسكري مبكرا، وعمل مع قدامى المطاردين من كتائب القسام أمثال سعد العرابيد، ويعتبر من أواخر جيل المطاردين في مرحلة انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000.
وتولى سعد منصب لواء غزة الشمالي في كتائب القسام عام 2007، وكان ممن أشرفوا على تأسيس وتأهيل القوة البحرية للكتائب في غزة.
إعلانوفي عام 2015 ترأس ركن العمليات، وكان عضوا ضمن مجلس عسكري مصغر مكون من قيادة كتائب القسام في قطاع غزة، إلى جانب القياديين محمد الضيف ومروان عيسى، وذلك في الفترة الواقعة بين عامي 2012 و 2021.
كيف تناول الإعلام الإسرائيلي عملية اغتيال رائد سعد في غزة؟.. التفاصيل مع مراسلة #الجزيرة فاطمة خمايسي#الأخبار pic.twitter.com/gLL2nMKLsc
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) December 13, 2025
تقول إسرائيل إن سعد كان مسؤولًا عن الخطط العملياتية للحرب، حيث أشرف على خطوتين استراتيجيتين شكّلتا أساس الاستعداد التنفيذي لعملية طوفان الأقصى: الأولى إنشاء كتائب النخبة، والثانية إعداد خطة "سور أريحا"، الهادفة إلى حسم المعركة ضد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي.
وزعم الاحتلال -خلال الحرب الأخيرة على غزة- اعتقاله أثناء اقتحام مجمع الشفاء الطبي في مارس/آذار 2024، ونشر صورته حينها ضمن مجموعة ممن تم اعتقالهم، قبل أن يعترف بأنها وردت بالخطأ مما يشير إلى ضعف المعلومات الاستخبارية المتوفرة عنه لدى الاحتلال الإسرائيلي.
وتعرض سعد أيضا خلال الحرب لعدة محاولات اغتيال، كان أبرزها في شهر مايو/ أيار عام 2024، بقصف منطقة سكنية بمخيم الشاطئ، وعرض الجيش الإسرائيلي مكافأة مالية قيمتها 800 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للوصول إليه بعد فشل اغتياله.
ونقلت إذاعة الجيش أن إسرائيل بحثت عن رائد سعد لفترة طويلة جدا، وسعت إلى اغتياله مرتان في الأسبوعين الماضيين، لكن الفرصة لم تكتمل، وبمجرد أن تم التعرف عليه مساء السبت وهو يستقل مركبة برفقة حراسه الشخصيين، نفذت الغارة على الفور.
واقع أمني جديدوأمام اغتيال إسرائيل الشخصية العسكرية الأبرز في المقاومة الفلسطينية منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعتقد الباحث في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة أن "الاحتلال لا يتعامل مع التهدئة في قطاع غزة بوصفها حالة توقف عن الحرب، بل كمرحلة عملياتية مختلفة تُدار فيها المعركة بأدوات أقل ضجيجا وأكثر دقة".
وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الاغتيالات والاستهدافات الانتقائية التي نُفذت مؤخرا تكشف بوضوح أن الحرب لم تنتهِ، بل أُعيد تدويرها ضمن نمط جديد يقوم على الضرب المتقطع، وإدارة الصراع بدل حسمه.
ولفت إلى أن الاحتلال يحرص على اختلاق مبررات ميدانية لتسويق عدوانه باعتباره ردا دفاعيا، "غير أن هذا الخطاب لا يخرج عن كونه محاولة مكشوفة لإعادة تعريف مفهوم الخرق نفسه، بحيث يصبح أي حادث أمني أو اشتباك محدود أو اختلاق أحداث غير موجودة -في عمق سيطرته داخل الخط الأصفر- ذريعة كافية لتنفيذ عملية اغتيال".
ويرى أبو زبيدة أن الاحتلال يسعى لفرض معادلة جديدة قوامها "أن التهدئة لا تعني الأمان"، وأنه يحتفظ بحق الضرب متى شاء، ويسعى من خلال هذا السلوك إلى فرض قواعد اشتباك أحادية الجانب، تمنحه حرية العمل الجوي والاستخباراتي داخل القطاع دون التزامات سياسية أو قانونية.
وأشار إلى أن الضربات المحدودة لا تهدف فقط إلى إيقاع خسائر مباشرة، بل إلى الحفاظ على زمام المبادرة، ومنع المقاومة من الانتقال من مرحلة الصمود إلى مرحلة التعافي وإعادة التنظيم، وإبقاء البنية التنظيمية للمقاومة في حالة استنزاف دائم.
إعلانوفي البعد الأمني لفت أبو زبيدة إلى أن كثافة العمل الاستخباراتي تشير إلى أن الاحتلال يستغل فترة الهدوء لتحديث بنك أهدافه استعدادًا لجولات قادمة، وهو ما يفسر عدم تسريح وحدات سلاح الجو والطيران المسيّر، واستمرار عمل شعبة الاستخبارات العسكرية بكامل طاقتها.
ويعتقد الباحث في الشأن الأمني أن "السيناريو الأخطر يكمن في تطبيع هذا النمط من الاستباحة، بحيث تتحول الضربات الخاطفة إلى حالة دائمة، تُنفّذ على مدار الوقت، وإن كانت أقل كثافة من الحرب الشاملة، وهذا يعني عمليًا تكريس واقع أمني جديد في قطاع غزة، تُنتهك فيه التهدئة بشكل مستمر، ويُفتح الباب أمام نزيف دم متواصل بلا سقف زمني أو ضمانات حقيقية".