الأسبوع:
2025-12-10@14:25:44 GMT

مصرف أطسا.. من مصدر تهديد إلى شريان تنمية مستدام

تاريخ النشر: 23rd, July 2025 GMT

مصرف أطسا.. من مصدر تهديد إلى شريان تنمية مستدام

تُعد محافظة المنيا قلب صعيد مصر، وتمثل نقطة التقاء بين التاريخ والمستقبل، غير أن هذه المحافظة الغنية بثرواتها وتاريخها تعاني من أحد أخطر التهديدات البيئية والإنسانية في الوقت المعاصر، وهو مصرف المحيط، المعروف محليًا باسم "مصرف أطسا"، والذي أصبح مع مرور الزمن سيفًا مسمومًا مسلطًا على صحة الإنسان والتربة والمياه الجوفية، بل وعلى نهر النيل نفسه، شريان الحياة لمصر كلها.

يمتد هذا المصرف لمسافة تُقدّر بأكثر من 60 كيلومترًا، يبدأ من صحارة مصرف رومان جنوب محافظة المنيا، ويمر بمراكز عدة تشمل أبو قرقاص، ملوي، ديرمواس، المنيا، سمالوط، وانتهاءً بقرية أطسا التي تمثل النقطة التي يلتقي فيها المصرف مع نهر النيل، حاملاً معه كميات ضخمة من مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعي، دون معالجة حقيقية، مما يجعله ناقلًا مباشرًا للسموم والمخلفات الكيميائية والعضوية إلى قلب النهر.

والمؤسف أن هذا المصرف، الذي كان يُفترض به أن يكون أداة لحماية الزراعة من الغرق أو التملح، تحوّل إلى مصدر دائم للتلوث. فبدلًا من أن يخدم الأرض، أصبح يهددها، وبدل أن يحمي الإنسان، صار يمرضه، نتيجة استمرار ضخ مخلفات المصانع، ومحطات الصرف، ومياه الري المرتجعة، دون أدنى معالجة فنية تليق بخطورة الموقف.

ومع تعاقب المحافظين وتغير البرلمانات، لم نرَ طرحًا علميًا أو مشروعًا تنفيذيًا حقيقيًا يتعامل مع هذه الكارثة كما يجب. بل اكتفى الجميع بالحلول المؤقتة، وأحيانًا بالصمت، بينما المصرف يزداد خطورة يومًا بعد يوم، ليهدد عشرات القرى وآلاف الأفدنة الزراعية.

لكن في قلب هذه الأزمة، هناك فرصة حقيقية لتحويل هذا الخطر إلى مشروع وطني تنموي متكامل، يحقق أهداف التنمية المستدامة، ويعالج مشكلة قائمة منذ عقود، ويرتقي بمستوى حياة المواطن في المنيا.

تقوم الرؤية المقترحة على ردم مصرف المحيط بشكل هندسي مدروس، مع وضع كامل الأرض الناتجة تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لضمان الشفافية، ومنع التعدي أو تحويل الأراضي إلى أملاك خاصة. ويعاد توظيف المساحة الممتدة على عشرات الكيلومترات بين مراكز المحافظة في تنفيذ شبكة من المجمعات الخدمية والتنموية، تتوزع حسب الاحتياج السكاني والوظيفي لكل منطقة.

يمكن إقامة مدارس حديثة في كل مجلس قروي، ومراكز صحية شاملة في كل مركز إداري، إلى جانب ملاعب ونوادٍ ومناطق خضراء ومسارات مشي، ومشروعات صغيرة مخصصة للحرف اليدوية والصناعات البيئية، ما يفتح الباب أمام فرص عمل جديدة ويحسّن جودة الحياة.

كما تتضمن الرؤية إنشاء ألواح طاقة شمسية على طول هذا الممر التنموي، أمام كل قرية ومركز، لتوفير طاقة نظيفة ومستدامة تسهم في دعم الشبكة المحلية وتقلل الاعتماد على المصادر التقليدية، بما يحقق أهداف الدولة في التحول إلى الطاقة المتجددة.

في المقابل، تتم معالجة مياه المصرف وتحليتها عبر محطة مركزية تقام في الظهير الصحراوي، ليعاد استخدام المياه في زراعة غابات خشبية اقتصادية مثل الكافور والجوجوبا، مما يقلل من فاتورة استيراد الأخشاب والزيوت الطبيعية، ويخلق وظائف جديدة في مجال الزراعة الصناعية، مع الحفاظ على البيئة واستعادة التوازن البيئي المفقود.

ولضمان استدامة هذا المشروع كمورد مالي يخدم المحافظة، يمكن للدولة أن تقوم بإنشاء بنية تحتية متكاملة لتلك المشروعات الخدمية المقترحة، ثم تُطرح هذه الوحدات، سواء كانت مدارس خاصة أو وحدات طبية أو محال تجارية ومقاهي ونوادٍ، للتأجير أو البيع للقطاع الخاص والأفراد وفق آليات استثمارية مدروسة. ومن ثم، يتحول المشروع من مجرد معالجة بيئية إلى مصدر دخل دائم، يحقق عائدًا اقتصاديًا طويل المدى يمكن إعادة توجيهه إلى قطاعات أخرى في المحافظة مثل التعليم، والصحة، والبنية الأساسية، مما يخلق حالة من التنمية الذاتية المتكررة.

تمويل هذا المشروع الطموح يمكن أن يتم من خلال شراكة ذكية بين الدولة والقطاع الخاص والقطاع المصرفي، مع دعم من الوزارات المعنية مثل الري، البيئة، الإسكان، والكهرباء، وإشراف مباشر من القيادة التنفيذية بالمحافظة، ما يضمن سرعة الإنجاز وعدالة التوزيع.

هذا التصور لا يمثل حلمًا بعيدًا، بل هو ضرورة وطنية عاجلة، وفرصة تاريخية لإعادة صياغة العلاقة بين المواطن والدولة في صعيد مصر، عبر مشروع تنموي شامل يولد من رحم أزمة بيئية مستعصية. إن نجاح هذا النموذج في محافظة المنيا سيفتح الباب لتكراره في محافظات أخرى تعاني من مشكلات مشابهة، ويمنح مصر نموذجًا فريدًا في التعامل مع الكوارث البيئية بمنهج علمي، ورؤية تنموية قابلة للتنفيذ.

إنني أطرح هذا المشروع اليوم، لا ككاتب أو مراقب، بل كمواطن ينتمي لهذه الأرض، واضعًا نصب عينيّ معاناة الناس وطموحاتهم، ومستندًا إلى رؤية علمية قابلة للتحقيق، تنتظر فقط من يملك الإرادة والقرار.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: صعيد مصر نهر النيل المياه الجوفية ديرمواس محافظة المنيا جمال رشدي مصرف أطسا

إقرأ أيضاً:

محافظ المنيا: تخصيص أرض أمام محطة القطار السريع لإنشاء مجمع خدمات لوجستية

استقبل اللواء عماد كدواني محافظ المنيا، الفريق مهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، خلال جولته التفقدية لمتابعة عدد من مشروعات النقل والبنية التحتية، وعلى رأسها محطات ومسار الخط الثاني من شبكة القطار الكهربائي السريع، وكباري المزلقانات، ومحاور النيل، في نطاق محافظات الأقصر وقنا وسوهاج وأسيوط والمنيا وبني سويف.

وشهدت الجولة متابعة معدلات تنفيذ مشروع الخط الثاني من شبكة القطار الكهربائي السريع (أكتوبر – أسوان – أبو سمبل) بطول 1100 كم، والذي يمر بعدد من المحطات الرئيسية التي تخدم محافظات الصعيد، من بينها محطة المنيا التي ستخدم أهالي وزائري المحافظة، ومناطق الريف المصري الجديد، والمناطق السياحية، بما يُسهم في جذب الاستثمارات وتطوير الظهير الصحراوي لمدينة المنيا.

نائب محافظ المنيا يطالب بتذليل أي معوقات تواجه المواطنين بالمراكز التكنولوجيةمجلس القضاء الأعلى ينعون قضاة محكمة المنيا بعد وفاتهم بحادث سير أليمأسماء.. مصرع 4 مستشارين في تصادم ملاكي ونصف نقل على صحراوي ملوي بالمنيا.. صور

وأكد المهندس كامل الوزير، أن المشروع يمثل نقلة نوعية في منظومة النقل الجماعي الأخضر المستدام، مشيرًا إلى أن الخط الثاني يساهم في ربط مناطق التنمية الزراعية الحديثة بمناطق الاستهلاك وموانئ التصدير، وربط المناطق السياحية بمحاور الحركة، ودعم التنمية العمرانية المستدامة، وخلق محاور تنمية جديدة، وتوفير آلاف من فرص العمل، فضلًا عن تحقيق الربط مع المناطق اللوجستية المختلفة.

كما تابع الوزير تنفيذ المرحلة العاجلة من خطة وزارة النقل لإنشاء كباري أعلى المزلقانات الأكثر خطورة على شبكة السكك الحديدية، والتي تتضمن إنشاء 53 كوبريًا، تم الانتهاء من 32 كوبريًا منها، من بينها كوبري الإخصاص بمحافظة المنيا، وذلك لتحقيق السيولة المرورية، وتوفير أعلى معدلات السلامة والأمان، والحد من وقوع الحوادث.

من جانبه، أكد اللواء عماد كدواني محافظ المنيا أن مشروعات القطار الكهربائي السريع ومحطات الخدمة بنطاق المحافظة تمثل نقلة نوعية حقيقية في منظومة النقل والتنمية بالمحافظة، مشيرًا إلى أنه تم تخصيص مساحة من الأراضي أمام محطة القطار السريع بالمنيا لإنشاء مجمع خدمات لوجستية لاستكمال الأعمال المرتبطة بالمشروع، بما يسهم في فتح آفاق جديدة للاستثمار، وتعزيز حركة التجارة، ودعم القطاعين السياحي والصناعي.

وأوضح المحافظ أن محطة القطار الكهربائي السريع بالمنيا ستخدم شريحة واسعة من أبناء المحافظة، وتربط المنيا بشكل مباشر بمحافظات الصعيد، بما ينعكس إيجابيًا على حركة التنمية، ويسهم في خلق فرص عمل حقيقية لشباب المحافظة.

وأضاف أن المحافظة تولي اهتمامًا كبيرًا بتطوير محاور الربط على النيل وكباري المزلقانات، لما لها من دور محوري في تحقيق السيولة المرورية، ورفع معدلات الأمان، والحد من الحوادث، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.

وأشار المحافظ إلى أن الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تولي مشروعات البنية التحتية أولوية قصوى باعتبارها أساس التنمية المستدامة.

طباعة شارك المنيا محافظ المنيا وزير النقل القطار

مقالات مشابهة

  • المركزي يعلن الموافقات النهائية لـ«شركات ومكاتب الصرافة»
  • محافظ المنيا يتابع انطلاق انتخابات النواب 2025
  • ‏”المركزي” يمنح أذونات نهائية لـ 91 شركة صرافة جديدة والإجمالي يصل إلى 278 شركة
  • ننشر فعاليات اليوم الثالث من مهرجان المنيا الدولي للمسرح
  • تعرف على اسعار المكرونه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في المنيا
  • محافظ المنيا: تخصيص أرض أمام محطة القطار السريع لإنشاء مجمع خدمات لوجستية
  • مصادر مطلعة:خروقات إدارية ومالية متفاوتة لفروع مصرف الرافدين في الخارج
  • جولة لمتابعة المراكز التكنولوجية بمركزي المنيا وسمالوط
  • تماسيح في الشرقية.. فرق البحث تواصل تمشيط مصرف السدرة وسط مخاوف الأهالي
  • ديسمبر الأعلى مبيعا للدولار، ومضاربون يضغطون لرفع السعر